المكان: معبد الظلال – أحد أقدم المعابد المخفية في العالم
كان الهواء داخل المعبد ثقيلاً، مشبعًا برائحة الرطوبة والبخور القديم. الأضواء الخافتة المنبعثة من المشاعل المتناثرة على الجدران المنحوتة بالكلمات الغامضة، خلقت ظلالًا متراقصة أعطت للمكان هالة من الرهبة. الأرضية مغطاة بطبقة رقيقة من الغبار، تدل على أن المكان ظل مهجورًا لفترة طويلة.
وقف أريان في منتصف القاعة الرئيسية، قلبه ينبض بقوة، يراقب التماثيل الحجرية التي اصطفت على الجانبين، عيونها الجوفاء تحدق به كما لو كانت تحكم عليه. كانت أنفاسه هادئة لكن عقله كان يعج بالأفكار… هذا المكان ليس عاديًا، بل كان يحمل في طياته سرًا لم يتم كشفه بعد.
على الجانب الآخر، كان ميكا واقفًا، يمرر يده على أحد الجدران المتآكلة، يحاول فك رموز الكلمات المنحوتة عليها. تمتم بصوت منخفض:
— "هذه النقوش تتحدث عن… قوة محجوزة، قوة تحتاج إلى مفتاح."
التفت إليه أريان، عيناه مليئتان بالتساؤلات، لكنه لم ينطق بكلمة. كان يعلم أن كل شيء في هذا المكان يجب التعامل معه بحذر.
لكن قبل أن يتمكنوا من استيعاب المعلومات بالكامل، دوى صوت خطوات بطيئة عبر الممر الحجري المؤدي إلى القاعة.
من الظلام، ظهر رجل طويل القامة، برداء أسود ممزق، ووجه يحمل آثار الجراح القديمة. كان شعره أسود يتخلله بعض الخصل البيضاء، وعيناه بلون الدم المتجمد. لم يكن مجرد عدو عادي، بل كان حضورًا يبعث القشعريرة في العظام.
وقف على بعد بضعة أمتار، صوته العميق اخترق الصمت:
— "لم أتوقع أن أرى ورثة السحر القديم هنا… أنتم تسيرون على طريق محفوف بالموت."
أخذ أريان خطوة إلى الأمام، عيناه تحدقان بالرجل دون خوف، لكنه شعر بضغط لا يُرى يحيط به. أدرك فورًا أن هذا الرجل لم يكن مجرد مقاتل عادي، بل كان مستخدمًا لقوة لا تقل خطورة عن الكتاب الذي يحمله.
— "ومن أنت؟" سأل أريان، صوته ثابت لكنه محمل بالحذر.
ابتسم الرجل ابتسامة باهتة وقال:
— "اسمي زايروس… سيد الظلال، والحارس الأخير لهذا المكان."
في تلك اللحظة، تغير الجو كليًا.
اهتزت الأرض قليلًا، وبدأت المشاعل تهتز كما لو أن قوة غير مرئية تلاعبت بها. شعر أريان بأن الهواء أصبح أكثر برودة، وأن الظلال بدأت تتكاثف حولهم.
زايروس لم يكن مجرد حارس، لقد كان مستخدمًا لقوة قديمة، قوة الظلام النقي.
رفع الرجل يده اليمنى، وفجأة تحولت الظلال المحيطة إلى خيوط سوداء تحلق في الهواء، تلتف حوله كأنها مخلوقات حية. ثم، في لمح البصر، انطلقت إحداها باتجاه أريان بسرعة هائلة!
بدأت المعركة!
بمجرد أن رأى أريان الهجوم قادمًا، قفز للخلف، وأخرج كتابه السحري بسرعة، قلب صفحاته، وبدأت الأحرف تتوهج بلون ذهبي.
— "حاجز اللهب!"
انطلقت موجة نارية أمامه، تصدت للظل المهاجم، لكن القوة التي اصطدمت بها كانت مخيفة. تلاشى اللهب بسرعة، كما لو أن الظل قد ابتلعه بالكامل.
زايروس تقدم خطوة أخرى، ولوح بيده، لترتفع عشرات الخيوط السوداء حوله، تتحرك كأنها كائنات حية مستقلة، كل واحدة منها مستعدة لتمزيق خصمها.
— "إن كنت تظن أن قوة الكتاب ستمنحك الأفضلية، فأنت مخطئ."
في لحظة، انطلقت الظلال نحوه مرة أخرى، لكن هذه المرة بأشكال مختلفة، بعضها كان كالسهام، وبعضها كالأيدي المتوحشة، وأخرى تحولت إلى شفرات حادة!
تحرك أريان بسرعة، مستخدمًا مهاراته المكتسبة في الأيام الماضية، تفادى الهجمات بانحناءات خاطفة وقفزات سريعة. كانت عيناه تراقبان كل حركة، يحاول تحليل نقاط ضعف خصمه.
— "إنه لا يستخدم مجرد ظلال… بل هذه الطاقة كأنها امتداد لكيانه نفسه."
من الجانب الآخر، كان ميكا يراقب المشهد بعناية.
زايروس لم يكن يستخدم أي تعويذات مرئية، كل هجماته كانت نابعة من وجوده بحد ذاته، وكأن الظلام يستجيب لرغباته دون الحاجة لنطق أي تعاويذ.
— "إنه مستخدم طاقة خام… لا يحتاج إلى وسيط مثل الكتب أو الرموز السحرية، هذا يعني أن علينا تغيير استراتيجيتنا."
أريان لم يكن غبيًا، لقد أدرك ذلك أيضًا. إذا كان القتال المباشر لا يجدي، فعليه تغيير طريقته.
تنفس بعمق، ثم أغمض عينيه لجزء من الثانية… فتحها لتتوهج بريقًا ذهبيًا باهتًا.
— "حسنًا إذن، لنرى ما إذا كان الظلام قادرًا على ابتلاع النور!"
في لحظة خاطفة، استدار بسرعة، واستدعى رمحًا طويلاً من الطاقة النقية، رمحًا مشعًا بالضوء السحري، ثم ألقى به مباشرة نحو زايروس!
النتيجة؟
الرمح شق الهواء بسرعة تفوق الصوت، متجهًا نحو قلب زايروس، لكن الأخير… ابتسم.
اصطدم الرمح بظل كثيف… وتلاشى.
زايروس لم يتحرك، بل كان يراقب أريان بنظرة مليئة بالسخرية.
— "محاولة جيدة، لكنك لا تزال غير مستعد لمواجهة الظلام الحقيقي."
في لحظة، انتشرت خيوط الظلام مرة أخرى، لكنها لم تكن موجهة للهجوم… بل غطت المكان بالكامل، حتى أطفأت جميع الأضواء المتبقية.
الظلام ابتلع كل شيء.
— "مرحبًا بك في العدم، أيها الوريث."
62تم تحديث
Comments