دَقات الموت
ككلِّ يومٍ أنا... أنهض إلى شرفة غرفتي أُحدّق بأبي الذي يركَب تلكَ السّيارة.. أحدّق بهِ نائم على سريره.. وككلِّ مرّةٍ أنا.. أبكي طويــلاً
ـ عندما أتيت بطيفي إلى کابوسک.. ماكنت أنوي إفزاعكِ قطّ.. ما كنت أنوي إلّا أن أرسم لأحلامكِ ملامح جديدة..
ـ ها أنا ذا الآن غارقة في جوف مصيبتي.. ألن تأتي يا منقذي؟؟
ـ سأعتذرُ لك إن كنتُ مخطئة وإن لم أكن.. لكي لا ترحل.. فبدونِكَ أضيع.. وإيّاك أستدلُّ..
ـ رأيتُ نفسي أتخبّط في سوادٍ مهيب.. ومن ثمّ سمعت همساً يتردّد صداه في كلّ الأماكن.. وقال.. أستعدِّ
ـ فلتفعلِ ما تشائين.. ولكن قبل أن تدقَّ.. دقّات الموت.!!!
♡ ـــــــ 1ــــــــ♡
أراها جالسة على شرفتها.. تحدّق إلى القمر بشرودٍ غريب... وبهدوءٍ لا يتناسب مع سنواتها التي لا تتجاوز الخامسة عشر.. حائرة.. ما بين البقاء والرّحيل.. تحاول ان تفهم صورة مشوّشة لم تنضج بعد..
من اليوم هي قررت أن تصارحه.. منذ متى؟ و كيف؟ وإلى أين؟
لم تكن تدري أنَّ جوابه فيما بعد.. سيكون إلى مالانهاية~
* * *
إنّه معشوقي.. وملاذي بعد الله.. بنوره أستكين، وتتلاشى الهموم من صميم قلبي..
في نورهِ المشعّ بغضبٍ من ظلامِ اللّيل.. طمأنينة!!
وبضوءٍ هادئٍ لا يبعث في الرّوح من شيئٍ سوى السّكينة..
أراهُ نافذة أرى منها.. كل ما مرّ.. وكلّ مُرّ.. يرويني راحة ولا يجفّ، ومن دون رؤيته.. أجفّ.
• • • • • • • • • • • •
كعادتي أنا.. جالسة على شرفة غرفتي بشرود..، أحدّق بالقمر المكتمل، بينما أفكّر بصمت.
أحياناً أخافُ من حالتي،.. هادئة بشكلٍ مخيف.. وجامدة بشكل رهيب..
أنا لم أكن يوماً كذلك.. ربما من ذلك اليوم.، منذ أن رأيته خلسة
تهْتُ..
انصدمت!!!
وبدأت كوابيسي
• • • • • • • • • • • • •
لا أعلم حقّاً ما الذي دفعني في السّاعة الثانية عشر والنصف صباحاً للخروج إلى شرفة غرفتي، ولم أكن أدري لمَ ضاقَ صدري بهذا الشّكلِ المقيت، لأخرج باحثة عن بضع ذرّات هواء نقيّ.
وقفتُ أتمسّك بسور الشرفة، وأناظر الشارع الساكن....
ولكنّي أقسم وأقسم بأنني لم ألمح ولو سيارة واحدة تتحرك على الطريق.. كيف خلقت هذه السيارة وبهذا الصمت المرعب لا أعلم.. كذّبتُ عيني وآمنتُ بالمنطق، أنّ السيارة كانت من الأساس، رغم وثوقي التام بأنّها لم تكن، ولكن ما زاد الطين بلّة.. رؤيتي لأبي يركب تلك السيارة.. وبعدها اختفَت بلا أيّ أثر..
ركضتُ بسرعة إلى غرفة والديَّ، بحثتُ بناظري عنه.، رأيته واللعنة..، كان نائماً وأمي على الفراش، ما كدتُ أغلق الباب حتّى سمعتُ صوت أمّي تناديني بأنُ هل هنالك ما حصل؟، أخبرتها أنّه كان مجرّد كابوس، وأسوأَ كابوس..
ولا أدري حقّاً كيف نمت بعدها!!!
توالت تلك الحادثة..وأصبحت شيئاً اعتياديّاً بالنسبة لي..أراه هنا وبتلك السيارة اللعينة!!
أردت مصارحته بحقّ ولكن كلّما أندفعتُ انلجمَ لساني وانعقد، وتلعثمت ألف مرّة،لأنسحب بعدها مبررة أنَّ لا شيئ مهم.
كانت تلك الليلة ذكرى مقيتة بحقّ.
إنّه الضياع..
هل أنا مجنونة؟؟؟
أم الحقيقة مُرّة؟؟
لا أعلم ما الذي حصل..وكيف لسيارة لعينة أن تختفي لمجرّد أن استقلّها أبي..
ولماذا أصلاً بعد منصف الليل يخرج أبي من منزله، ولكن والأهمّ، كيف أراه في كلّ مرة نائماً في المنزل وكأنّ شيئاً لم يكن؟؟
معروفةٌ أنا أنني كتومة قليلة الكلام.. وغريبة الطّباع..
صراحة ما عرفتُ بهذا إلّا مؤخراً حيث قالت لي أمي أن هذا ما يقوله الجميع..
ـ"آديل... آدييييييل!! "
أمّي تندهني بصوتٍ عالٍ، وأنا على يقين بأنّها المرّة الألف التي تندهني بها!!
خرجتُ من غرفتي متجهة إلى المطبخ، والآن فلأستعدَّ للتوبيخ المعتاد.. بدأ العد التنازلي. دخلت بقدمي اليمنى إلى المطبخ لعلّها تكون خيراً عليّ و.. ـ
-"كم مرّة ندهْتُ عليكِ يافتاة ها؟ هل عليّ في كلِّ مرّة أن أصرخ وأقطع حبالي الصوتية لأنني أريد منكِ شيئ بسيط كصنع كوب من الشاي لوالدك وأنتِ تعرفين بأنه لا يشربها الّا من تحت يديكِ " زفرت هي بعد قولها.. عجباً لأمّي كيف لها أن ترتّب الكلمات هذه وتقولها من دون أن تأخد نفس واحد حتّى؟؟؟
حاولت تقليدها مراراً.. حيث شعرتَ أنّها طريقة جيدة لاختصار الوقت والجهد!، حيث أنّ الشهيق الواحد قد يأخذ ثلاث ثوانٍ وفي الجملة الواحدة ت.. ـ
قالت أمّي بعدم تصديق
_"لا أفهم ما بك! أنا أكلمك وأنت تبتسمين بهذه البلاهة! لا أفهم ما الذي يضحك في توبيخي!! "
ـ" لا شيئ يا أمّي! تذكرت شيئ ما فضحكت.. الشاي بالقرفة كالعادة؟؟ "
تنهدت أمي بيأس وقالت
_"الشاي بالقرفة.. وكالعادة"
توجهت لأصنع ما يريد أبي.. وأنا أشعر بنظرات أمي التي تخترقني.. نظرات أمي تخترقني! فهي على وشك التحدث بشيئ مهمّ.. أنا أعلم..
ـ"آديل؟ " نادتني
ـ" نعم أمي؟ " أجبت باهتمام
"الا تشعرين بأنّك لست على ما يرام؟ تتهربين منّي ومن والدك باستمرار.. عندما نسألك عمّا يشتتك.، ولماذا الضيق يتجلّى في ملامحك.. تريدين التحدّث بشيئ ثم ترتبكين وتنسحبين بعدها مبرّرة أنّ لا شيئ مهم، صارحيني بما يدور بخوالجك حبيبتي، أولست أمك عزيزتي؟ أولستُ كذلك آديل؟؟ "
قلت في نفسي.. آهٍ أمي حبيبتي.. أيسرّك أن أخبرك بأنّني أرى والدي يركب سيارة في منتصف الليل والأجمل بأنّها تختفي بعد ركوبه لها؟ ألن تنعتيني بناقصة العقل؟ ومجنونة؟
ألن تقولي أنها تأثيرات الروايات التي أقرأها وعلي أن أضع لهذا حدّ؟ آه
"أمي حبيبتي.. أنا حقّاً مشوّشة! وألف فكرة تدور بداخل عقلي..!، وهناك أمر يشغل بالي بحقّ ولكن سأخبرك به فيما بعد" قلت هذا بابتسامة حلوة.. توجّهت لاحتضانها وأردفت ـ" ثم أنا لن أخفي شيئ ما على أمي وأبي الأغلى على قلبي.! "قلت هذا ليس وكأنني ذات الفتاة الكتومة التي لا تخبر أحداً بأمر أيّاً كان
توجهت إلى غرفة والدي ورسمت الابتسامة الجميلة على ملامحي.. طرقت الباب عدّة طرقات لأسمع صوته يأذن بالدّخول فدخلت..
ـ"مساء الخير أبي! "
ترك ما بيده من أوراق وقلم ورفع أنظاره نحوي مبتسماً
ـ"بنيّتي!! " قال بحنان بعدما فتح يديه متجهّزاً لاحتضاني
وضعت الصينية على سطح المكتب وتوجّهت إلى حضنه! ارتميت أعانقه بقوّة بينما هو يمسح على شعري بخفّة..ابتسمت بحزن وتجمعت الدموع في مقلتيَّ
واجهني بابتسامة تلاشت فوراً بعدما رأى دمعتي تدحرجت من عيني قال بقلق وحنان
ـ "لماذا تبكين ياروح أباك؟ "
ابتلعت غصتي وابتسمت
ـ"سأقول لك يا أبي، ابنتك الحساسة تأثّرت من هذا المشهد الدرامي جدّاً،حيث يقوم الأب الوسيم باحتضان ابنته الحساسة التي تبكي لمجرد أنه احتضنها يالي من حمقااء!! "
قهقه أبي ـ"يالك من فتاة لطيفة!! وهذه الفتاة اللطيفة عليها أن تعتاد على النوم باكراً لأن السهر يضرّ بصحتها"
استقمتُ من حضنه بمرح
ـ"حسناً سيدي الكاتب سأذهب إلى غرفتي! ولكن ليس للنوم طبعاً..ابنتك خفاش يا أبي تحب السهر كأبيها "
قال بتحقيق مصطنع"خفاش كأبيها تقصدين أيتها المراوغة ها؟ " نفيت برأسي عدّة مرّات بينما أضحك بمرح محبب إلى قلبه
انسحبت من غرفته متوجّهة إلى خاصتي
ارتميت على السرير بقوّة وعانقتُ وسادتي..، وسمحت بعدها لدموعي أن تنزل بأريحيّة دون حذر!
همستُ لنفسي"أبي قل لي ماذا يجري؟ أرجوك صارحني.. لماذا أراك كذبة وحقيقة، من أنت؟ من أنا؟ ومن نحن"أغلقتُ عيني بقهر وأردفت "لطالما لعنت الساعة التي اكتشفت بها أمر سيارتك اللعينة تلك.. أنا كنت هادئة ، سعيدة ومرتاحة البال..لما تشوشت وتعكرت؟ لماذا؟ "
اكنلت بكائي بقهر وضياع وما اأوقفني عن بكائي سوى صوته العميق
ـ"لأن الوقت قد حان لتبدأ الحقيقة آديل"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Comments