...كانت الجدة لولّو تجلس تحت شجرة البرتقال في الحديقة منغمسةً في القراءة، ثم خلعت نظارتها ووضعت الكتاب جانباً....
...“الجو جميل، يمكننا الذهاب إلى الغابة لننشر الأغطية هناك. وخلال انتظارنا لجفافها، يمكننا تناول الغداء في الخارج.”...
...أطلقت ساشا صيحة فرحٍ عند سماع الاقتراح السار. ثم صعدت الدرج بخفة كالسنجاب، وجهزت نفسها للخروج بسرعة ونزلت على الفور....
...وخلال قيام السيدة فينوش بتضفير شعر ساشا الذي كانت تحركه بحماس، أخرجت الجدة إيلودي منديل الدانتيل العزيز على قلبها وربطته كغطاءٍ للرأس....
...“عودي سالمة يا ساشا.”...
...رفضت السيدة فينوش مرافقتهم قائلةً أنها ستبقى لمساعدة السيد فينوش في عمله أثناء النهار، ووقفت عند باب المطبخ تودع ساشا التي انطلقت إلى الغابة مع الجدتين....
...سارت ساشا باتجاه غابة مانولي وهي تدندن حاملةً دلو الخشب المملوء بأغطية سرير الجدتين....
...كانت حرارة الصيف الشديدة التي تجعل العرق يتصبب على الظهر خفّت قليلاً بمجرد دخولهم إلى الغابة....
...وضعت ساشا قدميها في ماء الصابون وبدأت تدوس على أغطية السرير بفرح. و تحت إشراف الجدة لولّو، رُبط حبل الغسيل بين شجرةٍ بلوط وشجرة بيرش (البتولا)*....
...*آخر الفصل...
... أمسكت ساشا بطرفي الغطاء مع الجدة إيلودي ونفضتاه بقوة ليمتد جيداً. وحين علّقتا الغطاء على الحبل المرتفع، ثبّتت الجدة لولّو وسطه بمشبك غسيل....
...وُضعت مائدة الغداء تحت غطاء السرير الأبيض الناصع كالثلج. وبينما كانوا يأكلون السندويشات المحشوة باللحم والجبن، كانت الرياح التي تهب أحياناً تحرك القماش وتنشر رائحة الصابون....
..."ساشا، هل تقضين عطلتكِ الصيفية بسعادة؟"...
...“طبعاً! لقد عاد السيد روبرت إلى قصر توت العليق، لذا أنوي هذا الصيف أن أرسم له لوحةً يعلّقها على الحائط. يبدو أنه لم يجد بعد شيئاً يعجبه. لقد رأى كل اللوحات التي رسمتها حتى الآن، لكنه لم يطلب أيّاً منها.”...
...سألتها الجدة إيلودي عندما رأت حماسة حفيدتها،...
...“هل يحبكِ السيد روبرت أو يتصرف معكِ بطريقةٍ مريبة؟”...
...“لا أظن أنه يفكر بي بهذه الطريقة إطلاقاً! كما تعلمين، أنا في السادسة عشرة من عمري، ومع ذلك لا أزال أبدو كطفلةٍ صغيرة.”...
...ردّت ساشا بصوت مرتفع وقد ارتبكت بشدة. ففزعت الطيور الجاثمة على الأغصان وطار بعضها بعيداً من صوتها المفاجئ....
...خطر في بال ساشا صورة تلك السيدة الأنيقة التي جاءت في المرة الماضية إلى قصر توت العليق، ربما كانت قادمة من لوران لزيارة السيد روبرت؟ ...
...على الأرجح أنه في لوران يحيط نفسه بنساء من هذا النوع: ناضجات، أنيقات. نساءٌ ينسجمن معه تماماً....
...“لا أحد يعلم كيف ستؤول إليه الأمور.”...
...قضمت الجدة لولّو قطعةً من الشمام وهي تهز كتفيها بلا مبالاة....
...فقد كانت ساشا، مرتدية منديل الدانتيل، لافتةً للنظر بجمالها، ليس لأنها حفيدتها، بل حتى من وجهة نظر موضوعية....
...تدلّت خصلات شعرها الأشقر البرتقالي المجعد من تحت المنديل على رقبتها الطويلة كرقبة غزال. ...
...وجهها الصغير وعيونها الخضراء الساحرة، الكبيرة كعيون دمية، كانت لافتةً للنظر، وحتى عظمة أنفها التي كانت في صغرها مستديرةً ومسطحة، أصبحت الآن مستقيمةً وحادة وكأنها نُحتت بإزميل....
...لو أنها لم تكن تتجول في الغابة مثل مشاكسة، لاعتُبرت شابةً منذ زمنٍ طويل....
...“أؤكد لكِ، بعد عامين من الآن، لن تكون هناك فتاةٌ في مانولي أجمل منكِ.”...
...“وما الفائدة من ذلك؟”...
...“على الأقل، أولادٌ مثل داميان لن يجرؤوا على مضايقتكِ كما يفعلون الآن.”...
...تحمّست ساشا للحظة، ثم خابت آمالها بسرعة. فعامان وقتٌ طويل جداً....
...لقد كانت تتمنى لو بإمكانها طرد داميان وعصابته الذين يتسكعون قرب بوابة المنزل في أي فرصة يجدونها، حالاً ودون تأخير....
...“ساشا، ألا يوجد بين الفتيان الذين يلاحقونكِ من يعجبكِ؟ إذا لمّحتِ لي مسبقاً، فسأتفقده من نافذة الطابق الثاني وأخبركِ إن كان مناسباً.”...
...“مناسب؟ جدتي إيلودي، هؤلاء الأولاد يزعجونني بشكلٍ لا يُطاق! إذا سقطتُ على الأرض وبكيت، يفرحون ويضحكون كأنهم فازوا بشيء!”...
...كان أولئك الأولاد الذين يتسكعون معاً ينادون ساشا من بعيد، وإذا التفتت إليهم، يرمونها بالفواكه. وإذا صادفوها في الطريق، يمدون أقدامهم عمداً ليتسببوا بسقوطها. وإذا انكشفت تنورتها أثناء سقوطها، ضحكوا معاً ضحكاتٍ وقحة....
...“لكن لا بد لكِ من الزواج يوماً ما، أليس من الأفضل أن تبحثي عن شريكٍ مناسب من الآن؟ قد يتصرفون كالأغبياء الآن، لكن عندما ينضجون، سيصبحون أكثر تهذيباً. إخوانهم كانوا هكذا أيضاً.”...
...أعطت الجدة إيلودي مثالاً بداميان....
...نظرت ساشا إلى الجدة لولّو ترجوا منها التدخل، لكن الجدة اكتفت بمسح يديها بمنشفةٍ قطنية دون أن تنطق بكلمة....
..."كونكِ فتاةً من مانولي، ليس بالإمكان تجنّب مسألة الزواج. وكما قالت إيلودي، لا بد أن تختارِ شريك حياتكِ خلال بضع سنوات، وهذه مسألةٌ لا مفرّ من التفكير فيها في وقتٍ ما."...
...كانت ساشا تودّ لو تسمع شيئاً أكثر تشجيعاً، لكن هذه هي الحقيقة. ...
...وبعد أن فقدت الحليفة الوحيدة لها، ارتمت على الحصيرة وهي مستلقيةٌ تماماً....
...“سأفكر في الأمر لاحقاً. الزواج بالنسبة لي شيءٌ بعيد جداً.”...
...“لكنكِ بلغت السادسة عشرة بالفعل.”...
...“يا إلهي!”...
...هزّت الجدّتان رأسيهما من صوت ساشا الباهت. أما الحفيدة الطائشة فواصلت التظاهر باللامبالاة، متدحرجةً على الأرض....
...نهضت الجدة لولّو أولاً وهي تربّت على ركبتيها....
...“ساشا، حان وقت عودتنا. نريد أن نأخذ قيلولةً عندما نصل.”...
...“هكذا بسرعة؟”...
...“في سني هذا، من المتعب جداً البقاء خارجاً طوال النهار تحت شمس الصيف الطويلة.”...
...“أنا سأبقى قليلاً بعد. لا يزال لدي واجباتٌ مدرسية أيضاً.”...
...وعندما رأت الجدة لولّو دفتر واجبات ساشا الذي لم تمسّه بعد، عقدت العزم على أن تجد لها زوجاً يجيد الحساب على الأقل....
...فهي نفسها من فتحت الحساب البنكي لساشا لتتلقى الدعم المالي بناءً على طلب البارون أوغوست. أما حفيدتها المحبوبة، فكانت مشغولةً بالتنقل في كل مكانٍ لترسم، لدرجة أنها لم تذهب معها ولو مرة واحدة إلى البنك، ولم تُبدِ أدنى اهتمامٍ بإدارة المال....
...'حين يجهل الزوجان معاً كيف يديران المال، فإنهما سيفقدان كل ما يملكانه ولو كسبا ثروة، وينتهيان في الشارع.'...
...هزّت الجدة رولو رأسها بأسى، ثم أمرت ساشا التي كانت ممددةً على الحصيرة،...
...“يجب أن تجمعي الأغطية وتعودي قبل أن يتأخر الوقت. أظن أن المطر سينهمر هذا المساء.”...
...“لكن الجو صافٍ هكذا!”...
...عندما أمالت ساشا رأسها باستغراب، رفعت الجدة لولّو نظرها إلى السماء ثم هزّت رأسها....
...“في مثل هذا اليوم، غالباً ما يهطل المطر فجأة. لا جدال، إذا بدأت الرياح تهب من جهة البحر، فلا تتأخري وعودي فوراً.”...
...وبعد أن تركتا لها هذه الأوانر، عادت الجدّتان إلى منزل الباب الأصفر الليموني. وبقيت ساشا وحدها في الغابة، فبدأت تخربش في دفتر واجباتها المفتوح....
...رسمت أغطية السرير المعلقة على حبل الغسيل وسلّة النزهة، ثم أضافت صورة الجدّتين في وسط الصفحة. ولم تنتبه إلى الوقت الذي مضى إلا بعد أن أنهت الرسم....
...“آه؟”...
...تفاجأت ساشا، المنهمكة في الرسم، من صوت أوراق الأشجار اليابسة تُداس، فالتفتت لتتفقد الأمر. ...
...كان هناك غزالٌ بني اللون يمسك بسلة النزهة في فمه، وما إن تلاقت نظراته بعينيها حتى فرّ هارباً بسرعة....
...لقد أخذت الجدتان دلو الخشب، وعليّ أن أضع الأغطية فيه لأحملها، أليس كذلك؟...
...نهضت ساشا بتردد، لكنها لم تجد وقتاً لجمع الأغطية، فأسرعت تلاحق الغزال على عجل. ...
...أثناء بحثها في الغابة عن الغزال الذي اختفى في لمح البصر، سمعت صوتاً خفيفاً بين الأشجار من الجهة المقابلة. فاقتربت ساشا بهدوء وهي تزيح الأغصان الكثيفة....
...لم يكن غزالاً بنياً، بل طرف حذاءٍ أسود ظهر أمامها. و تحت ساقين طويلتين، انعكس ضوء الشمس على الحذاء اللامع....
...كان الرجل الذي يأتي إلى مانولي في الصيف فقط، ويقيم في قصر توت العليق. ...
...السيد روبرت كان أحد أقارب مالك القصر، ولهذا السبب ربما كان مديراً كسولاً جداً. ففي كل فرصة، يخرج من القصر ويتمدد في أماكن كهذه....
...وحسبما تعرفه ساشا، حتى عندما يكون داخل القصر، غالباً ما يكون مستلقياً على كرسي شاطئي يقرأ كتاباً، أو يتجول في الحديقة....
...السيد فينوش قال أنه لو كان هذا الشاب ابن أخيه، وزاره فجأة ليجده على هذه الحال، لشعر بخيبة أمل كبيرة. وتساءلت ساشا ما إذا كان عمه قد أرسله فعلاً لإدارة القصر، أم أنه فقط أعاره إياه لقضاء عطلة....
...وبالنظر إلى تصرفات السيد روبرت المتكاسلة، بدا الخيار الثاني أكثر منطقية....
..."هذا غير معقول. من الذي قد يأتي إلى هنا في عطلة؟ إن أراد رؤية البحر، فسيذهب إلى فياري أو إلى ميز، أليس كذلك؟"...
...اعترض باقي أفراد العائلة على الفور. ففي الواقع، حتى سكان مانولي أنفسهم يسافرون بالقطار إلى مدن قريبة ذات مناظر جميلة مثل بيا خلال موسم العطلات، فلا أحد يقطع كل هذه المسافة من لوران إلى هنا لمجرد قضاء عطلة....
...كان السيد روبرت مستنداً إلى جذع شجرة، مغمض العينين، وقد وضع كتاباً على صدره....
...راقبته ساشا بصمت، تحبس أنفاسها....
...هل ينبغي أن توقظه؟ أم من الأفضل أن تمرّ بصمت؟...
...وبعد تردد طويل، رفعت عقبيها بحذر محاولة الابتعاد....
...“ساشا.”...
...متى استيقظ؟ منذ متى وهو يراقب؟...
...احمرّ وجه ساشا من الخجل بعدما أدركت أنه ضبطها وهي تتلصص عليه، فألقت عليه تحيةً متأخرة....
...“مرحباً……كنت أتساءل إن كان من اللائق أن أوقظكَ، لذا كنت مترددة.”...
...فرك عينيه كما يفعل من لم يستيقظ تماماً، وأومأ برأسه. أما الفتاة التي لم تبدُ وكأنها تنوي الرحيل، فكانت واقفةً ويديها خلف ظهرها، تتأرجح وكأنها تنتظر منه أن ينهض....
...أخذ روبرت كتابه ونهض، وسرعان ما تبعته ساشا بخفةٍ و كأنها كانت تنتظر ذلك....
...كانت طرحتها الطويلة والغريبة الشكل ترفرف بجانب كتفه....
...'أظن أن ديبورا كانت أطول من هذا حتى قبل أن تبلغ السادسة عشرة.'...
...فكّر روبرت بذلك بتثاقل بينما لا تزال بقايا النعاس تسيطر على رأسه....
...لكن في الواقع، لا تبدو ساشا فينوش شخصيةً مناسبة للمقارنة مع ديبورا....
...“هل توجد غاباتٌ في لوران أيضاً؟”...
...كلما خيّم الصمت بينهما، طرحت ساشا سؤالاً جديد. وبدأ روبرت يشعر بأن ذلك مثير للاهتمام على نحوٍ ما....
...“نعم، هناك غابةٌ اشترتها العائلة المالكة قديماً لتكون ميداناً للصيد، ثم تم التبرع بها لاحقاً لمدينة لوران.”...
...من الفندق الذي يقيم فيه في شارع سانت ماري، يمكن للمرء أن يدخل مباشرةً إلى ضفة البحيرة في تلك الغابة إذا عبر النافورة المقابلة....
...وعلى الرغم من أنه أجاب عن سؤالها بكل هدوء، إلا أن روبرت لم يتوقع أن تكون ساشا قد سمعت عن غابة إتيان من قبل. ...
...لكن ساشا، بحماسٍ شديدة، بدأت تروي كيف أنها رأت تلك الغابة من شرفة الفندق الذي يضم باباً برونزياً مزخرفاً بنقوشٍ ذهبية وثريا ضخمة من الكريستال المتلألئ....
...كان ذلك أمراً غير متوقع تماماً....
...“لقد زرتِ الفندق الموجود في شارع سانت ماري؟”...
...فذاك الشارع لا يحتوي إلا على فندقٍ واحد. ولم يستطع روبرت إخفاء ابتسامةٍ بدأت ترتسم على وجهه....
...ربما لأنها شعرت أنه لا يصدقها، بدأت ساشا تشرح بحماسٍ مستخدمة يديها وقدميها كيف كان شكل الغرفة التي أقامت فيها....
...وحين تحدثت عن إنزو فينوش، الذي يدرس بالخارج في إليميان، تذكّر روبرت طلب الملكة بالسماح لطلاب الأكاديمية بالإقامة في الفندق لليلتين، وهو الطلب الذي وافق عليه بنفسه....
...يالها من مصادفةٍ غريبة....
...ابتسم روبرت بخفة. لقد وُجدا في نفس المكان، في نفس اللحظة. ...
...وقد راوده شعور غريب عندما أدرك أنه سمح لفتاةٍ من مانولي بالدخول إلى عالمه الخاص. تماماً كما شعر حين رأى ساشا فينوش ترسم في قصر الزعرور....
...لكن الشعور هذه المرة كان مختلفاً. ربما، في ذلك الحين، قد تصادفا بالفعل ولو لمرةٍ واحدة....
...حاول روبرت أن يتذكر إن كان قد رأى فتاةً تشبه ساشا في تلك الفترة، لكنه ضحك بخفة ....
...حتى لو التقيا فعلاً، فما احتمال أن يتذكر شيئاً من ذلك؟...
...“أوه، أنا……آسفة. كنت أستمع إليكَ لكنني قاطعتك. تابع حديثكَ من فضلك.”...
...قالت ساشا فينوش ذلك وقد بدا عليها الارتباك بعد أن توقف عن الكلام فجأة. فتوقف هو الآخر عن السير....
...شعر بعضلات وجهه مشدودة، وفهم أخيراً كم كان شكله يبدو مضحكاً الآن. و تدريجياً، هبطت شفتاه واختفت الابتسامة عن وجهه....
...________________________...
...الفصل ذاه عوض عن الفصل الي راح😂...
...شخصية روبرت عكس المتوقع مدري ليه كنت احسبه باااااااارد بس يجنن يمكنه كذا مع ساشا بس؟ مدري...
...بس مب على كيفه يوم قارن ساشا بديبورا وين احترامك لزوجتك؟ توء توء ...
...المهم الله يسعد لي جو الجدتين ✨...
...Dana...
19تم تحديث
Comments