الفصل13: القهوة و عصير البرتقال

...في آخر يوم من العطلة، وصل مديرٌ جديد إلى قصر توت العليق. و قال إن السيد روبرت اضطر للذهاب إلى لوران على عجلٍ دون أن يتمكن من إلقاء التحية....

...“ذلك الرجل هو ابن شقيق البارون، مالك القصر. لقد جاء إلى هنا بطلبٍ من البارون ليقضي عطلة الصيف فحسب. لا تقولين إن فتاةً صغيرة مثلكِ تصرفت معه بقلة احترام، أليس كذلك؟”...

...وضع مفتاح الباب الجانبي المؤدي إلى غرفة الرسم في صندوق البريد، وقال إنه يمكنها استخدامه متى ما رغبت....

...“وماذا عن السيد روبرت؟ متى سيعود إلى هنا؟”...

...“أمثالي وأمثالكِ لا يعرفون أشياء كهذه. إن كنا محظوظين، فربما يعود في صيف العام القادم.”...

...“وإذا كنا غير محظوظين؟”...

...“فلن يعود أبداً.”...

...شعرت ساشا بالحزن بسبب هذا الخبر المُحبط، فتوسلت إلى المدير أن يعطيها عنوان السيد روبرت لترسل له رسالةً على الأقل، لكنه ارتبك بشدة ورفض ذلك بحزم قائلاً إنه لا يستطيع....

...وهكذا انتهت عطلة الصيف، لكن ساشا استمرت في انتظاره. فبدلاً من الذهاب في نزهة إلى غابة مانولي مع باقي اصدقائها بعد انتهاء المدرسة، كانت تركض نحو قصر توت العليق....

...ومع ذلك، لم يظهر السيد روبرت أبداً على كرسي الاستراحة في الحديقة حيث كان يجلس كثيراً....

...ومع مرور الوقت واقتراب الشتاء، انشغلت ساشا مجدداً باللعب مع أصدقائها، ونسيت ذلك الرجل....

...***...

...كان الضوء يدخل إلى غرفة الرسم في قصر توت العليق بشكلٍ جميل....

...حين تُسقط ظلال الأوراق المعلقة خارج النافذة انعكاسها على أرضية الخشب، كانت أشعة الشمس الشفافة كالزجاج تتفتت إلى أجزاء صغيرة بين تلك الظلال....

...زهور التوليب الملونة والكوبية*، الحصى التي التُقطت من ضفة الماء، ريش الطيور، والعديد من السجاد ذي النقوش الغريبة....

...الصور آخر الفصل*...

...خلال العامين الماضيين من غياب صاحب المكان، قامت ساشا بتحويل ذلك الفضاء المرتب والمنظم إلى عالمٍ خاص بها كما يحلو لها....

...كانت تعمل بجد لفترة طويلة، تنقل الأشياء كأنها عصفورة تصنع عشاً دافئاً من كل ما تحب....

...حين دخل روبرت إلى غرفة الرسم والباب نصف مفتوح، توقف فجأة....

...كانت الفتاة قد بعثرت كل شيء من حولها، ونامت بعمقٍ بين اللوحات غير المكتملة دون أن تشعر بدخوله....

...أغلق الرجل الباب المفتوح وتقدم إلى الداخل حتى توقف أمام ساعة الحائط الذهبية....

...“يا لهُ من ذوقٍ غريب……هل هذا أيضاً من ضمن مقتنياتها؟”...

...كانت عقارب الساعة متوقفة. تحولت إلى قطعة قديمة فقدت وظيفتها الأصلية في إخبار الوقت تماماً....

...على أي حال، بدا أن الوقت يُقاس من خلال ضوء الشمس الداخل من الخارج....

...كان روبرت يعلم أن البارون أوغوست، الذي يعتبر نفسه راعياً لساشا، قد سمح لها بالبقاء في مانولي بدلاً من إرسالها إلى الأكاديمية الملكية للفنون....

...قال صاحب محل البقالة أنه كان في شبابه رسام مناظر طبيعية، أليس كذلك؟...

...على الأرجح أنه هو الآخر لم يرغب في مغادرة مانولي. ...

...لقد كانت محظوظة....

...ارتفعت حاجبا روبرت بتقدير....

...ومع ذلك، إن كانت ترغب في النجاح كرسامة، فعليها يوماً ما مغادرة مانولي والذهاب إلى لوران....

...ذرات الغبار الناعمة كالدقيق كانت تتطاير في ضوء الشمس....

...خلع قبعته وأخذ يتأمل اللوحة الموضوعة على الحامل. و كانت ما تزال غير مكتملة. ربما كانت تصور شاطئ مانولي. فالحصى المبلل بموج البحر المتكسر كان يتلألأ بالذهب تحت أشعة الشمس....

...ظل يحدق في اللوحة طويلاً. بينما كانت ذرات الغبار الصغيرة تستقر على كتفيه....

...فتاةٌ في السادسة عشرة فقط عرفت كيف تحبس الأبدية داخل لوحة، حتى في اللحظات التي لا تعي فيها ذلك....

...حتى ذلك الحين، كانت ساشا لا تزال مستلقيةً على الأريكة، لكنها سمعت أخيرًا صوت حركة واستيقظت ببطء وهي تفتح عينيها....

...عندما استدار الرجل الذي كان يحمل قبعته عند صدره، حيّاها بلطف،...

...“مرحباً، ساشا.”...

...لون عينيه المليء بالأزرق العميق الجميل لألترا مارين*. و الأخضر الداكن لفيريديان*……ثم، ثم……معطف فرو لم يُرَ قط في مانولي!...

...*آخر الفصل...

...ساشا، التي لم تكن قد استيقظت تماماً، حاولت أن تنهض بسرعة، فاصطدم جبينها بمسند الذراع، وصرخت من الألم....

...“روبرت!”...

...“أضيفي بعض الاحترام، آنسة ساشا.”...

...قال ذلك بلطف وهو يوجه نصيحته للفتاة التي سقطت أرضاً بصوت مدوٍّ....

...مدّ لها يده، فأمسكت ساشا بها ونهضت. و ابتسمت ابتسامةً واسعة كاشفة عن صف أسنان مستقيم....

...السيد روبيرت عاد إلى قصر توت العليق. و لقد عاد إلى هذا المكان الذي لا يعرف فيه أحداً، بعد أن ظهر فجأة واختفى مجدداً قبل عامين كاملين....

...***...

...عندما لامست يدها ظهر يده، تراجع روبرت بشكلٍ طبيعي إلى الخلف. ثم تذكّرت ساشا أنه لا يحب الاقتراب الشديد من الآخرين، وهو أمر كانت قد نسيته، فبدأت تحاول الحفاظ على مسافةٍ مناسبة كي لا تلمسه مجددًا عن غير قصد....

...لم يكن في قصر توت العليق خادمةٌ تتولى شؤون المطبخ. فأعد هو القهوة الساخنة بخفة معتادة، ثم أخذ الكوب وعاد إلى الأريكة....

...بينما كانت ساشا تحدق بصمت في عصير البرتقال الموضوع أمامها، شعرت وكأنّه لم يغب سوى لبضعة أيام فقط ثم عاد، لا أكثر....

...“هل كنت في لوران طوال هذه الفترة؟”...

...“قضيتها في القيام بأعمالٍ مملة.”...

...“ولماذا تفعل شيئاً مملاً كهذا؟”...

...ضحك روبرت بخفة على سؤالها البريء....

...“لأن هناك أشياء يجب فعلها حتى لو لم نرغب بها.”...

...ساشا لم تفهم لماذا يجب أن يكون الأمر كذلك. لكن روبرت كان متأكداً من أنها لن تفهم. ومع ذلك، كانت تحاول أن تفهم....

...لامس بطرف إصبعه التجاعيد الصغيرة على جسر أنفها وهي تعقد حاجبيها،...

...“تلك الأعمال، رغم أنها لا تمنحني المتعة، إلا أنها تمنحني شعوراً بالرضا.”...

...ثم هزّ كتفيه وقدم لها عصير البرتقال، محاولاً أن يخفف عنها. وما إن شربت الكوب الزجاجي الممتلئ بذلك اللون البرتقالي الجميل دفعةً واحدة، حتى انفجر عبير البرتقال المركز والمنعش في أنفها....

...كان العصير من محل السيد ديني بجوار محطة قطار مانولي. كثيف، وفاتر. و طعمه يشبه ما يُخزَّن طويلاً في جيب معطف تحت الشمس....

...نظرت ساشا إلى جيب المعطف المعلّق على الكرسي....

...“هل عدم مجيئكَ لرؤيتي كل هذا الوقت كان بسبب تلك الأعمال؟”...

...“من يدري؟ أنا لم آتِ إلى هنا لرؤيتكِ، بل لأنني أحصل على إجازتي في الصيف فحسب.”...

...“ومع ذلك، كنت أعتقد أننا صديقان نتشارك صداقةً خاصة. لم أكن أتوقع أن تختفي لمدة عامين كاملين دون حتى كلمةٍ واحدة.”...

...فتح السيد روبرت شفتيه وكأنه سيقول شيئاً، ثم تراجع وسكت....

...“قصتي لن تثير اهتمامكِ. لذلك، أخبريني أنتِ. ماذا عنكِ يا ساشا؟”...

...“أنا لم أغادر هذا المكان تقريباً طوال العامين! لا أظن أنكَ مهتمٌ بسماع قصص مملة عن المدرسة لدرجة أن تجعلك تفقد وعيك، صحيح؟”...

...“بالطبع لا.”...

...لماذا يضحك كثيراً؟ ...

...كان السيد روبرت يبتسم في كل مرةٍ تتحدث فيها ساشا....

...أن يضحك من سماع قصتها المملة بهذه السهولة……فكم يا تُرى يكون لوران مكاناً مملاً؟...

...هل هكذا هم أهل المدُن؟...

...“ساشا. سمعتُ أنكِ حصلتِ على دعمٍ من البارون أوغوست.”...

...“كيف عرفتَ بذلك؟”...

...ساشا المتحمّسة فتحت عينيها على وسعهما....

...“سمعت ذلك مرارًا وتكرارًا في طريقي إلى هنا، أن ساشا فينوش تلقت دعمًا من أحد النبلاء البارزين في العاصمة.”...

...حدّق روبرت في خدي ساشا اللذين احمرّا خجلًا وفرحًا ثم سألها....

...“لماذا لم تلتحقي بالأكاديمية الملكية للفنون؟ كان بإمكانكِ القبول بسهولة بتوصيةٍ من البارون.”...

...“ذهبت لفترةٍ قصيرة. لكنني لم أستطع التأقلم، فتم طردي بسرعة.”...

...تلبدت ملامح ساشا وهي تسترجع تلك الفترة....

...كانت تجد صعوبةً في الطرق التقليدية للدروس، مثل تقليد أساليب الأساتذة الكبار أو رسم النماذج المحددة مسبقًا. كان غريبًا عليها أيضًا أن تبقى محبوسةً في الداخل و هي ترسم فقط....

...ساشا كانت معتادةً على نصب الحامل في غابة مانولي، أو التنقل بين مرسم قصر توت العليق وحديقته لترسم بعشوائية وباندفاع....

...“الأستاذ قال إن رسوماتي لا تختلف عن مسوداتٍ غير متقنة، وانتقدني بشدة. قال أيضًا أن العادات السيئة يجب تصحيحها في سنٍ مبكرة.”...

...كانت هذه أول مرة تفتح قلبها وتقول ما سمعته هناك....

...فالسيد والسيدة فينوش كانا قلقَين للغاية بمجرد إرسال ساشا الصغيرة وحدها إلى لوران، ولم تكن تريد أن تزيد من مخاوفهما....

...و كانت تلك أول مرة يتم فيها تقييم رسوماتها خارج مانولي، وقد شعرت بخيبة أملٍ كبيرة....

...بحسب ما قاله الأستاذ، حاولت أن تتعلم رسم اللوحات الدينية أو التاريخية، والتي تُعد الوحيدة ذات القيمة الحقيقية، لكنها فشلت. فقد كانت تفتقر تمامًا إلى الموهبة في هذا النوع من الرسم بطريقةٍ لافتة للنظر....

...في آخر لوحة دينية رسمتها في الأكاديمية، بقيت آثار الفرشاة غير ناعمةٍ بوضوح، وقيل لها أن جسد القديس الذي رسمته من نموذجٍ حي بدا واقعيًا أكثر من اللازم....

...“إذا كان عليّ أن أمسح كل العيوب وأرسم الجميع بنسبٍ مثالية مهما كان الشخص، فما الفائدة من الرسم إذًا؟ ثم إني أفضل رسم المناظر الطبيعية على رسم الأشخاص.”...

...احتجّت ساشا بخجل....

...ربما بدا الأمر سخيفًا في نظر السيد روبرت، لأنه على الأرجح من سادة لوران، فنظرت إليه بخفة لتتحرى ردة فعله، لكنها لم تلاحظ أي تغيرٍ في ملامحه....

...“لكن راعيّ كان كريمًا بما يكفي ليقول أنني لست مجبرةً على الدراسة في الأكاديمية الملكية إن لم أرغب، و أنه يمكنني الاستمرار في الرسم هنا في مانولي كما أفعل الآن.”...

...“هكذا إذًا.”...

...ابتسم روبرت بسخرية وهو يتذكر وجه البارون أوغوست المتحمس وهو يفتخر باللوحة التي تلقاها من ساشا. فهو لم يكن كريمًا بقدر ما أدرك أن هذا الأسلوب التعليمي لا يناسب هذه الفتاة....

...وكان البارون راعيًا جيدًا لأنه لم يُصرّ على فرض معايير المجتمع الأرستقراطي المحافظ في لوران....

...“وبدلاً من ذلك، قررتُ أن أتعلم الرسم مجددًا على يد السيد برتران! لقد كان في شبابه رسام مناظر طبيعية نشطًا في لوران.”...

...قالت ساشا ذلك بفخر وهي تنتفخ اعتزازًا....

...“وكل هذا بفضل السيد روبرت! لأنكَ منحتني مكانًا للرسم بحرية، استطعت أن أتابع شغفي بلا قيود...

...أما المال الذي أرسله البارون، فأنفقه بالكامل على شراء الألوان!”...

...“هذا أكثر ما يسرني سماعه.”...

...أومأ روبرت برأسه وهو ينظر إلى اللوحة التي غمرتها ظلال اللون الأزرق بسخاء، يبدو أنها أصبحت مولعةً برسم الشواطئ مؤخرًا....

...وبينما كان يتأمل المرسم الغارق في اللون الأزرق، رفع الكأس بين الإبهام والسبابة وشرب بهدوء....

...تذكرت ساشا ما قالته لها الجدة إيلودي عن أن رجال العاصمة أحيانًا يضيفون القليل من الكحول إلى قهوتهم، وقد انبعثت من فنجان السيد روبرت رائحة الكونياك*....

...*مشروب كحولي ...

...الرجل الجالس أمامها وقد شبك ساقيه الطويلتين كان أكثر ودًّا بكثير مما كان عليه في السابق. لكن رغم ذلك، وجوده أمامها جعل كتفيها ينكمشان دون سبب واضح....

...كانت تعتقد أنها قد نضجت كثيرًا خلال العامين الماضيين. لكن الآن، وهي في حضرته، لم تكن متأكدةً من ذلك....

..._________________________...

...الفصل حلو اشوى رجع على طول حسبته بيطول 😂 بس راح سنتين ورجع؟ ليه ياخي يامطول الغيبات ...

...المهم حالياً ساشا 16 و روبرت 22 بس ترا فيه وصف للشخصيات بأنزله كفصل خاص موجود ان روبرت مابدا يحبها الا يوم صار عمرها 20 ✨...

...هذي الكوبية : ...

...وهذي التوليب: ...

...وهذا اللونين الأزرق اسمه ألترا مارين و الأخضر فريديان : ...

...Dana...

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon