الفصل18: من إيلي الخاصة بك

...توقفت الدراجة التي عُقد شريطٌ أخضر على مقبضها أمام شجرة توا العليق وهي تُصدر صوت صرير....

...أوقفت ساشا دراجتها بسرعة بعد أن ضغطت على المكابح، ثم نظرت داخل صندوق البريد المفتوح على مصراعيه لقصر توت العليق....

...من المؤكد أن ساعي البريد المهمل قد دفع الرسائل بتهور وغادر. ...

...كان داخل صندوق البريد عدة رسائل مختومة بختم مكتب بريد لوران....

...لا بد أن جميعها موجهةٌ إلى السيد روبرت....

...أخرجت ساشا المغلفات من الصندوق لتُسلمها إلى الرجل الموجود بالداخل....

...لم يكن هناك شيء يلفت النظر بشكل خاص. حتى عثرت على مغلفِ بنفسجي يفوح عطر أزهار الليلك....

...<من، إيلي الخاصة بك.>...

...كان مغلفًا فاخرًا و ناعم الملمس بخلاف المغلفات الأخرى السميكة والصلبة....

...وقد كُتب توقيع ودودٌ في الزاوية السفلى منه....

...إيلي؟ أليس هذا اسم امرأة؟...

...تسللت إليها فجأة مشاعر الفضول....

...هل يا تُرى تكون هذه الرسالة من المرأة التي جاءت إلى القصر في العربة المرة الماضية؟...

...أخذت ساشا الرسالة ودخلت إلى الداخل بخطواتٍ سريعة. و كان السيد روبرت في مكتبته....

...بمجرد أن طرقت الباب، أذن لها بالدخول. ثم أوصلت ساشا الرسائل إلى مكتبه....

...“هل كلها من لوران؟”...

...لم يُجب الرجل....

...انتظرت ساشا طويلًا حتى أدركت أنه تم تجاهلها....

...“دعيها هناك واذهبِ الآن.”...

...أخرج السيد روبرت سكين فتح الرسائل وأعطى أمره بهدوء....

...كان صوته جافًا كلوح خشب يابس. فاستدارت ساشا بهدوء متجهةً نحو الباب لتخرج....

...“ساشا.”...

...ناداها مجددًا، فاستدارت بسرعة. لكن السيد روبرت لم يرفع رأسه وأضاف،...

...“لا تعبثي بصندوق البريد مرة أخرى. سأتحقق منه بنفسي من الآن فصاعدًا.”...

...أومأت ساشا برأسها....

...وأظهرت فتاة مانولي ابتسامةَ اعتذار على شفتيها، ووعدت بأدب بأنها لن تمس الرسائل من تلقاء نفسها بعد الآن....

...وقبل أن يُسمع صوت إغلاق الباب، رفع روبرت رأسه لا شعوريًا ونظر إليها....

...كان لون وجهها، وقد تلاشى منه ذلك الاحمرار الوردي، شبيهًا بساحل مانولي في فترة ما بعد الظهيرة—باهتًا لكنه يلمع بلونٍ زهري خافت....

...***...

...انتهى وقت الغداء....

...كان روبرت يعلم أن ساشا تنتظره في غرفة الطعام، لكنه لم يخرج....

...خلع نظّارته وتمدد، فشعر بتيبّسٍ في كتفيه. ثم تناول بشكلٍ عشوائي الرسائل التي لم تكن ذات أهمية كبيرة ووضعها جانبًا على مكتبه ليطّلع عليها بسرعة....

...رسالة من إليانور. لم تكن هناك حاجةٌ للرد عليها....

...كان مضمونها المتوقع هو أن نفقتهم قد انتهت بسبب مرض الطفل....

...كان روبرت يعلم أن ذلك ليس صحيحًا، وأن معظم المبالغ التي قدمها لهما قد صُرفت على غرور إليانور....

...لكن ما كان مهمًا هو أن الطفل مدرجٌ في وصية والده،...

...ولذلك كان من واجب روبرت أن يعتني بإليانور وطفلها حتى يبلغ سن الرشد....

...طرق بأطراف أصابعه على المكتب وهو يضع الظرف جانبًا....

...“هل أنتَ مشغول جدًا؟”...

...كانت ساشا فينوش من أطلّت برأسها بين فتحة الباب بعد أن أحسّ بحركتها. فقد دخلت دون أن تُصدر صوت خطوات، وسألت على غير عادتها بنبرة خجولة....

...“ماذا عن اللوحة؟”...

...فجأة أدرك روبرت أن ساشا قد كبرت كثيرًا....

...وعندما اتكأ على مسند الكرسي، لفت انتباهه وجهها النحيف وأطرافها الطويلة النحيلة....

...من المؤكد أنها باتت تلفت أنظار الفتيان في مثل عمرها....

...وبشكل غير واعٍ، بدأ ينقر بأصابعه على الطاولة بوتيرة أسرع قليلًا....

...هكذا إذاً…..بعد عامين فقط ستصبح هذه الفتاة راشدةً أيضًا....

...'لا تترك نفسك تنجرف…..'...

...في تلك اللحظة تذكّر روبرت كلمات السيد فينوش....

...لو لم تكن نزوةً عابرة لا يفهمها حتى هو نفسه، لما تقاطعت حياته ولو للحظة مع الحياة التافهة لساشا فينوش....

...“ألا تذكر أنك وعدتني بالسماح لي بالتجول بحريةٍ في الحديقة مقابل أن أرسم لك لوحةً تعلقها على الحائط؟...

...أخبرني بما ترغب فيه، وسأرسمها لكَ في عطلة هذا الفصل حتمًا.”...

...ظنّت ساشا أنه قد نسي، فشرحت الأمر بحذر. و غاص روبرت في التفكير....

...ربما هذا الميل نابعٌ من اندفاع غير مبرر وغير عقلاني....

...وربما تصادف فقط أن لوحةً رسمتها قد أسَرته، فاختلط عليه شعور التقدير الفني بمشاعره تجاه الرسامة نفسها....

...كانت كلمات بونوا فينوش صحيحة....

...إن لم يكن قادرًا على تحمّل المسؤولية، فعليه أن يترك الأمر عند حدود الفضول....

...لا بأس إن كانت اللوحة مميزة، لكن من المزعج أن تصبح الرسامة نفسها مميزة....

...رجل ثري يدعم فتاةً صغيرة موهوبة….....

...كانت كلمات إليانور، التي لم يُلقِ لها بالًا من قبل، تتردد الآن في رأسه....

...لكن، ربما، في نظر الآخرين، لا يبدو الأمر مختلفًا عمّا تظنه هي....

...وبعد أن توصّل إلى قراره، ضحك روبرت بخفة....

...“أي شيء.”...

...“عفوا؟”...

...وقفت ساشا مذهولة....

...كان روبرت يعرف ما الذي كانت تتوقعه....

...يعرف كم أن صداقةً مع غريب قد تعني الكثير لفتاةٍ تعيش في قرية ريفية محاطة بالغابات والبحر، لكن لا شيء آخر فيها....

...ربما لم يكن يعلم كل شيء، لكنه كان يعلم ما يكفي....

...“ارسمي أي شيءٍ يا ساشا.”...

...لم يتراجع روبرت عن قراره....

...تصرفت ساشا وكأنه جوابًا ما مخفيٌّ في ألواح الخشب التي تغطي الأرض. فساد صمت ثقيلٌ ومربك....

...كان وجهها أكثر شحوبًا مما كان عليه قبل قليل، حتى بدت وكأنها حوريةٌ خرجت من البحر....

...“إن لم يكن لديكِ أمر آخر، فأتمنى أن تغادري الآن.”...

...عند سماع تلك الكلمات، وكأنها استفاقت، رفعت ساشا رأسها بسرعة بعد أن أزاحت نظرها عن الأرض....

...“نعم، آسفة لإزعاجكَ في وقت انشغالك.”...

...اعتذرت الفتاة بأدب وخرجت مسرعةً من المكتبة....

...وبمجرد أن أُغلق الباب من الخارج، شعر روبرت بذلك فورًا....

...خيبَة الأمل والخجل اللذان شعرت بهما فتاة، رُفضت من شخصٍ كانت تعتبره مميزًا....

...نهض روبرت بهدوء، متقبلًا النهاية الفارغة لعلاقةٍ هشة كانت أشبه بقصر من الرمل....

...لقد حان الوقت لينهي حياته العبثية في هذه القرية الهادئة....

...***...

...كانت محطة قطار مانولي دائمًا هادئة. ...

...منذ أن جاء إلى هذه المنطقة، لم يرَ روبرت ولو لمرة واحدة هذه المحطة مكتظةً بالركاب....

...نظر إلى ساعته في معصمه. لا يزال هناك بعض الوقت قبل وصول القطار....

...أخرج روبرت علبة سجائره الجلدية المسطّحة من جيبه....

...و اتجه إلى الطرف البعيد عن السكة الحديدية، وفكّر بأنه ما إن يعود إلى لوران، سيتوجب عليه أولًا بيع قصر توت العليق....

...منذ ذلك اليوم الذي دار فيه حديثهما الأخير — إن كان يمكن اعتباره حديثًا أصلاً — لم يرَ ساشا بعدها....

...وقبل أن يتمكن هو من الابتعاد، كانت هي من بدأت تتجنّبه أولًا....

...كانت الدراجة المزيّنة بالشريط لا تزال متوقفةً أمام البوابة، وكان يسمع وقع خطواتها تمر عبر الرواق نحو المرسم، لكن على الأقل لم يعد يصطدم بها وجهًا لوجه....

...حتى حين كان يخرج لقراءة كتاب أو للاعتناء بالحديقة،...

...لم تعد تلك الفتاة تحوم حوله كما كانت تفعل سابقًا....

...وفي بعض الأحيان كان يشعر بأن هناك من يراقبه،...

...لكن حين يلتفت، لم يكن يرى أحدًا. و لم يكن هناك سوى ضوء الشمس المتسلل بين الأوراق....

...مرّ آخر صيف قضاه في قصر توت العليق هكذا بهدوءٍ تام....

...“السيد روبرت!”...

...في اللحظة التي كان على وشك إشعال سيجارته، سمع صوت فتاةٍ لم يكن من المفترض أن تكون هنا....

...وبردة فعل تلقائية، أخفى السيجار الذي كان بين شفتيه في جيبه....

...وحين التفت، وجد ساشا لينوش تبتسم له ابتسامةً مشرقة، بلا أي تحفظ، وكأنها لم تكن تملك ذرةً من الكبرياء. بينما كانت عيون الركاب القلائل في المحطة تتابعها بفضول....

...“لحسن الحظ أن القطار لم يصل بعد! لقد أنهيتها بالكاد هذا الصباح. كنت قلقةً جدًا أن ترحل قبل أن تجف الألوان.”...

...بدأت ساشا تتحدث بلا توقف....

...كانت عيناها تلمعان بحيوية، دون أدنى أثرٍ للنعاس، رغم أنها قضت الليل بطوله تنتظر جفاف اللوحة....

...شعرها البرتقالي الفاتح كان فوضويًا، لكن جسدها كله كان ينبض بالحياة....

...قبل وصول القطار مباشرة، كانت المحطة الباردة تطلق حرارةً غريبة كما لو أنها مليئةٌ بخيال مميز....

...في وسط رائحة البرتقال المنعشة التي بدت غريبةً هنا، أدرك روبرت متأخرًا أن ساشا كانت قد جلبت شيئًا معها....

...كانت تحمل حملًا كبيرًا يساوي حجم جسدها العلوي، ملفوفًا في ورق....

...همست له ساشا بشيءٍ وكأنها تطلب منه شيئًا....

...من بعيد، كان القطار الضخم يقترب بسرعة أكبر مما كان يمكن تصوره. و تلاشى آخر ما قالته الفتاة، مختبئًا تحت صوت القطار الهائل....

...وبينما بدأ الزمن المتوقف يتحرك مجددًا، بدأ الناس في التحرك بسرعة....

...لم يتوقف القطار طويلًا في هذه المحطة التي لا يوجد بها العديد من الركاب. فركب روبرت القطار كما لو أنه كان مدفوعًا....

...من خلال نافذة القطار الفاخرة، كان يمكنه رؤية ساشا فينوش محاطةً بالبخار الأرجواني. و كانت يدها التي رفعتها إلى الأعلى تهتز من جانبٍ إلى آخر، كما لو كانت تُحييه....

...لا، كانت تلك تحيةً موجهة له حقاً....

...بدأت القاطرة السوداء تتحرك على القضبان بصوت طقطقة. ...

...ورغم تغير المناظر خارج النافذة، استمر روبرت في النظر إلى نفس المكان لفترةٍ طويلة. و طعم السيجار الذي كان على شفته، دون أن يتمكن من إشعاله، كان مرًا....

...***...

...العودة إلى المدرسة كانت واحدةً من الكلمات التي تكرهها ساشا بشدة....

...منذ بضعة أيامٍ قبل نهاية العطلة، بدأت ساشا تدعو أن تظهر أسرابٌ من الفئران في المبنى المدرسي ليتم تأجيل بداية الفصل الدراسي. ...

...لكن دعواتها، مثل تمنيات الكسول الذي يهرب من الواقع، فلم تكن ذات فائدة، وبدأ الفصل الدراسي الجديد كما كان مقررًا، دون أي تغيير....

...بدأت دروس الرياضيات والتاريخ والجغرافيا الرهيبة من جديد....

...هل يمكنها أن تترك المدرسة وتكتفي بالرسم فقط؟ ...

...كانت ساشا أكثر من مرحبةٍ بهذا، لكن السيد فينوش لم يسمح لها بذلك....

...وكان أيضًا الراعي، البارون أوغوست، يرغب في أن تكمل ساشا دراستها. كان لا بد من ذلك....

...بينما كانت تكتب الملاحظات، كانت ساشا تقضم طرف قلمها بتململ. و تأمل أن يُستجاب دعاؤها المتأخر وتظهر الفئران، لكن لم يحدث شيءٌ من هذا القبيل، وانتهت المدرسة بعد الظهر....

...عند الخروج من بوابة المدرسة مع إيلويز، كانت هناك مجموعةٌ من الطلاب متجمعين في زاوية....

...بدافع الفضول، انضمت ساشا إلى الحشد، وعندما رأت رأسًا مألوفًا بارزًا من بين الجموع، تراجعت بسرعة....

...“إنه ابن السيد باربو! يبدو أنه جاء ليبحث عنكِ.”...

...قالت إيلويز، التي لحقت بها، ذلك وهي تضحك بينما كانت تقرص ساشا....

...كان داميان، الذي كان أطول من باقي الفتيات في المدرسة، قد رآها بالفعل، وكان يقترب منها بخطواتٍ واسعة....

...___________________...

...اوه طويل ✨ بس ماله نصيب...

...روبرت يوم ركب القطار الظاهر ان هنا بدت وقعته اكثر😭😭😭😭😭🤏🏻...

...ساشا تجنننننن غازلته وهي ماتدري ✨...

...شسمه العنوان طلع بس عشان رساله اليانور الدلوعه؟ خير😂...

...Dana...

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon