الظلال كانت تراقبهم. كل خطوة يخطوها أريان، وكل همسة من ألين، كانت تثير غضب الظلال التي كانت تتربص في الظلام. كانت المدينة القديمة مغطاة بطبقة من الغموض. الشوارع الضيقة والمهجورة كانت تحتفظ بالأسرار التي تخشى حتى الرياح أن تقترب منها. أضاء القمر السماء الخافتة، لكن الضوء الذي كان يتسلل عبر النوافذ المغلقة كان يختفي فورًا في الزوايا المظلمة. كانت المدينة تتنفس، وكل حجر فيها كان يحكي قصة قديمة، قصة تتعلق بمصير أريان.
توقفت ألين فجأة في منتصف الطريق. "أريان، لا نعرف تمامًا ما الذي نواجهه هنا. لكننا لن نستطيع الهروب من شيء أكبر منا."
أريان نظر إليها بعيون متعبة. كانت الأسئلة تتزاحم في ذهنه، لكن لم يكن لديه إجابة واحدة. "ألين، هل تعتقدين أننا في خطر؟ أم أن هناك شيء آخر ينتظرنا في هذا المكان؟"
تبدلت تعابير وجه ألين، وعينيها اللامعتين أظهرتا القلق. "أعتقد أننا هنا من أجل سبب أكبر من أن نتجاهله. الكتاب الذي تحمله ليس مجرد شيء عادي، أريان. يمكنه فتح أبواب لا ينبغي فتحها."
أريان هز رأسه، محاولًا التمويه عن القلق الذي بدأ يتسلل إلى قلبه. "أعلم. لكن هل نحن مستعدون لما قد نكتشفه؟" نظر إلى الكتاب في يده، الذي كان ينبض بشدة وكأنه يحمل روحًا بداخله.
"لا شيء في هذا العالم يتيح لك الاستعداد بالكامل. لكننا يجب أن نكون مستعدين لأنفسنا أولًا."
ثم، صمت هائل. أصوات قديمة تملأ المكان، وهمسات غير مرئية تترنح حولهم كما لو كانت تقترب من قلب الحقيقة. فجأة، ظهر ظل غريب في الأفق. كان يتأرجح بين الضوء والظلام، غير واضح، لكن أريان شعر به. كان هناك شخص ما، يراقبهم.
شخصية غريبة ظهرت فجأة من الزقاق المظلم أمامهم. كان وجهه مغطى، ولكن الضوء القمر كان يعكس بعض ملامحه الضبابية. كانت يديه مثبتتين على سكين معدني غريب الشكل.
"هل تعرفون حقًا ما الذي تلاحقونه؟" سأل الصوت الغامض بهدوء، ملامح الوجه خفية خلف القناع.
ألين رفعت حاجبيها وقالت: "من أنت؟ وما الذي تريده منا؟"
ابتسم الظل، وكانت ابتسامته خافتة، كأنه يستمتع باللعب معهم. "أنتما تلاحقان شيئا قد يكون أكبر منك بكثير. الكتاب الذي تحمله، أريان، هو مجرد البداية. لكن ما ينتظركم بعده هو شيء لا يستطيع العقل البشري أن يتحمله. أنتم تبحثون عن شيء قد يحرق هذا العالم."
صمت أريان للحظة، لكنه شعر بأن قلبه يتسارع، وعقله كان يسبح في الأفكار. "من أنت؟" تكرر السؤال، لكن هذه المرة بنبرة أكثر إصرارًا.
"أنت لست مستعدًا بعد لمعرفة الإجابة. لكنك ستجدها قريبًا. الكتاب ليس النهاية، بل هو بداية سلسلة من الأبواب التي ستفتح. أبواب لم تطرقها أقدام بشرية من قبل."
قلب أريان كان ينبض بعنف. "لماذا تلاحقني إذاً؟ هل أنت جزء من الذين يريدون قتلي؟"
ضحك الظل قليلاً. "قتل؟ لا، هذا ليس ما نفعله. نحن نبحث عن شيء آخر. شيء أكبر من أن تفهمه. لكن في النهاية، سيتعين عليك أن تختار. سيأتي وقت لن تجد فيه الهروب."
ألين رفعت سيفها ببطء، ووقف أريان بجانبها. كانت العيون التي تتبعهم تختفي في الظلام. "إذا كان هذا ما تفكر فيه، فنحن مستعدون للمواجهة."
لكن قبل أن يستطيع الظل الرد، اهتز المكان فجأة. رياح قوية اجتاحت الشوارع الضيقة، كانت تهب من جهة واحدة، وكأنها تحاول دفعهم بعيدًا. ولكن كان هناك شيء آخر في الرياح. شيء غريب جدًا. كان يشبه همسات، كلمات غير مفهومة تتنقل مع الرياح.
"سيتعين عليك أن تختار، أريان. الحقيقة أم البقاء؟" قال الظل وهو يختفي في الظلام، وكأن الرياح ابتلعته بالكامل.
نظرت ألين إلى أريان وقالت بصوت منخفض: "لقد بدأنا بالفعل رحلتنا. لكن علينا أن نكون حذرين. هناك من يراقبنا. لم يعد الأمر مجرد كتاب أو خرافات قديمة. هناك شيء آخر، شيء يراهن على وجودنا."
أريان نظر إلى الكتاب بين يديه مرة أخرى. "إذا كان هذا الكتاب هو المفتاح... فما الذي يخبئه لي؟"
"نحن جميعًا جزء من هذه القصة. وكل خطوة نخطوها تقربنا من الحقيقة. ولكن الحقيقة، أريان، قد تكون أكثر من أن نتحملها."
ثم، ساد الصمت بينهما. كان هناك شعور غريب، شعور بأنهما كانا يقفان على حافة شيء عميق، شيء قد يكون بداية النهاية أو بداية شيء آخر تمامًا. لم يكن هناك من سبيل للرجوع.
62تم تحديث
Comments