الفصل10: ابقَي ساكنة

...الفتاة ذات الشعر البرتقالي المجعد كانت تسحب دراجتها وتنزل منحدر التل. بينما علّقت على مقود الدراجة سلّةٌ مليئة بعلب الطلاء الجديدة بدلًا من سلة التفاح....

...كادت الدراجة تميل وتسقط بسبب انحراف الوزن إلى جانب واحد لكنها لم تسقط. بل على العكس، راحت تقفز على قدمٍ واحدة وكأنها تستعرض مهارتها....

...السيد روبرت، أو بالأحرى الدوق كي الذي وجد نفسه يلعب دور مدير قصرٍ ريفي دون قصد، كان يراقب المشهد من خلف ستائر قصر توت العليق....

...كلمة “يختبئ” ليست دقيقةً تمامًا، فهذا القصر قد اشتراه بماله الخاص. لكن تصادف فقط أن تقف ساشا فينوش عند نافذة المكتبة في الطابق الثاني، فرأته بوضوح....

...لكن، لماذا اشترى قصراً في مانولي دون سببٍ واضح؟...

...حين قال أنه سيبني منزلاً صيفيًا، لم يكن هناك من لم يُفاجأ. و في مجتمع لوران الراقي، انتشرت شائعةٌ مفادها أن الدوق كي مصابٌ بمرض عضال، ويجوب الأماكن سرًا بحثًا عن موضعٍ يموت فيه....

...بالطبع، لم تكن سوى إشاعةٍ بلا أي أساس. لكن ما لا شك فيه هو أن دافعًا لا يمكن السيطرة عليه كان يسيطر عليه في الآونة الأخيرة....

...وفي تلك الأثناء، كانت فتاةُ مانولي النحيلة و المليئة بالحيوية قد عبرت التل وهي تسحب دراجتها، ولم يشعر بالراحة الغريبة التي لا يعرف سببها إلا بعد أن اختفت تمامًا من مجال رؤيته....

...***...

...كان السيد روبرت قد سمح لساشا بالدخول إلى الحديقة والمرسم في أي وقتٍ اشاء، لكن عائقًا غير متوقع حال دون دخولها إلى قصر توت العليق....

...وكان هذا العائق هو السيدة فينوش نفسها....

..."ساشا، لا أريدكِ أن تذهبي إلى ذلك القصر، فهو ليس بيتًا يحمل ذكرياتٍ جميلة."...

...السيدة فينوش كانت ترى أنه من غير اللائق أن تزور ساشا، وهي لا تزال صغيرة، منزل رجلٍ يلفت الأنظار بذلك الشكل....

...وفوق ذلك، كان السيد روبرت رجلًا مشبوهًا إلى حدّ كبير، إذ لم يكن يملك حتى رسالة توصية من شخصٍ موثوق. والمعلومة الوحيدة المعروفة عنه هي أنه تخرّج من الأكاديمية العسكرية....

...لذلك، ذات مساء، جلست مع ساشا وأخذت تنصحها....

..."ألم تسمعي أن السيد روبرت خدم في الجيش؟ من المؤكد أنه يحتفظ بسلاح في منزله. قد يجنّ فجأةً ويطلق النار عليكِ."...

...قالت ذلك بجدية محاولةً تخويفها، لكن الأمر لم يجدِ مع ساشا. فالسيد روبرت لم يكن أبدًا من النوع الذي قد يرفع سلاحًا ويطلق النار على رأس أحدهم هكذا فجأة....

...ليس لأنه رجلٌ طيب يعطيها الألوان، بل لأنه شخصٌ يعرف كيف يعتني بحديقةٍ جميلة إلى هذا الحد....

..."إذًا، لماذا لا يحاول نفي تلك الشائعات الغريبة التي تُروى عنه؟ بالتأكيد لأنه لا يستطيع دحضها، ولأنها ليست خاطئة تمامًا."...

...رأت ساشا أن هذا الادعاء أيضًا غير مقنع، فالسيد روبرت لم يكن يهتم كثيرًا بأمور مانولي من الأساس....

...في الواقع، بدا وكأنه لا ينوي أبدًا الاندماج مع سكان هذه المنطقة، لدرجة تدعو للتساؤل عن سبب قدومه إلى هنا أصلًا....

...هل يمكن أن يكون مالك السيد روبرت قد أرسله إلى مانولي عنوة؟...

...هل رفضه للاندماج مع سكان القرية هو طريقته في التعبير عن اعتراضه؟...

...وإن كان كذلك، فهل سيغتنم أول فرصةٍ ليعود إلى لوران دون أن يلتفت إلى الوراء؟...

...راودها الفضول وهي تميل برأسها بتساؤل. ...

...كلما فكرت في السيد روبرت، لم يخطر ببالها سوى هذه الأسئلة....

..."لو قال فقط أنه ليس كذلك، ربما كان بعض الناس سيصدقونه."...

...لكن ولسببٍ ما، لم يحاول ذلك الرجل أن يشرح أو يدافع عن نفسه، فصدق سكان مانولي تلك الشائعات القبيحة كما هي....

...حتى أن أصحاب المتاجر اتفقوا على ألا يبيعوه الخبز وقرروا ألّا يبيعوه اللحم أيضًا. فالجميع أرادوا أن يغادر السيد روبرت مانولي بأسرع وقت، فالغرباء المشبوهون لم يكونوا موضع ترحيبٍ أبدًا....

...لكن ساشا، التي لم تأبه بالشائعات، أصبحت الزائرة الوحيدة لقصر توت العليق....

...كانت تكذب في البيت وتقول أنها ذاهبة إلى غابة مانولي، لكنها كانت تركض كل صباحٍ نحو القصر....

...ساشا كانت تحب كل شيءٍ هناك. الحديقة المصقولة بعناية، والمكتبة المليئة بالكتب، والمرسم المزدحم بالألوان والفرش الجديدة. وكان يعجبها أيضًا وجود السيد روبرت، الذي يمكنها أن تتحدث معه عن الرسم....

...لكن هذه المغامرة لم تدم طويلًا. ففي منتصف العطلة الصيفية تقريبًا، اكتشفت السيدة فينوش أمر ساشا. ...

...ومنذ اليوم التالي، بعد أن جاء بنفسه ليحتج على زيارات ساشا، تغيّر كل شيء. فالسيد روبرت، الذي سمع من السيدة فينوش شائعاتٍ غريبة عنه، أغلق أبواب القصر بإحكامٍ من اليوم التالي. ...

...كالعادة، ركضت ساشا إلى قصر توت العليق فور انتهائها من الإفطار، لكنها فوجئت بباب القصر مغلقًا....

...هل نسي فتح الباب هذا الصباح؟...

...ضغطت جرس البوابة بهدوء، لكن لم يأتِ أي رد. و طرقت الباب، ولم يكن هناك من يجيب....

...كان المكان ساكنًا كما لو أنه خالٍ تمامًا، لكن الأضواء في الداخل كانت لا تزال مضاءة....

...هل من الممكن أن سكان القرية توقفوا عن إعطائه الطعام؟...

...هل أغمي عليه من شدة الجوع بعد أن صمد طويلًا؟...

...شعرت ساشا بالخوف، وأرادت أن تطمئن عليه، فحاولت تسلّق السور، لكنها انزلقت وسقطت. فقد ...

...كان سور قصر توت العليق عاليًا، وأصابها الألم حتى كادت تبكي....

...ثم سمعت صوت خطواتٍ تنزل مسرعةً على الدرج من داخل القصر، لقد كان السيد روبرت....

..."هل فقدتِ عقلكِ؟"...

...صرخ بصوتٍ امتزج فيه الذهول بالقلق، عاجزًا عن إخفاء اضطرابه....

...عندما عُثر على ساشا أسفل السور، كانت حالتها مزرية. راحتي يديها كانتا مليئتين بالجروح، وتنورتها كانت ملطخةً ببقع حمراء كالدماء عند الركبتين....

...“لماذا لم تفتح لي الباب وأنت في الداخل؟ هل تعرف كم مرة ضغطت الجرس؟ قلتَ لي أنه يمكنني المجيء في أي وقتٍ طالما لم يكن الوقت متأخرًا، ولم تقل أبدًا أنك ألغيتَ ذلك.”...

...“إذا وجدتِ الباب مغلقًا، كان عليكِ أن تفهمي وتعودي إلى البيت.”...

...“ظننت أنه قد أغمي عليكَ من شدة الجوع! كيف يمكنني أن أعود وأترك شخصًا مريضًا هكذا؟”...

...وحين تأكدت ساشا أن السيد روبرت بخير، خفّ توترها فجأة، وشعرت بالظلم يغمرها....

...غطى وجهه بيده وهو يغمض عينيه بإحكام، يحاول إخفاء ارتباكه. ولم يستطع أن يغضب، والفتاة أمامه تبكي بحرقة وهي جالسة على الأرض....

...“اصعدي على ظهري.”...

...“أنا؟ لماذا؟”...

...“ساشا، أيعقل أن أدعكِ تدخلين القصر لوحدكِ وأنتِ بهذه الحالة؟”...

...حمل ساشا على ظهره ودخل بها إلى قصر توت العليق، و أجلسها على أريكةٍ ناعمة من الجلد البني، ثم أحضر علبة الإسعافات....

...ركع على ركبةٍ واحدة، وفتح بمهارةٍ غطاء زجاجة بنية اللون وسكب السائل على قطعة من القطن. فتسللت فجأة رائحة الكحول القوية إلى أنفها....

...هل يعلّمون أشياء كهذه في الجيش؟...

...تساءلت ساشا بدهشةٍ وهي تراقبه، ثم صرخت فجأةً من ألم غريب وغير مألوف....

...قفزت مؤخرتها عن الأريكة نصف شبر تقريبًا، فنظر إليها السيد روبرت بدهشة وكأن ما فعلته لا يُصدَّق....

...لكن لحسن الحظ، تأقلمت ساشا بسرعةٍ مع الألم، ولم تستطع كبح فضولها المتجدد. و راحت تتلفت حولها، فهذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها غرفة السيد روبرت....

...“ابقَي هادئة، إن لم تريدي أن تتركي أثرًا على جلدكِ.”...

...قال ذلك بصوتٍ منخفض كتحذير. و منذ تلك اللحظة، حاولت ساشا أن تبقى هادئةً قدر الإمكان....

...لم تكن تهتم كثيرًا إن بقي لها أثر، لكنها لم ترد أن تُغضب السيد روبرت أكثر، فهو بدا وكأنه يبذل جهدًا كبيرًا ليكبح نفسه....

...وحين بدأ يعالج يديها التي تمزق جلدها تمامًا حين سقطت، تشوّهت ملامحهُ بتعبيرٍ أقرب إلى الذنب، وكأنه ارتكب خطأً كبيرًا....

...نفَسه الذي لامس كفّها بينما كان يعالج الجروح جعل راحة يدها تشعر بدغدغةٍ غريب. حاولت في البداية أن تتحمل، لكنها لم تستطع....

...فهذا الإحساس كان جديدًا عليها تمامًا، ومخيفًا لدرجة جعلت شعرها يقف....

...رفع رأسه، وتوقف فجأةً حين رأى وجه ساشا وقد احمرّ بشدة، وكأنه على وشك الانفجار....

...“آسفة……شعرت بالدغدغة فقط، لم يكن مؤلمًا.”...

...حينها، حبست نفَسها، وأدارت رأسها لعدة مرات، ثم تنهدت طويلًا. ومع ذلك، لم يزل شعور ساشا الغريب لا يختفي بشكلٍ مريح. و ما زالت تلك الإحساسات بالحكة موجودة كما لو أنها لم تختفِ بعد....

...سمعت ساشا أنفاسها الخفيفة، التي بدت عاليةً بشكل غير عادي، ثم قطع الصمت صوت قرقرة قادمة من بطنها....

...'لا يمكن أن يكون هذا! الشخص الذي لم يتناول وجبة جيدة كان السيد روبرت، لكن كيف لي أن أصدر هذا الصوت وأنا التي تناولت طعام الإفطار؟'...

...شعرت بالحرج، فجلست على الكرسي بعمقٍ وحاولت التظاهر بعدم الاهتمام، وهزّت قدميها بشكل غير ملحوظ....

...أخذ السيد روبرت ًحفنة من الشوكولاتة من الدرج وقدمها لها، كانت مغطاةً بورق ملون مثل زينة الميلاد، تفوح منها رائحةٌ حلوة....

...شكّلت ساشا يديها على شكل قارب لتستقبل الشوكولاتة التي تتساقط....

...كان ذلك مفاجئًا، فقد كانت تعتقد أنه رجلٌ لا يضع أبدًا أشياء مثل الوجبات الخفيفة في الدرج....

...“تناولي.”...

...“هل يمكنني أخذها كلها؟”...

...نظر روبرت إلى ساشا بوجهٍ غاضب قليلًا وكاد أن يقول شيئًا، لكنه توقف....

...لم يكن واضحًا ما كان يريد قوله، لكن ربما كان يقصد أنها يجب أن تتصرف بمفردها في مثل هذه الأمور....

...ابتسمت ساشا بفخر، ثم فتحت قطعة شوكولاتة الملفوفة بورق أزرق مخطط بالخطوط الذهبية وقدمتها له أولًا، لكنه لم يأخذها. ...

...فوضعت ساشا الشوكولاتة التي رفضها السيد روبرت في فمها وأخذت وقتًا طويلًا لتذوب في فمها. كانت الشوكولاتة البنية التي تذوب ببطء على طرف لسانها حلوةً لدرجة أنها جعلتها تنسى الألم....

...لم ترمِ ورقة الغلاف الأزرق المزخرفة بالخطوط الذهبية بل قامت بطيها بعناية وأدخلتها في جيبها....

...كان الكاحل الذي عالجه روبرت قد تورم قليلًا، وكان هناك ألم، لكن لم يكن شديدًا لدرجة أنها لم تتمكن من المشي. ومع ذلك، كان ركوب الدراجة التي تركتها أمام القصر قد يكون صعبًا بعض الشيء....

...تنهد روبرت أخيرًا، ثم حمل ساشا على ظهره....

...“ماذا عن دراجتي؟ هل يمكنكَ تركها عند بوابة القصر حتى أتمكن من العودة لأخذها عندما يلتئم جرحي؟”...

...“افعلي ما تشائين.”...

...كان الأمر غريبًا. كانت كلمات “افعلي ما تشائين.” من السيد روبرت تبدو غريبة. كانت تعني في ذهنها بشكلٍ غير مباشر أنه لا يهتم. “لا يهمني، لن تؤثر عليّ بأي شكل.” و كان صمته يبدو وكأنه إعلانٌ صامت. ...

...هل كانت هذه مبالغةً في التفكير؟ ...

...رغم ذلك، كان هناك دائمًا هذا الخط غير المرئي الذي بدا وكأنه تحت قدميها في كل مرة....

...هل يجب أن أتخطاه أم لا؟ ...

...ترددت ساشا ثم تراجعت. فالناس دائمًا ما يرغبون في أن يظل الآخرون داخل الحدود التي يضعونها بأنفسهم، وساشا كانت دائمًا تحترم هذه الحدود. و لم ترغب أبدًا في أن تكون مكروهةً من السيد روبرت بسبب عبور تلك الحدود....

...رغم أنه كان يحملها، ظل روبرت يمشي بثبات. و كان يبدو وكأنه قادرٌ على الركض بسهولة....

...مرت خصلات شعرهِ على جبهة ساشا، و لاحظت لونه الجميل....

...همست ساشا في نفسها،...

...“لونٌ جميل.”...

...كان يشبه سماء ليلة الصيف، عميقًا وأملسًا مثل الشوكولاتة التي قدمها لها السيد روبرت....

...فكرت ساشا أنها ترغب في امتلاك هذا اللون. وعندما لم يكن يلاحظ، لمست أطراف شعره بخفة....

...سمعت تنهيدةً هادئة. و كانت تلك التنهيدة مغطاةٌ بصوت الرياح التي تحرك أوراق الأشجار الكثيفة، مما جعل ساشا تشك في ما سمعته....

...“لا تلمسيه.”...

...قال ذلك لها برفق، مُحذرًا إياها من التحرك. فاستمعت ساشا بهدوء إلى كلماته. ...

...وفي لحظة سريعة، وصلوا أمام البوابة الكبيرة ذات اللون الليموني....

..._________________________...

...لو تشوفها امها كذا ان تكفخها وتسوي بها شي 😭...

...طول الوقت وساشا مستحيه وهو بس يتأفف ايه معليه نشوف بعدين من يستحي انتظر بس 😘...

...Dana...

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon