بينما كان أريان يواصل السير في الممر الضيق المظلم داخل الكهف، كانت خطواته تتردد في المكان، تكتسحها الصمت المطبق. ضوء القمر يتسلل بصعوبة عبر شقوق الصخور التي تتناثر في كل مكان، لكن الطريق أمامه كان غامضًا، كما لو أن كل خطوة تأخذه إلى مكان جديد من الزمان والمكان. كان يشعر بثقل كل لحظة، كما لو أن كل خطوة تدفعه بشكل قسري نحو مصيره الذي لا مفر منه.
كان أريان قد قرر في أعماقه أن هذا الكهف ليس مجرد مكان؛ إنه نقطة تحول في حياته، كما لو أن الجدران نفسها تحاول أن تخبره شيئًا. روحه المبعثرة بين الخوف والفضول، تأخذ كل خطوة بتردد، لكن قلبه ينبض بشدة لا يمكن تجاهلها. كان يعلم أن هذا الكهف ليس مجرد اختبار عادي. كان كل شيء ينبئه بذلك: الظلام المطبق، الصمت الذي يخنق الأنفاس، والهواء الذي كان يطير فيه شعور غريب، كما لو كان هناك من يراقب.
وفي لحظة معينة، شعر بشيء غريب يلمس يده. التفت بسرعة ليتفاجأ بأنه كان قطعة حجرية كبيرة، كانت مخفية بين الصخور. تلامس يده مع الحجر فشعر بشيء غير عادي، شعور يجعل جسده يرتجف. كانت الحرارة تتدفق منه بشكل غريب، وكان الصوت الهادئ لشبح ريح يملأ المكان. هناك شيء عن هذا الحجر كان يربطه بشيء أكبر، ربما كان البوابة إلى ما هو أبعد من هذا العالم. لم يكن أريان متأكدًا مما يجب عليه فعله، ولكن شيئًا في قلبه أخبره بأن هذا الحجر لا بد أن يكون ذا علاقة بما هو قادم.
عندما رفع يده، شعر بشيء غريب يجذب الجسد كله للأمام، كما لو أن قوة خفية كانت تدفعه نحو الطريق المظلم الذي كان يمتد أمامه. بكل تأكيد، لم يكن أريان قد اعتاد على هذه القوى التي بدأ يشعر بها، لكنها كانت تضعه في مواجهة مع معركة أعمق من كل ما اختبره من قبل. أخذ نفسًا عميقًا ثم مد يده نحو الحجر، ليشعر بأن جسده أصبح جزءًا من شيء أكبر بكثير من مجرد الكهف.
وبينما كان يلمس الحجر، بدأ المكان من حوله يهتز، وكأن الكهف نفسه كان يفتح بواباته. فجأة، بدأ الضوء ينساب من الحجر، مستعيدا إشراقه، ليشكل دائرة من النور حول أريان، وبدأ الصوت الغامض يتعالى، كما لو أنه صدى من عصور بعيدة.
"أريان... أنت... على شفا اكتشاف ما لم يتوقعه أحد..." كانت الكلمات تتردد في ذهنه، كما لو أن الكون نفسه كان يتحدث إليه.
وفي تلك اللحظة، أدرك أريان أن ما كان يعتقده مجرد تدريب هو الآن جزء من معركة حقيقية، معركة ستغير مسار حياته إلى الأبد. أما في الظلام، فقد كانت عيناه تلمعان بشدة، عيناه الزرقاوان اللتان امتلأتا بالتصميم. وداخل قلبه، كان يختزن سؤالًا عميقًا: هل كان مستعدًا للمرحلة القادمة من مصيره؟
كان البطل يتنفس بصعوبة، لكن فكره كان يتسارع بسرعة. هل كان مستعدًا للتحدي الذي سيواجهه؟ لم يكن متأكدًا تمامًا، لكنه كان يعلم أن هذه اللحظة، لحظة المضي قدمًا، ستحدد كل شيء. وبينما كان ينتقل من تلك اللحظة إلى أخرى، تتراقص أسئلة جديدة في ذهنه.
أعاد يده عن الحجر، وكأن شيئًا أكبر كان يترقب اللحظة التي سيواجه فيها القادم. في الزمان والمكان الذي سيأتي، كانت الحقيقة المختبئة في الظلال تنتظره، كما لو أنها كانت تراه في كل خطوة يخطوها.
بينما سحب أريان يده عن الحجر، شعر بذبذبات خفية تسري في جسده، كما لو أن شيئًا قد استيقظ داخله. ارتجفت الأرض للحظة قبل أن تهدأ، وعاد الصمت ليغلف المكان مرة أخرى. لكن هذه المرة، لم يكن الصمت كما كان من قبل. كان ثقيلًا، مشبعًا بشيء غير مرئي، كأن الكهف بأسره كان يترقب خطوته التالية.
رفع أريان بصره إلى الأمام، حيث امتد الممر ليقوده إلى قاعة واسعة مظلمة، بالكاد تستطيع عيناه التقاط ملامحها في العتمة. كان الهواء مشبعًا برائحة قديمة، مزيج من الغبار والرطوبة، لكنه لم يكن وحده هنا. كان هناك شيء... أو أحد، يراقبه من الظلال.
بخطوات حذرة، تقدم أكثر، ولم تمر سوى لحظات حتى سمع صوتًا خافتًا يخترق الهدوء. لم يكن صدى لصوته، بل كان شخصًا آخر.
"لم أتوقع أن يصل أحد إلى هنا بهذه السرعة..."
تجمد أريان في مكانه، يبحث بعينيه عن مصدر الصوت. ثم، من بين الظلال، ظهرت شخصية غامضة. كان رجلًا طويل القامة، ذو شعر أسود طويل ينسدل على كتفيه، وعينين حمراوين متوهجتين كجمرة تحت رماد. كان جسده نحيفًا لكن عضلاته مشدودة، تعكس قوة دفينة، وكان يرتدي رداءً داكنًا مزينًا بنقوش ذهبية متداخلة، وكأنه ينتمي إلى عصر مختلف تمامًا.
نظر الرجل إليه بابتسامة خفيفة، لكنها لم تكن ودودة. بل كانت تحمل سخرية خفية، وكأن أريان ليس أكثر من متطفل وقع في فخ غير مرئي.
"أنت..." بدأ أريان، لكن الرجل قاطعه بإيماءة هادئة.
"أنت الذي يجب أن يثبت نفسه هنا، أليس كذلك؟" قال الرجل بصوت هادئ لكنه محمل بالسلطة. "أم أنك مجرد عابر سبيل آخر سيُبتلع في ظلام هذا المكان؟"
شعر أريان بوخزة من التحدي في كلماته، لكنه لم يسمح لنفسه بالارتباك. قبض يده بقوة، وشعر بشيء غريب يتدفق في داخله، كما لو أن الحجر الذي لمسه سابقًا قد ترك أثرًا في جسده. كانت هذه اللحظة حاسمة... وإذا لم يكن مستعدًا الآن، فلن يكون هناك وقت آخر للاستعداد.
62تم تحديث
تنزيل على الفور
novel.download.tips
Comments