كانت الغابة غارقة في صمت ثقيل، كأن الليل نفسه كان يراقب خطواتنا.
تقدّمت لينور أمامي، خطواتها هادئة لكنها واثقة. كان من الواضح أنها تعرف الطريق جيدًا. رغم ذلك، لم أعد أحتمل صمتها الطويل.
"أنتِ تعرفين عني أكثر مما ينبغي."
لم تتوقف عن المشي، لكن ابتسامة خافتة لاحت على شفتيها قبل أن تقول:
"أعرف أنك لست مجرد شخص يبحث عن قوته الضائعة. بل أنت شيء أقدم… شيء كانت الأكوان تخشاه منذ الأزل."
توقفتُ في مكاني، نظرتُ إليها بحدة، لكن عينيها ظلّتا هادئتين، كأنها كانت تتوقع ذلك.
"كنتَ الكارثة الأولى… الكيان الذي لم تستطع حتى الكيانات العليا محوه، فاكتفوا بتفكيك جوهرك، وتوزيعه على ثلاثين عالمًا، كي لا تعود كما كنت."
لم يكن هذا اكتشافًا جديدًا، لكنه كان تأكيدًا لما كنت أعرفه بالفعل. منذ اللحظة التي أدركتُ فيها أن قوتي لم تُخلق لتُسلب، كنتُ متأكدًا أنني لم أكن مجرد رجل نال لعنة القوه المعرفه—بل كنتُ شيئًا لم يكن ينبغي أن يوجد مجددًا.
"إذن… انت تعرفين كيفيه هزيمه ليلين ."
أومأتْ برأسها. "لم تكن سوى أداة في يد مييرا. لم يكن لها قوة حقيقية، فقط ما منحته لها مييرا."
لم أُجب. واصلتُ المشي، لكن في داخلي . هذه لم تكن مجرد رحلة لاستعادة قوتي، بل حربًا لاستعادة حقي منذ البداية.
بعد ساعات، وصلنا إلى مدخل كهف يختبئ بين الأشجار. لم يكن كهفًا عاديًا—كان ينبض بطاقة غريبة مألوفة بشكل مقلق.
دخلَتْ لينور أولًا، فتبعْتُها بحذر. ما إن اجتزنا المدخل، حتى تبدّل المشهد كليًا—لم يكن كهفًا مظلمًا كما توقعت، بل مغارة واسعة، جدرانها تتوهج بأحجار متغيرة الألوان، وأرضها مغطاة بضباب خفيف ينبعث منه دفء غريب.
خلعتْ لينور عباءتها السوداء، كاشفة عن جسدها و باقي وجهها. لم تكن بشرية بالكامل—جلدها كان شاحبًا بشكل غير طبيعي، وعيناها البنفسجيه الغريبه.
أشارت لي بالجلوس، فجلستُ بصمت.
"قبل أن نمضي أبعد، عليك أن تعرف من أكون."
انتظرتُ بصبر.
"كنتُ يومًا ما حاكمة عالم إيلثار هذا. لكنني، مثل غيري، كنتُ حمقاء بما يكفي لمعارضة نظام مييرا سيده الحكمه. أردتُ الاستقلال عن نظامها الذي أصبح فاسدا، أردتُ السيطرة على مصيري، لكنها لم تسمح بذلك."
لاحظتُ كيف قبضت يدها بشدة وهي تتحدث عن مييرا، كأن مجرد ذكرها كافٍ لإثارة غضبها القديم.
"أرسلتْ ليلين ضدي ك بطل مختار. لم تقتلني، بل جعلتني شيئًا أقل مما كنتُ عليه. أخذتْ عالمي سلطتي حكمي شعبي، سيطرتْ عليه باسمي، وتركتني طيفًا لما كنتُ عليه."
بقيتْ تحدّق في الأرض للحظات قبل أن تعود للنظر إليّ.
"لكن لماذا تساعدينني؟ ما الذي يجعلكِ تعتقدين أنني سأقف بجانبك؟"
"لأنني أعرف حقيقتك. أنت لا تبحث عن الانتقام فقط، ولا عن القوة فحسب. أنت تريد استعادة ما هو لك، وأنا أريد الشيء نفسه وهو الانتقام. نحن متشابهان أكثر مما تظن."
لم أنطق بكلمة. لم يكن هناك ما يقال، لأن جزءًا مني أدرك أنها محقة.
بعد لحظات، تقدّمت خطوة أخرى وقالت بصوت جاد:
"أما عن ليلين، فهناك نقطة ضعف لم تكتشفها بعد. قوتها ليست ذاتية، بل مستمدة من مييرا. طالما أن مييرا تمنحها القوة، فهي لا تُهزم."
ضيّقتُ عينيّ. "إذن علينا قطع مصدر قوتها."
"بالضبط."
ثم جلستْ أمامي، نظرت إليّ بثبات قبل أن تقول:
"هناك شيء لم تخبرك به ليلين عندما قاتلتك… هناك طريقة لاستعادة أجزاء جوهرك، لكنك بحاجة إلى شيء أكثر من مجرد القوة. أنت بحاجة إلى المفتاح."
شعرتُ بشيء غريب في صوتها، كأنها تختبر ردة فعلي.
"مفتاح؟" سألتُ بنبرة حذرة.
ابتسمتْ، لكن ابتسامتها كانت خالية من الدفء.
"نعم… وأنا أملك واحدًا منهم قوس مييرا الذي هو جزء من قوتك قديما هو حلقه الوصل بين مييرا و ليلين بالاضافه أنها كانت أحد تلاميذ سيرافيم بطل نيرفانا هي تميل للقتال يد بيد عوضا عن استخدام القوس و السهم."
في تلك اللحظة، شعرتُ باهتزاز خفيف في الهواء، كأن شيئًا ما كان يتغير. لم يكن خطرًا، بل كان أشبه بشيء يستيقظ بعد سبات طويل.
ثم، من العدم، بدأت الجدران الحجرية في المغارة تومض بنبضات بطيئة، كأنها تستجيب لكلماتها. النقوش القديمة المنحوتة عليها بدأت تتوهج بلون أزرق شاحب، تنبض مع أنفاسي.
نهضتُ ببطء، أحدق في النقوش التي لم تكن هناك قبل لحظات. لم تكن مجرد زخارف—بل كانت خريطة، طريقًا إلى شيء أعمق.
"هذا المكان…" تمتمتُ، لكنني لم أتمكن من إنهاء الجملة.
ابتسمتْ لينور ابتسامة صغيرة، وعيناها تلمعان بانتصار خافت.
"الآن… هل ما زلتَ تشك في أنني أعرف الطريق إلى استعادة حقي… وحقك؟"
لم أجب. لكنني كنتُ أعلم أنني قد بدأت للتو مرحلة جديدة من رحلتي—
مرحلة لن يكون فيها مجال للتراجع.
21تم تحديث
Comments