كانت أنفاس أريان تتسارع، جسده مشدودًا على أطرافه بينما تجنب ضربات الظلال المتسللة من كل زاوية. كان في قلب الكهف، المكان الذي كان قد اختاره لتدريباته، حيث الظلام يحيط به من جميع الجهات. الأصداء الغريبة تتردد في الأفق، وكأن المكان نفسه يتنفس بشكل موازٍ لنبضه.
بعد أيام من التدريبات المكثفة، شعر أريان بقوة الكتاب تتغلغل في أعماق جسده. لكن تلك القوة، التي كانت قد أتاحت له اكتساب مهارات جديدة، لم تكن كافية للتغلب على هذا العدو الغامض. الظلال، ذلك الكائن الغامض الذي لا يظهر تمامًا أمامه، كان يهاجم بلا هوادة. عندما تصل أيديه إلى أعلى مستوى من القوة، يتضح له أن الظلال ليست مجرد قوى سحرية، بل هي اختبار حقيقي لقدرته على الوعي والسيطرة.
حركته سريعة، قلبه ينبض بحركة في تناغم مع خطواته. يتحرك في الظلام بينما يراقب كل حركة حوله، يعلم أن الظلال قد تكون في أي مكان الآن، تتحرك مثل مخلوقات خفية. كان يعلم أنه لم يتقن تمامًا ما يكفي من أساليب الدفاع حتى يتمكن من التنبؤ بحركاتها، ولكن على الأقل كان قادرًا على تصحيح مسار ردود أفعاله في الوقت المناسب.
"لا يمكنني أن أكون ضعيفًا أمامهم. يجب أن أتحكم في قدراتي" قال أريان لنفسه بصوت خافت، وهو يغمض عينيه للحظة، مسترجعًا ما تعلمه من الكتاب.
في تلك اللحظة، انطلقت الظلال بشكل مفاجئ، تحيط به بسرعة، كأنها ستلتهمه في ثانية واحدة. لكنه تمكّن من التحرك بسرعة أكبر مما توقعه خصمه، وسدد ضربة قوية نحو نقطة في قلب الظلال. بمجرد أن ضرب، انشطر الظل إلى مئات القطع الدقيقة التي تلاشت في الهواء مثل الدخان.
أخذ أريان نفسًا عميقًا، يعلم أن هذا ليس سوى بداية. كان الكهف لا يزال مليئًا بالخطر، والظلال لم تختفِ تمامًا. بل كانت تنتظر في الظلام، لتعاود الهجوم في اللحظة المناسبة.
بعد لحظات من الصمت، ارتسمت ابتسامة على وجهه. لم يكن ما حدث مجرد فوز في معركة، بل كان خطوة مهمة على طريق فهم القوى التي تحيط به. في كل مرة يواجه فيها الظلال، يشعر أنه يقترب خطوة أخرى نحو فهم أعماق الكتاب الذي بين يديه. ولكنه كان يعلم أن هذا لم يكن سوى جزء من المعركة الأكبر.
في الخارج، حيث الضوء الطبيعي كان لا يزال يغمر الأرض، كانت هناك مشاكل أخرى تتشكل. في هذا الكهف المظلم، لم يكن أريان بمفرده. كان يقاتل مع نفسه، يقاتل من أجل السيطرة على قواه المتجددة، لكن خارج هذا المكان، كانت القوى التي كانت تراقب هذا التدريب تتأهب.
في الوقت ذاته، داخل قاعات قريته القديمة...
كان هناك رجل، يرتدي ثوبًا أسود ضيقًا وملونًا بالأزرق الداكن، يجلس على عرشٍ مغطى بتلك الرموز الغامضة. كان وجهه شاحبًا، وعيناه اللامعتان، الزرقاوان، تشير إلى حدة ذهنية غريبة. شعر بشيء غريب يحثه للتحرك.
"أريان... هو الذي سيكسر توازن هذا العالم. لا يمكن أن نتركه يكتسب المزيد من القوة" همس الرجل في نفسه.
الرجل كان يعرف أريان منذ لحظة دخوله إلى هذا العالم الغامض. كان يعلم أن الكتاب الذي بين يديه كان يحمل مفاتيح كبيرة. مفاتيح إلى أسرار قد تغير كل شيء.
"أتركه يتدرب قليلًا. سيأتي الوقت الذي سيكشف فيه كل شيء عننا... ولكننا سنكون جاهزين." ابتسم الرجل ابتسامة باردة، عينيه تتألقان في الظلام.
وفي مكان آخر تمامًا، كانت الظلال تتجمع بشكل غامض. لم تكن مجرد كائنات سحرية؛ كانت أداة، أداة تهدف إلى مراقبة تطور أريان، وتوجيهه نحو مصيره الذي لا مفر منه.
لم يكن لدى أريان أي شك في أنه أصبح الآن على حافة شيء أكبر، شيء لا يمكنه أن يهرب منه مهما حاول. هذه القوة التي اكتسبها، هذه الألغاز التي بدأ في فك رموزها، كانت جزءًا من شبكة معقدة، شبكة تحيط به وتجره نحو مصيره الذي لا مفر منه. كل خطوة يخطوها كانت تزيد من غموض رحلته وتفتح أمامه المزيد من الأسئلة.
كل ما تعلمه من الكتاب كان يقوده نحو هذا اللحظة. ظلال الكهف لم تكن مجرد اختبار لقوته، بل كانت بمثابة تمهيد لفهم أعمق. في تلك اللحظات التي قضى فيها أيامًا داخل هذا المكان المظلم، بدأ أريان يشعر بشيء مختلف في داخله، شعور بأن هذه المعركة مع الظلال كانت مجرد جزء صغير من اختبار أكبر سيواجهه في المستقبل.
لكن الأمور لم تكن بهذه البساطة. من وراء الظلال، كانت هناك قوى أكبر وأكثر خطورة تراقب تحركاته. كان يدرك أن هذه الظلال التي تدور حوله لم تكن سوى جزء من خطة شاملة تستهدفه شخصيًا. وفي كل مرة كان يشعر فيها بالظلال تقترب منه، كان يتذكر تلك الكلمات التي حملها الكتاب: "المصير لا يمكن الفرار منه."
عاد إلى سطح الأرض في تلك اللحظة التي رفع فيها يديه لاستشعار الضوء القادم من الأفق البعيد. كان الظلام قد خف قليلًا، لكنه أدرك أن هذه السكينة التي يشعر بها الآن هي مجرد خدعة. كما لو أن كل شيء حوله كان في انتظار اللحظة التي سيواجه فيها أعداءه الحقيقيين. ظل يسترجع كل ما تعلمه، ينظر إلى الكتاب الذي بين يديه كأداة للمعرفة أو ربما كدليل للمستقبل.
في أعماقه، كان يعلم أن ما يواجهه الآن هو أكثر من مجرد معركة جسدية أو تدريب على قدرات سحرية. إنه اختبار لروحه، لقدرته على اتخاذ قرارات حاسمة في الوقت المناسب. يجب عليه أن يقبل فكرة أنه قد لا يعود إلى الحياة الطبيعية التي كان يعرفها، وأنه قد يصبح جزءًا من شيء أكبر بكثير.
شعر بحركة قادمة من بعيد، أقدام تتحرك بسرعة نحوه. كان يعرف أن الوقت قد حان. لم يكن مستعدًا تمامًا، لكنه علم أنه لا يستطيع العودة إلى الوراء. جثم قلبه في صدره بينما تقدم شخص غريب إلى داخل دائرة الضوء الخافتة. عينيه كانتا تتوهج بظلال غير بشرية، شعره كان أسود ومربوط بعناية خلف رأسه، وأسنانه تتألق تحت الضوء كما لو أنها تعكس طبيعة شريرة خفية.
"أريان..." قال الرجل بصوت منخفض، كما لو أنه كان يعلن حكمًا نهائيًا على مصير أريان. كان صوته يحمل في طياته غموضًا عميقًا، كما لو أنه يعرف ما سيحدث قبل أن يحدث.
لم يكن أريان متفاجئًا. كان يشعر أن هذه اللحظة آتية لا محالة. ولم يكن لديه خيار سوى المواجهة.
"أنت من أرسلك؟" سأل أريان، يحاول قراءة تعابير وجهه، ولكن الرجل ظل صامتًا لفترة طويلة، قبل أن يرد بكلمات غير متوقعة.
"لا أحد أرسلك. أنت من سيقرر أين ستذهب بعد الآن."
كانت تلك الكلمات بمثابة صاعقة. في تلك اللحظة، شعر أريان وكأن العالم كله قد انقلب رأسًا على عقب. ما كان يعتقد أنه سيكون مجرد تدريب للقتال أو تحضير لمستقبل صعب، أصبح الآن اختبارًا لقدرته على مواجهة المصير الذي يبدو أنه قد تم تحديده له مسبقًا.
كان يعلم أن هذا الرجل الغامض كان جزءًا من الخطة التي تحيط به، جزءًا من القوى التي تسعى للسيطرة على مصيره. لكن السؤال الذي ظل يلح عليه هو: هل سيكون قادرًا على اختراق القيود المفروضة عليه، أم أن هذا هو بالفعل الطريق الذي كان مهيأ له؟
الرجل الغريب، الذي كان يقف أمامه، لم يكن مجرد خصم تقليدي. كانت تعابير وجهه باردة وهادئة، ولكن عينيه كانتا تحملان شيئًا مختلفًا. وكأنها تخفي سرًا أعمق عن أريان، شيئًا سيكشفه في المستقبل القريب.
لم يكن لدى أريان وقت طويل للتفكير. تحول الرجل الغامض نحو الظلال التي تملأ المكان، وأشار بإصبعه نحو الأرض. في تلك اللحظة، انتشرت الظلال بسرعة، كما لو أن الأرض نفسها كانت تحترق من الداخل. اجتمع الظلام حول أريان، وكل ضربة من الظلال كانت أشبه بسكين حاد يقطع طريقه.
ومع ذلك، كانت هذه المرة مختلفة. كان أريان قد تغير. كان يتنفس بعمق بينما أحاطت به الظلال، يشعر بالقوة التي تتدفق في جسده. كان يعرف أن الوقت قد حان ليختبر ما تعلمه، ليس في معركة مع الظلال، ولكن في معركة مع مصيره الذي يبدو أنه تم تحديده مسبقًا.
62تم تحديث
تنزيل على الفور
novel.download.tips
Comments