الظلام لم يكن مجرد غياب الضوء، بل كان ينبض حولي كنبضات قلبٍ قديم، كأن هذا المكان لم يكن سوى سجنٍ صنعوه ليبقوني مكبلًا. كنتُ أراهم أمامي، ثلاثة رجال يظنون أنهم قادرون على إيقافي—كايلن، إلرياس، وألينيوس.
لكنهم لم يكونوا أعدائي الحقيقيين.
كانوا مجرد عوائق، حجارة في طريقي نحو استعادة ما سُرق مني.
رأيتُ الدرع بين يدي كايلن، شعرتُ بارتعاش طفيف في طاقته، كأنه يدرك أنني هنا من أجله. كان جزءًا مني، قطعة أخرى من قوتي التي مزقوها إربًا ونثروها عبر العوالم الثلاثين.
أخذتُ خطوة للأمام.
-"أظننتَ أنك تستطيع الاحتفاظ به، كايلن؟"
الشاب تشدّدت أصابعه على الدرع، رغم أنني رأيتُ التردد في عينيه.
-"إنه إرث عائلتي!" قال بصوتٍ حاول أن يكون ثابتًا، لكنه لم يكن كذلك تمامًا.
ضحكتُ، ضحكة بطيئة كهمس الرياح في ليلة باردة.
-"إرثك؟ هذا ليس إرثًا، يا فتى. هذا ليس سوى كسرٍ مما كنتُ عليه."
التفتُ إلى ألينيوس، الذي كان يراقبني بصمت، بعينين تحاولان اختراقي كما لو كان يستطيع رؤية ما تحت الظلال التي تحيط بي.
-"لقد رأيتَ أشياءً، أليس كذلك، ألينيوس؟" سألته بصوت هادئ.
لم يُجب، لكنني رأيت في عينيه أنه فهم ما أعنيه. ربما لم يعرف الحقيقة كاملة، لكنه شعر بها، كما يشعر الإنسان بقوة العاصفة قبل أن تبدأ.
ثم تحرّك كايلن.
كان سريعًا، أكثر مما كنت أتوقع، اندفع بسيفه محاولةً لضربي بينما كان الدرع مشعًّا بطاقةٍ غريبة، طاقة لم تكن تنتمي له.
لكنني لم أكن بحاجة إلى رؤية الضربة.
لقد كنتُ الظلّ ذاته.
قبل أن يصل إلي، تشكّلت يدي من العدم، امتدت كأنها جزءٌ من الظلام المحيط بنا، وأمسكت بسيفه، أوقفته قبل أن يلمسني. لم يكن يدرك بعد أنني لم أكن مجرد رجلٍ عادي.
أنا كنتُ شيئًا أكبر من ذلك بكثير.
نظرتُ في عينيه، همستُ بصوتٍ بالكاد يُسمع:
-"أنت لست خصمي."
ثم دفعته بعيدًا، بسهولة كما لو كان ورقة في مهب الريح.
إلرياس، الأكثر حذرًا، لم يندفع كما فعل شقيقه، بل كان يتحرك ببطء، يقيس خطواته، يبحث عن نقطة ضعف. لكنني لم أكن أملك نقطة ضعفٍ هنا.
-"أنتم لا تفهمون." قلت، ورفعتُ يدي ببطء.
الظلال بدأت تتحرك، لم تعد مجرد ستار يخفي ما خلفه، بل أصبحت شيئًا ينبض، يتلوى كما لو كان مخلوقًا بحد ذاته. الأرض تحت أقدامهم ارتجّت، الهواء أصبح أثقل.
ألينيوس شعر به.
-"كايلن، إلرياس، تراجعوا!" صرخ بصوته العميق.
لكن فات الأوان.
في لحظة، كان كل شيء قد تغيّر.
رفعتُ يدي، وأطلقتُ جزءًا من طاقتي، ليس لكسرهم، بل لكسر هذا المكان، لجعله يدرك من أنا. الجدران ارتجّت، الأبواب انفجرت إلى الخارج، والمشاعل انطفأت كلها في آنٍ واحد، تاركةً الظلام يبتلع كل شيء.
كايلن سقط على ركبتيه، يلهث. إلرياس كان يحدّق في الفراغ، وكأنه رأى شيئًا لا يستطيع فهمه تمامًا.
أما ألينيوس؟
لقد رأى الحقيقة.
-"هذا ليس ممكنًا…" تمتم بصوتٍ بالكاد يُسمع.
مشيتُ ببطء نحوه، عيناي مثبتتان على الدرع.
-"أوه، لكنه كذلك." مددتُ يدي، ووجهتُ كفي نحو الدرع. "وأنت تعلم ذلك جيدًا."
الدرع اهتزّ، كأنه كائنٌ حيّ أدرك أخيرًا لمن ينتمي. الطلاء الذهبي الذي كان يغطيه بدأ يتشقق، ليكشف تحته معدنًا أسود لم يكن ينبغي أن يوجد في هذا العالم.
-"لا…!" حاول كايلن التشبث به، لكن الدرع لم يعد ملكه.
مع موجة من الطاقة، اندفع نحوي، عائدًا إلى صاحبه الحقيقي.
بمجرد أن لمسته، شعرتُ بالكسر الآخر يندمج معي، شعرتُ بقوةٍ قديمة تعود، قوة سُلبت مني منذ زمنٍ طويل.
شيءٌ داخلي انكسر، أو ربما، شيءٌ كان مكسورًا عاد ليكتمل.
ابتسمتُ، ليس لكايلن، ولا لإلرياس، بل للعالم نفسه.
لقد استعدتُ الجزء الثاني.
والآن، كانت رحلتي نحو البقية قد بدأت حقًا.
نظرتُ إليهم—كايلن على ركبتيه، يلهث وكأنه فقد كل ما يملكه، إلرياس واقفًا في مكانه، عاجزًا عن التصرف، وألينيوس الذي كان يحدّق بي بصمت، بعيون رجلٍ يعرف أن معركته قد انتهت.
ثم نظرتُ إلى باقي الحشود، الجنود والخدم الذين تجمّدوا في أماكنهم، شاهدين على ما حدث.
ابتسمتُ.
-"قتلُكم الآن لا معنى له." قلتُ بصوتٍ هادئ، لكن كل من في القاعة سمعه بوضوح.
استدرتُ، ومددتُ يدي في الهواء، ومزّقتُ النسيج الفاصل بين العوالم.
بوابةٌ ضخمة من الطاقة السوداء تشكّلت أمامي، دوامة من الظلام المتحرك، طريقٌ إلى العالم التالي، حيث ينتظرني الجزء الثالث من قوتي.
التفتُّ نحوهم آخر مرة، نظرتُ في عيونهم واحدًا تلو الآخر.
-"لقد أخذتُ ما هو لي أخيرًا."
ثم خطوتُ داخل البوابة، تاركًا هذا العالم خلفي.
وخلفي، لم يكن هناك سوى الصمت.
21تم تحديث
Comments