كان أريان يقف على حافة العالم المظلم، حيث تلتقي الضباب بالأفق البعيد. تدريبه المكثف على الكتاب كان قد وصل إلى ذروته، وتسلح بقوة لم يكن يتخيلها من قبل. كل حرف في الكتاب أصبح جزءًا منه، جزءًا من طاقته التي تنبض في جسده. عيناه، اللتان تلمعان الآن بلون متغير، انعكاس لقدرته المتنامية، بدتا أكثر حدة من أي وقت مضى.
بعد أسابيع من التدريب تحت إشراف حارس الكتاب، أصبح أريان يشعر بالارتياح في التعامل مع القوة الهائلة التي يمتلكها الآن. ولكن، لم تكن تلك القوة هي ما يثير قلقه في هذا الوقت. ما كان يسيطر على تفكيره هو تهديد الأعداء الذين يقتربون أكثر فأكثر.
اليوم، كان اليوم الذي طالما رآه في رؤياه. يوم المواجهة الأولى الحقيقية.
بينما كان يخطو عبر الممرات الضيقة في الجبال المحيطة بالقرية القديمة، شعر بشيء غريب. كان الجو غير طبيعي، كأن التربة نفسها تضج بالغضب. كان هناك شيء في الهواء، شيء مظلم، شيء كان يحذره منه حارس الكتاب طوال الوقت. "الظلال اقتربت،" كانت تلك الكلمات التي تكررت في عقله طوال الأيام الماضية.
وفجأة، انقضت أصوات خشخشة خفيفة من خلفه، ثم ظهر منهم، متدرجًا من الظلال، أولهم. كان الرجل الذي خرج من الظلام يشبه الشبح في ظلامه. جسده طويل وهزيل، ملابسه ممزقة، وشعره الأسود الطويل ينساب حول وجهه المغطى بالغيوم. لكن العيون، تلك العيون الحمراء المشتعلة، كانت ما جذب انتباه أريان. كانت مليئة بالغضب، بالكره، وبشيء آخر، شيء مظلم لا يمكن لأريان أن يضع أصبعه عليه.
"أنت هو، إذًا؟" قال الصوت الخافت الذي بدا وكأنه يأتي من أعماق الجحيم نفسه.
أريان رفع رأسه بهدوء، مستشعرًا القوة التي تغمره. قلبه ينبض بسرعة، لكنه كان قد تعلم ألا يسمح للخوف بالتحكم فيه. "من أنت؟" سأل، بينما يده تلتف حول الكتاب، وهو يستشعر طاقته تنبض تحت أصابعه.
ابتسم الرجل ابتسامة مظلمة، وجهه يتنقل بين الظلال والضوء كما لو أنه كان جزءًا منها. "أنا من سيوقفك." كانت كلماته باردة، لكنها مليئة بالتهديد. ثم دون سابق إنذار، اندفع نحوه بسرعة غير متوقعة.
أريان لم يكن جاهلًا. في لحظة، كان الكتاب في يده يلمع بضوء خافت، مثل شعاع ضوء خافت في بحر من الظلمات. وهو يتنفس بعمق، بدأ أريان في قراءة الكلمات المقدسة من الكتاب. الحروف بدأت تتسارع، وتداخلت مع ضوء ناتج عن الكتاب، يحيط بجسده في دوامة من الطاقة.
الرجل المهاجم لم يتوقف. هجم على أريان بسيفه اللامع الذي يلمع في الظلام، ولكن أريان كان أسرع. انحنى بمهارة، متجنبًا السيف الذي كان يمر عبر الهواء بمقدار بوصة واحدة فقط من جسده.
"ليس بهذه السرعة!" صرخ الرجل وهو يعيد محاولة الهجوم.
لكن أريان، الذي شعر الآن بتدفق القوة في جسده، استخدم الكتاب ليرسل شعاعًا من الضوء نحو المهاجم. الشعاع اخترق الهواء بقوة خارقة، مما أجبر الرجل على التراجع إلى الوراء. لحظة توقفه، استغلها أريان ليعزز قوته ويطلق شعاعًا آخر، أوسع وأقوى هذه المرة، ضرب المهاجم في صدره.
سقط الرجل على الأرض، عينيه الحمراء تتألق بالغضب. لكنه لم يستسلم، بل نهض بسرعة، وعيناه تملأهما رغبة في الانتقام.
"هل هذه هي قوتك؟" قال، وهو يضحك بمرارة. "إنها لا تساوي شيئًا."
ثم، فجأة، بدأ ينسحب في الظلال، يتلاشى في الظلام كما لو أنه جزء منه. أريان كان قد تعلم عن هؤلاء، عن قدرتهم على التلاشي، لكن فكرته في أن هذه ستكون هي أول مواجهة حقيقية له، جعلته يدرك أن المعركة قد بدأت للتو.
بينما كان المهاجم يختفي، شعر أريان بالقلق يزداد. هذه لم تكن مجرد معركة عابرة. كان هناك شيء أكبر يختبئ وراء الظلال، شيء سيتطلب منه أكثر مما اكتسبه حتى الآن.
وقبل أن يتمكن من التفكير أكثر، شعر بشيء آخر في الهواء. شيء أغمق، أكثر قوة. وكان هذا الشيء هو ما سيجعله يواجه الموجة التالية من الهجوم. لا مكان للهروب.
"ماذا ستكون خطوتك التالية؟" سأل نفسه، وهو يرفع الكتاب عالياً.
ظل أريان واقفًا وسط الساحة المهجورة التي غلفها الضباب الكثيف. النبضات في قلبه تسارعت، وكأنها تنبض مع كل لحظة جديدة من هذا العالم الغامض. كان يعلم أن المواجهة لم تنته بعد، بل كانت البداية. هو الآن في مواجهة مع عدو لا يمكنه استصغاره، وكان عليه أن يثبت نفسه. أغمض عينيه لحظة، مستشعرًا نبض الكتاب في يديه، محاولة أن يمتص طاقته التي تدفقت داخله.
من بعيد، انبعث صوت تمتمة غامضة، كأنها تأتي من قلب الظلام ذاته. "أريان... أنت لا تعرف بعد مدى قوتك. ولا تدري كم عليك أن تدفع ثمن هذا الكتاب." كان الصوت يترنح بين النبرة الخافتة والتهديد الواضح. شعور بالقلق اجتاحه، لكنه قاوم الانجراف وراءه. كان عليه أن يظل هادئًا، مهما حدث.
ثم ظهرت منه، من بين الظلال العميقة التي غلفت المكان، شخصية أخرى، بل كان هذه المرة شيئًا آخر. كان رجلًا ضخمًا، نحيفًا في ملامحه، لكن عضلاته مشدودة كالحديد. كانت عيناه حمراوين متوهجتين بشكل غير طبيعي، ووجهه غارقًا في تجاعيد الزمن، كما لو كان يحمل قرونًا من الحزن والندم. كان شعره أسودًا، طويلًا جدًا، يتطاير خلفه كما لو أنه جزء من الظلال نفسها.
"لقد عرفت مكانك، يا أريان." قال الرجل بصوت قاسي، وقد بدت ابتسامة شبحية على وجهه. "لكن الآن، ستتعلم ما يعني أن تكون قديمًا. تعلمت القوى؟ تعلمت الكتاب؟ دعني أريك ماذا يحدث لمن يظنون أنهم قادرون على التحكم فيها."
اندفع الرجل باتجاهه بسرعة لم يتوقعها أريان، متجاوزًا كل شيء من حوله كأنه كان في قلب عاصفة. أريان حاول أن يستجمع قواه ليواجه الهجوم القادم، لكن في لحظة واحدة، شعر بثقل الهواء حوله. كان الرجل قد استخدم سرًا قديمًا في القتال، وهو تحريك الطاقة بشكل يجعلها تتجمع حول أريان.
فجأة، شعر أريان كما لو أن جسده كله أصبح ثقيلًا، وكأن كل قطعة في عالمه تمسكه وتمنعه من التنفس. الكتاب، الذي كان في يده، بدأ يتوهج بضوء أبيض قوي، متفاعلًا مع الضغط المحيط به. قرأ أريان الحروف بسرعة في عقله، مستشعرًا الأبعاد السحرية التي يمكنه أن يستخدمها للتحرر.
ثم كانت لحظة حاسمة، تحرك جسده في حركة لا إرادية، لكنها كانت في غاية السرعة. الكتاب أطلق شعاعًا من الضوء النقي، اخترق الضغط الذي كان يحاصره، وأرسل الرجل الضخم إلى الوراء عدة خطوات. لكن هذا لم يكن كافيًا.
"لا تهرب، يا أريان!" صرخ الرجل، وقد اهتزت الأرض من حوله عند كل خطوة يخطوها. "لن يكون لديك الوقت لتستعرض طاقتك! أنت لا تعرف شيئًا عن المعركة الحقيقية!"
وفي تلك اللحظة، تحولت المعركة إلى شيء مختلف تمامًا. الرجل الضخم اختفى مجددًا في الظلال، لكن أريان لم يكن غافلًا. كان يعلم أن هذه المرة ستكون المعركة على مستوى آخر. كان عليه أن يتعلم كيف يستخدم الكتاب بشكل أفضل، وأن يكون أكثر تركيزًا.
التفت أريان فجأة، وهو يشعر بوجود آخر يقترب منه بسرعة. كانت هذه المرة مختلفة. شعر بالقوة الهائلة التي كانت تقترب منه، وموجات الطاقة التي كانت تصدر عن الشخص الآخر. كان يدرك أن هذا العدو لا يساوي ما مر به من قبل.
لكن الرجل كان سريعًا جدًا، وعندما كان أريان يرفع الكتاب ليطلق شعاعًا آخر، شعر بشيء ثقيل يثقل قلبه. لقد كان يُحاصر. لقد جاءهم غيرهم. كانوا أكثر قوة، وأكثر خبثًا.
تدفق من الظلال أربعة شخصيات أخرى، كل واحد منهم يحمل سمة معينة من القسوة. كانوا مثل الوحوش في ملامحهم، بأعين حمراء ساطعة، وأجسام ضخمة ومتعرجة، يتنقلون بين الظلال مثل الأشباح. كانوا يتبعون حركاته بتعقيد، وكان أريان يعلم أن معركته الحقيقية قد بدأت الآن.
خلال اللحظات التي تلت، بدأ أريان يدرك أن الحل لا يكمن في مواجهتهم بالقوة فقط، بل في التلاعب بتدفق الطاقة، واستخدام الحركات المتقنة للهرب من قبضتهم. مع كل حركة سريعة، كان يتنفس بعمق، ويقرأ الكتاب بسرعته القصوى. فتح الكتاب بشكل كامل، وتدفقت منه طاقة أضخم من أي وقت مضى. أطلق شعاعًا من الضوء المتوهج، الذي بدد الظلال المحيطة، وتسبب في تراجع الأعداء.
لكن لم يكن الأمر بهذه البساطة. فقد كان كل واحد من هؤلاء الأعداء يتمتع بقدرات خاصة، وكلهم كانوا يدركون أن عليهم تحطيم إرادة أريان. هذه المرة كانت معركة إرادات، وكان أريان يعلم أن لديه طريقًا طويلًا لقطعه.
بينما كان يقف هناك، يشعر بتعبه يتسارع، وعيناه تلمعان بشدة من أثر طاقة الكتاب التي اجتاحت جسده، قال في نفسه: "أنا لم أعد نفس الشخص الذي دخل هنا. لقد بدأت أفهم. لكن هل أنا قوي بما يكفي لهزيمتهم؟"
كل حركة كان يقوم بها أصبحت محسوبة، وكل خطوة أصبحت تعني حياة أو موت. وكان هو الآن يعلم، أنه لم يعد في البداية فقط، بل كان قد بدأ لتوه في اكتشاف القوة الحقيقية التي ستغير مسار هذه المعركة، وهذه الحرب.
62تم تحديث
تنزيل على الفور
novel.download.tips
Comments