كان السكون يلف المكان، كأن الزمن قد توقف في تلك اللحظة. أريان كان يقف في وسط الساحة الفارغة، ملامحه جادة وعيناه مشتعلة بالترقب. كان قد أمضى أسابيع طويلة في تعلم قوة الكتاب العتيق، وحان الوقت ليواجه أول اختبار حقيقي. لا مجال للتراجع. كان يعلم أن هذه اللحظة هي بداية الطريق الذي لا مفر منه، وأن كل خطوة يخطوها ستقوده نحو مصيره.
"هل أنت مستعد؟"
كان الصوت البارد يرن في أذنه. جُمعت العيون في الزمان والمكان. وقف أمامه خصمه الأول، كان جسده ضخمًا وعيونه تتوهج بلون أحمر غامق كالنار. شعره الأسود كالليل وعيناه الحمراء تشعان بقوة غامضة. كانت أذرع الخصم عضلية كالأشجار القديمة، وكان يرتدي درعًا مظلمًا مغطى بنقوش معقدة تشع ضوءًا خافتًا.
أريان كان قد تعلم الكثير عن خصومه المحتملين، وكان يعلم أن هذا لا يشبه أي معركة خاضها من قبل. هذا ليس مجرد قتال جسدي، بل كان اختبارًا لحكمته. عليه أن يتقن ليس فقط قوة الكتاب، بل أيضًا حكمته في استخدام هذه القوة في اللحظة المناسبة.
"لن تكون هذه معركة سهلة." قال الخصم بصوت عميق، ضاربًا درعه بيده بقوة، مما جعل أصداء الصوت تعصف بالهواء حولهم. "الكتاب الذي تحمله ليس مجرد أداة، إنه اختبار للروح. والروح التي لا تتحمل ستحترق."
كانت تلك الكلمات بمثابة تحذير أريان، لكنه كان قد قرر منذ البداية أن لا يتراجع. كان يعلم أنه في هذه اللحظة يجب عليه أن يثبت نفسه.
تحرك الخصم أولًا، وركض نحوه بسرعة مذهلة. قبل أن يتمكن أريان من اتخاذ خطوة، أطلق خصمه كرة نارية ضخمة من يده اليسرى. كان الهجوم مفاجئًا وقويًا لدرجة أن الأرض اهتزت من حوله. لكن أريان، الذي كان قد تدرب لأسابيع طويلة، استطاع بفضل الكتاب أن يرى الهجوم قبل أن يُنفَّذ. قام بالقفز إلى الجهة اليمنى، مبتعدًا عن كرة اللهب المشتعلة.
لكن الخصم لم يمنحه وقتًا للراحة. في لحظة واحدة، تغير اتجاه الهجوم، وأصبح الخصم أمامه مباشرة، سيفه يلمع في الهواء. أريان في لحظة واحدة استخدم تعويذة الدفاع التي تعلمها في الأيام الأخيرة. كرة من الضوء ظهرت أمامه، حاجزًا بينه وبين السيف الحاد.
"تأثيرات الدفاع لا تقف طويلاً أمام قوتي!" قال الخصم بابتسامة ساخرة، وسحب سيفه ليقوم بهجوم آخر، أقوى من الأول. هذه المرة كانت ضرباته مركزة ودقيقة، مستهدفة أكثر نقاط الضعف في درع أريان.
لكن أريان كان قد تعلم الدروس جيدًا. استدعى قوة الكتاب بحذر، مستغلاً كل تفاصيل البيئة المحيطة. بدأ يتحكم في المكان الذي يقف فيه، مستخدمًا الأرض لصالحه. مع كل حركة، كان يكتسب المزيد من الخبرة، وبدأ يشعر بتزايد قوته الداخلية.
في لحظة حاسمة، أطلق أريان تعويذة هجومية معاكسة لتلك التي أطلقها خصمه. بدلاً من مجرد تدمير، كان الهدف هو إبطاء خصمه وإرباكه. وتسبب الهجوم في إحداث دوامة هائلة من الرياح حول خصمه، مما جعله يتعثر للحظة.
وهنا، جاء التحول.
"الآن!" همس أريان لنفسه وهو يتحرك بسرعة غير متوقعة، يستغل اللحظة التي تشتت فيها خصمه. في هذه اللحظة، كانت ضربة أخيرة من أريان كافية لإسقاط خصمه على الأرض. كانت ضربة مدروسة، ولم تكن القوة الوحيدة التي اختار استخدامها، بل كانت الحكم عليها والموازنة بين ما تعلمه من الكتاب وما اكتسبه من خبرته في المعارك.
وقف أريان على بعد خطوة من خصمه الذي كان ينزف، جسده ملقى على الأرض.
"أنت فزت." قال الخصم بصوت منخفض، وهو يرفع رأسه ببطء، يحدق في أريان بعينين متعبتين. "لكن تذكر، هذا كان فقط بداية الطريق."
كان أريان يلهث قليلًا، لكنه شعر بشعور من القوة غير مألوفة تكتسح جسده. ما فعله اليوم كان أكثر من مجرد معركة. كانت لحظة فاصلة في رحلة تعلمه، واكتشافه لأسرار الكتاب.
"أعلم." همس أريان، وهو يدير ظهره للميدان. "لكنني سأظل في طريق لا عودة فيه."
لقد أصبح لديه الآن هدف أكثر وضوحًا. كانت بداية الطريق نحو قدره.
بالطبع، سأكمل الفصل بما يتناسب مع أحداثه السابقة.
---
بينما كان أريان يقف هناك، يدرك أن اللحظة التي مر بها لم تكن مجرد معركة فحسب، بل كانت نقطة تحول. كان يعلم أنه في هذه المعركة، لم يكن يواجه مجرد خصم بدني، بل كان يواجه نفسه، وتعلماته، واختياراته.
تحرك أريان قليلاً لينظر إلى الخصم الذي لا يزال ممدداً على الأرض، وفي عينيه نظرة لا تُخفى من الاحترام. كانت تلك النظرة التي يوجهها المحارب إلى خصم شجاع، حتى وإن كان قد خسر. كانت تلك هي المعركة الأولى له، ولكنها لم تكن النهاية.
في تلك اللحظة، اقترب منه المدرب - الرجل الذي كان يقوده خلال تدريباته في الأيام الماضية. كان طويل القامة، ذو لحية مشذبة بعناية وعينين قاطعتين مليئتين بالحكمة. ابتسم ابتسامة هادئة وهو يراقب ما جرى، عاقدًا ذراعيه أمام صدره.
"أريان." قال المدرب بصوت عميق. "لقد اجتزت اختبارك الأول بنجاح."
أريان نظر إلى المدرب بعينين مشدودتين. "لكنني لم أحقق الفوز كما كان يجب. كان هناك مجال أكبر لاستخدام القوة. كان يمكنني إنهاء المعركة بشكل أسرع."
"الفوز ليس في السرعة." رد المدرب، مشيرًا بيده إلى ساحة القتال. "الفوز هو في القوة الداخلية التي تستخدمها، وفي الصبر الذي تتحلى به. الكتاب ليس مجرد أداة للقتال، بل هو اختبار لكل جزء منك. عقلك، روحك، وحتى أخطائك. تذكر ذلك."
أريان أخذ نفسًا عميقًا، محاولًا استيعاب كلمات المدرب، لكنه كان يعرف أنها محقة. كانت هذه المعركة أكثر من مجرد اختبار لقوته البدنية. كان اختبارًا لمهاراته العقلية، لحكمته وقدرته على اتخاذ القرارات في لحظات ضبابية.
"لكن..." بدأ أريان، ثم توقف، غير متأكد من كيفية صياغة السؤال. "من كان هذا؟ ولماذا هو هنا؟"
نظر المدرب إلى أريان لفترة طويلة قبل أن يجيب. "لقد كان من أتباع القوة المظلمة. ليس كل من يحمل القوة يستخدمها بحكمة. لكنك ستتعلم يومًا ما أن بعض من هؤلاء لا يتبعون الطريق الصحيح، بل يسيرون في طريق مغلق نحو الهلاك."
أريان شعر بغمرة من الأسئلة تتراكم في ذهنه. ولكن لم يكن الوقت مناسبًا لطرح المزيد. كانت أمامه طريق طويل ليقطعه، والكثير من الأسرار التي لا تزال غير مكشوفة.
"متى سيأتي الاختبار التالي؟" سأل أريان، مدركًا أن الطريق الذي بدأه قد لا يكون كما توقعه، بل أكثر تعقيدًا.
"قريبًا." أجاب المدرب باختصار، ثم أضاف: "لكن عليك أن تكون مستعدًا له بطريقة مختلفة تمامًا. القوة التي تمتلكها ليست الشيء الوحيد الذي يجب أن تعتمد عليه."
ترك المدرب أريان مع هذه الكلمات، ثم مشى بعيدًا، تاركًا له مساحة ليفكر. كان أريان في حيرة، لكن شيئًا بدا في داخله ينبض بالحياة. شيئًا غامضًا، وقويًا، وملئًا بالأسئلة التي تحتاج إلى إجابات.
وبينما كان أريان ينظر إلى السماء الملبدة بالغيوم، شعر بثقل ما هو آتٍ. كان يعلم أن هذه كانت فقط البداية، وأن ما سيواجهه في المستقبل يتطلب منه الكثير من التضحيات. لكن هذه المرة، كان قلبه أكثر إصرارًا على مواجهة التحديات القادمة.
كان على أريان أن يتعلم أن العوائق الحقيقية لا تكمن في الخارج، بل في نفسه. والكتاب كان هو المفتاح الذي سيفتح له أبواب القوة، لكن في كل باب سيكتشف شيئًا جديدًا عن ذاته.
في النهاية، حمل أريان الكتاب بين يديه، ورفع رأسه نحو الأفق، مستعدًا للمرحلة التالية في رحلته. كان لا بد له من اكتشاف قوة الكتاب الحقيقية، وتعلم كيفية استخدامها ليس فقط لحماية نفسه، بل لأخذ قرارات مصيرية قد تؤثر في مصير العالم بأسره.
"أنت لن تكون كما كنت، أريان." همس لنفسه، قبل أن يتحرك بخطى ثابتة نحو المجهول.
---
62تم تحديث
Comments