الفصل1: ملاك

...تحت شجرة البرتقال، جلست فتاةٌ على كرسيٍ حديدي مطلي باللون الأخضر، تبدو عليها ملامح الملل....

...وعلى الطاولة الحديدية المطلية بنفس اللون، وقد تقشر جزءٌ من طلائها، كانت هناك كراسة واجبات مدرسية مفتوحة، متروكةٌ بإهمال بعد أن خُربشت فيها بعض الخطوط....

...تطايرت الأوراق غير المثبتة مع نسمات الرياح، لكنها لم تنجح في جذب انتباه الفتاة ذات العشرة أعوام....

...“ارسمي مكاناً بعيدًا. يجعلكِ تحلقين مع الريح إلى مكانٍ لا يمكن لأنزو أن يجدكِ فيه.”...

...أدت ساشا واجباتها التي أعطاها لها شقيقها، وهي تحرك أطراف قدميها بكسل....

...كان يومًا جميلًا، جميلًا لدرجة أنه من المؤسف أن تقضيه محبوسةً داخل المنزل هكذا. ولم تحتمل الملل أكثر، فانزلقت بجسدها المتكئ على الكرسي بانزعاج....

...خارج السياج المتدلّي عليه نباتات الكرمة الخضراء الداكنة، كان بعض المارة يقفون على رؤوس أصابعهم وينظرون إلى الداخل كما لو كانوا يطمئنون على الحال قبل أن يتابعوا طريقهم....

...الخبر عن أن ساشا، التي كانت تذهب إلى قصر توت العليق لتؤنس ساكنه، كادت أن تموت في حادث،...

...كان قد انتشر في القرية وأصبح معروفًا لدى الجميع....

...منذ اليوم الذي عادت فيه محمولةً على ظهر إنزو، مُنعت ساشا من مغادرة المنزل إلى أي مكان....

...'يا لها من كارثة……حظر خروج!'...

...ركلت الأرض بذهول....

...أشعة الشمس، الناضجة بقدر نضج ثمار البرتقال، كانت تمتد بقوة، وكأنها تسخر من حظها السيئ وهي محبوسةٌ في الداخل. ومع ركلتها الممتعضة، تدحرجت قطعةٌ معدنية تصدر صوتًا معدنيًا عاليًا....

...'ساشا بينوش! أيتها المشاكسة!'...

...لكن التوبيخ المعتاد الذي كان يُفترض أن ينهمر عليها في مثل هذا الوقت لم يُسمع....

...التقطت ساشا القطعة التي سقطت تحت الأرجوحة، ثم تسلقت شجرة البرتقال بسرعة....

...من خلال النافذة المفتوحة في الطابق الثاني، كانت الستارة المزينة بالدانتيل تتمايل وكأنها تلوّح لها....

...و كانت الجدتان غارقتين في نوم القيلولة العذب....

...الجدة لولو في الكرسي البنفسجي المفضل لديها، والجدة إلودي مستندةٌ إلى ظهر السرير....

...كلتاهما كانتا في نومٍ عميق جدًا. و بينما كان هؤلاء الحراس نائمين، تسللت ساشا بهدوءٍ عبر البوابة الصفراء المضيئة....

...مع صوت صريرٍ خفيف، أغلقت البوابة، لكن لم يلاحظ أحد. فصرخت ساشا فرحًا وهربت بسرعة. إلى الغابة التي لا يمكن لأحد أن يجدها فيها....

...في الصيف، كانت غابة مانولي تتلون بلونٍ داكن. و كانت ساشا تحب المغامرات التي تقوم بها في الغابة الكثيفة الزرقاء....

...غابة مانولي كانت دائمًا ثابتة، لكن لم تكن أبدًا كما هي تمامًا في كل مرة. ...

...في الغابة كان هناك كل الألوان....

...لحاء الأشجار البني الذي يشبه الشوكولاتة. أحمر التوت البري العطر. اللون الوردي الفاتح لزهور الورد الصغيرة……...

...كانت ساشا تحب جمع كل تلك الألوان....

...أيضاً. في هذا الوقت، من المحتمل أن تكون هناك فراشاتٌ بيضاء في حقل الزهور البنفسجية....

...كانت خطواتها خفيفة لأنها كانت متحمسة لرؤية الفراشات....

...***...

...مانولي كانت قريةً صغيرة تقع في جنوب مملكة بريسين. و كان سكان مانولي يسمون قريتهم “غابة بريسين”. ...

...أليست العاصمة لوران، المحاطة بالأنهار والجداول، تُسمى جزيرة بريسين؟ إذاً، كانت مانولي، المحاطة بالأشجار، بمثابة غابة بريسين لا محالة....

...في الواقع، لم يكن أحدٌ سوى أهل مانولي يطلقون عليها “غابة بريسين”. وكان غالبية سكان بريسين لا يعرفون حتى بوجود قرية مانولي في الزاوية الجنوبية....

...لكن، ما الفرق في ذلك؟ مهما قيل، كان أهل مانولي فخورين بمكانهم....

...دخلت ساشا إلى أعماق غابة مانولي بكل فخر. ولكن عند الجدول حيث كانت تزرع بصيلات الزهور مثل الزنبق والنرجس، لم تكن هناك فراشاتٌ بأجنحة بيضاء، بل كان هناك فتى يرتدي زياً مرتباً. ...

...كان وجهًا غريبًا لم تره ساشا من قبل في القرية....

..."ربما ليس من سكان مانولي.”...

...همست ساشا كما لو كانت تُحدث نفسه ...

...بدا وكأنه لا ينبغي أن يكون هنا، و ربما بسبب شعور الغربة الذي أثارته ملابسه الغريبة....

...كان هناك زُخرفةٌ حمراء على كتفي سترته السوداء، وتطريزٌ بخيوط ذهبية على الياقة الزرقاء، وكانت الأزرار الذهبية تتدلى من أكمامه....

...كان هذه زيًّا يرتديه طلاب أكاديمية سَارساي العسكرية، لكن ساشا لم تتعرف عليه....

...لم يكن ينسجم مع هذه الغابة، و كان يبدو كملاكٍ سقط بالخطأً من السماء....

...تذكّرت ساشا اللوحة التي رأتها وهي تمسك بيد السيدة فينوش في المتحف الذي ذهبت إليه على دراجة...

...الصبي النائم وقد أسند رأسه إلى جدول جارٍ، كان يشبه الملاك في تلك اللوحة حقاً....

...عندما حرّكت أصابعها صدرت خشخشةٌ من ورق التغليف الذهبي لشوكولاتةٍ نسيت أنها وضعتها في جيبها أثناء قدومها...

...استفاق الصبي على ذلك الصوت....

...“ما هذا.”...

...نهض متضايقًا، و تشكلت تجاعيدٌ بين عينيه شبه المغلقتين بخمول....

...بلعت ساشا ريقها و رحبت بتحية....

...“مرحبًا، أنا ساشا فينوش.”...

...لكي تُظهر حسن النية، أخرجت ساشا حبّة خوخٍ من السلة التي كانت تحملها على ذراعها وقدّمتها له...

...كانت تلك من إنزو. ...

...و في الحقيقة، كل من الشوكولاتة والخوخ كانا مكافأةً يُسمح لها بأكلهما بعد الانتهاء من واجباتها...

...لكن الصبي لم يلقِ نظرةً واحدة على هذا الخوخ الثمين....

...ساشا التي اعتُبرت فجأةً دخيلة أزعجت نومه العميق في منطقته الخاصة شعرت بالظلم، فجدول غابة مانولي كان المكان الذي اعتادت ساشا زيارته كل يوم....

...أقله قبل أن تذهب هذا الصيف إلى قصر توت العليق....

...لكن هذا الفتى، الذي استولى على ضفة الجدول من تلقاء نفسه بينما غابت هي للحظة، يتصرف الآن وكأنه صاحب المكان....

...تنهد الصبي بانزعاج....

...“هل ستبقين هنا؟”...

...عندما أومأت ساشا برأسها، التقط الصبي قبعته التي كان قد وضعها جانبًا ونهض....

...كانت القبعة زرقاء جميلة تمامًا مثل ياقة سترته....

...من الواضح أنه كان يستخدمها كوسادة....

...تبعت ساشا الصبي الذي كان يمشي بخطواتٍ سريعة....

...“لماذا تتبعينني؟”...

...التفت الصبي أخيرًا بوجه ينضح بالدهشة وكأنه لا يصدق....

...“ألا يُسمح لي بأن أتبعك؟”...

...سألت ساشا بحيرة، فالغابة مكانٌ مفتوح، أليس من حقها الذهاب إلى حيث تشاء؟....

...“لا يُسمح”...

...“لماذا؟”...

...لم يعرف الصبي ما يجيب به، فبعثر شعره القصير بيديه بغيظ ثم جلس من جديد حيث كان، على مسافة قصيرة من الجدول....

...انتزع الخوخ من يد ساشا وكأنه يأخذه بالقوة. لكن ساشا فرحت لأن هديتها قُبلت، وجلست في مكان يبعد نصف خطوةٍ عنه....

...“هل تعيش هنا؟ في مانولي؟”...

...أومأ الصبي إيماءةً خفيفة دلالة على الإيجاب...

...هزّت ساشا رأسها بحماس. ثم ساد الصمت من جديد....

...رفع الصبي ذقنه وحدّق بشرودٍ في السماء حيث كانت الغيوم القطنية تنساب، كان وجهه يشبه وجه ساشا عندما تجلس أمام دفتر الواجبات الذي يعطيهُ لها إنزو....

...تساءلت في نفسها متأخرة، ترى، ما نوع المحتوى الذي يوجد في دفتر واجبات شخصٍ مثله؟...

...عرضت ساشا أن تغسل له الخوخ في ماء الجدول، لكنه رفض. و فرك الصبي الثمرة بطرف سترته السوداء كيفما اتفق، ثم قضَمها بقشرتها دفعةً واحدة....

...أخرجت ساشا ثمرةً من سلتها كانت مخصصةً لها وبدأت تقضم منها بهدوء تقلده....

...أنهى الصبي الخوخ في لحظة، ثم مسح شفتيه بإبهامه....

...'هل كل من يرتدون الزيّ الرسمي هكذا؟'...

...كانت وضعية جسده مستقيمةً وأنيقة بطريقةٍ لم ترَها ساشا من قبل، و كان يعرف كيف يأكل بنظافة لدرجة أن الآخرين لا يمكنهم حتى ملاحظة أنه أكل شيئًا....

...أما ساشا، فكانت فوضويةً لدرجة أن عصير الفاكهة سال حتى ساعدها وجعلها لزجةً بالكامل....

...فجأة شعرت بالخجل، فمسحت ذلك بخفية على كمّها....

...بعد أن تقاسما الفواكه واحدةً تلو الأخرى، أصبحت السلة فارغة، و حاولت ساشا جاهدةً أن تقسم حبّة الخوخ الأخيرة إلى نصفين....

...لكن الصبي، وقد ضاق ذرعًا برؤيتها تكافح، أخذها منها وشطرها إلى نصفين في لحظة، وعندما أعادها لها، كان لبّها الطري قد تهشّم قليلًا...

...قطّب الصبي حاجبيه بخفة، ثم مسح ظهر يده من عصير الخوخ بشفتيه....

...كان عبق الفاكهة الصيفية الحلو يعبق في المكان لدرجة قد يجذب النحل....

...“رائحة الخوخ تملأ في المكان.”...

...قالت ساشا ذلك وهي تقضم الخوخ الذي قسمه لها....

...“وأنت تفوح منكِ رائحة البرتقال.”...

...ردّ الصبي بفتور....

...“حقًا؟”...

...رفعت ساشا كمّها لتشمّه، لكنها لم تشم شيئًا....

...كانت رائحة الخوخ التي تفوح منها قوية لدرجةٍ طغت على أي رائحة برتقال قد تكون هناك....

...“انتهى.”...

...تمتم الصبي وهو يرمي نواة الخوخ بعيدًا....

...كانت ملامحه تقول ان هذا النوع من الحديث العابر تافهٌ وممل....

...طارت النواة بعيدًا، لمسافةٍ لم تكن ساشا لتجرؤ حتى على تجربتها، واصطدمت بشيء ما كأنها ارتطمت بشجرة، فأصدرت صوتًا خفيفًا قبل أن تختفي عن الأنظار....

...“كيف جئتَ إلى هنا؟ أنت لست من سكان مانولي، أليس كذلك؟ صحيح؟”...

...لكن ما عاد إليها كان فقط الصمت....

...صدى صوت ساشا هو وحده الذي تردّد بخفوت. ...

...كان ذلك تجاهلًا واضحًا....

...تأملت ساشا الموقف قليلًا، ثم حاولت أن تفتح الحديث من جديد....

...“هل ضللتَ الطريق؟ إن كان الأمر كذلك، يمكنني أن أدلّك على الطريق إلى القرية.”...

...رغم الرفض المحرج، واصلت سؤاله بصوتٍ واضح مثل الزجاج، صافٍ كماء النبع....

...كانت تلك الفتاة الصغيرة الجريئة تشبه الغابة التي يجلسان فيها جنبًا إلى جنب، غابة بريسين، يا له من اسم جريء لقريـة ريفية منسية في أحد أركان البلاد....

...“اصمتي……”...

...وضع الصبي قبعته الزرقاء على وجهه وأغلق عينيه. رغم أن الأغصان الممدودة من الأشجار كانت تحجب عنه أشعة الشمس....

...و بدلًا من النحل الذي جذبته رائحة الفاكهة الحلوة، كان صوت الفتاة الصغيرة يطنّ في أذنه بلا توقف...

...لكنه تجاهل هذا الإزعاج الطفولي ونام....

...____________________________...

...البطلة ساشا وشكل ذاه كذا بس كذا ماضي من طفولتها ؟...

...ومن الورع الي كأنه ملاك ؟ البطل؟ i don’t know و الله...

...المهم الروايه الوصف فيها حلو مره 🤏🏻...

...Dana...

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon