في قلب الظلام العميق، حيث لا تستطيع العيون التمييز بين الحقيقة والسراب، كان أريان يقف على حافة عالمه. مشاعره متشابكة بين الخوف والشجاعة، وبين الأمل والشك. كان الكتاب في يده مثل عباءة قديمة، تتناثر منها بقايا الأمل والخوف في آن واحد. لم يكن يعلم تمامًا ما إذا كانت هذه القوة التي اكتشفها للتو هي هبة أم لعنة، ولكن شيئًا واحدًا كان مؤكدًا: لا عودة الآن.
أمام أريان، كان يقف الكائن الذي رآه في رؤيته الأولى، تلك الرؤى التي أرهقته وسحبته إلى عالم آخر. الكائن الغامض، ذو العينين اللتين تتوهجان باللون الأحمر مثل نار لا تنطفئ، كان قد أصبح ماديًا أمامه. شعر أريان بقشعريرة تسري في جسده، ليس بسبب الخوف، بل لأن هذا الكائن كان يحمل في ذاته أبعادًا من التاريخ القديم، من زمن كانت القوى الغامضة تسيطر فيه على الأرض.
"أنتَ أريان، أليس كذلك؟" قال الكائن بصوت عميق يشبه زمجرة الرياح في الليل. كانت كل كلمة تخرج من فمه تُحمل معها هواء مشبعًا بالقوة، كأنها تهز الأرض من تحت قدميه.
لم يرد أريان فورًا. قلبه ينبض بسرعة كأن الوقت يهرب منه، ولكن شجاعته كانت أكبر من شكوكه. نظر إلى الكائن وقال: "نعم، أنا أريان. وأنت، من تكون؟"
ابتسم الكائن ابتسامة فاترة، ثم سحب يده من تحت معطفه الأسود الطويل. كان وجهه مغطى بقناع غريب الشكل، لا يختلف عن الأشكال التي تراها في أساطير الأبطال المفقودين. من تحت القناع، كانت عيناه اللامعتان تفيضان بالهالة الحمراء المريبة.
"أنا الحارس الذي يرعاك، الذي سيوجهك في طريقك نحو النصر. ولكن، قبل أن تتابع، عليك أن تدرك حقيقة واحدة: هذا الطريق لن يكون سهلاً. ستكون أمامك محطات لا تتخيلها. وقوى أكبر منك ستقف ضدك."
صمت أريان للحظة، وتحول نظره إلى الكتاب في يده. كان هذا الكتاب يحتوي على قوى قديمة لا يمكن تصورها. أحس بنبضات قلبه تزداد قوة كلما أمعن في التفكير في تلك القوى. كانت تُناديه، ولكنه كان خائفًا من عواقب استخدامها بشكل غير دقيق.
"أنت قد بدأت الآن في استخدام القوة، لكنك لم تختبر بعد قوتها الحقيقية. هناك ثمن باهظ لهذا. لا تظن أن هذا الكتاب سيمنحك القوة بدون تكلفة." قال الحارس بنبرة تحذيرية، وهو يراقب أريان بعينيه الحادتين.
"ما الذي تعنيه؟" سأل أريان، وهو يحاول تقوية إيمانه في نفسه.
"كل شيء له ثمن، أريان. ليس هناك قوة بلا تضحيات. سيبدأ الكتاب في سحب روحك إذا لم توازن بين ما تمنحه له وما يمكنك تحمله. لا يمكنك التحكم في طاقته بشكل كامل إذا كنت لم تستعد بعد." رد الحارس، قبل أن يستدير ببطء ويشير إلى الكهف الذي كان يحيط بهما.
في تلك اللحظة، أضاءت الأرض من حولهما، وكأن السقف قد انشق. ظهرت أمامهما طاقة غريبة تتشكل وتتحرك مثل شعاع غير مرئي. كانت تلك طاقة الظلال التي تحدث عنها الحارس. كان أريان يرى الظلال تتحرك في الظلام، وبدت وكأنها جزء من الأرض نفسها، تقترب بسرعة نحوهم.
"هم هنا،" همس الحارس وهو يلوح بيده.
فجأة، اندفعت الظلال في الهواء، بسرعة مذهلة. كان الظل الأول عملاقًا، مغطى بوشاح أسود تتراقص حوله الشرارات. رأسه كان ضخمًا جدًا، وعيناه الحمراء كانت تشعّ بالغضب. بدأ يطلق أصواتًا غريبة، كأنما كان يتنفس من جمرات النار.
أمسك أريان الكتاب بقوة أكبر، وبدأ يقرأ بصوت عميق. بدأ الحروف تتجمع وتتشابك بسرعة، وكأنها تطيع أوامره. انعكست الطاقة من الكتاب إلى جسده، وتمكنت يداه من امتصاص ضوء الكتاب، الذي أصبح أكثر إشراقًا. شعر أريان بقوة غريبة تنتقل عبر جسده، تسري في عضلاته وأعصابه كما لو أنه كان يكتسب قدرات لا يمكن تفسيرها. لكن مع تلك القوة، شعر أيضًا بعبء داخلي يثقل قلبه.
انطلقت الظلال نحوه بسرعة، ولكن أريان كان مستعدًا. رفع يده بقوة، وأطلق شعاعًا قويًا من ضوء الكتاب، ضرب الظل العملاق مباشرة في صدره. انفجر الظل في غيمة من الدخان الأسود، ولكن لم يختفِ بالكامل. ظهر الظل مجددًا، هذه المرة مع خصائص جديدة، إذ بدأ يتشكل أكثر قوة، وأكثر غموضًا.
"لن تهزمنا!" صرخ أحدهم، وهو يركض نحو أريان، مدفوعةً بسرعته الهائلة.
لكن أريان لم يتراجع. في تلك اللحظة، تذكر كلمات الحارس. القوة ليست مجرد تهديد، بل تحدي. بدأ يتحكم في كتابه أكثر، واكتشف أن الحروف تتحول إلى رموز غريبة، ومفاتيح يمكنه استخدامها لتحقيق توازن مع قوى الظلال. رفع الكتاب مرة أخرى، وأطلق شعاعًا آخر، أشد قوة، نحو الظل.
هذه المرة، عندما أصاب الشعاع الهدف، انفجرت طاقة هائلة انتشرت عبر الجو. الضوضاء كانت رهيبة، كأن الأرض نفسها تصرخ تحت وطأة المعركة. ومع اشتداد الهجوم، بدأ الظل في التلاشي، لكنه لم يختفِ بالكامل.
"لا يمكننا الاستمرار هكذا،" همس أريان لنفسه، متأملًا القوة التي يستخدمها. كان يعلم أن عليه أن يتعلم أكثر، وأنه يجب عليه أن يوازن بين قوة الكتاب وتداعياته.
ومع تساقط الظلال حوله، أدرك أريان أنه على الرغم من فوزه في معركة اليوم، فإن المعركة الكبرى لم تبدأ بعد.
62تم تحديث
Comments