بينما كانت الشمس تغرب خلف الأفق البعيد، وتنساب خيوطها الذهبية عبر السماء، كان أريان يقف على حافة الهاوية. الأرض من تحت قدميه تآكلت بفعل الزمن، لكن قوته لم تتزعزع. الكتاب، الذي كان في يده، لا يزال ينبض بالحياة، كما لو كان جزءًا منه الآن. كان يدرك تمامًا أنه في كل مرة يقرأ فيه، ينغمس في أعماق جديدة من القوة، لكن ذلك لم يكن دون ثمن. كل كلمة تقرأ، وكل شعاع ضوء ينبعث منه، كان يعززه، ولكنه في ذات الوقت كان يغيره.
مرت أيام منذ آخر لقاء له مع الظلال. أريان تدرب بجد على ما تعلمه من حارس الكتاب. تعلم كيفية السيطرة على طاقته، ولكن كانت هناك دائما تلك الهالة من القلق التي ترافقه. هل هو جاهز حقًا لمواجهة ما ينتظره؟ هل هو قادر على تحمل العواقب؟
"لقد حان وقت المواجهة"، همس لنفسه وهو يعبر عبر الطريق الضيق المفضي إلى قلب الغابة المظلمة حيث يُعتقد أن الظلال تتجمع.
مع كل خطوة، كانت الأشجار تصبح أكثر كثافة، والظلال أكثر امتدادًا. كل شيء حوله بدا وكأنه يراقبه. الأشجار، الأرض، وحتى الرياح كانت تتحدث إليه، تهمس له بما قد يواجهه. ومع ذلك، كان قلبه ينبض بقوة أكبر مع اقترابه من الهدف. كان يعلم أن المجهول هو ما سيحدد مصيره، ولكنه لم يعد يهرب.
وصل إلى الساحة التي التقى فيها بالظلال لأول مرة. كانت السماء قد أظلمت، وكانت الأشعة الأخيرة للشمس تتناثر على الأرض مثل خيوط من النار. هنا، كان ينتظره مصيره.
وفجأة، من بين ظلال الأشجار، ظهرت كائنات مظلمة. لم تكن كائنات بشرية عادية، بل مخلوقات ذات ملامح مشوهة، وجلود داكنة كالليل، وعينين تتوهجان بنيران سامة. همس أحدهم بلهجة مشحونة: "لقد كنت تنتظرنا، أريان. ولكنك لا تدرك ما ستواجهه."
أريان رفع الكتاب أمامه، وأخذ نفسًا عميقًا. "لن أسمح لكم بفتح البوابة. لا هذا الوقت، ولا في أي وقت آخر." كان صوته هادئًا، لكن داخله كانت الأعاصير تعصف.
"أنت مجرد طفل أمامنا،" قال أحد الظلال، بينما كانت البقية تحيط به من كل جانب.
رفع أريان يده، وأغمض عينيه للحظة، محاولًا استرجاع ما تعلمه. الكتاب بدأ ينبض بين أصابعه. شعاع من الضوء فجر فجأة من بين صفحاته، كالسهم اللامع. الظلال تراجعت للحظة، ولكن أريان كان قد استعد ليكمل. صرخ بأعلى صوته وهو يفتح الكتاب، ويلقي بالتعويذة التي حفظها بحذر: "الزمن يتحول، والظلام يختفي!"
انطلقت العاصفة. الرياح تعصف، الأشجار تنحني، وكل شيء حوله يبدأ بالتحول إلى ما يشبه الغبار المتطاير. الظلال تتأرجح، تتراجع في خوف، وتصارع ضد الرياح العاتية. كان أريان يوجه الضوء بشجاعة، كما لو أن روحه تتغذى على هذا الصراع.
لكن أحد الظلال كان أكثر صلابة من البقية. تقدم خطوة للأمام، وعيناه تشتعلان غيظًا. "لن تظن أنك ستقضي علينا بسهولة، أريان!" صرخ، بينما كانت طاقته تتكثف لتشكل كرة من الظلام. كان يعلم أن هذا الهجوم هو الأكثر قوة، والأكثر دمارًا.
لكن أريان كان مستعدًا. فتح الكتاب مرة أخرى، وأخذ لحظة لتوجيه طاقته الداخلية. رفع الكتاب فوق رأسه، وأطلق شعاعًا أقوى من أي وقت مضى. الضوء يواجه الظلام، ويضيء الطريق نحو الأفق. كانت المعركة مستمرة، وكان كل لحظة تمر تُظهر له حقيقة واحدة: القوة ليست مجرد طاقة تُطلق، بل هي حالة ذهنية. يسيطر على عقلك أولًا، ثم على قوتك.
اندفع الظل باتجاهه، ولكن في اللحظة الأخيرة، انفجر شعاع من الضوء ليضربه مباشرة. سقط الظل على الأرض، محطّمًا، دون أن يتنفس. أما البقية، فقد تفرقت بسرعة، وهربت نحو الظلال الأعمق.
أريان أغمض عينيه ببطء، وأخذ نفسًا عميقًا. كان التعب قد استنزفه، لكنه شعر بشعور غريب من الرضا. لقد فعلها. لم يكن الانتصار مجرد انتصار جسدي، بل كان خطوة نحو فهم حقيقته. الكتاب لم يكن مجرد أداة قوى سحرية. كان مرشدًا. وكان أريان قد بدأ في فهم رسالته.
لكن لم يكن الوقت للراحة. الخطر كان لا يزال موجودًا، الظلال لم تختفِ تمامًا. كان الطريق طويلًا، وكانت المعركة لم تنتهِ بعد.
"لقد نجحت، أريان،" قال صوت من وراءه. التفت، ليجد نفسه أمام حارس الكتاب، الذي كان يراقب المعركة. "ولكن الطريق لا يزال طويلاً. لا تظن أن الظلال قد هُزمت بالكامل. في كل زاوية، هناك خطر ينتظرك."
أريان عقد قبضته، وأجاب بثقة: "أعلم. سأكون مستعدًا."
ثم، انطلق في الظلام، وهو يحمل الكتاب في يده، مستعدًا للمواجهة القادمة، مستعدًا لما سيأتي.
62تم تحديث
Comments