...“مرحبًا، السيد روبرت.”...
...كانت ظهيرةً هادئة تنحدر فيها الشمس ببطء....
...استجمعت ساشا أنفاسها، وعندما فتح السيد روبرت الباب، حيّته متظاهرةً بعدم الاكتراث....
...عندما خرج الرجل من الباب، ارتسم ظله عند قدميها. و كانت رائحة القهوة القوية تنبعث من الداخل، ربما كان يشرب القهوة....
...اقتربت ساشا خطوةً بشكلٍ غريزي وهي تشمّ بأنفها. فارتبك الرجل وتراجع للخلف بنفس مقدار الخطوة التي اقتربتها ساشا، بينما كان لا يزال ممسكًا بمقبض الباب....
...“إذا كنتَ قد انتهيتَ من تناول الحلوى التي أعطيتكَ إياها في المرة السابقة، يجب أن أستعيد السلة الفارغة.”...
...قالت ساشا ذلك، وهي تضرب الأرض برأس قدمها بخفة من التوتر....
...فكّر روبرت قليلًا، ثم فتح فمه،...
...“انتظري هنا، سأجلبها لكِ.”...
...الرجل الذي بدا وكأنه سيدخل إلى الداخل في أي لحظة، بقي واقفًا قليلًا بعد. و كأنه ما زال لديه ما يريد قوله....
...ألم تكن الحلوى لذيذة؟...
...تسرب القلق إلى قلب ساشا، فكادت أن تسأله، لكنها تراجعت بصعوبةٍ خشية أن يبدو اقترابها المفاجئ وقاحة....
...كانت تشعر بالقلق من أن يكون قد انزعج من زيارتها غير المتوقعة. فالسيد روبرت كان يختلف كثيرًا عن سكان مانولي الآخرين....
...كان حذرًا، متأنّيًا……ويبدو أنه يولي أهميةً كبيرة للأدب. و لو اقتربت منه بتهور، قد يعتبرها فتاةً وقحة ويضعها خارج دائرة اهتمامه....
...أرهفت ساشا سمعها. ذلك الصوت القادم من الحديقة كان لصوت طائر القصب أبي الحاجبين الأبيضين....
...“هل يمكنني إذًا أن أتجول قليلًا في الحديقة أثناء إحضاركَ للسلة من الداخل؟”...
...أومأ السيد روبرت برأسه. فصرخت ساشا داخليًا من الفرح، لكنها ظلت واقفةً ويداها متشابكتان، متظاهرةً بأنها فتاةٌ هادئة ومهذبة....
...حتى دخل إلى داخل القصر....
...وبعد قليل، عندما عاد حاملاً السلة الفارغة، كانت الفتاة جالسة على صندوق تفاح مقلوب....
...ما الذي تنظر إليه بهذه الجدية؟...
...رفع الرجل حاجبيه وألقى نظرةً خاطفة من فوق كتفيها الصغيرين. و كانت زهور الجيرانيوم* الوردية متفتحةً في تجمعٍ لطيف....
...*صورتها آخر الفصل...
...لكن الحماس انطفأ على الفور. أليست مجرد زهورٍ برية شائعة؟...
...“إذا أعجبتكِ، يمكنكِ قطف بعضها.”...
...قال ذلك ببساطة. و كان يتوقع أن تبتسم الفتاةُ فرحًا وتملأ السلة بالزهور إذا قال لها ذلك. لكن ساشا بدت في حيرة، و كأنها تلقت عرضًا لم تفكر فيه من قبل....
...ألم تكن ترغب في أخذ الزهور؟...
...تفاجأ من رد فعلها الذي لم يتوقعه....
...كما كانت ساشا فينوش تراقب الطيور والزهور البرية في حديقته باهتمام، كان هو بدوره يراقب عن كثب عينيها الخضراوين....
...“إذا كنتِ ترغبين، يمكنكِ القدوم لمشاهدتها مرة أخرى.”...
...“في كل مرة أرغب فيها؟”...
...لا يجب أن أتصرف بوقاحة....
...التعويذة التي كانت ساشا ترددها في نفسها انهارت فجأة. ...
...عينها الخضراوان تلألأتا ككراتٍ زجاجية تعكس الضوء في كل اتجاه....
...قصر توت العليق كان يقع على تلة، ما جعل منظر القرية يبدو واضحًا تمامًا تحت الأقدام. و ما وراء السور الأعلى في القرية كان يبدو ريفيًا، لكنه في نفس الوقت غامضًا وكأنكَ تخطو إلى عالم آخر....
...من الواضح أن من يهتم بهذه الحديقة شخصٌ ذو ذوق رفيع في الفن....
...“تقول أنني أستطيع زيارة الحديقة متى ما رغبت؟ حقًا؟ هل تقول ذلك بصدق؟”...
...كان ذلك حظًا سعيدًا لا يُصدق!...
...ساشا نسيت تمامًا أنها لا يجب أن تقترب منه بتهور، واقتربت حتى أصبح رأسها أسفل ذقن السيد روبرت مباشرة....
...عندها، تردد قليلًا، ثم أضاف شرطًا،...
...“طالما لم يكن الوقت متأخرًا جدًا.”...
...في تلك اللحظة، كانا قد اقتربا من بعضهما أكثر من اللازم. وحين أدرك الرجل ذلك، تراجع بسرعة إلى الخلف....
...كان السيد روبرت يشبه قطةً شديدة الحذر. من المؤسف تخيّل حيوانٍ لطيف بهذا الشكل يشبه هذا الرجل الكبير الحجم، لكن……...
...كان لدى ساشا عادة ربط كل شيء بالألوان. وكان السيد روبرت يشبه ليتو، إحدى قطط مانولي، ذات القوام الرشيق الذي يقفز بخفةٍ فوق الأسوار....
...قطةٌ فخمة، بفرو رمادي يميل إلى السواد، وعيون بلون الطاووس، مزيجٌ مذهل من الأخضر والأزرق....
...“إذًا، ماذا يمكنني أن أفعل لكَ في المقابل؟”...
...“هل يجب أن أتقاضى ثمنًا حتى لأسمح لكِ بالتجول في الحديقة؟”...
...لم تكن شيئًا عظيمًا، مجرد حديقةٍ في النهاية. فلم كل هذا الجدل؟...
...هزّت ساشا رأسها بحزم. فهذه لم تكن مجرد حديقة عادية. لقد كانت حديقةً أُنفِق عليها مبلغٌ هائل من المال لإنشائها....
...بالطبع، لم يكن ذلك مال السيد روبرت، على الأرجح....
...“جدتي كانت تقول أنه إذا أخذتَ شيئًا من أحد، عليك أن تردّه دائمًا.”...
...“حقًا؟”...
...ردّ روبرت وهو يعقد ذراعيه ويتكئ بشكلٍ مائل على الباب. و بهذه الوضعية، أصبح من الأسهل عليه أن ينظر إلى ساشا....
...ما الذي يمكن أن يأخذه من فتاةٍ صغيرة كهذه؟...
...رفع حاجبيه حائرًا وهو يفكر. و في الحقيقة، لم يكن هناك شيء يريده منها....
...“إذاً، ماذا لو تقاضيتَ مني رسوم دخول؟”...
...“رسوم دخول؟!”...
...انفجرت منه ردة فعلٍ ساخرة دون قصد....
...لو أنه فعلاً تقاضى رسوم دخولٍ للحديقة من فتاةٍ ريفية، لما وُجد ما هو أكثر سخرية من ذلك....
...“لا أحتاج إلى المال. لكن إن كنتِ تشعرين بالحرج حقًا، فارسمي لي لوحةً واحدة تصلح لتعليقها على الحائط.”...
...قال ذلك فجأة. وبدا عليه الندم بعد أن نطق بها. لكن التظاهر بعدم قولها لم يكن ممكنًا، فهما كانا الوحيدين في الحديقة....
...ولم تستطع ساشا مقاومة فضولها، فسألت فورًا،...
...“كيف عرفت أنني أرسم؟”...
...“لدي في البيت كميةٌ كبيرة من الألوان بلا فائدة. كنت على وشك أخذها إلى متجر الأدوات لعلهم يحتاجونها، وهناك أخبرني صاحب المحل أن الفتاة الوحيدة في هذه القرية التي ترسم هي أنتِ.”...
...قال ذلك وكأنه يرمي طُعمًا. وقد انقضّت ساشا عليه فعلًا، واتسعت عيناها بدهشة،...
...“كنتَ ستتخلّى عن الألوان؟!”...
...قال السيد روبرت إنه سيرتب أدوات الرسم التي لم يعد يستخدمها، وطلب منها أن تأتي لأخذها في صباح الغد....
...ساشا لم تصدق أن هذا الحظ السعيد قد أتاها حقًا. و خشيت أن تستيقظ من حلمٍ إن هي أغمضت عينيها، فظلت مستيقظةً طوال الليل تحدق في السقف بعينين مفتوحتين....
...وبعدما انتهت من الإفطار في الصباح، هرعت من المنزل كالرصاصة....
...ركنت دراجتها تحت شجرة توت العليق أمام القصر، ثم أخرجت السلة التي كانت معلّقةً على المقود....
...كانت سلة تفاحٍ أعدّتها لها جدتها لولو لتأخذها وتشكر بها السيد روبرت....
...كان التفاح الأحمر الناضج يفوح منه عبيرٌ حلو وعطر لذيذ....
...“يا له من طقسٍ رائع.”...
...وصلت ساشا وهي تغني بلحنٍ خفيف، ثم وضعت سلة التفاح التي كانت تحملها بكلتا يديها، وضغطت على جرس قصر توت العليق....
...وبعد قليل، وكما حدث في اليوم السابق، خرج السيد روبرت و كان يرتدي قميصًا بلون الزبدة مع سترةٍ بنية. وبخلاف الأمس، كان يرتدي نظارات، مما جعل جوه يبدو أكثر ذكاءً....
...“صباح الخير!”...
...ابتسمت ساشا وسلمت بحرارةٍ كما تفعل مع جدتيها. و شعر الرجل بالحرج فمرر يديه الكبيرتين على وجهه عدة مرات، ثم ارتعش خده....
...وعندما خفض يديه، أشار إلى السلة الكبيرة التي كانت ساشا تحملها....
...“هل هذه لي؟”...
...“قالت جدتي أن أعطيكَ إياها. قالت لي أن أشكركَ على إهدائكَ لي أدوات الرسم التي لم تعد تستخدمها.”...
...قالت ساشا ذلك بينما كانت تبتسم وتتحدث بسرعه....
...استلم السيد روبرت السلة التي كانت مليئةً بالتفاح بيدٍ واحدة، ثم وضعها على الطاولة بجانب المدخل، التي تُستخدم لوضع بطاقات العمل....
...“هل تحب التفاح؟ يمكنكَ صنع عصيرٍ أو مربى منه. وإذا صنعت مربى، يمكنكَ أيضًا عمل فطيرةٍ أو خبز أو كعكة.”...
...اقتربت ساشا منه وأخبرته عن عدة طرقٍ لتناول التفاح. كان ذلك بسبب تذكرها الإشاعة التي سمعَتْها ذات يوم عن السيد روبرت الذي اشترى صندوقًا من الفاكهة ولم يتمكن من تناولها كلها فتركها تُرمى....
...“فهمت، إذًا ادخلي.”...
...تحدث السيد روبرت وهو يفتح الباب بفتور أمامها ويقود الطريق. ثم تبعته ساشا بخطواتٍ مترددة....
...كان مظهر القصر الخارجي لم يتغير كثيرًا منذ أن زارته و هي طفلة، لكن الداخل كان يبدو أكثر أناقة ورقيًا، وكأنهم قد قاموا بتجديده أثناء أعمال إصلاح الحديقة....
...كانت ساشا تنظر حولها بفضولٍ إلى المصابيح الزجاجية الملونة أو الإطارات المعلقة على جدران الممرات، مما جعلها تشتت انتباهها كثيرًا....
...بينما كانت مشغولةً بذلك، كان السيد روبرت يبتعد عنها قليلاً. و عندما شعر أنها تأخرت عن اللحاق به، ضرب الجدار بلطف بظهر يده ليصدر صوتًا، كإشارةٍ لها لتتابع....
...عبرت ساشا عبر الممر المضاء بالمصابيح، واكتشفت غرفةً مفتوحة. و قبل أن تضغط على الجرس المعلق، لاحظت أن الطاولة في الغرفة فوضوية، كما لو أن السيد روبرت كان قد خرج للتو من العمل....
...كانت ترغب في استكشاف الغرفة أكثر، لكن السيد روبرت مرَّ عبرها بلا توقف وتوجه إلى مكان آخر....
...كانت تلك الغرفة كبيرةً جدًا وجيدة للغاية بحيث لا يمكن اعتبارها مجرد ورشة قديمة غير مستخدمة....
...لم يكن من الممكن مقارنتها أبدًا بمحل بيرترانج، متجر الأدوات الذي جمع أدوات الطهي القديمة وبيعها في زاوية المحل....
...“أي واحدةٍ من هذه يمكنني أخذها؟”...
...سألت ساشا بحذر....
...في داخلها، كانت تأمل أن يختار لها سلةٌ للألوان التي على السجادة المزخرفة بالأزهار، رغم أنها كانت تبدو جديدةً جدًا بحيث أن ذلك قد لا يكون ممكنًا……...
...“كل شيء.”...
...جاءت الكلمات بعد تأخيرٍ بسيط، لكن بما أنها قلبت التوقعات تمامًا، فإن ساشا كانت تحدق في السيد روبرت بدهشة. فأعاد هو الكلام بصبر،...
...“كل شيءٍ هنا لا يُستخدم. ساشا، يمكنكِ أخذ أي شيء من هذه الغرفة، اختاري ما تريدين.”...
...ثم مدّ لها سلةً فارغة كانت موضوعة كما لو كانت معدةً لها، وقال لها أن تملأها كما تشاء. فلم تفوت ساشا الفرصة، وأخذت السلة بسرعةٍ قبل أن يغير السيد روبرت رأيه ويُلغِي ما قاله....
...بينما كانت ساشا تختار الألوان والفرش بحماسة، سألها الرجل،...
...“لماذا لا تذهبين إلى لوران؟ بقدراتكِ، يمكنكِ إيجاد داعمٍ جيد.”...
...لم تسأل من أين رأى لوحاتها، إذ كانت رسومات ساشا معلقةً في كل مكانٍ في مانولي....
...كانت ساشا كلما أنجزت لوحةً من لوحات مناظر مانولي، كانت تهديها لأهالي القرية، وفي المقابل كانت تتلقى سلةً من الخبز أو الفاكهة الطازجة. و لم تفكر قط في بيع لوحاتها مقابل المال....
...“أنا لا أرسم من أجل المال.”...
...“إذاً، لماذا ترسمين؟”...
...عبس السيد روبرت وكأنّه لا يفهم، وأهتزت نظارته التي كانت تستقر على الجبين بين تجاعيد وجهه....
...انفجرت ساشا ضاحكة، وصوت ضحكتها الذي يشبه زقزقة العصفور انتشر في ضوء الظهيرة، مُضيئًا الجو من حولها....
...“فقط لأنني أرغب في الرسم. هل يجب أن يكون هناك سبب؟”...
...هز السيد روبرت رأسه، ثم نزع نظارته و فرك عينيه. ثم تَراكم الضوء الذي اخترق العدسات الشفافة على الأرض الخشبية، مُشكلاً بقعة ضوءٍ دافئة....
...وضعت ساشا آخر لونٍ اختارته بعناية في جيب تنورتها، وكأنها تخفيه بعمق، مثل اللون الغريب للزجاج الشفاف الذي يشبه عيون السيد روبرت....
..._________________________...
...الحين هو قايل لها خذي راحتس تخشينه كأنس سارقته ليه؟😭...
...حالياً مدوي بالضبط كم أعمارهم ودي يقولون قمت الخبط ...
...هذي هي الزهور الصراحه حلوه حسبتها عاديه 😂🤏🏻...
...Dana...
19تم تحديث
Comments