الفصل الحادي عشر: صمت الغابة
سكن المكان للحظات، ولم يعد هناك سوى أصوات أنفاسهم المتسارعة وهدير المحرك المنخفض. كانت الغابة مظلمة، تتخللها أشعة القمر الخافتة التي تسللت بين الأغصان الكثيفة، مرسلة ظلالًا غامضة على الطريق الترابي غير الممهد.
جوني، الذي لا يزال يده ممسكة بعجلة القيادة بإحكام، أغمض عينيه للحظة، زفر ببطء محاولًا تهدئة أعصابه. شعر بحرارة جسده المرتفعة بفعل الأدرينالين، لكنه كان يعلم أن هذا ليس وقت الاسترخاء.
فتح عينيه مجددًا، وأدار رأسه قليلًا نحو كارلا، التي كانت لا تزال مشدودة في مقعدها، أنفاسها غير منتظمة، وعيناها الزرقاوان تراقبان الطريق الذي أتوا منه بحذر.
“هل ما زلتِ تظنين أنني أبالغ؟” سأل بصوت منخفض لكنه يحمل توترًا واضحًا.
كارلا لم ترد على الفور. كانت تحاول استيعاب ما حدث للتو—المطاردة، السيارة السوداء، الهروب في اللحظة الأخيرة. لم يكن هذا مشهدًا مألوفًا لها، لم تكن معتادة على أن تكون مطاردة كما لو أنها في أحد أفلام الأكشن.
أخيرًا، استدارت لتنظر إلى جوني مباشرة، ملامحها لا تزال تحمل بعض الصدمة، لكنها كانت أكثر تماسكًا من قبل.
“من هؤلاء؟ لماذا يلاحقوننا؟” سألت، هذه المرة لم يكن صوتها غاضبًا أو مستنكرًا، بل كان يحمل خوفًا حقيقيًا.
جوني هز رأسه ببطء، نظر نحو المرآة الخلفية حيث كان إيفان جالسًا في مقعده، صامتًا بشكل غير طبيعي. كان الطفل يحدق في النافذة، وكأنه يفكر بعمق رغم صغر سنه.
“إيفان، هل تعرف من يكونون؟” سأل جوني أخيرًا.
إيفان لم يلتفت فورًا، لكنه حرك رأسه قليلًا ونظر إلى جوني من خلال المرآة. عينيه الخضراوان المختلطة بزرقة طفيفة لم تكن تحمل أي لمحة من براءة الأطفال المعتادة، بل كان هناك شيء آخر، شيء يشبه الإدراك الكامل لما يجري.
“ليس بعد، لكنني كنت أتوقع حدوث هذا.” قال بهدوء غريب.
كارلا، التي لم تعد تحتمل الصمت المحيط به، التفتت تمامًا إلى المقعد الخلفي، وجهها يعكس خليطًا من القلق والتوتر.
“كيف يمكنك أن تتوقع شيئًا كهذا؟ أنت طفل!”
إيفان أدار رأسه بالكامل نحوها هذه المرة، عيناه الكبيرتان تحدقان بها بثبات. لم يكن يبدو مرتبكًا أو خائفًا، بل بدا كما لو أنه كان يتوقع هذا النوع من الأسئلة.
“لأنني أعرف المستقبل.” قالها بصوت منخفض، لكنه كان واضحًا بما يكفي ليُسمع في السيارة الهادئة.
كارلا شعرت بقشعريرة تسري في جسدها. نظرت إلى جوني، وكأنها تتوقع أن يكون لديه رد على هذا، لكنه كان يحدق في إيفان بنفس الذهول الذي كانت تشعر به.
لم يكن هناك فائدة من طرح المزيد من الأسئلة الآن. كل شيء كان معقدًا، وكل إجابة كانت تزيد من الغموض.
أخيرًا، حرك جوني يده وأطفأ المحرك، مما أدى إلى إسكات هدير السيارة، وتركهم في صمت تام، لا يقطعه سوى صوت الرياح الخفيفة بين الأشجار.
“يجب أن نتحرك إلى الداخل. البقاء هنا ليس آمنًا.” قال، ثم فتح الباب ونزل.
كارلا تبعته بعد تردد بسيط، ثم ساعدت إيفان على فك حزام الأمان والنزول من السيارة.
كانت الأرض تحتهم غير مستقرة، مليئة بالأوراق المتساقطة والأغصان اليابسة التي تصدعت تحت أقدامهم مع كل خطوة. الجو كان باردًا أكثر مما توقعت كارلا، لكنها لم تهتم كثيرًا بذلك.
تحرك جوني إلى مقدمة السيارة، فتح صندوقها الخلفي وأخرج حقيبة سوداء متوسطة الحجم، ثم أغلقه بهدوء.
“كوخنا ليس بعيدًا، خمس دقائق مشيًا.” قال وهو يشير بيده نحو طريق ترابي ضيق بين الأشجار الكثيفة.
كارلا لم تقل شيئًا، فقط أمسكت بيد إيفان وتحركت خلفه.
كان الطريق مظلمًا جدًا، الأشجار الطويلة تحيط بهم من كل الاتجاهات، وبعض أصوات الحشرات الليلية كانت تزيد من إحساس العزلة.
إيفان، رغم أنه كان صغيرًا، لم يكن يبدو خائفًا. بل كان يمشي بخطوات ثابتة بجانب كارلا، وكأنه يعرف هذا المكان جيدًا.
جوني، الذي كان يسير أمامهما، كان يتفقد محيطه كل بضع ثوانٍ، عينيه تتحركان بسرعة بين الأشجار كما لو أنه يتوقع ظهور شيء ما.
أخيرًا، بعد خمس دقائق من المشي الحذر، بدأ شيء يظهر في الأفق بين الأغصان.
كوخ خشبي قديم، صغير لكنه متين، تتوزع بعض النوافذ على جدرانه، وسقفه مغطى بطبقة رقيقة من الأوراق المتساقطة. كان يبدو وكأنه لم يُستخدم منذ فترة طويلة، لكن لا يزال بحالة جيدة.
جوني أسرع نحو الباب، أخرج مفتاحًا صغيرًا من جيبه، أدخله في القفل وأداره بصوت طفيف، ثم دفع الباب ليفتحه ببطء، مما أصدر صريرًا خافتًا.
“ادخلا بسرعة.” قال وهو يفسح لهما المجال.
كارلا أمسكت بإيفان وتحركت إلى الداخل، بينما تبعهما جوني وأغلق الباب خلفهم، ثم أدار القفل مرتين.
الداخل كان مظلمًا تمامًا، لكن جوني تحرك بثقة باتجاه الحائط، بحث بيده عن المفتاح الكهربائي، وبعد لحظات، انبعث ضوء أصفر خافت من مصباح معلق في السقف.
الغرفة كانت بسيطة—أريكة قديمة في المنتصف، مدفأة حجرية على الجدار الجانبي، ومطبخ صغير في الزاوية. كانت هناك أيضًا طاولة خشبية وكرسيان، وغرفة نوم صغيرة على اليمين، بابها نصف مفتوح.
كارلا تنفست بعمق، ثم التفتت إلى جوني.
“والآن؟ ماذا سنفعل؟”
جوني وضع الحقيبة السوداء على الطاولة، فتحها، ثم بدأ بإخراج بعض الأشياء منها—علبة إسعافات أولية، بعض زجاجات الماء، ومصباح يدوي.
“سنرتاح هنا الليلة، وغدًا… سنحاول معرفة من يلاحقنا ولماذا.”
كارلا لم تبدُ مقتنعة تمامًا، لكنها لم تكن تملك خيارات أخرى.
إيفان، الذي كان هادئًا طوال الوقت، تقدم بهدوء وجلس على الأريكة، قدميه الصغيرتين تتدليان فوق الأرض.
أخيرًا، وبعد لحظات من الصمت، تحدث بصوت هادئ لكنه حازم:
“هذا ليس سوى البداية.”
كلماته تركت أثرًا ثقيلًا في الهواء، كما لو أنه كان يعرف أشياء لن يتمكنوا من استيعابها بعد.
كارلا وجوني تبادلا النظرات، لكن لم يقل أي منهما شيئًا.
كان واضحًا أن حياتهما لن تعود كما كانت أبدًا.
(يتبع…)
Comments