...هبط الحماس في ساشا بهدوء، وبدأت تحرك مؤخرتها محاولة النهوض. بدا وكأن هناك شيئًا ما جعلها تشعر بعدم الارتياح....
...“أعتقد أنكَ متعب، هل أعود الآن؟ قد أكون أزعجتكَ وأنت تحاول الاستراحة بعد وقتٍ طويل.”...
...“هذا المكان لكِ، إن كان هناك من يزعج الآخر، فأنا من أزعجكِ.”...
...نهض الرجل وأخذ معطفه وقبعته المعلّقين على الكرسي وتوجّه نحو الباب. أما ساشا، التي كانت بالكاد تهمّ بالنهوض، فقد قفزت واقفةً وكأن زنبركًا انطلق في ظهرها....
...“ستذهب؟ لن تعود إلى لوران مباشرة، صحيح؟ كم من الوقت ستبقى في مانولي هذه المرة؟”...
...“ربما حتى نهاية الصيف.”...
...قال روبرت ذلك وهو يبعد بلطف يدها الصغيرة التي أمسكت كمّه دون إذن. لكنها كانت قد قفزت مبتعدةً بخفة حتى قبل أن يتحرك. ...
...ثم ابتعدت خطوتين كعادتها....
...“أنصحكِ ألّا تتصرفي بهذه الطريقة. إن لم تكوني ترغبين أن يسيء الناس فهمكِ.”...
...قال ذلك وهو يفرك الزرّ المعلّق على كمّه، ناصحًا ساشا. ...
...كان عليها أن تعرف، في عمر السادسة عشرة، أنه لا ينبغي لها أن تتصرف بهذه الطريقة مع رجلٍ ليس من عائلتها. حتى وإن نشأت في الريف، فلا يعقل أن تكون جاهلةً إلى هذا الحد....
...كما قال البارون أوغوست، قد تكون روح ساشا الحرة مناسبةً للرسم، لكنها خطِرة في مجالاتٍ أخرى. على الأقل في لوران. وخاصةً في صالونات المجتمع الراقي التي لا بد أن تدخلها يومًا ما....
...“سأنتبه. آسفة إن كنتُ قد أزعجتكَ.”...
...رغم أن ساشا بدت وكأنها لا تزال لا تفهم، إلا أنها لم تعترض وأومأت بهدوء. فتنهد روبرت، ثم ربتّ بخفة على رأسها....
...***...
...“السيد روبرت لم يعد مهتمًا بكِ.”...
...همس صوتٌ ساخر في أذن ساشا، بينما كانت تختار حبة شمامٍ بعناية في متجر الفاكهة....
...ارتجفت ساشا من الهواء المزعج الذي خرج مع الكلام، والتفتت لتجد داميان يبتسم بخبث....
...“حتى لو كنتِ تذهبين كل يومٍ إلى ذلك القصر بحجة الرسم، فإن رجلًا مثله لن يهتم أبدًا بطفلةٍ مثلكِ.”...
...كانت ساشا تكره داميان. لأنها كانت تعلم أن داميَان هو من كرهها أولًا. ربما لم يكن الأمر كذلك في الطفولة، لكن منذ وقتٍ ما بدأ يكرهها دون سبب....
...عندما يكون إنزو موجودًا، كان الوضع أفضل، أما في غيابه كان داميَان يستغل كل فرصةٍ لشدّ شعرها أو طعنها في ظهرها بغصنٍ ثم يهرب. وحين رأته الجدة لولو يفعل ذلك ذات مرة، ووبّخته بشدة، هدأ لفترة. ...
...لكن منذ أن عاد السيد روبرت إلى مانولي مؤخرًا، عاد داميَان يلاحقها ويفتعل المشاكل من حولها....
...تجاهلت ساشا كلامه، و دفعت ثمن الفاكهة في المتجر، واتجهت نحو المكان الذي تركت فيه دراجتها....
...لكن داميَان ظل يتبعها، وخطف منها كيس الورق الذي كانت تحمله....
...“أعده إليّ.”...
...توقفت ساشا فجأةً وأمرته أن يعيد الكيس، فتردد داميَان لحظة....
...“لم كل هذا الانفعال لم أقل أنني لن أعيده؟”...
...“أنا لم أطلبه منك. هذا لي. أعطني إياه.”...
...مدّت يدها بحزم، فاستشاط داميَان غضبًا ونفخ بأنفاس غاضبة. و رفع كيس الورق عاليًا بحيث لا تصل إليه يدها....
...“لا. إن استطعتِ أخذه، فجربي.”...
...تنفست ساشا بعمقٍ ثم اندفعت نحوه بسرعة. ففوجئ داميَان وأسقط الكيس، فتدحرج الشمّام على الأرض....
...كانت قد اشترته خصيصًا لأن الجدة إيلودي قالت أمس أتها تشتهيه. ...
...حدّقت فيه بعينين حادتين، فتراجع داميَان قليلًا. ...
...جمعت ساشا الشمّام بصمت، وراحت ترتّبه بعناية في سلة الدراجة. وقبل أن تبدأ في تبديل الطريق، قطع داميَان طريقها بعناد....
...“الرجال من هذا النوع كلهم منافقون، يا غبية. ألا تعلمين أن جميع رجال لوران، دون استثناء، يحتفظون بعشيقات؟ إن سلمتِ نفسكِ بسهولة، فسينتهي بكِ الأمر مخدوعةً ومتروكة.”...
...حاولت ساشا أن تتحمل قدر الإمكان. لكنها لم تستطع كتمان غضبها حين أهانها داميَان بكلماتٍ قذرة....
...“أنا لست على علاقةٍ قذرة مع ذلك السيد. وحتى لو كنت كذلك، ما شأنكَ أنت؟”...
...ردّت عليه ساشا بغضبٍ حاد. لم تكن لتدخل في علاقةٍ كهذه أبدًا مع السيد روبرت. ولكن حتى لو حدث، ما دخل داميَان بذلك؟ هو ليس السيد والسيدة فينوش، ولا إنزو حتى....
...عندها احمرّ وجه داميَان وازرقّ من الغضب والارتباك....
...“كيف تقولين شيئًا كهذا؟ أيتها الفتاة الوقحة! أنا أنصحكِ فقط لأنني قلقٌ عليكِ!”...
...صرخ داميَان بأعلى صوته، ثم دفع ساشا بعنفٍ على كتفها من شدة الغضب. ففقدت الدراجة توازنها وسقطت على جانبها مصدرة صوتًا صاخبًا....
...سقطت ساشا على الأرض، وحين حاولت النهوض مستندةً إلى كفيها، شعرت بألم جعل الدموع تتجمع في عينيها. و لم يكن داميَان يتوقع أن تسقط بهذا الشكل، فاقترب منها وهو يبدو عليه الندم. ...
...في الجهة المقابلة، كان رجل يقرأ الصحيفة بهدوء على شرفة أحد المقاهي، قد أغلق صحيفته. ثم وضع ثمن القهوة والصحيفة تحت الكوب الفارغ ونهض. ...
...كان ذلك السيد روبرت....
...وبينما ظل المراهقان المتخاصمان واقفين في ذهول، عبر هو الشارع واقترب منهما....
...الرجل الذي تُشاع عنه قصصٌ بأنه كان يطيح برؤوس الجنود العُصاة ببندقيته عندما كان في الجيش، كان أطول بكثيرٍ وأضخم من داميَان....
...'لا يمكن، هل سمع كل شيءٍ من البداية؟'...
...لو كان قد سمع……...
...ارتعد داميَان من الخوف، وتراجع خطوة، ثم فرّ هاربًا من المكان....
...ساعد روبرت ساشا، التي بقيت وحدها، على النهوض، كما أعاد الدراجة إلى وضعها. و في تلك الأثناء استعادت ساشا وعيها، ونهضت وهي تمسح ركبتها التي تؤلمها لدرجة أن دموعها كادت تنهمر....
...لحسن الحظ لم ينزف الجرح، لكن من المؤكد أن كدمةً ستظهر. ومع ذلك، لن يتعاطف معها أحد سوى الجدة لولو، لأن الجميع يقول إن الأولاد دائمًا ما يكونون مشاكسين....
...كظمت ساشا غضبها تجاه داميَان، ورفعت مجددًا الشمّام الذي تدحرج على الأرض مرتين....
...كان قشره طريًا جدًا، إما بسبب نضجه الزائد أو لكثرة سقوطه، حتى أن أعلاه قد تشقق وانبعثت منه رائحةٌ حلوة....
...عندها، وضع السيد روبرت شيئًا في يدها فوق الشمّام. كان طوق شعرها، الذي تدحرج حتى حافة الطريق أثناء شجارها مع داميَان....
...عجلة الدراجة الخلفية تعطّلت مجددًا. لذا، عليها أن تعود إلى المنزل وتطلب من السيد فينوش أن يصلحها....
...“هل أجرّها عنكِ؟”...
...قال روبرت ذلك وهو ينظر إلى ساشا التي كانت تمشي بصعوبة. وعندما رفضت، لم يُلحّ عليها ثانية....
...وبعد مرور وقت، قطعت نصف الطريق صعودًا نحو قمة التل حيث يقع قصر توت العليق....
...فتح روبرت فمه مجددًا،...
...“من الأفضل ألا تذهبي إلى القصر كثيرًا بعد الآن، إن أمكن. يمكنكِ أن تطلبي من راعيكِ أن يجد لك مرسمًا أفضل.”...
...هل كان يفكر في هذا الأمر طوال فترة الصمت؟ ...
...تساءلت ساشا وهي تلمح إليه بنظرةٍ جانبية....
...كان قد خلع سترته وعلّقها على ذراعه، وأرخى ربطة عنقه التي كانت تخنق عنقه من حرارة الشمس التي لم يستطع الظل أن يقيه منها تمامًا. وكان عنقه، الظاهر من فتحة قميصه، مبللًا....
...“لكن، حتى أفضل مرسمٍ لن يكون فيه حديقةٌ مثل حديقة قصر توت العليق.”...
...قالت ساشا ذلك بنبرةٍ يملؤها الأسف وكأنها تعتذر....
...مرسم قصر توت العليق لم يكن مجرد غرفةٍ للرسم فيها ألوان وفرش، بل إن حديقته كانت من الأماكن التي تحبها ساشا كثيرًا في مانولي، إلى جانب الغابة والشاطئ....
...انقبض جبين روبرت....
...“ما الذي تظنينه عني؟”...
...“عفوا؟ ماذا تقصد؟”...
...انحنى الرجل فجأةً واقترب منها حتى أصبح وجهه بمحاذاة وجهها....
...رمشت ساشا بعينيها وهي تحدّق في عينيه اللتين اقتربتا حتى صارتا على بعد أنفاس. ...
...كانت عينيه مزيجاً من لون ألترا مارين……و فريديان ثم لمحت شيئًا من اللون الذهبي لم تكن قد لاحظته من قبل....
...وفي تلك اللحظة، اقترب منها أكثر حتى كادت أنوفهما اتلامس. و تحت عطرٍ لم تألفه من قبل، كان هناك عبقٌ ثقيل قليلًا، لاذع، يخصه وحده....
...ارتجفت ساشا من الفزع وتراجعت خطوةً إلى الوراء....
...“لماذا تثقين بي بسهولةٍ وتفترضين أن نيتي ليست خبيثة؟”...
...قال السيد روبرت ذلك بنبرةٍ مستاءة وهو يتراجع واضعًا يديه خلف ظهره....
...ظلت ساشا تحدّق فيه دون أن تنطق، ثم سألت بخجل،...
...“إذًا……هل تنوي أن تجعلني عشيقتكَ؟”...
...“لا.”...
...ارتعشت عضلة وجنته فوق شفاهه الملتوية بسخرية، ومرت نظرة ازدراءٍ باردة في عينيه....
...“لو كان الأمر كذلك، لما كنتُ قد عدت إلى هنا أبدًا.”...
...“أرأيت؟ كنتُ محقّة إذًا.”...
...ضحكت ساشا ضحكةً خفيفة، وكأنها أكّدت لنفسها أن استنتاجها كان صائبًا....
...الخلاصة كانت واضحة، هو ليس من أولئك الحمقى الذين يحطّون من قدر فتاةٍ صغيرة في مانولي بجعلها عشيقة لهم....
...ذلك القدر القليل من اللطف الذي يمنحه لها، لم يكن بدافع شهوةٍ قذرة، بل بدافع فضولٍ عابر....
...في ذلك الصيف الذي ورث فيه الإقطاعية قبل أوانها، دون أن يكون قد زارها حقًا من قبل، كان قد حضر معرضًا أقامته الأكاديمية الملكية للفنون بدافع الواجب فقط، ومن دون أي توقعات....
...وهناك، عثر على لوحةٍ فنية علّقها لاحقًا في غرفته، و تلك الغرفة التي لم تُفتح بعد ذلك لأحد. ...
...وكانت هذه الفتاة الصغيرة هي من رسمت تلك اللوحة. ...
...وقد صُدم حين أدرك أن الطفلة التي التقاها في قريةٍ ريفية خلال زيارة عابرة مع صديق له، الطفلة التي تفوح منها رائحة البرتقال، هي نفسها تلك الرسّامة....
...فتاة مانولي كانت أول من تلقى مشاعر فضوله منذ أن أصبح دوقًا....
...قد يرى البعض أن قضاء عطلة الصيف في ريفٍ لا يوجد فيه حتى قطاراتٍ مباشرة إلى لوران هو مضيعة للوقت، لكن بالنسبة له، لم يكن ذلك سيئًا على الإطلاق....
...أن يراقب نمو فنانةٍ شابة ويؤدي دور الراعي لها……ربما، كما قال البارون أوغوست، الفن ليس سوى كرة بلورية يصنعها أولئك الذين يمتلكون أرواحًا زائدة عن الحاجة....
...وذلك وحده يكفي. طالما أنه هو من قرر ذلك....
...فروبرت كان دوقًا، ويعلم تمامًا أنه لم يعد في موقعٍ يستدعي أن يتلقى نصائح من أحد....
...هبّ نسيمٌ بارد لامس عنقه المتقد بحرارة، وكان منعشًا. و دون أن يشعر، كانا قد وصلا إلى قمة التل حيث يقع قصر توت العليق....
...“شكرًا على مساعدتكَ قبل قليل. لو لم تكن أكبر من داميَان، لظل يلاحقني حتى النهاية.”...
...قالت ساشا ذلك وهي تتذمر من داميَان المزعج، ثم اختارت من سلة الدراجة أكثر شمّام كان سليمًا ونظيفًا، ومدّت به إليه كتعبيرٍ عن شكرها لمساعدتها أمام المقهى قبل قليل....
...“ألا تزال جدتكِ تؤمن بأن لا وجود للّطف المجاني؟”...
...“نعم؟”...
...نظرت إليه ساشا باستغراب، وكأنها تتساءل كيف عرف ذلك....
...روبرت، وقد شعر بقليلٍ من المرح، مدّ يده ليتناول الشمّام منها. وفي اللحظة التي لامست فيها أطراف أصابعهما بعضها بخفة، صدر صوت فتحٍ مفاجئ لباب عربة خلفهما، ...
...دلق-!...
...ونزلت منها امرأةٌ نحيلة الجسد ترتدي حجابًا شفافًا....
...سحب روبرت يده على الفور، فيما تجمّدت ساشا في مكانها من الذهول....
...المرأة، التي لم ترها يومًا من قبل في مانولي، كانت ترتدي ملابس أنيقة تبدو وكأنها من عالمٍ آخر تمامًا....
...تمامًا كما كان روبرت نفسه في أول يومٍ جاء فيه إلى مانولي....
...______________________...
...يععععع لاتكون الأميره؟ تكفى لاتخطبها ...
...روبرت كل يوم يطلع لنا بلون عين جديد في البدايه اخضر رمادي وبعدها اخضر وازرق والحين بعد فيها شوي ذهبي؟ شلون؟😭...
...شكل داميان يحب ساشا بس مكابر؟ بس مب على كيفه يطرحها ويضربها شكله مصدق مثل ومن الحب ماقتل ...
...بعدين ليه اسمه داميان ضاقت الاسامي؟ سموه اوسكار ...
...Dana...
15تم تحديث
Comments