بينما كانت أريـان يقف أمام الأفق المظلم، تتصاعد الرياح في السماء الداكنة كأنها تشارك في تعبيره عن التوتر والغموض الذي يشعر به. خطوته كانت ثابتة، لكن ذهنه لم يكن هادئًا. فكّر فيما مر به حتى الآن، في هذا العالم الذي لا يتوقف عن إخفاء الأسرار عنه.
كان الكتاب الذي بين يديه قد أصبح أكثر من مجرد أداة تعلم؛ صار مفتاحًا لفهم أبعاد أكبر من الواقع ذاته. وعينيه كانتا تلمعان بشدة، وكأنهما تريان ما وراء الظلال. زاد الشعور بأن هناك شيئًا مفقودًا، وأن رحلته لم تنته بعد. كانت هناك فجوة غير مرئية بينه وبين الحقيقة، ولكنه كان قريبًا من اكتشافها.
بينما كان يفكر، سمع صوت خطوات خلفه. التفت سريعًا ليجد إلين، التي كانت تقترب منه بخطوات هادئة. شعر بشيء من الراحة في وجودها، ولكن هناك شيء غريب في عينيها، شيء كان لا يزال بعيدًا عن متناول يده. كانت عيونها تتأمل ما حولها، ولاحظ أريان كيف أن يديها مشدودتان، كما لو أنها مستعدة للتصرف في أي لحظة.
قالت، وهو يلمح ارتباكًا طفيفًا في نبرة صوتها: "أريان، يجب أن نتحرك. إنهم على وشك الوصول."
أجاب وهو يراقب السماء: "أعلم. هذا ليس مجرد ممر عابر. كل شيء يقودنا إلى هنا، إلى هذه اللحظة. أريد أن أفهم، إلين. أريد أن أفهم أكثر مما يقوله هذا الكتاب."
رفعت إلين رأسها، وتوجهت إلى الأمام. "هناك أوقات لا يمكننا فيها انتظار الفهم. الوقت ليس في صالحنا."
هزّ أريان رأسه، ثم تابع خطواته خلفها. كانوا قد وصلوا إلى مدخل مغارة قديمة منذ ساعات، المكان الذي قيل إن مفتاح سرهم الحقيقي في انتظاره هناك. لم يكن المكان مجرد مخبأ أو ملجأ، بل كان أيضًا ملعبًا لعناصر غامضة، من بينها قوى مظلمة كانت تتربص في الزوايا.
في داخل المغارة، كان الظلام غارقًا. لم يكن يوجد سوى ضوء خافت ينبعث من البلورات المضيئة على الجدران. حاول أريان التنفس بهدوء، ولكنه شعر بأن هناك شيء غير طبيعي في الأجواء. الصوت الوحيد الذي يسمعه هو الصمت المطبق، حتى خطواتهم كانت تُسمع بوضوح، وكأنها تتردد في الجدران.
إلين كانت تتحرك بحذر أمامه، وأحيانًا تلتفت لترى ما إذا كان لا يزال يتبعها. ثم توقفت فجأة، وحركت يديها بحذر لتبري إشارة صامتة له بالانتظار. توقّف أريان، لكن قلبه بدأ يخفق أسرع. كان يعلم أن شيءًا ما كان قادمًا.
ثم، في لحظة خاطفة، ظهر الظل أمامهم. كان يشبه في شكله شخصًا ذا قوام مهيب، رأسه مغطى بقبعة معتمة، وعيونه تتوهج بلون أحمر غامق. كانت يديه تمسك بسيف طويل، يانع الحافة وكأنه قد تم صقله بالدماء.
قال الصوت العميق، الذي بدا وكأنه يأتي من أعماق الأرض نفسها: "أريان... كنت أنتظر هذه اللحظة."
تجمّد أريان مكانه، وعيناه تركزان على الشكل الذي أمامه. "من أنت؟" سأل بصوت مشدود.
أجاب الكائن، ابتسامة قاتمة ترتسم على وجهه: "أنا من أنتظرك منذ بداية هذه الفوضى. قد أكون قد أتيت إليك الآن، ولكنك ستكتشف قريبًا أن هذا ليس سوى بداية النهاية."
ثم اندفع الكائن إلى الأمام بسرعة لم يكن أريان يتوقعها. كان السيف يلمع في الهواء وكأنه قوس الزمن نفسه.
شعر أريان بأن الأرض تهتز تحت قدميه، ورؤيته بدأت تتشوش، لكنه تراجع خطوة للوراء. قلبه كان ينبض بعنف في صدره، ويده كانت تبحث عن سلاحه.
لكن إلين كانت أسرع. في لحظة خاطفة، سحبت خنجرًا من تحت درعها وركضت نحو الكائن، مبتعدة عن أريـان. كانت تعرف أن عليها أن تُلهي هذا الكائن كي لا يسمح له بالتقدم أكثر.
بدأت المعركة، وبينما كان السيف يلتقي بالخنجر، تعالت أصوات الاحتكاك بين المعدن. أريان كان مشوشًا، لكنه لم يسمح لذلك أن يوقفه. بدأ يدرك أن هذه المعركة لم تكن مجرد اختبار للقوة، بل كانت لحظة مصيرية في طريقه نحو الحقيقة.
مرت لحظات من الفوضى: الأضواء تتراقص، السيوف تلتقي بشراسة، وأصوات المصارعة تتداخل مع الأصداء الغامضة للمغارة. ثم، في لحظة من التوتر، أخذ أريان خطوة للأمام، ليدفع نفسه في قلب المعركة.
لم يكن سلاحه فحسب هو ما كان يستعين به الآن، بل معرفته الجديدة بالقوى التي تعلمها من الكتاب. تلاعب بالأحرف السحرية التي ظهرت في ذهنه، وأخذ يرتكز على طاقته الداخلية لصد الهجمات بشكل غير تقليدي. مع كل حركة، شعر بقوة متزايدة تتدفق في جسده، وكأن الكتاب يوجهه.
وبينما كان يحاول التصدي لهجوم سريع من الكائن، ضربه السيف في الكتف، لكنه استعاد توازنه بسرعة. ببطء، بدأ يغير استراتيجيته ويستخدم الطاقات التي امتصها من الكتاب.
كانت المعركة لا تزال مستمرة، لكن في قلبه، كان أريان يعلم أن هذه اللحظة ستغير مجرى مصيره إلى الأبد.
62تم تحديث
Comments