عهود محطمة
كانت ألين تجلس على الأرض الباردة في غرفة المعيشة، عيناها محمرتان من البكاء، و جسدها كله يرتجف . صدى صوت أندرو كان لا يزال يرن في أذنيها، كالسياط التي تركت آثارها على روحها .
"هل أنتِ غبية إلى هذا الحد؟ كم مرة عليّ أن أكرر أنني لا أريد تدخلكِ في عملي؟" صاح أندرو بصوت غاضب، وهو يرمقها بنظرة ممتلئة بالاحتقار.
كانت كل ما فعلته هو أنها دخلت مكتبه لتضع كوبًا من الشاي، لكنها أسقطت بطريق الخطأ بعض الأوراق التي كان يعمل عليها لساعات. أوراق لم تفهم أهميتها، لكنها بدت كأنها الكارثة الكبرى في عينيه.
حاولت التبرير بصوت متردد: "لم أكن أقصد... أردت فقط مساعدتك."
لكنه قاطعها بقسوة: "مساعدتي؟ أنتِ آخر من يمكنه أن يساعدني. وجودكِ في حياتي هو أكبر خطأ ارتكبته."
تلك الكلمات كانت كطعنة في صدرها، لكنها لم تكن جديدة. لقد اعتادت على قسوته، لكن ذلك لم يجعل الأمر أقل ألمًا.
عاقبها أندرو بتركها تنظف كل شيء في المنزل دون استراحة، ثم غادر دون أن يكلف نفسه عناء النظر إلى الوراء. بقيت وحدها في ذلك القصر البارد، تشعر وكأن الجدران تضيق عليها كلما تذكرت كلماته.
جلست ألين على الأريكة، ودفنت وجهها في يديها. أفكارها أخذتها بعيدًا، إلى تلك اللحظة التي غيرت حياتها للأبد.
قبل ستة أشهر فقط، كانت حياتها مختلفة. كانت تحب أندرو بجنون، وكانت دائمًا ما تتخيل مستقبلاً سعيدًا معه. لكنه كان يحب أختها كارولين. لم يكن ذلك الحب خفيًا؛ كان الجميع يعلم أن أندرو وكارولين كانا المخطوبين المثاليين، الثنائي الذي يُحسد عليه.
لكن كل شيء انهار في ليلة واحدة. ليلة كانت ألين ضحيتها اذ تهمت بارتكاب خطأ لا يُغتفر . إذ تم تخديرها هي و أندرو ليسحب الاثنان لغرفة واحدة تحت ظلام خطة ماكره ، ليتهموها بأنها هي من دبرت للأمر و أوقعت بأندرو
لم تكن تعرف كيف حدث ذلك. صورٌ ملتقطة، شائعات منتشرة، وأحاديث هامسة جعلتها في نظر الجميع فتاة غير محترمة، تجرأت على خطيب أختها. أسوأ ما في الأمر أن كارولين لم تدافع عنها. بل ظلت صامتة، وصمتها كان أشد قسوة من أي اتهام.
لإخماد الفضيحة التي كانت ستلطخ اسم العائلة، أجبر والداها أندرو على الزواج منها. لم يكن لديه خيار آخر، فقد كان احترام العائلة وسمعته المهنية على المحك.
لكن ذلك لم يجعل الأمر أسهل على ألين. منذ اللحظة الأولى في زواجهما، كان يعاملها كعبء ثقيل، كعدوة سرقت منه حياته.
"أنتِ مجرد طيف في حياتي. لا تحاولي أن تلعبي دور الزوجة، لأنكِ لن تكوني أبدًا أكثر من عبء أتحمله."
كلماته كانت مثل الجدران التي تحيطها، لا تستطيع الهروب منها.
استفاقت ألين من أفكارها عندما شعرت بالبرد يتسرب إلى عظامها. نظرت إلى الساعة، وكانت قد تجاوزت منتصف الليل. أندرو لم يعد بعد.
لم يكن الأمر غريبًا. منذ زواجهما، كان يقضي معظم وقته خارج المنزل. لم يكن يهتم إن كانت قد تناولت العشاء أو إن كانت بخير.
تنهدت ألين، ونهضت من مكانها. نظرت إلى نفسها في المرآة، ورأت امرأة مختلفة عن تلك التي كانتها قبل ستة أشهر. عيناها فقدتا بريقهما، ووجهها الشاحب كان يشهد على ليالٍ طويلة من البكاء.
همست لنفسها: "كيف وصلت إلى هنا؟ كيف انتهت حياتي بهذه الطريقة؟"
لكنها لم تجد إجابة. فقط صمت ثقيل كان يحيط بها.
---
بعد أن انتهت من ترتيب المنزل، جلست في الزاوية المعتادة لها في غرفة النوم. أخرجت دفترًا صغيرًا كانت قد خبأته منذ زفافها. كانت تكتب فيه أفكارها ومشاعرها، الشيء الوحيد الذي شعرت أنه ينتمي إليها في هذا العالم.
بدأت تكتب:
"إلى أندرو... لو أنك فقط تعرف الحقيقة. لو أنك فقط تنظر إلي مرة واحدة بدون ذلك الغضب في عينيك. أنا لست تلك الفتاة التي تتصورها، ولست المذنبة التي تظن أنها دمرت حياتك. أنا فقط ألين... الفتاة التي أحببتك بصمت، والتي كانت تتمنى سعادتك حتى ولو مع أختها. لكن الآن... كل شيء انتهى."
وضعت القلم، واحتضنت الدفتر بقوة، كما لو أنه كان الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يمنحها الأمان.
في تلك اللحظة، عرفت ألين أن معركتها لم تنتهِ بعد. ربما كان الجميع ضدها، وربما كان أندرو لا يراها سوى مذنبة، لكن في مكان ما بداخلها، كانت هناك شرارة أمل. أمل بأنها يومًا ما ستستعيد كرامتها، وستكشف الحقيقة.
ومع ذلك، كانت تعلم أن الطريق طويل ومظلم.
Comments
⚡🌹RAHAF🌹⚡
كتير جميل مثلك
2024-12-04
1