الظلام ابتلع كل شيء.
شعر أريان ببرودة شديدة تسري في جسده، كما لو أن كيانه نفسه بدأ يذوب داخل العدم. لم يعد يستطيع رؤية شيء، ولا حتى الشعور بقدميه على الأرض. كان المكان بلا حدود، بلا شكل، مجرد فراغ متحرك يتلاعب بحواسه.
— "ما هذا؟ أين أنا؟"
ارتفع صوت زايروس في الفراغ، هادئًا لكنه محمل بقوة غريبة:
— "هذا هو العدم… حيث لا يوجد ضوء، ولا وجود، ولا حتى أمل."
في لحظة، سمع أريان همسات غريبة تتردد حوله، أصوات لم تكن تخص زايروس… بل كانت تأتي من الفراغ نفسه.
— "أنت ضعيف…"
— "لن تتمكن من الهروب…"
— "لا أحد سينقذك…"
أصوات أشبه بالهواجس، كأنها انعكاسات من مخاوفه الدفينة.
أخذ أريان نفسًا عميقًا، محاولًا التمسك بوعيه، لكنه شعر وكأن عقله يُسحب ببطء نحو هاوية لا نهاية لها. هل كانت هذه خدعة سحرية؟ أم أن المكان نفسه يمتلك إرادة خاصة به؟
— "هل ترى الآن؟" تابع زايروس بصوت خافت. "كل شيء تُؤمن به، قوتك، إرادتك… كلها مجرد وهم. في النهاية، الجميع ينهار أمام العدم."
لكن أريان لم يكن مستعدًا للاستسلام.
حاول التركيز، استحضار قوته، استدعاء الكتاب… لكنه لم يستطع.
شعر وكأن روحه تُسحب إلى أعماق الظلام، شيئًا فشيئًا.
ثم… وسط ذلك الظلام اللانهائي، سمع صوتًا آخر.
صوت مختلف، مألوف.
"أريان… لا تدع الظلام يبتلعك."
اتسعت عيناه. ذلك الصوت… كان ميكا!
وميض في العدم
في الخارج، كان ميكا واقفًا وسط القاعة، عينيه تحدقان في الفراغ الذي غطى المكان. كان يعلم أن أريان قد تم جره إلى بُعد آخر، إلى عالم زايروس الخاص.
لكنه لم يكن عاجزًا.
رفع يده اليمنى، ورسم ببطء رمزًا قديمًا في الهواء، مستخدمًا إصبعه كما لو كان يكتب على زجاج غير مرئي. مع آخر لمسة، بدأ الرمز يتوهج بضوء ذهبي خافت.
— "أريان… إذا كنت تستطيع سماعي، تذكر… القوة ليست فقط في الهجوم، بل في معرفة نفسك!"
داخل العدم
تردد الصوت داخل عقل أريان، مثل صدى عبر الفراغ. في تلك اللحظة، أدرك شيئًا مهمًا… زايروس لم يسلبه قوته، بل جعله يعتقد أنه بلا قوة!
— "إنه وهم…" تمتم لنفسه.
أغمض عينيه، واستجمع تركيزه. بدلاً من محاولة استدعاء قوته بالقوة، استرخى، وترك طاقته تتدفق بحرية داخله.
وفي تلك اللحظة…
اشتعلت شرارة ذهبية وسط العدم.
كانت صغيرة، بالكاد تُرى، لكنها كانت كافية لكسر الظلام.
زايروس، الذي كان يراقب كل شيء، اتسعت عيناه قليلاً.
— "مستحيل… كيف؟"
لكن أريان لم يتوقف.
تلك الشرارة تضخمت، تحولت إلى وهج، ثم إلى شعاع ضوء اخترق الفراغ، ليشق طريقه عبر العدم.
وفي لحظة خاطفة… عاد أريان إلى القاعة!
المواجهة تتجدد
عندما فتح عينيه، كان يقف على أرضية المعبد مرة أخرى، والظلال التي أحاطت به قبل لحظات بدأت تتراجع ببطء.
زايروس، الذي كان يقف بثقة قبل لحظات، الآن بدا أكثر جدية.
— "هذا مثير للاهتمام…" قال بصوت هادئ، لكنه هذه المرة لم يكن يبتسم.
رفع يده، وبدأ الظلام يتكاثف من جديد، أقوى من قبل، لكن أريان لم يكن هو الشخص نفسه الذي دخل في هذا المكان منذ قليل.
نظر إلى زايروس، وعيناه تتوهجان بإصرار جديد.
— "الآن… دوري."
زايروس لم يتحرك على الفور. كان يراقب أريان بعينيه الباردتين، وكأنه يحاول تحليل التغير المفاجئ الذي طرأ على خصمه. رغم ذلك، لم يكن هناك أثر للخوف أو التوتر في ملامحه، بل بدا وكأنه استمتع بما يحدث.
— "لقد كسرت وهمي… لكن هذا لا يعني أنك انتصرت."
رفع يده ببطء، ومعها، بدأ الظلام الذي كان قد بدأ في التراجع يتجمع مرة أخرى، لكن هذه المرة، كان أكثر كثافة، كأنه دوامة سوداء تتشكل حوله.
أريان شعر بضغط هائل ينبعث من زايروس، مختلف تمامًا عن السابق. كان الأمر كما لو أن العدو لم يستخدم قوته الحقيقية بعد.
— "الآن… سأريك جزءًا من العدم الحقيقي."
في لحظة، اندفعت موجة هائلة من الظلام نحو أريان، ليس كطاقة هجومية عادية، بل كأنها امتداد لكيان زايروس نفسه.
أريان لم يتراجع.
مد يده إلى الكتاب، الذي استجاب فورًا وتوهج بنقوش ذهبية قديمة. فتحه بسرعة، وبدأت صفحات الكتاب تتقلب من تلقاء نفسها، إلى أن توقفت عند إحدى الصفحات، التي أطلق منها ضوء كثيف كاد يبدد الظلام بالكامل.
— "إذًا، لديك المزيد لتُريَني إياه."
ارتطم الظلام والنور بقوة، مما أحدث انفجارًا عنيفًا في وسط القاعة.
الجدران الحجرية اهتزت، والسقف تصدع، وكأن المعبد نفسه لم يستطع تحمل هذه القوة.
لكن زايروس لم يتوقف.
بإشارة واحدة من يده، تحول الظلام إلى عشرات السيوف السوداء التي انطلقت بسرعة جنونية نحو أريان.
أريان لم يعتمد على الدفاع فقط.
حرك يده، فتوهجت إحدى صفحات الكتاب، ليظهر درعٌ أثيري أمامه، مصنوع من رموز سحرية متشابكة. السيوف اصطدمت بالدرع، لكن بدلاً من أن تتحطم، بدأت تتلاشى واحدة تلو الأخرى، كأن الكتاب كان يمتصها.
زايروس ضاق عينيه قليلاً.
— "مثير… يبدو أن الكتاب ليس مجرد أداة قوة، بل لديه إرادة خاصة."
لكن قبل أن يتمكن أريان من الرد، اختفى زايروس فجأة!
في جزء من الثانية، شعر أريان بحركة خلفه. استدار بسرعة، لكن لم يكن سريعًا بما فيه الكفاية.
قبضة مظلمة اخترقت درعه الأثيري، واصطدمت مباشرة بجانب وجهه، دافعةً إياه بعنف إلى الجدار!
تحطم الحجر، وسقط أريان على الأرض، ودمه يتساقط من زاوية فمه.
زايروس كان يقف هناك، هادئًا، وكأن الضربة لم تكن سوى تحذير.
— "قوتك مثيرة للإعجاب، لكنك لا تزال تفتقر إلى شيء أساسي…"
رفع إصبعه، وأشار إلى رأسه.
— "الفهم. لديك القوة، لكنك لا تفهمها بعد. وهذا ما يجعلك ضعيفًا أمامي."
أريان، رغم الألم، ابتسم.
مسح الدم عن فمه، ونهض ببطء.
— "ربما… لكنني أتعلم بسرعة."
فتح الكتاب مجددًا، وهذه المرة، لم يكن الضوء الذي خرج منه مجرد وهج… بل انفجار طاقة ضخمة جعل المعبد يهتز بالكامل!
62تم تحديث
Comments