بعد مدة من التجوال خطرت ببالي فكرة وهي التوجه لأي لعلها تعرف دار النشر التي نشرت الكتاب أو أن يكون لديها فكرة عن
المؤلف الذي قام بتأليفه. وفعلا بحثت عن أكبر مكتبة هناك وتوجهت إليها وقدمت الكتاب لأحد المسؤولين في المكتبة الذي نظر بدوره للكتاب وتصفحه قليلا ثم نظر إلي وقال:
من أين لك بهذا الكتاب؟
فحكيت له معظم قصتي...
سکت مسؤول المكتبة قليلا وتغيرت ملامح وجهه ثم خرج عن
سكوته وقال:
لن تجد لهذا الكتاب مؤلفًا أو ناشرا .. لكن يمكنني أن أدلك على من قد يساعدك في مسعاك ، فأعطاني وصفا لمكتبة بعيدة عن العاصمة في مدينة أخرى يمكن أن أجد فيها ضالتي فقمت باستئجار سيارة كي أذهب إلى هناك لكني كنت أسأل طيلة الطريق لجهلي بالمنطقة. غطت الشمس في الأفق وتغير لون
السماء للاحمرار وبدأ الليل بسط عباءته فلقد أضعت الكثير من الوقت بسبب كثرة سؤالي المستمر خلال الطريق ولم أكن قد وصلت بعد، لكني في النهاية وبعد عناء انتهى بي المطاف في تلك المدينة الصغيرة وفيها وجدت من دلني على تلك المكتبة، وبعد دخولي إليها وجدت على رفوفها كتبا مشابهة للكتب التي وجدتها في صندوق قريبي العجوز لكن صاحب المكتبة كان عجوزاً ضيق الخلق ورفض الحديث معي بخصوص الكتاب الذي كان معي واكتفى بإرشادي لمنزل شخص قال إنه قد يفيدني بهذا الخصوص، وبالرغم من التعب والإرهاق قررت إكمال المشوار وعدم التوقف، فسألت أحد المارة عن الطريق فأرشدني وقال: الطريق الذي يجب أن تسلكه جبلي ووع ووعر وخطر في مثل هذا الوقت من الليل».
وحذرني كذلك من شيء لم أفهمه...
قال: «خلال الطريق ستجد أناسًا قامتهم طويلة أو قامتهم قصيرة
وسيلوحون لك للوقوف إياك أن تقف لهم.. إياك»
أكملت طريقي باتجاه المكان الذي وصفه لي صاحب المكتبة ولم
أشاهد أحدًا في طريقي تلك الليلة.
وصلت للمكان المنشود في الفجر ولم أجد سوى منزل بسيط على
سفح جبل مغطى بالخضرة وكان المنزل بلا جيران وكان أقرب للكوخ منه إلى المنزل انتظرت في السيارة حتى أشرقت الشمس ثم نزلت وطرقت الباب ففتح لي شخص يناهز الستين من العمر ذو لحية حمراء يخالطها بعض الشيب ويلبس على رأسه عمامة ملونة ونظر إلى بتجهم. ثم وجه نظره وكأنه يشاهد شيئًا خلفي وقال:
ادخل أنت فقط أما هو فليبق بالخارج ...
دخل الرجل بيته وترك الباب مفتوحًا. نظرت خلفي ولم أر أحدًا فدخلت لمنزله وأنا مرتبك لأن منزله كان غريبا. كان أغلب أثاث المنزل من الخشب وكان السقف عاليا بعض الشيء ورائحة المكان غريبة، كانت تشبه التفاح المتعفن جميلة ومقيتة في الوقت نفسه.
جلست أمامه وقبل أن أتكلم تكلم قبلي وقال:
لن تتخلص منه بسهولة .. لماذا استدعيته ؟
صمت وأنا أنظر له ولم أعرف ماذا أقول...
فسألني بغضب:
أين مخطوطته ؟!
فأعطيته الكتاب الأول فرماه في وجهي بغضب وقال:
ما هذا؟! أين مخطوطته ؟!
فغضبت وقلت له :
لا أريد منك شيئًا !!
وتوجهت للباب وأمسكت المقبض بقوة وفتحته ووضعت قدمي
على عتبته للخروج فقال الرجل وهو يضحك بهدوء:
يا الله .. أنت لا تعرف شيئًا عن عالمنا أليس كذلك ؟
فصرخت فيه وقلت:
ولا أريد أن أعرف !!
فقال لي بهدوء وهو يتصفح الكتاب الأول:
أبعد قدمك عن عتبة الباب يا فتى فلو خرجت الآن من الباب دون
معرفة اسمه سوف يفصل رأسك عن جسدك في لحظة.
فقلت له:
من تقصد ؟؟
قال:
الشيطان الذي استدعيته ينتظرك بالخارج ويعرف الآن بعد منعي له من الدخول معك أنك تبحث عن طريقة للتخلص منه وهو لن يبرح مكانه حتى يقتلك.
فقلت له :
ولماذا يقتلني ؟
قال:
لأنك أتيت للمكان الذي يمكن أن يجعلك تسيطر عليه
وتتخلص منه.
فقلت :
أخبرني إذا عن الطريقة التي يمكنني أن أتخلص بها منه !
قال:
لا أستطيع دون المخطوطة التي استخدمتها لاستدعائه ومهما حاولت فلن تستطيع الخروج من هنا دون معرفة الطريقة الرادعة لذلك الشيطان لأنه سيبقى في الخارج ينتظرك دون أن ينعس أو يغلبه التعب... صيفا وشتاء.. حتى لو استغرق الأمر منه أن ينتظرك مائة عام فلن يبارح مكانه حتى يقتلك.
بلعت ريقي وأنا أنظر للخارج من خلال الباب المفتوح وبدأت
بالتراجع للوراء مبتعدا عن الباب الذي كنت أبعد عنه خطوة واحدة فقط وقلت للرجل وأنا أحدق للخارج بصوت خافت يعتريه الخوف:
وما العمل الآن.. ؟
قال لي :
تعال هنا يا فتى واجلس بجانبي.
جلست مع الرجل لعدة ساعات أحكي له حكايتي وكيف انتهى بي
المطاف لعتبة بابه .. فسكت قليلا ثم قال:
ليس أمامك إلا حل واحد...
فقلت له:
ما هو ؟
فقام من مكانه وأشار بيده نحوي للحاق به فذهبت خلفه لغرفة كبيرة كلها كتب ومجلدات ضخمة كانت أشبه بالمكتبة العامة وكانت رفوفها مرتفعة وبعضها يستلزم سلما قصيرا للوصول إليه فقال لي وأنا
أحدق بتلك المكتبة الضخمة بفم مفتوح وأعين متسعة:
هل تحب القراءة .. ؟
فقلت له و فمي ما زال مفتوحًا وعيناي تحدقان بتلك الرفوف العالية :
أحبها لكن ليس للدرجة التي تحبها أنت...
فضحك الرجل وقال:
ابحث عنه بين هذه الكتب وستجده وتجد اسمه وعندها ستعرف
كيف تتخلص منه.
أغلقت فمي ووجهت نظري إليه وقلت له :
لكن .. من أين أبدأ؟
قال وهو يسحب كرسيا ويضعه خلفي:
لا يهم من أي كتاب تبدأ فلن يشكل ذلك فرقا لأننا لا نعرف عنه
شيئًا فأنت كما يقال تبحث عن إبرة في كومة قش.
جلست على الكرسي أحدق بتلك المكتبة الضخمة وخلال تحديقي
بها وضع الرجل يديه على أكتافي وقال: ...
31تم تحديث
Comments