ككلِّ يومٍ أنا... أنهض إلى شرفة غرفتي أُحدّق بأبي الذي يركَب تلكَ السّيارة.. أحدّق بهِ نائم على سريره.. وككلِّ مرّةٍ أنا.. أبكي طويــلاً
ـ عندما أتيت بطيفي إلى کابوسک.. ماكنت أنوي إفزاعكِ قطّ.. ما كنت أنوي إلّا أن أرسم لأحلامكِ ملامح جديدة..
ـ ها أنا ذا الآن غارقة في جوف مصيبتي.. ألن تأتي يا منقذي؟؟
ـ سأعتذرُ لك إن كنتُ مخطئة وإن لم أكن.. لكي لا ترحل.. فبدونِكَ أضيع.. وإيّاك أستدلُّ..
ـ رأيتُ نفسي أتخبّط في سوادٍ مهيب.. ومن ثمّ سمعت همساً يتردّد صداه في كلّ الأماكن.. وقال.. أستعدِّ
ـ فلتفعلِ ما تشائين.. ولكن قبل أن تدقَّ.. دقّات الموت.!!!
♡ ـــــــ 1ــــــــ♡
أراها جالسة على شرفتها.. تحدّق إلى القمر بشرودٍ غريب... وبهدوءٍ لا يتناسب مع سنواتها التي لا تتجاوز الخامسة عشر.. حائرة.. ما بين البقاء والرّحيل.. تحاول ان تفهم صورة مشوّشة لم تنضج بعد..
من اليوم هي قررت أن تصارحه.. منذ متى؟ و كيف؟ وإلى أين؟
لم تكن تدري أنَّ جوابه فيما بعد.. سيكون إلى مالانهاية~
* * *
إنّه معشوقي.. وملاذي بعد الله.. بنوره أستكين، وتتلاشى الهموم من صميم قلبي..
في نورهِ المشعّ بغضبٍ من ظلامِ اللّيل.. طمأنينة!!
وبضوءٍ هادئٍ لا يبعث في الرّوح من شيئٍ سوى السّكينة..
أراهُ نافذة أرى منها.. كل ما مرّ.. وكلّ مُرّ.. يرويني راحة ولا يجفّ، ومن دون رؤيته.. أجفّ.
• • • • • • • • • • • •
كعادتي أنا.. جالسة على شرفة غرفتي بشرود..، أحدّق بالقمر المكتمل، بينما أفكّر بصمت.
أحياناً أخافُ من حالتي،.. هادئة بشكلٍ مخيف.. وجامدة بشكل رهيب..
أنا لم أكن يوماً كذلك.. ربما من ذلك اليوم.، منذ أن رأيته خلسة
تهْتُ..
انصدمت!!!
وبدأت كوابيسي
• • • • • • • • • • • • •
لا أعلم حقّاً ما الذي دفعني في السّاعة الثانية عشر والنصف صباحاً للخروج إلى شرفة غرفتي، ولم أكن أدري لمَ ضاقَ صدري بهذا الشّكلِ المقيت، لأخرج باحثة عن بضع ذرّات هواء نقيّ.
وقفتُ أتمسّك بسور الشرفة، وأناظر الشارع الساكن....
ولكنّي أقسم وأقسم بأنني لم ألمح ولو سيارة واحدة تتحرك على الطريق.. كيف خلقت هذه السيارة وبهذا الصمت المرعب لا أعلم.. كذّبتُ عيني وآمنتُ بالمنطق، أنّ السيارة كانت من الأساس، رغم وثوقي التام بأنّها لم تكن، ولكن ما زاد الطين بلّة.. رؤيتي لأبي يركب تلك السيارة.. وبعدها اختفَت بلا أيّ أثر..
ركضتُ بسرعة إلى غرفة والديَّ، بحثتُ بناظري عنه.، رأيته واللعنة..، كان نائماً وأمي على الفراش، ما كدتُ أغلق الباب حتّى سمعتُ صوت أمّي تناديني بأنُ هل هنالك ما حصل؟، أخبرتها أنّه كان مجرّد كابوس، وأسوأَ كابوس..
ولا أدري حقّاً كيف نمت بعدها!!!
توالت تلك الحادثة..وأصبحت شيئاً اعتياديّاً بالنسبة لي..أراه هنا وبتلك السيارة اللعينة!!
أردت مصارحته بحقّ ولكن كلّما أندفعتُ انلجمَ لساني وانعقد، وتلعثمت ألف مرّة،لأنسحب بعدها مبررة أنَّ لا شيئ مهم.
كانت تلك الليلة ذكرى مقيتة بحقّ.
إنّه الضياع..
هل أنا مجنونة؟؟؟
أم الحقيقة مُرّة؟؟
لا أعلم ما الذي حصل..وكيف لسيارة لعينة أن تختفي لمجرّد أن استقلّها أبي..
ولماذا أصلاً بعد منصف الليل يخرج أبي من منزله، ولكن والأهمّ، كيف أراه في كلّ مرة نائماً في المنزل وكأنّ شيئاً لم يكن؟؟
معروفةٌ أنا أنني كتومة قليلة الكلام.. وغريبة الطّباع..
صراحة ما عرفتُ بهذا إلّا مؤخراً حيث قالت لي أمي أن هذا ما يقوله الجميع..
ـ"آديل... آدييييييل!! "
أمّي تندهني بصوتٍ عالٍ، وأنا على يقين بأنّها المرّة الألف التي تندهني بها!!
خرجتُ من غرفتي متجهة إلى المطبخ، والآن فلأستعدَّ للتوبيخ المعتاد.. بدأ العد التنازلي. دخلت بقدمي اليمنى إلى المطبخ لعلّها تكون خيراً عليّ و.. ـ
-"كم مرّة ندهْتُ عليكِ يافتاة ها؟ هل عليّ في كلِّ مرّة أن أصرخ وأقطع حبالي الصوتية لأنني أريد منكِ شيئ بسيط كصنع كوب من الشاي لوالدك وأنتِ تعرفين بأنه لا يشربها الّا من تحت يديكِ " زفرت هي بعد قولها.. عجباً لأمّي كيف لها أن ترتّب الكلمات هذه وتقولها من دون أن تأخد نفس واحد حتّى؟؟؟
حاولت تقليدها مراراً.. حيث شعرتَ أنّها طريقة جيدة لاختصار الوقت والجهد!، حيث أنّ الشهيق الواحد قد يأخذ ثلاث ثوانٍ وفي الجملة الواحدة ت.. ـ
قالت أمّي بعدم تصديق
_"لا أفهم ما بك! أنا أكلمك وأنت تبتسمين بهذه البلاهة! لا أفهم ما الذي يضحك في توبيخي!! "
ـ" لا شيئ يا أمّي! تذكرت شيئ ما فضحكت.. الشاي بالقرفة كالعادة؟؟ "
تنهدت أمي بيأس وقالت
_"الشاي بالقرفة.. وكالعادة"
توجهت لأصنع ما يريد أبي.. وأنا أشعر بنظرات أمي التي تخترقني.. نظرات أمي تخترقني! فهي على وشك التحدث بشيئ مهمّ.. أنا أعلم..
ـ"آديل؟ " نادتني
ـ" نعم أمي؟ " أجبت باهتمام
"الا تشعرين بأنّك لست على ما يرام؟ تتهربين منّي ومن والدك باستمرار.. عندما نسألك عمّا يشتتك.، ولماذا الضيق يتجلّى في ملامحك.. تريدين التحدّث بشيئ ثم ترتبكين وتنسحبين بعدها مبرّرة أنّ لا شيئ مهم، صارحيني بما يدور بخوالجك حبيبتي، أولست أمك عزيزتي؟ أولستُ كذلك آديل؟؟ "
قلت في نفسي.. آهٍ أمي حبيبتي.. أيسرّك أن أخبرك بأنّني أرى والدي يركب سيارة في منتصف الليل والأجمل بأنّها تختفي بعد ركوبه لها؟ ألن تنعتيني بناقصة العقل؟ ومجنونة؟
ألن تقولي أنها تأثيرات الروايات التي أقرأها وعلي أن أضع لهذا حدّ؟ آه
"أمي حبيبتي.. أنا حقّاً مشوّشة! وألف فكرة تدور بداخل عقلي..!، وهناك أمر يشغل بالي بحقّ ولكن سأخبرك به فيما بعد" قلت هذا بابتسامة حلوة.. توجّهت لاحتضانها وأردفت ـ" ثم أنا لن أخفي شيئ ما على أمي وأبي الأغلى على قلبي.! "قلت هذا ليس وكأنني ذات الفتاة الكتومة التي لا تخبر أحداً بأمر أيّاً كان
توجهت إلى غرفة والدي ورسمت الابتسامة الجميلة على ملامحي.. طرقت الباب عدّة طرقات لأسمع صوته يأذن بالدّخول فدخلت..
ـ"مساء الخير أبي! "
ترك ما بيده من أوراق وقلم ورفع أنظاره نحوي مبتسماً
ـ"بنيّتي!! " قال بحنان بعدما فتح يديه متجهّزاً لاحتضاني
وضعت الصينية على سطح المكتب وتوجّهت إلى حضنه! ارتميت أعانقه بقوّة بينما هو يمسح على شعري بخفّة..ابتسمت بحزن وتجمعت الدموع في مقلتيَّ
واجهني بابتسامة تلاشت فوراً بعدما رأى دمعتي تدحرجت من عيني قال بقلق وحنان
ـ "لماذا تبكين ياروح أباك؟ "
ابتلعت غصتي وابتسمت
ـ"سأقول لك يا أبي، ابنتك الحساسة تأثّرت من هذا المشهد الدرامي جدّاً،حيث يقوم الأب الوسيم باحتضان ابنته الحساسة التي تبكي لمجرد أنه احتضنها يالي من حمقااء!! "
قهقه أبي ـ"يالك من فتاة لطيفة!! وهذه الفتاة اللطيفة عليها أن تعتاد على النوم باكراً لأن السهر يضرّ بصحتها"
استقمتُ من حضنه بمرح
ـ"حسناً سيدي الكاتب سأذهب إلى غرفتي! ولكن ليس للنوم طبعاً..ابنتك خفاش يا أبي تحب السهر كأبيها "
قال بتحقيق مصطنع"خفاش كأبيها تقصدين أيتها المراوغة ها؟ " نفيت برأسي عدّة مرّات بينما أضحك بمرح محبب إلى قلبه
انسحبت من غرفته متوجّهة إلى خاصتي
ارتميت على السرير بقوّة وعانقتُ وسادتي..، وسمحت بعدها لدموعي أن تنزل بأريحيّة دون حذر!
همستُ لنفسي"أبي قل لي ماذا يجري؟ أرجوك صارحني.. لماذا أراك كذبة وحقيقة، من أنت؟ من أنا؟ ومن نحن"أغلقتُ عيني بقهر وأردفت "لطالما لعنت الساعة التي اكتشفت بها أمر سيارتك اللعينة تلك.. أنا كنت هادئة ، سعيدة ومرتاحة البال..لما تشوشت وتعكرت؟ لماذا؟ "
اكنلت بكائي بقهر وضياع وما اأوقفني عن بكائي سوى صوته العميق
ـ"لأن الوقت قد حان لتبدأ الحقيقة آديل"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ "لأنّ الوقت قد حان لتبدأ الحقيقة آديل! "
صعقت!
ارتعبت!
من هذا؟ تخدّرتُ كليّاً عندما رأيته يجلس على الكرسي خاصتي بهدوء.. أردت الصراخ ولكنّ لساني انعقد بالمعنى الحرفي!... رأيته يبتسم وينظر إلى هيأتي المرعوبة..
ـ"من انت؟ " نطقت وأخيراً
ـ"منقذك"بهدوء وبطءٍ نطق
ـ"منقذ من ولعنة من بحق الإله؟ أي جنيّ بالكون قد يدخل لغرفة فتاة ليلاً ومن حيث لا أدري،؟، ارحل أرجوك ارحل، قد يأتي أحد ويراك هنا وتحدث كارثة عظيمة! "
كان يقابل كلامي بهدوء وصمت..،وترجياتي له بأن يرحل كان يقابلها بلامبالاة رهيبة!
كل شيئ كان هيّناً و بسيطاً إلا عندما طرق الباب، تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبتلعني
قلت مجددا برعب
ــ "أرجوك!..، اهرب من النافذة، او اختبئ في الخزانة! ولكن اختفي!... اختفي حالا! "
ـ"آديل حبيبتي هل غفوتِ؟ " نادتني أمي
ـ"ردُي على أمك آديل.، وكلّ شيئ سيكون على ما يرام ، وامحي ملامح الذعر تلك من ملامحك! "قال ذلك الرّجل بهدوء!
حسناً لا بأس سأفتح الباب ريثما يختبئ
توجّهت وأنا أرتجف بينما أنظر له،وهو لم يغيّر مكانه، يا إلهي سأُفتضح!
فتحت الباب لتقابلني أمي وخلفها والدي ويبدو أنّهما كانا على وشك الدّخول،
ـ"حسناً آديل.. لن أسألك لماذا لم تردّي على ندائنا..، لأنني أعرف أنّك تسرحين وبكثرة، ولهذا جئنا أنا ووالدك كي نأخذ رأيك بموضوع مهم"قالت أمي بهدوء
جلست أمي على الأريكة بينما توجّه أبي إلى ذات الكرسي التي كان يجلس عليها ذلك الرّجل.. وأنا...أنا أكاد اموت من شدّة الصدمة.!!
ماللعنة؟!
بحثت بعيني عنه كان بجانب النافذة حسن..ـ
بدأ أبي كلامه
ـ"آديل! ، أردنا أن نأخذ رأيك بموضوع مهمّ، ما رأيك أن ننتقل إلى بيتنا الريفي؟ هنالك حيث الأقارب بيت جدّك وبيت عمتك ؟!، فما رأيك؟ "
ـ"ح حقاً.. ل.. لا أعلم، ك.. كما تريدان الأمر يعود لكما"
أخذت نفساً عميقاً وأردفت
ـ"لا بأس، ربما.. يأفتقد جوّ الدينة وبيتنا والمدرسة! ولكن لا بأس حقاً"
قالت أمي ـ " إذا مايكل عزيزي باشر بالأمر، وأنتِ حلوتي، لا ترهقي نفسك بالسهر، يا طفلتنا الناضجة! " همهمتُ لها كموافقة، وبدها قبّلاني ورحلا بعدما تمنيا لي ليلة سعيدة!
مباشرة بعد إغلاقهما الباب،نظرت مكانه، لم أجده، وليلتها لم يجدني النوم..ولازمني الأرق.!
كنت أرتجف بخوف، من هو؟ ولمَ هو هنا؟ وكيف بحقِّ الإله لم يلحظه أحد؟
لم ينسدل جفني لوقت طويل،خفت من حقيقة أنني لست عاقلة!..مجنونةً
انفرجت زاوية فمي بسخرية عندما فكّرتُ بهذا الأمر، هل هنالك مجنونة تعترف بهذا؟ أم أنني مجنونة من نوع خاص؟
أم أنَّ الجنون أصابه الحياء عندما رأى فتاة بمثل حالتي؟؟
جنون مثالي بحقّ
همست لنفسي بحنق ـ"مجنونة! "
-" لستِ كذلك آديل، أنتِ نادرة! "
تلفّت ابحث في النور الخافت بذعر..،لم أجد سوى صوته!، تفحّصت الغرفة كليّاً..ولكن كما زعمت،لا وجود له.!
تخايل لي طيفه طوال الليل، وتذكرت ما حدث..
لم، ولن أفهم كيف حدث ذلك؟،كيف له أن يختفي ويتخفّى بهذا الصمت؟
إنه كالجنِّ،وأقسم!، بأنني سأجنّ!
بقيت أفكّر وأفكّر،إلى أن غططتُ بنومٍ عميق!!
* * *
الأبنية من حولي تختفي! ويحل مكانها بقع ظلام دامسة،! أخطو إليها فأهوي بها،وكأنني في دوّامة، أصرخ برعب!!..كل شيئ يظهر لي الآن، أبي يركب تلك السيارة..، أنا أمشي وحيدة برهبة في ليل مظلم!، كل شيئ يختفي من حولي، أمي تختفي، بيتنا كذلك، بيتنا الرّيفي، شرفتي،!! و....... والقمر!!
شعرت أنّ الليل يمتصّني بقسوة، أصرخ وأطلب النجدة ، أرى هيأته يبتسم بدوء، كل شيئ من حولي الكلمة ذاتها..«عشرون»
ببلادة وبطٍ مرعب!
استيقظتُ من كابوسي بفزع..ألهث وألهث!، وما زالت الأحداث أمامي تُعرَض وكأنّها واقع،هذا كابوسي المعتاد،ولكنّها إضافاتٌ جديدة أرعبتني حدّ الموت / رؤيته!والعشرون/.
استقمتُ من سريري أتنهّد وألهث، واستنشق أكبر قدر من الهواء..
نظرت حولي وما خاب ظنّي، وجدته يجلس على الكرسي المعتادة..، بقيتُ أحدّق به بهدوء،إلى أن همس بلطف
ـ"عندما أتيتُ بطيفي إلى كابوسكِ.، ما كنتُ أنوي إفزاعكِ قطّ، ما كنت أنوي إلّا أن أرسم لأحلامك ملامح جديدِة! "
ـ"كيف عرفت بأنني رأيتك بحقّ الإله؟! من أنت؟ ولما أنت هنا "نطقت بارتجاف وتيه
ـ" صغيرتي آديل!!، أخبرتك مسبقاً بأنني منقذك سبيل نجاتك.. ومعرفتك الحقيقة! دخلت كابوسك بإرادتي، وكلّ ما رأيته في كابوسك سيكون حقيقة يوماً ما، دائماً سأكون هنا بجانبك في كابوسك، وفي يقظتك، لن أتركك وحدك تتخبطين في الظلمات، سآخذك معي، كي تري النور! كي تعرفي وتمارسي لذّة الانتقام.. "
ـ"ممّن؟ "
-"من كان السبب"قال وتنهّد،كدتُ أن أسال أكثر،لكنّه أردف
-"معقّدٌ أمرنا آديل...، أكثرمما تتخيلين أنتِ، كعصفور قد دخل قفصاً ما للرّاحة! ليتفاجأ بأن البابَ قد أُغلق، وهو الآن في سجن دخل إليه بنفسه ولم يلاحظ، الآن هو بين قضبان الموت، عليه أن يقوى ويقوى، حتّى يصبح صقراً فيكسر قضبانه الحديدية!، ويحطّم أغلاله، فبعدما كان كلّ ما بودّه هو الراحة، أصبح كلّ مراده الانتقام... كوني كذلك آديل،.. كوني صقراً، وانتقمِ"
قلتُ بشرود..ـ"أتمنّى.. أتمنّى أن تبقى معي.!! ، أن تكون منقذي وحبل نجاتي.. لأنّ روحي تكادُ تغرق من حجم مأساتي"
ابتسم بحنوٍ ومسح على شعري بخفّة تحثّني على النوم
غلبني النعاس.وفي النهاية! استسلمتُ للنوم.
* * *
استيقظتُ صباحاً بنشاط عجيب، تذكرت كلامه معي فابتسمت بتعجّب!،استقمت من سريري متوجهة إلى الحمّام، اغتسلتُ وسرّحت شعري، فتحت خزانتي الورديّة لأحضر منها ما يناسب يومي..
الآن سأختار ملابس تناسب كونني ذاهبة لأتمشّى،لأنني مللت الجلوس في هذا المنزل اللعي..ـ،اقصد في هذا الجوّ المنزلي!! ليس وكأنني أتذمّر بحقّ الإله
حسناً...
وقع اختياري على ملابس جيدة على ما يبدو..!
سترة باللون الوردي، بينما السروال كان باللون الأسود، وارتديت حذاء يحتوي علي كليّ اللونين!
صراحةً، اخترت لون السروال أسود تفادياً للحرج ليس إلّا!
فأنا دائماً عندما أمشي أفكّر بعمق، وعندما أفكّر بعمق..،ارتطم بشيئ ما وأقع، أكاد لا أنسى ذلك اليوم عندما ارتديت سروال من اللون الأبيض،وسقطت في بركة من الوحل!...تمنيّت وقتها أن تنشقّ الأرض وتبتلعني أو تحلّ عليّ عاصفة وتنسفني إلى ألف قطعة..
وقتهاكنت قد قطعت مسافة كبيرة في المشي! ولم انتبه!
ولم أعد أعرف كيف سأعودها مشياً ببنطال ملطّخ بالوحل!!
لولا صديق والدي الذي عندما رآني ساعدني وأخذني بسيارته، ولا أنسى ابنته التي انفجرت ضاحكة عليّ ومن وقتها اكرهها كرهاً عجيباً!
من ذلك الموقف، لم أرتدي سروال أبيض بعدها، فما حصل لا أحبّذ لو تكرّر..
والآن أنا انزل درجات المنزل متوجّهة نحو الشارع، أوقفني شعور غريب!
نظرت إلى الأسفل ،لأُلاحظ أنّه مكان السيارة اللعينة،انحنيت اتلمّس مكانها بضياع،وأمسح على الشارع
ـ"٤٨؟؟؟ " همستُ لنفسي بتعجّب!
إنه رقم وجدته مرسوم على الأرض، ولكنني لم ألاحظه إلّا عندما مسحت بيدي على مكانه، حسنا ربما هو بعض الغبار المتراكم فوق هذا الرقم المرسوم من قبل أطفال الحيّ..
أطفال الحيّ؟؟
نعم هو كذلك..،أنا لست طفلة ولا أرى نفسي كذلك،وليت الأمر يقتصر على أنني لا أرى نفسي كذلك.! أنا لا اشعر بذلك حتى....فأنا لا أقوم بما تقوم به فتيات وفتيان سنّي..كلعب الغميّضة،، وصنع الأشكال المختلفة من الطين، او حتّى.. الارتقاء قليلاً لأبني بيت ما.. لدمية ما!.
منذ صغري ووالداي يقومان بالتذمّر على أنني لا أفعل ما تفعلة أي طفلة بسنّي..لا لعب،لادمى،اكتفي بكتاب ما!..والانعزال.، وهذا يروقني بحقّ، ولكنّ لعب دوراً أساسياً في محور الصداقات، لا أعرف ماهية الصداقة، ولا مشاعرها، أو ربما فقط في هذه الروايات التي اقرؤها..
الجميع هنا يقول عني غريبة أطوار..، حتّى أن معلمتي في الصف الرابع قالت ـ"إنّها سابقة لفتيات عصرها! بينما الجميع يلعب في وقت الاستراحة، تكتفي فقط بالانعزال..ولا تكترث بمن حولها، يجب أخذها لطبيب ما! "
مهلاً لم انتهي من التطفلات، أنا لم أنسى تلك المعلمة اللعينة عندما سمعتها تقول لمعلمة أخرى
ـ"تلك الفتاة مريضة نفسيّاً، كما أنّها معقّدة و عدوانيّة ضد الفنيات الأخريات،يجب عرضها على طبيب نفسي، هذا مخزٍ بحقّ "
آهٍ كم هي حمقاء..،أنا عدوانية؟ ومريضة نفسيّاً؟ لا أذكر أنني اعتديت عليها أو على زميلاتي الجاهلات يوماً بالركل والشتم!!!، وأمّا عن المرض النفسي..فلا يوجد في المدرسة مريض سوالك،..هل سمعتِ يوماً أنني أتكلّم بالسوء على معلمة كانت معي منذ لحظات قليلة فقط!، أو حتّى كلّما أقبلت معلّمة على الزواج،جلست أبكي غيرةً منها وخاصمتها؟
نصيحة!...فلتترك ِ مهنة التدريس حالاً،وامتهنِ الطبّ النفسي.،فلحالتك هذه...طبّ النفس بأكمله لن ينفع..
ـ"آآآآه"
تأوهت عندما ارتطم رأسي بجذع شجرة،ولعنت بسخط مسموع، وما زاد من سخطي سوى أصوات الناس من حولي يتهامسون بضحك ويقهقهون، حوّلت نظري إلى إمرأة مبرقعة لتقول
ـ"انظرو إلى تلك الفتاة الغبية! تتكلّم مع نفسها في طريق عام..، ويرتطم رأسها بالأشجار لتشتمنا بعدها! " قالت تلك المرأة
قوّست شفتي باستفزاز
ـ"وما شأنك أيتها العجوز؟ "
ـ" أنا عجوز ايتها اللعينة! كيف تجرؤين على الاستهزاء بمن هم أكبر منم سنّاً؟"قالت بتهجّم
آه تذكرتها..!! تلك امرأة المشاكل..تسعى للفت الأنظار ونيل إعجاب الناس، والناس المتفرّغة تتجمعّ حولها وتملأ وقت فراغها بالضحك عليها
-"أنا لا اسخر من العجائز ،ولكنّك فريدة جدتي ،وإن كنت مجنونة فحالي أفضل من إمرأة لم تُخلَق سوى للسخرية من غيرها، مبرقعة بالحلي و ألوان قوس قزح !!تجمع الناس من حولها لتلفت الأنظار وكلّ ذلك بلا فائدة"
أردفتُ بتذكّر مصطنع -"لا لا ذلك لم يذهب سدىً أبداً ،ها هم الناس متجمّعين من حولك،ولكن فقط للسخرية !"
ابتسمتُ بانتصار عندما انفجر الناس ضاحكين ، ووجها قد تحوّل إلى اللون الأحمر سخطاً
لا بأس إذاً..كي لا تسخر منّي مرّة أخرى
أكملت سيري أدعك جبيني بخفّة ، ضحكت وهمست لنفسي -"كان مؤلماً ومضحكاً بحقّ"
سمعت صوته ولم أتفاجأ -"الصغيرة قويّة كما أرى ..ولكنّها تتكلّم مع نفسها وهذا مضحك بحقّ"ضحك فضحكت - " ربما مضحك .. ولكن قليلاً فقط "
أكملت سيري بعدما توقّفت قليلا لأعدّل ملابسي وتوجّهت لأجلس على كرسي حديدية ..جلس بجانبي بصمت
حقيقة انتابني الفضول الشديد لأعرف ما هو اسمه؟؟
فكّرت بحيرة ...ما الأسماء التي ممكن أن تليق به
-" الكسندر ."قال بهدوء معهود
نظرت له بصدمة كيف عرف بأنني أفكّر باسمه بحقّ الإله .؟سؤال غبي بحقّ ،فلا شيئ يصعب على رجل الخوارق هذا ..،بقيت لفترة أحدّق به بصدمة! فاغرةً فمي
ـ " ربما اسمي لا يتطلّب كلّ هذه الدهشة آديل" قال مرّة أخرى.
ـ"ل.. لا أ أعلم و.. ولكن الأمر أ أن " تلعثمت وتوترت ليبتسم بدوره.
ـ"إذاً؟؟ "
أخذت نفساً عميقاً واستعيت قوّتي لأقول ـ" الأمر أنا لم أتوقع أنك تستطيع أيضاً قراءة أفكاري، و.. وأنا مندهشة هل كلّ ما أفكر به تعرفه بحقّ؟ " أومأ برأسه لاتصنّم، اللعنة عليك الكسندر الغبي
ـ"لا تلعني!! "
أجفلت. بقوّة وحرج
ـ" حسناً لن أعلن، ولكن توقّف عن قراءة أفكاري لطفاً!! هذا غير مريح البتّة! "
ـ"لن استطيع "
-" لما؟!! " قلت بانفعال
ـ " هكذا فقط آديل..، أنا لست مجرد شخص متطفّل،وأنت لستِ فتاة عاديّة،سأقولها لك لألف مرّة، أنتِ نادرة، بعد وقت قصير،سوف تبدأ رحلتك، فلا تتعجّلي، سأكون بجانبك،لتساعدي من هم بحاجتك!! انتظرِ..فقط انتظرِ! "
التزمنا الصمت فترة وجيزة! إلى أن نطق
،ـ" ما سرّ حبّك العجيب للقمر والليل آديل؟ أرى أنّ علاقتك بهم قويّة بطريقةٍ لايمكن تخمينها! "
-" أتعلم أكثر ما أثق به هو القمر! إنّه مستمع عجيب..، وأرى أن وراء جماله قصص جميلة جداً استمع لها..، استمع لها فقط، لم يغدر بك.، احتفظ بها سرّاً، الاشياء الجميلة التي نحتفظ بها تجعلنا أكثر إشراقاً، فمباشرة بعد البوح بها نفقد الشغف عند تذكرنا لها، الاحتفاظ بها يقدّسها ويحميها من أن تدنّس ، أرى أن القمر حزين أيضاً، أنا أرى أن وراء شعاعه الفاتن ظلام دامس احاطه من كلّ النواحي حتى يأسَ، ولكنّه أظهر لنا العكس تماماً، أنار الليل وأضاء العتمة... عندما يغيب القمر، تلمع النجوم بشدّة وكأنها على وشك البكاء، فهي فقدت ونيسها.. القمر معشوق الجميع الكسندر..، بيني وبين القمر قصة عشق لن يفهمها أحد! "
-" فاتن كلامك آديل، بحدّ ذاته فتنة ولكن النهار ألا يوجد حبّ بداخلك تجاهها؟ "
ـ"كلّ خلق الله أنا أحبه، ولكنني أرى الشمس حقيقة!، الشمس تفضح ما ستره الليل! وكلّنا نكره الفضيحة لأنها قاسية.. الليل ستر، النهار والليل خلقا لحكمة، وكل منهما يكمّل الآخر، وأنا من ناحيتي أفضّل الليل أكثر.. "
ـ"أنا أحبّ النّهار، صحيح أنني أرى الليل راحة.. ولكنَّ الليل غدر.، في الليل كانت تسرق بيوتنا! في الليل تحدث الجرائم، الليل يغدرنا آديل، لأن فيه الظلام، والظلام هو الوقت المناسب للغدر، عندما يحتاج أحدهم العون لا يطلب لأنه يرى الطلب مذلّة،يسرقون ولا يعتبرون السرقة معصية وذنب، يقتلون ليأخذون بثأرهم ويعتبرونها حلّاً للمشاكل، يذيقون الاولاد طعم اليتم، يرمّلون النساء، ولا يعيرون لهذا بالاً،الليل أحيانا سترٌ على الفضيحة، إذا كان النهار حقيقة وكشف.للمستور المؤذي،فلا بأس هذا أحبُّ إليّ من الستر والخداع "
ـ" كلامٌ مقنع ووجيه، ولكن الليل ليس وجهاً واحداً، أنا ذكرت واحداً، وأنت آخر، ولربما يأتي أحد ويعطينا وجهاً جديد.. وتماما كذلك النهار، بيني وبينك فرق شاسع بالآراء حقّاً،، ولكن وراء كلامك هذا قصة يا الكسندر أحسُّ بأنّك ذقت وجعاً عظيماً، أكلامي صحيح؟ "
ـ" صحيح كلامك! هناك قصة مؤلمة سأرويها لك فيما بعد! "
-" صحيح الوقت تأخر وعليّ أن أعود بسرعة قبل أن يتأخر الوقت أكثر.. "
ـ" لن تتأخري.. هاتِ يدك"
أعطيته يدي بتعجب، فوضعها فوق خاتم زمرّدي في يده
وفجأة رأيتُ نفسي في غرفتي تحت صدمتي، آخر ما قاله لي هو أنه سحر الانتقال.،وبعدها رأيت نفسي هنا، زفرت بتعجّب.، ونزلت إلى الطابق السفلي، كانت أمي في المطبخ، تحدّثنا كثيراً وجهزت معها الطعام..، انتهينا فعلاً
لم يأتِ والدي علماً بأنّه قد مرّ كثير من الوقت على موعد وصوله..
اتصلنا بمكتبه لعلّه يتواجد مع بعض المهندسين،اتصلنا باصدقائه ولكنّه لم يكن في كل الاماكن..
انتظرناه كثيراً، إلى أن قررنا أن نخرج ونبحث عنه،لعلَّ مكروهاً أصابه..
توجّهنا إلى خارج المنزل..
ورأينا ما كّنا نخشاه..كان جسد والدي مرمي أرضا بينما الدماء تسيل من جسده
...........
كان يدور حولَ نفسه في غضبٍ شديد.. وكأنّه أراد أن يسحقَ الأرض من سخطه.، وكان شكله شديد القبح!، يرتدي ملابساً سوداء، ألربما ليعزّي نفسه بضميره الذي مات؟
حاجباه كانا شديدي السّواد.. بينما عيناه كانتا بلون الرّماد، ضخم الجثّة!، ويبرق في عينه وميض أحمر مرعب.. يحكي حجم غضبه في مشهدٍ مرعب، لربما كان عنوانه«الشرّ المطلق»!!!!
ضرب الأرض بعصاه الذي لا تبرحه، فأجفل الحاضرون، قال بصوته الأجشّ القاسي
ـ"الآن وفي هذه اللحظة! فليخرج الخائن..، والّا سأنتزع أرواحكم بيدي "
لم يجرؤ أحد على النطق بحرف، فخوفهم الشديد من بطشه كان يسري في أوردتهم..
صرخ هذه المرّة بغضب حارق
ـ" لماذا لاتتلفظون بشيئ الآن ها؟، كل ما تنجحون فيه هو الفشل في ضبط هؤلاء الحثالة، يالكم من حمقى سافلين"
غادرت الطيور التي كانت تقبع بقرب النافذة،وهي ترفرف بخوف، يبدو أنها فزعت من هذا الوحش االلعين.
قال أحد الموجودين ـ" لا أحد منا يا سيدي قال أي شيئ!، يبدو أنّه سوء تفاهم و..ـ "
قاطعه سيده ببطش وغضب ـ"سوء تفاهم!!، أهذا ما استنتجته مما حدث؟، ومتى كان سوء التفاهم يؤثر على الشيطان ألبيرتو أيها المعتوه، مثلك كمثل أي حيوان لا يفكر، اللعنة عليكم!! "
صمت الرجل بسخط شديد، فسيده لا يتوقف عن إهانته، شرًُّ مطلق، لم يكذب سيده عندما لقّب نفسه بالشيطان، وهذا أنسب القابه، والدليل الأكبر، هم شياطينه الذين يعتبرهم أداة لمعرفة كلّ أمر، فكيف لا يكون منهم وهو يقابلهم..؟!
هدر صوت الرعد بقوّة، ولكن ما من مطر قد نزل.. لأنّ المطر خير..، وعلى هذه الأرض،لا خير!!
عاد ألبرتو لصمته بعد فترة من الشتائم، بعدما هدأ البركان الثائر، وأصبح قابلاً للنقاش،
ـ" هناك فرد من خارج حدود هذه الأرض علم بلعنتنا، وهناك خائن، قالت لي قبيلة من الجنّ، أنهم في بيت ذلك الملعون «مايكل» ، لا بد من أن زوجته علمت بالأمر، أو حتى تلك الشيطانة التي لا تكف عن التصرّف بغباء، مايكل مرهون بلعنتنا، وسيبقى أسيراً لي، فأنا ملِك عليكم جميعاً، ولكن هنالك قوة ما، تمنعنا من أن نكتشفهم، هنالك يد خفية تحيك مصيبة أخرى، وأخشى أن تلك اليد هو من أفكّر به، أقسم بقوتي وجبروتي أنني سأهلكهم وأبيدهم ، فمن حتّى يفكّر في مواجهتي ، هو الخاسر الوحيد
قال بتكبّر وبطش شديدين...
نظر الجميع إلى بعضهم في وهن شديد ، على الرغم من أنّهم أقوياء ،إلّا أّنه يأخذ قوّتهم قبل أن يلتقوا به ، كي لا يتمرّد أحد عليه ، ولا يتطاول ..ومن يجرؤ حتّى على ذلك.؟؟؟؟؟
قال نيكولاس وهو ذراع البرتو اليمنى
- "مايكل قد أخذ حصته ، ولكنّي متأكّد أنه لا علاقة له بالأمر حتى، فلم يتجرّأ مسبقاً على أمر كهذا ، ماذا لو كان ..- "
-" سأقتله ، وأقتل كلّ من يتطاول عليّ فزمن الضعف انتهى ،وها نحن ذا الآن أقوى وأقوى "
ردَّد الجميع بصوت واحد
ـ"نحن الأقوى!! "
كان أحدهم يستمع لهم في الخفاء، هزَّ رأسه مرّتين،واختفي في الحال..
•~~•••~~•
بعد ذلك المشهد المفجع حملنا والدي إلى الداخل، وبدأت أمّي تداويه، كنّا في حالة عدم استيعاب وصدمة هائلة!!
جلسنا أنا وأمي بجانب أبي الراقد على سريره، بينما كانت أمي تحاول أن تزيل الحمّى بشتّى الطرق، وهي تمسح دموعها التي تأبى التوقّف، كنت أنا في حالة من الوجوم الشديد، من هؤلاء السفلة الذين قاموا بهذا الفعل الشنيع ، قوة أبي لا يستهان بها، ولم يتمكّن أحدهم يوماً من فعل هذا،مسكينة أمي!!، كانت تشعر بأنّ هنالك شيئاً ليس على ما يرام،لابدَّ من أنّهم مجرمون سافلون، تأوّه أبي عندما لمست أمّي كدمة في وجهه بالخطأ، فشهقت وازداد بكاؤها، كانت تمسح على شعره بحنوٍ، بينما تزيل الكمّادة من حين إلى آخر وتعيد تبريدها، كانت تحاول أن تخفض حرارته بشتّى الطرق، خافض حرارة، كمادات،والأدوية التي تُستَخدم لإزالة الحمّى،استخدمتها أيضاً..
بدأ أبي يهمس بشيئ وكأنّه يهلوس ـ"اتركونِ وشأني،لم أقل شيئاً..آآآآآه، اللعنة "
وعاد يتأوّه بألم، بدأت أبكي بضعف، يبدو أنّ أبي قد ذاق عذاباً مُرّاً في هذه الساعات الخمس، كانت أمي مازالت تبكي بحسرة
ـ"يا أمي سيصبح أبي بحالة جيدة، فهو قادر على أن يستعيد عافيته، وربما هو واع الآن، ولن يُسرَّ بسماع أصوات بكائنا وشهقاتنا،بينا كان يأمل بمن يدعمه ويقوّيه،ويعينه للنهوض أقوى مجدداً!!! " واسيتها وكنت أريد من يواسيني،هدأ صوت بكائها وصمَتَت، قضينا الليل بطوله بجانبه، حتّى بعدما انخفضت حرارته، وتوقف عن تأوهاته، كانت والدتي قد وضعت له مرهماً قد اشتريته من الصيدلية المجاورة،طلبت منّي أمّي أن أذهب إلى النوم، فالساعة قاربت حوالي الرابعة فجراً، وذهبت بعد جدال طويل، نامت أمي بجوار أبي في السرير، أو هذا ما أوهمتني به،ففوراً بعدما خرجت من الباب عادت هي لتجلس بجانبه، وتمسح على جبينه بحنان بالغ،تركتُ المساحة لها في فعل ما تريد، وذهبت لغرفتي لأنام،فما مررنا به ليس بقليل، احتاج للراحة حقّاً،لا أعلم كيف سأرتاح ووالدي ليس بخير،ولكن فعلنا ما بوسعنا،وما تبقى نتوكّل به على الله، تعجّبت من أمر ما!!
الكسندر لم يظهر كعادته في اللحظات التي احتاج بها من يواسيني، انتظرته ليأتي ولكنّه لم يفعل..
*******************
.
.
مرّت ثلاثة أيّام وكانت حالة والدي تتحسّن ببطءٍ شديد، بينما والدتي قد اتصلت بمكتبه لتخبرهم بأنّه لن يأتي في هذه الفترة لأنّه مريض،بالطبع لن تخبرهم بأنّ هناك من آذاه وعذّبه، وهم ينتظرون شيئاً صغيراً كي يشمتوا به، وهنا أتحدّث فقط عن الحسودين..
خلال هذه الأيام الثلاثة، لم يظهر الكسندر،فظننت أنّه قد اختفى، وأنّه لم يكن موجوداً من الأساس..
يمرّ الانسان بلحظات عصيبة تعصف به، وتهوي بآماله، وفقط من يملك يقيناً عالياً بالله، هو من يعود ويقف على قدميه..
.
إنّ الانسان في..ـ
ـ" اشتقت حقّاً لثرثرتك الذاتية التي لا تنتهي،وتفسيراتك الفلسفية!! "
شهقت بسعادة عندما سمعت صوته، والتفت إليه بفرحة
ـ" الكسندر!،لماذا غبت عنّي؟ أين كنت طوال تلك الفترة؟ هاا؟! "
-" يا إلهي! الرحمة! أين اختفت تلك الفتاة التي كانت ترتعب كلّما رأت هيأتيْ، وتقول إرحل أرجوك إرحل، من كان يدري أنّك ستفرحين برؤيتي؟! " قال بابتسامته الجميلة..
ـ "ليس من شأنك،ثمّ ليس وكأنَّ الأمر يسعدني،لا تذكّرني بهذا مجدداً، لأنه من الممكن أن أصرخ وأقول أنّك لصّ قد دخل ليسرقنا، تماماً كالمسلسلات، تصرخ البطلة وتستنجد بالجيران وتقول«حرااامي، يا نااس! » هكذا سأصرخ فكن حذراً! "
قلت هذا بتحذير
وضع قدماً على أخرى وقال بلا مبالاة
-" ومن ثمّ يأتون ليقتلوا هذا اللص السارق، فيتفاجأون بأنه غير موجود، بعضهم سيتعجّب، والآخر سيبررها بأنه الجنون حتماً، تماماً كما تكرهين... "
قلت بعد إدراكي لحجم حماقتي
ـ"أتعرف؟ سأنسحب، سأُحدث هكذا جلبة ضخمة، لا داعٍ لكلِّ هذا، استطيع طردك بأساليبي الخاصة، والآن لماذا لم أراك طيلة هذه الأيام الثلاث؟ أين كنت؟! " أنا هنا طبعاً كنت أحاول أن أغيًر مسار الحديث، كي لا أحرج نفسي أكثر...
ـ"نحن في خطر!! " قال بعد مدّة..
ـ" من نحن؟ "
ـ " أنا وأنت ووالداك "
قلت بتعجّب ـ" لما؟!! وما علاقة والداي بالأمر؟ "
ـ"والدك، في ورطة عظيمة!!،هو أسير لعالم آخر، مرهون بقواعدهم وشروطهم وأوامرهم، أي أنّ والدك أسير للعنة التحرّر منها شبه مستحيل، ولكنّهم كانوا كرماء معه لسبب نجهله، فهم أعطوه فرصاً ليطلب طلباً واحداً، وطبعاً هو اختار البقاء في هذا العالم، وكان ذلك فعلاً، ومنذ ثلاثة أيام عَلم ذلك الشيطان البرتو، بأن هنالك أفراد قد علمَت بأمر ما من داخل ذلك العالم السري..، فظنّوه والدك، أخذوه وعذّبوه، ولكنّه يشكّ بي الآن، ويتوعّد لنا، فهو يظنّك أنتِ ووالدتك مجرّد حمقى، وتعلمون ما لا يحقّ لكم أن تعرفونه،ولذلك لم آتي إلى هنا،كي لا يستطيع أحدهم أن يصل إليكم من خلالي..، كنت في مقرّنا طبعاً، أكثر الاماكن أماناً.. "
قلتُ والصدمة تقتلني ـ" لعنة؟ وأيّ لعنة قد تصيب والدي؟ومن البرتو هذا؟! "
ـ"كلُّ ما سألتِ عنه هو الشرّ المطلق!، وأي تفاصيل أخرى قد تشكّل خطراً عليكم!! "
رحل الكسندر بعدما أوصاني بعدم البوح بأمر لمخلوق كان.، وأنا لم أعارض، جلست على سريري، وفتحت الدّرج الذي يجاوره، أخرجت دفتر مذكراتي وفتحته، وقعت عيني هلى تلك الجملة التي حالما رأيتها تذكّرت بكائي وأنا أكتبها!،
« ككلِّ يومٍ أنا....أنهض إلى شرفتة غرفتي أحدّق بأبي الذي يركب تلك السيارة أحدق به نائم على سريره، وككلّ مرّة أنا أبكي طويلاً.. »
الآن بان كلُّ شيئٍ على حقيقته، أو بان جزء من الحقيقة،والمتبقّي منها أنا من سيكتشفها،إنّ الأمر يتعلّق بأغلى النّاس على قلبي، فلا بدّ من التضحية!
لا أعلم إن كنت استطيع فعل هذا، وما هذا الشيئ الذي ظلَّ الكسندر يكرّره عليّ، ويطلب مني أن أصبر حتى ألقاه..
ولكن هذا ال' البرتو ' ما الذي يمنعه من أن يؤذينا أنا ووالدتي؟، وفي هذه الأيام الثلاثة، كيف لم يفعل بنا شيئ
يا إلهي!!
إنّه لكمٌّ هائل من الصدمات..
أعدت الدفتر خاصتي إلى مكانه..وتمددت على سريري بتعب شديد، بدأت جفوني تنغلق ببطءٍ، لأغفو بعدها...وأنتقل إلى عالم الأحلام!!
. * * *
مرّت الأيام على التوالي بسرعة، تحسّنت حالة والدي وعاد لمزاولة عمله، لم يرضىَ أن يقول الحقيقة، قال بأن هنالك من تعرّض به في طريق عودته و أنّهم كانوا كُثر وكان مرادهم أخذ الأموال، مع أنّني لم أصدق حرف مما قاله..لكنّني بقيت طيلة حديثه أتصنّع علامات الأسف على وجهي،كيف سأصدّق هذا وعزيزي الكسندر قال لي الحقيقة، أتعجّب من نفسي حقّاً، كيق لي أن أصدّق أشياء لا يمكن لعقلٍ أن يعقلها،كشياطين أبي مرهون بلعنتهم! كيف لي أن أصدّق رجل عجيب كالجنّ، وأكذّب والدي ومن ربّاني
ربما كانت الصدمات كبيرة أكبر من أن يستوعبها عقلي في سنّي هذه، أشياء لم أسمع عنها من قبل قطّ!! ، ولم تأتِ على بالي فكرٌ كهذه التي حصلت معي في هذه الفترة..
سيارات غريبة، رجل أغرب، أبي الغير طبيعي! ، شياطين وجنّ ... اللعنه على هذه الحداث!!، قريباً سأجنّ
جلست على السرير،، أمّي في المطبخ تعدّ الفطور، أبي في الأسفل ينتظر بينما يقرأ..، ويبدو أنني الوحيدة هنا التي تجلس هنا بلا فائدة، أنا فقط أفكّر!!، لا شيئ سوى التفكير!..
وبالنسبة لبيتنا الريفي الذي كان من المفترض أن ننتقل إليه، لم يحصل الأمر أبداً، عاد عمّي المسافر، وكان يريد أن يستأجر بيتاً يسكن به وعائلته..، ولكن والدي اقترح عليه أن يجلس في منزلنا لريثما يشاء، فهو لايمتلك منزلاً في بلدنا، لأنّه قد باع منزله وقتها ليحصل على نقود تمكّنه من السفر خارجاً، اشترى منزلاً في ذلك البلد، بعد أن عمل طويلاً، وحصل على مال وفير،ولا أعلم إن كان ذكري لهذا الأمر صحيح، ولكنّه قد سُجِن لثلاث سنوات..
لماذا؟... عمّي قد عمل في تجارة الممنوعات لفترة طويلة،ولم يكشف طيلة تلك الفترة، وذلك لدهائه، ولكن وذات يوم، وفجأة، استيقظ أولاده وزوجته صباحاً ليجدوا أن المنزل خالي منه، ظنّوا أنّها مهمّة ضروريّة، ولم يأخذوا في اعتبارهم فكرة أنه من الممكن أن يكون معتقلاً،انتظروه كثيراً، يوم،اثنان،ثلاثة، سنة!..مرّت السنوات الثلاث وهم فقدوا الأمل حقّاً،فلابدَّ من أنّه لن يعود، لم يخبروا الشرطة بالأمر لأنّهم يعرفون بأنّ عمل والدهم خطير جدّاً، وإنّ اخبار الشرطة قد يعرّضه للخطر، فماذل لو اكتشفوا مكانه وكان مقرّاً للعمل؟!
كان يوماً مطيراً على العموم، وكانت الشمس على وشك الغروب، والجميع في بيوتهم ليتّقوا شرَّ البرد، طُرِق الباب، وكانت طرقات خفيضة الصوت تكاد لا تسمع، سمع أولاد عمّي وزوجته صوت الطرقات الخفيض..فاستقام الابن الأكبر ' سامر ' ليفتح الباب، عندما نده ب «من الطارق؟؟»، لم يجد جواباً لسؤاله، وبقي سؤاله معلّقاً في الهواء، قرّر وأخيراً فتح الباب، فقابله جسد والده الشاحب، ببنيته التي هزلت كثيرا، كان متردّداً..هل أولاده سيستقبلونه بعد طول الغياب؟،كان سامر متصنّماً من شدّة الصدمة!، إنّه والده!! قد عاد!، لم يمت! حيٌّ يرزق!!، من شدّة صدمته لم ينطق بحرف..، ظنّها والده علامة رفض،فاستدار ناوياً الرحيل،فانتبه سامر لنفسه أخيراً،ونطق بخفوت
ـ"أبتي! "وأجهش بعدها في البكاء
وكأنَّ عمّي كان ينتظر فرصة لينهار، فما أن بدأ سامر بالبكاء، حتّى احتواه والده في حضنه، وبكيا سويّاً، وامتزجت دموعهما معاً، سمع الجميع أصوات بكاء قويّة، ففزعوا،هرول الجميع إلى عتبة الباب التي تبللت بماء المطر، وصدموا من هول المشهد الذي رأوه، والدهم! إنّه هنا!، ركض الأولاد الثلاثة لوالدهم واحتضنوه باكين، لم يتوقّع أحد ردّة فعل زوجة عمّي'ليلى'، حيث أنّها وقفت بجمود أمام زوجها وسحبت أولادها لخلف ظهرها ـ" لا والد لأطفالي،تركهم فجأة وغاب لسنوات،ووجوده الآن غير مرغوب به،فلترحل!!"
دفعته خارجاً وكان أولادهم مصدومين، فأمّهم لم تكفّ عن البكاء شوقاً لزوجها، هاقد أتى كنا تمنّت...فلماذا طردته؟!
لا أحد يعلم أين نام ليلتها، كانت ليلى حزينة بشدّة، فهو ذهب وتركهم وحدهم لفترة طويلة!وهذا يكفي، لم تكلّف نفسها بسماع مبرراته أبداً، استيقظت في اليوم التالي ووجدت بجانب رأسها رسالة،كانت مطويّة عدّة مرّات، عقدت حاجبيها باستغراب وفتحت الورقة لتقرأ كلماتها
[عزيزتي ليلى...
لا أعلم حقّاً كيف لي أن أصف خيبتي عندما أتيت إليكم لأكمل ما تتبقّى من عمري وسط عائلتي!،لينتهي الأمر بي مطرود! ..
ما فعلته كان شنيعاً، وغيبتي كانت قاسية عليّ وعليكم، فأنا لا أبرّرُ لكم غيبتي..، وها أنا أتفهّم كعادتي ردّة فعلك، إنّها لاتنمُّ سوى عن ألم الهجر وخيبة الروح،كلّ ما يدور في بالك الآن أنني استحضر عاطفتك لتصفحي عنّي، ولكنني كما تعلمين زوجك يا ليلى ليس من هذا النوع أبداً.
قبل أن تحكمي عليّ اسمعِ قصّتي، وحاكمينِ بعدها، يا وجع قلبي!!
في ذلك اليوم المشؤوم ، استيقظت على صوت جلبة في الخارج وكأنّه عراك!،استغربت!..، خرجت لأتحقّق من الأمر، ما كدتُ أخطو خطوة واحدة خارج عتبة المنزل،شعرت بيد تكمّم فمي،وتحمل رئحة مخدّرة!، لم استوعب الأمر، ولكن علمت أنّه يجب عليّ أن أمنع دخول أي شخص إلى المنزل،فأغلقت الباب، مازلت لا أدري من خطفني وسلّمني إلى الشرطة بيديه..
ولكن هذا ما حصل..، سجنت يا ليلى،لم أغب لأستجمّ! كنت بين تلك القضبان القاسية..
لم أحبّذ أن يعلم أحد بالأمر، ولم يكن الأمر أصلا بيدي، تُرِك مصيري مفتوح لكم..، تماماً كما يترك الرّوائي نهاية روايته مفتوحة، ولكنني كنت على يقين بأن ما تُرِك حتماً لم يكن النهاية.،تركوكم تبكون على ميّت كما ظننتم، أو على حيّ ميّت كما يقال ، تعذبت كثيراً يا ليلى.، رأيت الموت وعشته.، تمنيت رؤيتكم حد الثمالة يا ليلى.. ولكنني كنت في عالم، وانتم في آخر..
لن أذكر لكم تفاصيلاً أكثر لأنّها ستؤلم كلينا، والآن بعد أن رويت لك قصّتي.. حاكمينِ، واصدرِ حكم القضاء..يا كلّ قضاياي..]
أظنه من السخيف أن أروي لكم ما حصل بعدها، فمن البديهيّ أن يدخل عمّي بعد هذه الرسالة المؤثّرة، وتبدأ هي بالبكاء حزناً تروي له كلّ ما حدث معها في غيابه بالحرف الواحد وبالتفصيل الممل «وهذا بحكم أنها ثرثارة»، ولا ننسى حقّاً أن تسأله عن احتمالية مصادفة نساء في السجن «وهذا بحكم أنها غيورة»!!
هذه قصتهم وهذا ماروتهُ لنا زوجة عمّي بعد زيارتهم لنا..،ولا يمكنكم أن تتخيلوا حجم المشاعر التي كانت تفيض منها مع كلِّ حرف تنطقه..، لا يمكنكم أن تتخيلوا لأننا على علم بأنّ المشاعر لا تحكى بل تعاش..
ـ"آدييل،الفطور "
سمعت صوت أمي تندهني، توجهت إلى المائدة وبدأنا نأكل بشهيّة..،لم نتبادل الأحاديث إلّا قليلاً،كلّ منّا كان غارق في أفكاره، أن كنت أفكّر طبعاً في الكسندر..،هنالك أشخاص يدخلون حياتنا فجأة، يسببون لنا فوضى لطيفة، يزرعون بداخلنا أحاسيساً، لا توصف ولا تحكى...
إمّا أن يكونوا عابرين، أو يبقون وكأنهم ما خلقوا إلّا ليكملوا معنا ما تبقّى من عمرنا..
كم أحبّ هؤلاء الذين يدخلون فيزرعون الورد، ينثرون العطر، ويوزعون الغبطة بكلِّ عطاء..
وكم أبغض الذين يأتون ويسلبونك كلَّ شيئ، يدمّرون ما سعيت لبنائه!، يسعون وراء نجاحك، حتّى تفشل.....،الذين يحسبون العمر خالداً،والحياة أبديّة،يركضون وراء دنياهم وينسون آخرتهم، أولئك الذين يحسبون الناس لعباً،دمى وسلع يشترونها بمالهم..
، يرون الحياة مال، فيفسدون بمالِهم الحياة ومن فيها...
فمالَهم؟؟!!
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon