لينور

ساد الصمت بعد أن همستُ بتلك الكلمة. لكنها لم تكن مجرد كلمة—كانت رمزا لشيء أعمق، شيء ظلّ موجود منذ زمن بعيد شعرت بأني استردت جزء من عافيتي، لكنها لم تكن القوة التي اعتدتُ عليها. كانت أقدم… وأشدّ ظلمة.

استندتُ إلى جذع الشجرة، أُحاول السيطرة على أنفاسي بينما الألم في كتفي يزداد حدة. السهم الذي أخرجته لم يترك جرحًا جسديًا فقط—بل سلبني جزءًا مما يجعلني ما أنا عليه.

"الآن… كيف سأستعيد ما فقدت؟"

سؤال لم أملك له إجابة بعد. لكنني كنتُ أعلم أن بقائي في هذا الوضع لن يُغير شيئًا.

نهضتُ ببطء. كان جسدي متثاقلًا كما لو أن القيود التي وضعتها ليلين ما زالت تُطبق على روحي. نظرتُ إلى المدينة من بعيد؛ أضواؤها تتراقص عبر الأشجار كأنها تراقبني بعيون لا ترحم.

لكنني لم آتِ إلى هنا لأتراجع.

في تلك اللحظة، سمعتُ حركة خفيفة خلفي. خَطَوات حذرة، بالكاد مسموعة. لم ألتفت، لكنني كنتُ على يقين أنني لم أعد وحدي.

"كم ستبقى هنا؟" جاء الصوت ناعمًا، لكنه محمل بحدة لم تخطئها أذني.

أدرتُ رأسي ببطء. وقفتْ على حافة ظل الشجرة، عباءتها السوداء تتماوج مع الرياح الباردة. لم تكن ليلين. لكنها بالتأكيد ليست شخصًا عاديًا.

"من أنتِ؟" سألتُها، ونبرتي هادئة رغم التوتر الكامن تحتها.

تقدّمت خطوة للأمام، وظهرت ملامحها في ضوء القمر. شعر فضي ينسدل على كتفيها، وعينان بلون الليل ذاته.

"من يهتم؟ السؤال الأهم…" توقفت، ثم أمالت رأسها قليلاً، "كيف تنوي استعادة قوتك بعد أن سلبتك ليلين جوهرك؟"

شعرتُ بتوتر في صدري عند كلماتها. لم يكن مفاجئًا أنها تعرف ما حدث، لكن الطريقة التي تحدثت بها… كأنها تراقبني منذ البداية.

"وهل لديكِ إجابة لهذا السؤال؟"

ابتسمت ابتسامة باردة. "ربما."

تقدمتْ أكثر، وقفت أمامي تمامًا. رغم ضعف طاقتي، شعرتُ أن وجودها لم يكن مجرد مصادفة.

"أنتِ تعرفين شيئًا." قلتُ، وضيّقتُ عينيّ.

"بل أعرف أكثر مما تتخيل." ردّت، صوتها هادئ لكنه يحمل ثقلًا من المعرفة. "قوتك لم تُخلق لتُسلب بهذه السهولة… لكنها أيضًا ليست ملكًا لك بالكامل."

شعرتُ بانقباض في صدري. لطالما تساءلتُ عن مصدر هذه القوة التي جعلتني منبوذًا في طفولتي. والآن… بدا أن هناك من يعرف الحقيقة.

"تكلمي." أمرتُها بنبرة لم أستطع إخفاء حدة الغضب فيها.

"ليس هنا." أشارت إلى الظلال الكثيفة خلفها. "تعالَ معي، وسأخبرك كل شيء."

للحظة، ترددت. لم أعتد أن أثق بأحد. لكن شيئًا ما في نبرتها… وفي الطريقة التي نظرت بها إليّ… جعلني أقرر أن أتبِعها.

لأنني إذا أردتُ استعادة ما هو لي—كان عليّ أن أواجه الحقيقة.

تقدّمت خطوة أخرى، لكنها توقفت عند حدود الظل، وكأنها تعرف أن اقترابها أكثر قد يُشعل ما تبقى من غضبي.

نظرتُ إليها ببرود، محاولًا إخفاء الاضطراب الذي أثارته كلماتها. "لماذا أُصدّقك؟ بالكاد أعرف من تكونين."

رفعت حاجبها قليلًا، كأنها توقعت سؤالي. "حذرٌ في محله." قالت بهدوء، ثم شبكت ذراعيها أمام صدرها. "لكن لو أردتُ استغلال ضعفك، لفعلتُ ذلك وأنتَ مرميّ على الأرض قبل قليل."

لم تعجبني إجاباتها الملتوية. "هذا لا يُجيب سؤالي."

تنهدت بخفة، وكأنها تتعامل مع طفل عنيد. "اسمي لينور." توقفت لحظة قبل أن تُكمل، "لستُ من هذا العالم. وتمامًا مثلك… أنا أبحث عن شيء سُلب مني."

رغم بساطة كلماتها، شعرتُ بأنها أكثر تعقيدًا مما تدّعي. لم يكن مظهرها أو ثقتها ما أثار شكوكي فقط—بل هدوؤها أمامي، رغم أنها تعرف تمامًا ما يمكنني فعله.

"وما علاقتكِ بما يحدث لي؟" سألتُ، محافظًا على المسافة بيننا.

"علاقتي؟" ابتسمت ابتسامة صغيرة خالية من الدفء. "دعنا نقول إن قوتك… ليست فريدة كما تعتقد."

عبارتها الأخيرة أثارت شيئًا مظلمًا في داخلي. طوال حياتي، كنتُ أعتقد أن اللعنة التي وُلدتُ بها جعلتني شيئًا نادرًا—شيئًا يخشاه الجميع. لكن إذا لم أكن وحدي…

"ماذا تعرفين عن قوتي؟" ضغطتُ على كلماتي، بينما بدأ الألم في كتفي يخبو قليلًا، لكن الفضول بدأ يحلّ مكانه.

أمالت رأسها قليلًا، وكأنها تقيّم إن كنتُ مستعدًا لسماع الحقيقة. ثم قالت بصوت منخفض:

"أعرف أن ما فقدتَه… يمكن استعادته. لكن ليس بالطريقة التي تتصورها."

وبرغم الشكوك التي كانت تملأ رأسي، إلا أنني لم أستطع تجاهل احتمال واحد:

ربما كانت تعرف حقًا كيف أستعيد ما هو لي.

وربما… كانت بداية إجابة الأسئلة التي ظللتُ أهرب منها طوال حياتي.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon