أريان وقف هناك، عينيه تراقبان الكتاب في يده. بدا الكتاب كما لو كان قلبًا ينبض، والطاقة التي كانت تتدفق منه تشبه تيارًا كهربائيًا يمر عبر جسده. كان يشعر بها، تتسلل إلى عروقه، وتسيطر على كل خلية في جسده. ولكن مع كل شعور بالقوة، كان هناك أيضًا إحساس عميق بالمسؤولية، كأن الكتاب كان يفرض عليه قيودًا غير مرئية، ويطلب منه إتقانها قبل أن يواصل.
حارس الكتاب كان يقف صامتًا، يراقب أريان بعينين متقدتين بالفهم. كان يعرف أن القوة لا تأتي بسهولة، وأنه لا بد أن يواجه صراعاته الداخلية قبل أن يواجه الأعداء الذين يترصدون له.
"هل تشعر بالقلق؟" سأل حارس الكتاب بنبرة هادئة، ولكن السؤال كان ذا عمق أكبر. كان يدرك أن خوف أريان كان يتسلل إلى قلبه رغم إصراره على المضي قدمًا.
أريان أغمض عينيه للحظة، ثم ألقى نظرة على الكتاب بين يديه. كانت أيديهم ترتجفان قليلاً، لكن صوته كان ثابتًا حين أجاب: "أشعر بالقوة، لكنها قوة غير مألوفة. وكأنني أفتقد جزءًا من نفسي في كل مرة أستخدمها."
ابتسم حارس الكتاب بلطف، وقال بصوت منخفض: "هذه هي طبيعة القوة الحقيقية. إنها تتطلب التوازن بين القوة والفهم. القوة وحدها لن تكفيك، بل ستجعلك تهلك إن لم تتعلم كيف تُوجِّهها."
حاول أريان أن يستوعب ما قاله حارس الكتاب. لكن الكلمات كانت صعبة على عقله. كان يشعر وكأن الكتاب لا يتركه أبدًا، وكأن الكلمات التي يقرأها لا تقتصر على أوراقه فحسب، بل تغلغلت في كيانه، وأصبحت جزءًا من تفكيره.
"اذهب إلى الجبال،" قال حارس الكتاب فجأة، مشيرًا إلى الطريق الذي يفضي إلى التلال البعيدة. "هناك، ستجد أعداءك. لا تستخدم القوة إلا حين تكون مضطراً، ولا تظن أن كل شيء يعتمد على الكتاب."
أريان أومأ برأسه، وهو يثقل قلبه بمزيج من القلق والعزم. كانت الرحلة التي أمامه محفوفة بالمخاطر، لكنه شعر بشيء عميق في داخله يخبره أن الوقت قد حان للمواجهة.
الرحلة إلى الجبال
أخذ أريان الكتاب بحذر، وأعطى الحارس نظرة أخيرة قبل أن ينطلق نحو الجبال. الرياح كانت تعصف من حوله، وكأنها تحاول إبعاده عن هدفه. ومع كل خطوة يخطوها نحو الجبال، كانت الأفكار تتصارع في ذهنه. كيف يمكنه استخدام قوته الجديدة ضد الظلال؟ كيف يمكنه أن يتحكم في الكتاب إذا كان لا يزال يشعر أنه لم يتعلم كل شيء؟
بعد ساعات من السير عبر التضاريس الوعرة، وصل أخيرًا إلى قمة الجبل. كانت السماء قد أظلمت، والأجواء مشحونة بشحنة من الطاقة. هناك، على حافة الهاوية، وقفوا: الظلال.
كانت كائنات مظلمة، بعيون حمراء متوهجة، وأشكال غير واضحة تتلوى في الظلام. كانوا يترقبون وصول أريان، وكأنهم كانوا يعرفون أنه سيأتي يومًا ما.
"لقد تأخرت كثيرًا،" قال أحد الظلال بصوت منخفض، لكنه كان مليئًا بالتهكم. "فكرنا أنك لن تأتي أبدًا. أو أنك ستكون خائفًا من مواجهتنا."
أريان رفع الكتاب أمامه، وحاول أن يسترجع ما تعلمه. "لن أسمح لكم بفتح البوابة." قال، صوته كان مشبعًا بالعزم. لكن رغم كلماته، شعر بوجود نوع من الرهبة داخل قلبه. هل يمكنه بالفعل هزيمتهم؟
في تلك اللحظة، بدأت الظلال تتقدم نحوه، وكل واحد منهم كان يحمل سيفًا حادًا مشعًا بالطاقة. كانت الأشجار المحيطة بالمنطقة تبدأ بالانحناء كما لو كانت تقاوم قوة الظلال. أريان شعر بثقل اللحظة. كان يعلم أن هذه هي اللحظة التي يجب أن يختبر فيها نفسه.
ببطء، بدأ أريان يتلو الكلمات من الكتاب، مستشعرًا الطاقة التي تسري من خلاله. بدأ الحروف تتراقص أمام عينيه، تتحرك بشكل عشوائي ثم تتجمع لتأخذ شكلًا منظمًا. فجأة، انفجر شعاع من الضوء من الكتاب، واندفع باتجاه الظلال.
كانت الضربة مفاجئة، وسريعة. أصاب أحد الظلال في صدره، فسقط على الأرض في صمت. لكن هذا لم يكن كافيًا لردع باقي الظلال. شعر أريان بوهن في يده، وكأن القوة التي استخدمها كانت أكبر من طاقته.
"ليس بهذه السهولة،" همس أحد الظلال، وعيناه تشتعلان بالغضب. "لن تهزمنا هكذا."
أريان ركز مرة أخرى، مغمضًا عينيه، وأعاد الكتاب إلى يده، وبدأ يتلو الكلمات بشكل أكثر تركيزًا. كانت قوته تتدفق، ولكن بحذر. في المرة التالية، كان الشعاع أقوى، وأكثر تركيزًا، وأصاب الظلال الأخرى.
بدأت الظلال تتراجع، لكنهم لم يستسلموا بعد. كان أريان في قلب معركة حقيقية مع نفسه ومع قوى لا يستطيع أن يفهمها تمامًا. كانت كل حركة صراعًا، وكل خطوة تشعره بأنه يقف على حافة الهاوية.
"لقد بدأت في فهم قوتك، أريان." قال حارس الكتاب من بعيد، صوته غير مرئي لكنه حاضر في كل زاوية. "لكن تذكر، القوة الحقيقية لا تأتي فقط من الكتاب، بل من داخلك. حارب بقلبك كما تحارب بعقلك."
أريان شعر بشيء يتغير داخله. كان مستعدًا الآن لتجاوز ما اعتقد أنه حدوده، وكان على وشك اكتشاف أن أقوى ما في الكتاب ليس الكلمات، بل الشخص الذي يقرأها.
من فضلك و اترك تعليق و إشتراك🥺🌺😍💕✅
62تم تحديث
Comments