كان أريان يقف عند حافة الهاوية. الجدران المظلمة التي تحيط به بدأت تتآكل كأن الزمن نفسه كان يمر عليها ببطء، لكنها كانت تنبض بالحياة في كل خطوة يخطوها. شعور غريب كان يعتصر قلبه، وكأنّه يواجه حقيقة تتجاوز قدرته على الفهم. هو في مكانٍ بعيدٍ عن العالم الذي يعرفه، في خضمّ مكانٍ لا يُمكن تحديده بين الزمان والمكان.
في يده، كان الكتاب، الذي بدأ يبدو أكثر من مجرد وسيلة للمعرفة. كان يحمل بين طياته شيئًا أكبر من الكلمات، شيئًا غير مرئي وغير ملموس، لكنه كان يضغط على عقله في كل لحظة. كان يشعر به كحياة تتدفق فيه، تتنفس معه، وكأن الكتاب هو جسده الثاني الذي يوازيه.
بدأ يتنفس ببطء، محاولةً لتهدئة نفسه بينما تراقب عيناه كل التفصيلات حوله. المكان الذي كان يبدو هادئًا في البداية أصبح الآن مكانًا مملوءًا بالتوتر، يحيط به في كل زاوية. هو يعرف أن الوقت قد حان لاكتشاف ما وراء تلك الجدران، وأنه لا يمكنه الهروب من الحقيقة التي كانت تقترب منه في كل لحظة.
مرت دقائق طويلة، أو ربما كانت ساعات، قبل أن تلمح عيناه شيئًا ما في الأفق، أضواء خافتة تتلألأ من بعيد. كان ظلالًا متحركة، غير واضحة، لكن كانت هناك. بدأ أريان يسير ببطء نحوها، مع كل خطوة تقترب منها كانت همسات الكلمات في الكتاب تتسارع في عقله، تعيده إلى أفكار لم يكن قد أدركها من قبل.
ثم ظهرت أمامه، وسط الظلام الدامس، شخصياتٌ غريبة كانت تنتظره في تلك المنطقة المظلمة. كان واضحًا من ملابسهم وأسلحتهم أنهم ليسوا من هذا الزمان، أو ربما كانوا جزءًا من عالم آخر، مكان يتواجد فيه الزمن ذاته بكل تعقيداته.
"أريان... أنت هنا أخيرًا." قالت إحداهم بصوت عميق، مفعم بالغموض. كانت عينها متوهجة بضوء خافت، تشبه عيون الوحوش القديمة في القصص المظلمة. كان وجهها غارقًا في السكينة الموحشة التي تفرضها تلك الأرض.
أريان شعر بالقشعريرة تمر في جسده. كانت تلك الشخصيات تحمل في عيونها قصة من الزمن البعيد، ومن الواضح أنهم يعرفون أكثر مما ينبغي عن رحلته.
"من أنتم؟" سأل أريان بصوت هادئ، على الرغم من أن قلبه كان ينبض بشدة في صدره. "كيف تعرفون اسمي؟"
ضحك الشخص ذو العينين المتوهجتين، وتقدّم خطوة للأمام، فاستشعر أريان قوة تتدفق من حوله. كان هناك شيء في هذا الشخص يبدو كأنه يمتلك قوة مدهشة، وكأن الزمان والمكان نفسه يخضعان له.
"نحن الحراس... الحراس لما وراء الزمن." أجابت المرأة بصوت مليء بالغموض، ثم تابعت، "أنت لست مجرد شخص عادي، أريان. أنت شخص جئت من زمنٍ آخر، وأنت تختبر الآن اختبارًا سيكون له تبعات على أكثر من مجرد حياتك."
أريان شعر بكلماتها تتغلغل في قلبه، وتحرقه بشدة. كان يعلم أن شيئًا عميقًا كان على وشك الكشف، شيء لم يكن مستعدًا له. لكن رغم الخوف الذي شعر به، شعر في داخله بشعور غريب من الأمل، كأن هذا اللقاء كان نقطة تحوّل.
"ماذا تعني بتبعات؟" سأل أريان، وهو يشعر أن عقله بدأ يغلي من الأسئلة.
ابتسم الحارس، ثم أشار إلى الكتاب الذي كان لا يزال بين يديه، وقال: "الكتاب ليس مجرد أداة علم، بل هو قطعة من الذاكرة المفقودة... ماضيك، ومستقبلك، يتشابكان فيه. يجب عليك أن تفهمه إن أردت أن تكتشف من أنت."
لكن قبل أن يتمكن من الرد، شعرت أقدام أريان تهتز تحت وطأة شيء ما. كانت الأرض تبدأ بالاهتزاز، وكان الظلام يزداد كثافة. الشخصيات التي أمامه أخذت تتراجع ببطء إلى الظلال، كأنهم جزء من الكابوس الذي أصبح ينسج حوله.
"أنت في عالمٍ مختلف، أريان." قالت المرأة بأحد همساتها الغامضة. "لكن عليك أن تختار... هل أنت مستعد لأن تكشف الحقيقة؟ أم أنك ستتركها تغرق في الظلام؟"
كان أريان يقف في صمت، محاطًا بالأسرار التي لا يستطيع الفهم الكامل لها. قلبه ينبض بشدة، وكل خلية في جسده كانت تتردد بين الأمل والخوف. كانت الإجابة أمامه، لكن الطريق إليها كان مليئًا بالخيارات الصعبة.
وفي اللحظة التالية، انفجر الصوت. اهتز المكان من حوله كأن الزمان نفسه تمزق، ثم فجأة... ساد السكون.
تراجع الحراس في الظلال، تاركين أريان وحده في قلب الظلام. بدأ عقله يعمل بسرعة، والأجوبة تومض أمامه. كان يعلم أن هذا ليس سوى بداية الطريق، وأن الحقيقة كانت هناك في الظلام، تنتظره ليكتشفها.
كان الكتاب في يده يصدح الآن بأصوات مكتومة، كأن الكلمات بدأت تنبض بالحياة مرة أخرى، كأن الكتاب يتنفس في يده، ينتظر أن يكشف له عن جزء آخر من لغز حياته.
وفي تلك اللحظة، لم يعد أريان يشعر بالخوف. كانت قوة غريبة تندفع في جسده، وكانت أعين الشخصيات المظلمة في عقله. ومع كل خطوة، كان يعلم أن ما هو قادم أكبر من أي شيء كان يتخيله.
62تم تحديث
تنزيل على الفور
novel.download.tips
Comments