طوال الطريق إلى فينار، كان الصمت هو رفيقي الوحيد الرمال تحت قدمي كانت جافة، لكنها ثابتة، مثل هذا العالم الذي يبدو أنه لن يلين لأي أحد. الطريق كان طويلًا، لكنه ضروري. على الرغم من أنني لم أرغب في الاعتراف بذلك، كان جزء مني متحمسًا لرؤية العاصمة. كنت أعلم أنها مختلفة تمامًا عن بقية هذا العالم القاسي.
حين اقتربت من المدينة، بدت لي من بعيد كأنها جزيرة وسط بحر من الرمل. أسوارها العالية بدت كأنها تبتلع الأفق، مزيج من الحجر الرمادي والخشب الداكن. لم تكن ساحرة كما توقعت، لكنها كانت مليئة بالحياة، وهذا ما جعلها مميزة.
عندما عبرت البوابات، اصطدمت بي رائحة مختلفة تمامًا عن الصحراء. روائح الطعام، العرق، ودخان النيران المشتعلة. الشوارع كانت ضيقة ومزدحمة، لكن كل شيء هنا بدا منظمًا بطريقته الخاصة. الناس يتحركون بسرعة، كأن لكل منهم هدفًا محددًا لا يحتمل التأجيل.
المباني كانت بسيطة، لكنها متينة، بنيت لتتحمل قسوة البيئة. الألوان هنا كانت رمادية وباهتة، تتناسب مع العالم المحيط. مع ذلك، كانت هناك لمسات من الألوان تظهر في الأقمشة التي يبيعها التجار أو في اللافتات المعلقة أمام المتاجر الصغيرة.
مشيت في شوارع فينار متأملًا وجوه الناس من حولي. كانوا مختلفين عن أولئك الذين رأيتهم في المناطق القريبة من الحدود. هنا، كانوا أكثر قوة، وأكثر صلابة، لكن أعينهم حملت نفس القلق الذي رأيته في أماكن أخرى.
رغم الحشد، شعرت بالوحدة. لم يكن هذا مكانًا لي، ولم أكن أبحث عن الانتماء. كل ما كنت أريده هو الوصول إلى هدفي.
مع حلول الليل
عندما أظلمت السماء، خفتت الأصوات في الشوارع، وبدأت المدينة تهدأ. كنت أنتظر هذه اللحظة. في الظلام، أشعر بالقوة. الظلال هنا ليست مجرد غياب للضوء؛ إنها امتداد لإرادتي.
استدعيت ظلالي، وظهرت من كل مكان، تتجمع حولي بهدوء. كنت أعرف أنهم يحملون الأخبار التي انتظرتها.
"تحدثوا."
ظهرت أولى الظلال، وقالت بصوت متوازن: "ولدا ألينيوس هما حجر الزاوية في حياته. الأكبر يُدعى كايلن، عمره خمسة وعشرون عامًا. يعمل في الأكاديمية العسكرية، يدرب الجنود الجدد لكنه ليس مقاتلًا خبيرًا مثل والده. الأصغر إلرياس، عمره عشرون عامًا، شاب هادئ يميل إلى الحياة البسيطة. يقضي أغلب وقته في المكتبة أو ورش العمل. إنه ذكي، لكنه ليس قويًا جسديًا."
سألت الظل: "ما علاقتهم بوالدهم؟"
أجاب: "ليست بتلك القوه. إلرياس يحترم ألينيوس ويقدره بينما كايلن لينه و بين والده خلافات من نوع ما كايلن يسعى ليصبح محاربًا عظيمًا و يخرج من ظل مجد أبيه ليبني لنفسه مجد خاص به، بينما إلرياس يحاول الابتعاد عن حياة الحرب."
ابتسمت، كانت هذه المعلومات كل ما أحتاجه لخطوتي القادمة. نظرت إلى الظلال وقلت: "أريدكم أن تذهبوا إليهما برسائل. اجعلوا كل منهما يعتقد أن الآخر هو من أرسلها."
"وماذا تريد أن تقول الرسائل؟"
"اجعلوا الأمر بسيطًا. دعوهم يأتون إلى ساحة الغروب غدًا، حيث لا أحد يراقب. أخبروهم أن الأمر عاجل."
اختفت الظلال بعد أن انحنت لي، وتركتني وحدي.
في ساحة الغروب
في اليوم التالي، وقفت في الظل أراقب المشهد. ساحة الغروب كانت مكانًا هادئًا، بعيدًا عن ضوضاء المدينة. عندما وصل كايلن أولًا، وقف ينتظر، وعيناه تبحثان بقلق. بعد دقائق، وصل إلرياس.
بدأ الحوار بينهما:
كايلن: "لماذا أرسلتني إلى هنا؟ ما الأمر العاجل الذي تتحدث عنه؟"
إلرياس: "أرسلتك؟ أنت من أرسل الرسالة لي!"
وقفا متقابلين، يتبادلان النظرات الحائرة. لم أتمالك نفسي بعد ذلك. خرجت من الظلال بخطوات هادئة، وقلت بصوت منخفض: "لا أحد أرسل الرسائل، إلا أنا."
استدار كلاهما بصدمة، استعدادًا لمواجهتي. لكنني رفعت يدي بهدوء. "جئت بسلام. لا أريد إيذاءكما."
كايلن تقدم خطوة للأمام، وقال بغضب: "من أنت؟ ولماذا تفعل هذا؟"
ابتسمت بخفة. "اسمي ليس مهمًا. ما يهم هو أنني أريد شيئًا بسيطًا جدًا. والدكما يملك جزءًا من قوتي، قطعة محفوظة في درعه. أريدها."
إلرياس سأل بتوتر: "ولماذا نساعدك؟"
نظرت إلى عينيه مباشرة، وقلت بنبرة هادئة لكنها تحمل تهديدًا مخفيًا: "لأنني أستطيع أن أجعل حياتكما جحيمًا. أعرف كل شيء عنكما. عن أصدقائكما، عن الأماكن التي تحبونها، وحتى عن أحلامكما. إذا قررتما عدم مساعدتي... لن يكون لديكما شيء لتخسراه، لأنني سأحرق كل شيء."
تبادل الشقيقان النظرات، وكانت الحيرة واضحة عليهما. أخيرًا، قال كايلن: "نحتاج إلى وقت للتفكير."
هززت رأسي ببطء. "لديكما يومان. لكن دعوني أوضح شيئًا: محاولة إبلاغ والدكما لن تكون فكرة جيدة. ألينيوس لا يستطيع حمايتكما مني."
ثم، دون انتظار رد، تراجعت إلى الظلال، وتركتهم وحدهم في الساحة.
21تم تحديث
Comments