...“في أي عصرٍ تعيش هذا القرية بالضبط؟ لم تكن هناك سيارات، واضطررتُ لركوب عربةٍ صغيرة من محطة القطار حتى وصلت إلى هنا. لا أستطيع أن أفهم لماذا اخترت مثل هذا المكان لبناء منزلكَ الصيفي.”...
...قالت إليانور متذمرة ذلك من الحر والضيق الذي لا يُحتمل....
...تناول الدوق معطفها الصوفي وعلّقه على كرسي الصالون. كان مزينًا بكميةٍ وفيرة من الزخارف الكلاسيكية على الطراز الكورساج*، والتي عادت مؤخرًا للموضة في المجتمع الباريسي....
...*تعرفون القماش المكسر؟ هذا يشبه له...
...“لم يكن هناك داعٍ لأن تتحملي هذا العناء وتأتي إلى هنا.”...
...أجابت إليانور بهدوء، متجنبةً نظراته التي بدت وكأنها تكشف نواياها،...
...“صحيح. لكن لم يكن بوسعي فعل شيء. لوروا أراد رؤية شقيقه.”...
...سخر روبيرت بخفة،...
...أخ في هذا العمر، فجأة؟...
...“والدتي لم تنجب لي أخًا من قبل.”...
...“لكن والدكَ جعلني حاملاً، أليس كذلك؟”...
...عندما شددت على رابط الدم الجزئي بينهما، التزم الصمت. بدا أن وجود أخٍ غير شقيق أنجبته العشيقة الصغيرة لوالده أمر مهينٌ جدًا له....
...إليانور، غير مبالية، أخذت تتفحص المكان من حولها، ثم أدركت بعد انتظارٍ طويل أن لا أحد سيقدم شرابًا للضيوف، فزفرت بتأفف....
...هكذا تكون البيوت التي لا تلمسها يد السيدة. لقد شعرت بذلك منذ لحظة دخولها، فهذه القصر يبدو بلا بواب ولا مرافق ولا حتى خادمة في المطبخ....
...لماذا جاء لقضاء الإجازة في هذا الريف المزعج والبائس إلى هذا الحد؟...
...“كنت أمزح. ما أعنيه هو أن الطفل لم يستطع المجيء معي لأنه أصيب بنزلة برد. هل تعلم أن نزلات البرد عادت لتجتاح لوران هذا الصيف؟ أظن أن السبب هو منشآت الصرف الصحي. فالوزراء الجدد لا يحسنون التعامل مع أي شيء، كما هو حال كل الموظفين الحكوميين.”...
...غمزت بعينيها كما لو أنها تشارك سرًا خطيرًا. ...
...السيدة إليانور، عشيقة الدوق العجوز الغامضة، كانت ممثلة أوبرا أنجبت في شبابها الأخ غير الشقيق لروبرت....
...“على الأقل، عندما يتعلق الأمر بالموظفين الحكوميين، فأنا أعرفهم أكثر منكَ. فهم يزحفون خلف الكواليس في كل مرة يأتون فيها لحضور العروض.”...
...في تلك اللحظة، راقبت إليانور رد فعل الدوق الجالس أمامها. كان يستمع بصمت، وعلى وجهه مرّ طيفٌ من الملل....
...'ما به؟ كنت أظنه سيكون أكثر استرخاء هنا من لوران، بما أننا في عطلة.'...
...شعرت إليانور بالتوتر من رد فعله غير المتوقع، فهبطت كتفاها النحيلتان بيأس....
...“لا تكن قاسيًا هكذا. أنا أيضًا امرأةٌ مثيرة للشفقة، أنجبت ابن والدكَ وأنا في العشرين من عمري فقط. أهدرت عامًا كاملًا أعيش في الخفاء حتى لا يُكتشف بطني المنتفخ. أنت من نوع الرجال الذين لا يعرفون نوع الفضائح التي تحيط بممثلةٍ في أوج شهرتها إذا اختفت فجأة.”...
...“وماذا تريدين هذه المرة؟”...
...كان روبرت معتادًا على أسلوب هذه المرأة إلى درجة أنه لم يعد يتفاعل مع كل كلمةٍ تقولها....
...ممثلة الأوبرا الشابة، التي كانت عشيقة والده، كانت تميل دائمًا إلى المبالغة في تصوير قدرها التراجيدي كلما احتاجت إلى شيء....
...“ألا ترى أنكَ تتحدث بجفافٍ شديد؟ يمكننا التحدث عن شيء آخر. هممم، مثلًا……من كانت تلك الفتاة التي كانت خلفك؟ الفتاة الصغيرة التي لم تكن تبدو قد تجاوزت الثامنة عشرة……”...
...لمعت عيناها بينما أنهت جملتها بطريقةٍ غامضة، وكأنها تحذره من أن يتصرف بتعب أو لا مبالاة....
...“قولي ما تريدين، إليانور.”...
...“أنا فقط أشعر بالفضول، هذا كل ما في الأمر. هل يعقل أنكَ تفكر بصدق في رعاية أحدهم؟ كما تعلم، هناك رجالٌ رعاة يكرّسون أنفسهم لاكتشاف فتياتٍ صغيرات موهوبات.”...
...هزت كتفيها وكأنها تعتذر. لقد رأت من خلال النافذة المفتوحة عند دخولها مكانًا غريبًا، بدا وكأنه مرسم. فضاق نظرها، وتذكرت في اللحظة نفسها أنها رأت أنابيب ألوان في سلة دراجة الفتاة التي كانت برفقته....
...“لا تضعيني في نفس كفة أولئك القذرين الذين يتسللون خلف كواليس المسرح.”...
...لم يُخفِ الدوق انزعاجه. أما نظرات إليانور فازدادت دهاءً....
...“نعم، كنت أعلم. أعلم أنكَ في الواقع لا تهتم بالفن إطلاقًا. كل ذلك مجرد مظهر لتجمع كبار الشخصيات في فندقك. أنتم رجال الأعمال جميعًا تفعلون الشيء نفسه.”...
...لم تستطع إخفاء شعورها بالرضا. ...
...كانت إليانور تعرف جيدًا أنها لم تكن عبقرية قط. وكانت تدرك تمامًا ما يقوله النقاد عنها. “قلة اجتهاد”،. لكن هناك أمورٌ لا تنجح مهما بذلت من جهد....
...ما وُلدت به لم يكن موهبةً موسيقية، بل وجهًا شابًا وجميلاً. ولأن جمالها كان في أوجه، أغوت الدوق العجوز باكرًا وأصبحت عشيقته، لكنه مات بسرعةٍ كبيرة....
...“لا تغضب مني. وإن قلت كلامًا غريبًا، فاعتبره من أثر الحر. بعد إنجابي أصبحت أضعف بكثير.”...
...راقبت إليانور الدوق بعين اعتادت أن تراقب. نعم، هذا ليس خيارًا سيئًا. ...
...فهي تملك طفلًا غير شرعي ذُكر اسمه في وصية الدوق الراحل، وبفضله يمكنها أن تعتمد على دعم الدوق كي الشاب. وربما قريبًا، ستتلقى نوعًا آخر من الرعاية والدعم. فهي ما تزال شابةً وجميلة، ولا تزال تجذب أنظار الرجال....
...“ألم أقل لكِ من قبل، إن كان لديك أمرٌ ما، فأرسلي رسالةً ولا تأتي بنفسكِ؟”...
...الثروة، والسلطة، والنَسَب، والسمعة. رجلٌ جمع في شخصه قيم العصر القديم الذي يُمجَّد، والعصر الجديد الذي يُعشَق. وحتى فوق كل ذلك، كان شابًا وجميلاً....
...الأوردة البارزة على ظهر يده الكبيرة المستندة إلى الطاولة كانت تؤجج رغبة إليانور، لا على الراحة والرفاهية فقط، بل حتى على مستوى رغبتها كامرأة....
...هذا هو النوع من الرجال الذي أرادته منذ البداية. لا ذلك الدوق العجوز الذي لم يكن يفوت فرصةً ليشكك في إخلاص عشيقته ويطاردها بالظنون....
...تنهدت تنهيدةً مبالغ فيها....
...“لم يكن بيدي. لم أرغب في مخالفة أوامر راعٍ يرسل لي نفقات معيشتي، لكنني كنت بحاجة ماسّة للمساعدة. ذهبت إلى شقتكَ في لوران لكنك لم تكن هناك. فوجدت العنوان على إحدى الرسائل في صندوق البريد، وجئتُ إلى هنا.”...
...عندما سمع روبرت أنها اقتحمت شقته في لوران على هواها، علا الغضب وجهه....
...“آه، فقط لا تطرد البواب المسكين بسببي. لا بد أنه لم يكن يملك خيارًا. إن تم طرده لأنه فتح لي الباب، فسأشعر بذنبٍ شديد. لذا أرجوكَ……أرجوكَ لا تفعل.”...
...خفضت إليانور من جلستها واتخذت وضعًا يثير الشفقة في أيّ ناظر، يشبه تمامًا أداء بطلة الأوبرا التي لعبت دورها لأول مرة، وجذبت بها أنظار الدوق العجوز....
...“حسنًا، لا بأس.”...
...ردّ الدوق بسعة صدر....
...لكن رغم ذلك، كان سيبعث برقياً إلى لوران ليطرد حارس الشقة. ربما غدًا، أو حتى هذا المساء. و إليانور كانت متأكدةً من ذلك....
...يا للخسارة. رغم سذاجته، كان يتمتع بجسدٍ حسن. ...
...كل ما فعله ذلك الحارس المسكين هو تصديقه للشائعات المنتشرة في أرجاء لوران، تلك التي تقول إن السيدة إليانور، ألمع نجمات الأوبرا، هي عشيقة الدوق المُدللة....
...“تعرف الشائعات التي تنشرها صحف الفضائح الرخيصة عنكَ وعنّي. ربما صدّقها، لأنها تبدو حقيقية……خصوصًا أنكَ لا تكلّف نفسك عناء نفيها.”...
...“القيل والقال يبقى قيلًا وقالًا. وليس لدي وقتٌ أضيعه في تبرير كل شيء، إليانور.”...
...أطلقت إليانور تعليقًا خفيًا جعل الدوق يضحك بسخرية. كانت ضحكهً هادئة، وعميقة، و ساخرة بحيث امتدت غمازاته على جانبي خديه، مما أعطاه مظهرًا أرستقراطيًا. ...
...كان رجلًا لا يمكنه أن يهب نفسه لأية مقابلةٍ رخيصة في صحف القيل والقال....
...في هذا العالم، هناك أشياءٌ لا يمكن الحصول عليها بالجهد وحده. كانت موهبتها من بين هذه الأشياء، وكذلك الألقاب والنسب الأرستقراطي القديم، التي تظل شيئًا لا يمكن تحققه. فحتى أكثر الجمهوريين تطرفًا، في أعماقهم، يعترفون بها في سرهم....
...أما الحارس المبتدئ، فقد اختفى تمامًا من ذهنها الآن. كانت قد أُسرت باسمها الذي خرج من بين شفتي الرجل الجذاب....
...“إذا كان لديكِ شيءٌ لتقوليه، قوليه مباشرة، إليانور. هكذا ستتمكنين من ركوب القطار قبل غروب الشمس.”...
...أوصاها الدوق بلطف. كان هذا تحذيرًا ضمنيًا بعدم إثارة المزيد من الفضائح. ...
...أما إليونور، فقد وافقت على هذا بكل سرور. فبعد كل شيء، لن تحقق هدفها إذا استمرت في إزعاجه بهذا الشكل....
...“حسنًا. أرجو أن تخصص لي مكانًا في المعرض الذي ستنظمه الأميرة ديبورا في فندقكَ.”...
...كان الصالون الذي يُعقد سنويًا في فندق دو إكران تحت رعاية العائلة المالكة. وكان من المتوقع أن يكون هذا العام حدثًا هامًا حيث ستبدأ الأميرة ديبورا، التي بلغت الثامنة عشرة من عمرها، نشاطها الاجتماعي الرسمي....
...على الرغم من أنها لم تقم بعد بحفل خطوبتها الرسمي، إلا أن الجميع كان يتوقع علنًا أن الأميرة ديبورا والدوق الشاب سيكونان زوجين في المستقبل. ...
...وإذا حضرت إليانور، التي كانت تُشاع عنها أنها عشيقة الدوق، هذا الحدث الذي يخص خطيبة الدوق المستقبلية، فسيكون ذلك مهينًا للأميرة ديبورا. لكن إليانور كانت تريد هذا بالضبط. ...
...إذا كان الدوق قد دعاها إلى الحفل رغم علمه بذلك، فسيُنتشر الخبر بأنها قد أسرت قلبه، وبالتالي سيرتفع شأنها وسمعتها....
...“أليس من الأفضل لكَ أن أكون مرتبطةً بك علنًا؟ عندها على الأقل لن يشك أحد. هل يظن أحد أن امرأة ستكون بجانب رجل غني لمصلحة المال فقط؟”...
...لم يكن الدوق ليفصح عن أفكاره لها، ولكن مع ذلك، كانت إليانور تعرف أن الدوق لا يرغب في أن يُكشف عن وجود أخيه غير الشرعي للعالم....
...“واللوحة التي كنت قد خبأتَها في غرفة الفندق……”...
...همت إليونور بذكر تلك اللوحة التي كانت تروج الشائعات بأنها كانت صورتها الشخصية، لكنها تراجعت فورًا عندما شعرت بتغير تعبير الدوق إلى برود. ...
...يبدو أنَّها قد تجاوزت حدودًا لم تُسمح لها بتجاوزها، وكانت تلك إشارةً غير مُعلنة للتحذير. ...
...شعرَت إليانور بالإهانة، فعضّت على شفتيها بشدة، ثم تظاهرت بأنها لم تلاحظ ذلك....
...“فهمت. كانت مزحةً فقط. على أي حال، لقد أتممتُ طلبي، سأعود الآن كما طلبت. أيضًا، لا أستطيع ترك لوروَا مريضًا لفترةٍ طويلة مع شخص آخر.”...
...نهضت قليلاً، لكنها تركت مجالًا لتفسير آخر. لكنه لم يُرافقها لتوديعها. و على أي حال، لم تكن تتوقع ذلك. ...
...حملت إليانور معطفها المزخرف، ومرت عبر الحديقة. و عندما ابتسمت للسائق الذي كان واقفًا أمام البوابة كالأحمق، احمر وجهه بما يكفي لتشعر بالرضا....
...ثم غادرت عربة الممثلة الأعلى سعرًا، السيدة إليانور، مقر الدوق بصوتٍ قوي من سياط السائق، متجهةً بعيدًا عن قصر توت العليق....
...__________________________...
...يع كانت عشيقة ابوه والحين تبيه؟ بعدين ترا واضح يعني هي اكبر منه وش تبين يالزفته ...
...هي و الأميرة واحد ذي مقرفه و الأميره مابيه يخطبها صدق ...
...ساشا مب في ذا الفصل 😔...
...Dana...
19تم تحديث
Comments