لم يكن أريان يعلم أن الرحلة التي بدأها في تلك الليلة المظلمة ستأخذه إلى عوالم أبعد مما كان يتصور. بعد أن غادر المعبد وتدرب طويلاً على قوة الكتاب، شعر بشيء غريب يلاحقه في كل خطوة يخطوها. كان هناك شيء غير مرئي يتبع أثره، متربص في الظلال.
كانت السماء فوقه قد تحولت إلى اللون الأحمر الداكن، مع القمر الذي بدا أكبر من المعتاد. عيون أريان كانت مشوشة، في قلبه تساؤلات لم تجد إجابة بعد. كان يشعر بالقوة التي تسري في عروقه بفضل الكتاب، لكنه في نفس الوقت كان يعلم أنه ليس وحده في هذا العالم.
بينما كان يسير في طريقه الضيق بين الجبال، ارتفع الصوت فجأة. خفق قلبه بشدة. كانت هناك حركة غير طبيعية في الأفق. ظلال تتحرك بسرعة كبيرة نحو اتجاهه، وكلما اقتربت، ازدادت هيبتها.
وقف أريان في مكانه، يراقب الظلال التي بدأت تكشف عن نفسها. كانت شخصية طويلة القامة تظهر، وجهها غير مرئي تمامًا، ولكن ظلها الأسود يكاد يغطي كل شيء حوله. كانت تلبس درعًا داكنًا، عيونه حمراوان كالجمر تلمع في الظلام. كان الشعر الأسود الطويل يتطاير في الهواء، ملتصقًا بجسمها الضخم، وكأنها تجسد الكابوس نفسه.
تقدم أحد الظلال خطوة للأمام، وكأنها تضع الأرض تحت قدميها. "أنت الذي اختاره الكتاب؟" قالت بصوت غليظ.
أريان شعر بثقل الكلمات. كان من الواضح أن هذه الكائنات قد اختبرت أكثر مما يمكن لبشري أن يتحمله. تجنب أن يظهر تردده في رده، فتمالك نفسه وقال بثقة: "نعم، وأنا هنا لأوقفكم."
ضحكت الظلال بشراسة، وكأن الضحكة نفسها تحمل في طياتها تاريخًا طويلًا من الألم. "تظن أنك قادر على هزيمتنا؟ من أنتم البشر أمام قوى ظلال الكون؟"
وأثناء كلامها، فجأة، تحرك أحد الظلال سريعًا نحو أريان. كان الأمر غير متوقع، لكنه كان أسرع منه. هاجمته بسيف طويل حاد، والشرر يتطاير من الحافة عندما قابلت السيف ضوء الكتاب. لكن أريان كان قد درب نفسه على هذه اللحظة.
رفع يده بسرعة، مفتوحًا الكتاب أمامه، ثم تمتم ببعض الكلمات التي تعلمها. على الفور، ظهر درع ضوء لامع يحيط بجسده، متوهجًا بما يشبه الفضة. القوة التي حصل عليها من الكتاب كانت تفوق تصوراته.
"لقد كنت أستطيع أن أراكم من قبل، ولكن الآن، لن أتراجع!" صرخ أريان، مستجمعًا قواه ليواجه الهجوم.
القتال كان شرسًا، في لحظات كان أريان يجد نفسه مجبرًا على دفع سيف الظلال بعنف، في حين كان الكتاب ينبض في يده، كما لو كان يرسل له رسائل غير مرئية عن نقاط ضعف أعدائه. كان يتذكر كل كلمة تعلمها في المعبد، وكل إشراقة ضوء من الكتاب كانت تجلب له إلهامًا جديدًا.
بينما كان يتصدى للهجوم الأول، فوجئ بهجوم آخر من الجانب، ومن جديد كان الظل يحاول اختراق دفاعاته. لكن أريان استطاع أن يوجه شعاعًا ضوئيًا قويًا من الكتاب مباشرة إلى الظل الذي كان في طريقه. انفجر الظل إلى سحابة من الدخان الداكن، لكن أريان كان يعلم أن المعركة لم تنته بعد.
توقف لحظة ليتنفس، وعيناه تومضان بالتصميم. كانت المعركة تدور في أرجاء الكهف المظلم، بينما ضوء الكتاب يشع من بين يديه، كالنجم الذي يضيء طريقًا مظلمًا.
لكن هذه الظلال لم تكن مجرد خصوم عاديين. كانوا يمثلون شيئًا أعمق في قلب أريان. كلما زادت قوة الكتاب، زادت تساؤلاته حوله، وحول ما كان من المفترض أن يفعله. هل كان يستخدم هذه القوة لأغراضه الشخصية؟ أم كان الكتاب قد اختاره ليكون حامله لمهمة أكبر من مجرد الوقوف في وجه الظلال؟
كان يفكر بينما يخوض المعركة. عندما استطاع أخيرًا أن يصيب الظل الثالث بشعاع ضوء آخر، تبخر هو الآخر في السحب الداكنة. لكن الهدوء الذي تبع هذه المعركة كان غريبًا، لم يكن هنالك من يتنفس، وكان الجو نفسه مشبعًا بالضغط.
من بين الظلال المتلاشية، ظهر الكائن الذي كان يقف بعيدًا، قائد الظلال الذي كان يراقب الموقف بصمت.
كانت ملامحه غير مرئية، لكن عينيه الحمراء القانية اللامعة كانت تثبت بشكل مباشر في قلب أريان، وكأنها تقرأ كل أفكاره.
"أنت مجرد بداية،" همس الصوت في الفراغ، ثم اختفى، تاركًا أريان في حيرة.
"أنت مجرد بداية," همس الصوت في الفراغ، ثم اختفى، تاركًا أريان في حيرة. كان يراقب المكان من حوله بحذر، عينيه تبحثان في الظلال التي كانت قد تلاشت الآن، وكل ما تبقى هو الصمت الذي يخيم على الكهف المظلم. بدأ قلبه ينبض بسرعة، وكأن شيئًا ما قد تغير في الجو من حوله. لم يكن وحده هنا، وهذا ما أدركه بوضوح الآن.
التفت أريان إلى الكتاب بين يديه، الذي كان يشع بضوء خافت ولكن ثابت. قوة الكتاب كانت حية، وكأنها تستجيب للمواقف، لكن ما زال هناك الكثير من الأسئلة التي لم تجد إجابة. من هم هؤلاء الظلال؟ وماذا تعني الكلمات التي همس بها قائدهم؟ هل كان يلمح إلى شيء أكبر مما كان يتوقع؟
أخذ نفسًا عميقًا، ورفع رأسه إلى السماء فوقه، متذكرًا ما قاله له ميكا قبل أيام، عن المعركة الأبدية بين النور والظلام، عن الألغاز التي تحملها الكتب القديمة التي لم تكشف أسرارها بعد. شعر بمرارة في فمه، كأن هذه المعركة لم تكن معركة قوة فقط، بل كانت معركة عقلية، معنوية. وها هو الآن في قلبها.
بينما كان يفكر في خطواته التالية، شعر بحركة قادمة من خلفه. كانت خفيفة، غير مرئية تقريبًا، ولكن مع حواسه المرهفة كان قادرًا على شعورها. التفت بسرعة، يداه مشدودتان حول الكتاب، استعدادًا لأي تهديد جديد.
ظهرت من بين الصخور ضوء خافت آخر، ثم تبعته شخصيات ظلال أخرى، هذه المرة أكثر عددًا وأكثر قوة. كانوا يتقدمون ببطء، ولكنهم لم يكونوا يهتفون أو يتكلمون، كانوا يتسللون مثل الأشباح، وعيناهما المضيئة تراقب كل خطوة يخطوها. كان أريان يعلم أن أي حركة خاطئة قد تكون آخر ما يفعله في هذا المكان.
لكن بدلاً من الهجوم الفوري، وقفت تلك الشخصيات أمامه، عيونهم الحمراء مشبعة بالغضب، ولكن في الوقت نفسه بدا وكأنهم كانوا يقيمون هذا الشاب الذي لم يكن إلا بداية لهؤلاء. وقف أريان أمامهم، عازمًا على الثبات، كما تعلم من تدريبه. أدرك أن هذه لم تكن معركة للانتصار أو الهزيمة، بل كانت اختبارًا. اختبارًا لإرادته.
رفع أحد الشخصيات يده، تاركًا المسافة بينه وبين أريان ضيقة للغاية. ثم نطق بكلمات غير مفهومة، كما لو كان يردد تعويذة قديمة. لم يكن أريان متأكدًا تمامًا مما كان يحدث، ولكن فجأة بدأت الأرض تحت قدميه تهتز بقوة.
سحب الكتاب أمامه، قائلاً في نفسه كلمات من النص الذي كان قد حفظه خلال تدريباته. لم يكن متأكدًا تمامًا إن كان سيفلح، ولكن كانت هناك فجوة في دفاعه. شعر بقوة الكتاب تدعمه، تدفعه إلى الأمام، كأنها تمده بالثقة على الرغم من المجهول.
التهديد كان واضحًا، وكل خطوة كانت تتزايد نحو المواجهة الحتمية. لكن أريان استعاد توازنه، ورفع يديه مجددًا، مستعدًا لرد أي هجوم آخر. كانت لحظة دقيقة، كانت تتطلب إشارة واحدة لينقض عليه الجميع، لكن أريان شعر بشيء أعمق في تلك اللحظة، شعورًا لا يمكن تجاهله.
هل يمكن أن يكون هذا الاختبار جزءًا من شيء أكبر؟ هل الكتاب مجرد أداة أم كان لديه دور آخر لم يكشف بعد؟
حركت الظلال أيديها في انسجام، مما جعل أريان يلاحظ بشكل مفاجئ أنهم كانوا يعملون ككيان واحد، كأنهم يشتركون في قوة قديمة. وعندئذ أدرك أريان شيئًا عميقًا في نفسه: ليس هؤلاء الظلال وحدهم من يجب أن يهزمهم، بل هناك شيء أكبر بكثير على المحك.
لحظة من الصمت، ثم فجأة، اندلع الهجوم.
62تم تحديث
تنزيل على الفور
novel.download.tips
Comments