انتهى يوم محمد الشاق وعاد إلى منزله متعبًا، بالكاد استطاع الوصول إلى غرفته قبل أن يسقط على سريره مغشيًا عليه من الإرهاق. لم يكن يدري أن هناك عيونًا تراقبه في صمت، ترصد كل تحركاته بدقة متناهية.
على مدار الشهرين الماضيين، ظل عبد الرزاق، خالد، ومصطفى يراقبونه عن كثب. عرفوا مواعيده، أماكنه المفضلة، الأشخاص الذين يتحدث إليهم، وحتى تفاصيل عن عائلته. لم يكونوا في عجلة من أمرهم، بل كانوا يصطادونه بصبر الصياد الذي ينتظر اللحظة المناسبة.
وفي تلك الليلة... حان وقت التنفيذ.
في زقاق مظلم بعيد عن الأعين، اجتمع الثلاثة، يتبادلون النظرات الحاقدة. مصطفى، كعادته، كان الأكثر غرورًا، يضع يديه في جيبيه وهو يبتسم بخبث:
"انتهت مرحلة المراقبة، حان وقت الفعل. هذه المرة، لا مجال للأخطاء. سنأخذه إلى الغرفة المهجورة في الحديقة... وهناك، سنجعله يدفع الثمن."
عبد الرزاق، الذي طالما كان أكثرهم تعطشًا للانتقام، ابتسم بدوره وقال:
"الانتظار كان يستحق العناء. وأخيرًا، سنجعله يشعر بما شعرنا به."
أما خالد، فكان مترددًا قليلًا، نظر إليهم وسأل:
"هل تعتقدون أن خطتنا ستنجح؟ تبدو بسيطة جدًا..."
قهقه مصطفى ساخرًا:
"لا حاجة للتعقيد، يا خالد. نحن لا نواجه وحشًا، إنه مجرد محمد."
لكنهم لم يعلموا أن محمد... لم يعد كما كان.
---
اللحظة المنتظرة –
حلّ المساء، انتهت الدروس، وكالعادة خرج محمد متأخرًا، يسير بخطى هادئة عبر الحديقة. لم يكن يدري أن ثلاث ظلال تترصد في الظلام، تنتظر الفرصة المناسبة.
وما إن وصل إلى منتصف الطريق، حتى انقضوا عليه!
بسرعة خاطفة، ألقى خالد كيسًا أسود على رأسه، بينما أمسك به عبد الرزاق ومصطفى من ذراعيه، ضاغطين عليه بقوة. حاول محمد المقاومة، جسده يتحرك بعنف، لكن الكيس أعاق رؤيته، ووجود ثلاثة أشخاص ممسكين به جعله في وضع غير متكافئ.
تمكنوا من السيطرة عليه وسحبوه إلى الغرفة المهجورة.
---
الغرفة المهجورة
كانت الغرفة كئيبة، تفوح منها رائحة العفن والرطوبة، والجدران المتشققة تبدو كشاهد صامت على كل الجرائم التي وقعت فيها من قبل. أُلقي محمد بعنف على الأرض، فارتطم جسده الخشن بالأرضية الباردة.
رفع رأسه، يلتقط أنفاسه، قبل أن يتحدث بصوت هادئ لكنه مليء بالغضب:
"ماذا تريدون؟ هل فقدتم عقولكم؟"
وقف مصطفى أمامه، يراقبه كما يراقب صياد طريدته، ثم انطلق في ضحكة خافتة، تحولت إلى قهقهة عالية:
"هل أنت خائف؟ هل تشعر بالرعب لأنك هنا، وحيدًا، بلا أي فرصة للنجاة؟ هذه المرة، لن يأتي أحد لإنقاذك كما فعل حمزة سابقًا."
تقدم عبد الرزاق خطوة، عيناه تلمعان بالحقد:
"هل تتذكر تلك الأيام، عندما كنت تتصرف وكأنك بطل؟ أين هو ذلك البطل الآن؟ ها أنت مرمي أمامنا، مثل الجرذ."
محمد، رغم الغضب الذي يغلي في داخله، لم يرد. كان ينظر إليهم بعينين بارديتين، مما جعل مصطفى يشعر بالانزعاج. اقترب أكثر، وانحنى ليهمس في أذنه:
"تعرف... بعد مراقبتك لشهرين، اكتشفنا شيئًا مثيرًا جدًا."
نظر محمد إليه بتركيز، فقال مصطفى بابتسامة شريرة:
"أنت وحيد."
ساد الصمت.
ثم تابع مصطفى بصوت خافت، لكنه حمل من الخبث أكثر مما قد تحمله آلاف الصرخات:
"أمك؟ لم تكلف نفسها حتى عناء حمايتك. حمزة؟ تخلّى عنك وعاد لحياته. لا أصدقاء، لا دعم، لا أحد يهتم لأمرك... مجرد حثالة تائهة."
عقد محمد قبضتيه، يحاول كبح الغضب المتفجر في داخله. لكن مصطفى لم يتوقف، بل اقترب أكثر، وكأنه يستمتع بتعذيبه النفسي.
"لكن المفاجأة الحقيقية لم تكن عنك، بل عن عائلتك."
محمد نظر إليه بحذر، فتابع مصطفى:
"أختك... آه، إنها جميلة جدًا. رغم أنها مرعبة عندما تغضب، لكنها فاتنة. لو كانت لي، لكنت اعتنيت بها جيدًا..."
تجمدت ملامح محمد لثانية.
ثم...
"ماذا قلت؟"
كان صوته هادئًا، خطيرًا. لكن مصطفى لم يفهم التحذير الكامن خلفه، فابتسم بمكر وقال:
"أوه، هل أغضبتك؟ هل تريد أن تفعل شيئًا حيال ذلك؟"
في لحظة خاطفة، تحرك محمد.
لم يرَ أحد منهم كيف، لكن فجأة، كانت قبضة محمد قد ارتطمت بوجه مصطفى.
"بووم!"
طار مصطفى مترًا للخلف، وسقط على الأرض وهو يصرخ، يضع يده على أنفه الذي بدأ ينزف بغزارة. خالد، في محاولة يائسة، هجم من الخلف، لكن محمد كان مستعدًا—استدار بسرعة، واستعمل مرفقه لضرب فك خالد، فأطلق الأخير صرخة ألم وسقط على الأرض.
عبد الرزاق، الأكثر ضخامة بينهم، لم يتراجع، بل تقدم مهاجمًا محمد، وجه لكمة قوية إلى معدته وهو يصرخ:
"سأريك من الحثالة هنا!"
لكن محمد لم يسقط.
نظر إليه عبد الرزاق بصدمة، بينما رفع محمد رأسه ببطء، عينيه تشتعلان كجمرة متقدة. ثم قال بصوت هادئ، لكنه أخطر من ألف صرخة:
"هذا كل ما لديك؟ ضعيف."
قبل أن يستوعب عبد الرزاق الموقف، تلقى لكمة مباشرة إلى صدره، تلتها ركلة قوية على ساقه، جعلته يترنح قبل أن يسقط. لم يتوقف محمد، بل انهال عليه بالضرب، قبضته تنزل على وجهه بلا رحمة، حتى بدأ يصرخ متوسلاً:
"كفى! كفى!"
التفت محمد إلى مصطفى وخالد، اللذين كانا يرتجفان خوفًا، وجوههم شاحبة.
خالد تمتم بصوت مرتعش:
"كيف... كيف أصبحت بهذه القوة؟ هل أنت وحش؟"
ابتسم محمد ببرود، ثم قال:
"وحش؟ بل أنتم الوحوش انتم من جعلني على هذه الحال الم تتنمروا علي؟ الم تجعلوني اعاني طوال خمس سنوات؟ بسببكم انا في هده حالة انتم وحوش حقيقية. أنتم الذين سرقتم مني كل شيء ولكن هل ظننتم انني سوف انسى كل شيئ هل ظننتم انني سوف ابقى على هذه طوال وقت يالا غبائكم كبير،كما يقول مثل لكل بداية نهاية وهده هيا نهايتكم ، وحان الآن... وقت الحساب."
في تلك اللحظة تغير كل شيئ.
لم يكن هناك مزيد من الكلام.
لم يكن هناك مجال للرحمة.
كان محمد قد تغير. لم يعد ذلك الفتى الضعيف الذي تعرض للتنمر لسنوات.
والآن... كانوا هم الضحية.
(يتبع...)
Comments