الفصل الخامس: توتر العلاقات
مرَّت الأيام ببطء، بينما كانت كارلا وجوني يحاولان التأقلم مع الوضع الجديد الذي فرضه عليهما حادث الاصطدام الغريب. الحياة، التي كانت تسير في مسارها الطبيعي، تغيرت تمامًا بين عشية وضحاها. لم يكن الأمر مجرد حادث بسيط، بل كان بداية لشيء غريب، شيء يثير تساؤلات عميقة، وأسئلة لا يمكن الإجابة عليها بسهولة.
كارلا، التي كانت تتنقل بين يومها العادي في المدرسة والتفاعل مع العالم الجديد الذي وجدته في منزلها، لم تستطع الهروب من التفكير المستمر في إيفان. هذا الطفل الذي ادعى أنه ابنهما من المستقبل. كانت تحاول التظاهر بأنها تستطيع تحمل هذا الأمر، لكن كلما نظرت في عيني إيفان، كانت ترى شيئًا غريبًا، شيئًا لا يشبه أي طفل آخر.
أما جوني، فقد كانت الأمور أكثر تعقيدًا بالنسبة له. فهو لم يكن قادرًا على التعامل مع الوضع كما فعلت كارلا. هو لم يكن مجرد شخص يعاني من صدمة الحادث، بل كان يعاني من صدمة أعظم: حقيقة أنه أصبح أبًا لطفل قادم من المستقبل. كان يشعر بغضب داخلي، بالارتباك، وأحيانًا بالشكوك. ورغم ذلك، كانت هناك لحظات صغيرة يشعر فيها بشيء غير مفسر تجاه إيفان، وكأن هناك رابطًا قويًا بينه وبين هذا الطفل الذي يشبهه في ملامحه.
ذات صباح، في المطبخ، كانت كارلا تحضر الإفطار ببطء، لكنها لم تكن تركز على الطعام. كانت أفكارها تتنقل بينها وبين إيفان، وبين ما حدث تلك الليلة في الحادث، وما قاله إيفان عن كونه ابنهما من المستقبل. كانت كل كلمة يقولها تعصف بعقلها وتزيد من حيرتها. كيف يُمكن أن يكون هذا حقيقيًا؟ وهل هذا الطفل هو بالفعل ابنها؟ وكلما حاولت أن تقنع نفسها بأنه مجرد خيال، كلما ظهرت أمامها حقيقة جديدة تجذب انتباهها.
بينما كانت تفكر، دخل جوني المطبخ بهدوء. كان يرتدي قميصًا أسود وبنطال جينز، وكان وجهه يبدو جادًا جدًا. شعر كارلا بأنها تلاحظه أكثر هذه الأيام. وكان هناك شيء مختلف في طريقة مشيه، وكأن شيئًا ما قد تغير فيه.
“هل تناولت فطورك؟” سألته كارلا وهي ترفع عينيها عنه وتعود لتركيزها على المكونات.
“لم أكن جائعًا.” رد جوني بصوت غريب، وهو يراقبها بعيون مليئة بالتساؤل. كانت هناك فترة صمت بينهما، وكأن هناك شيء لم يُقال.
“أنت تبدو مشغول البال، ماذا هناك؟” سألت كارلا، وهي تضع الملعقة جانبًا وتلتفت إليه. لم يكن بإمكانها تجاهل التوتر الذي كان يسيطر على الجو.
نظر جوني إلى الأسفل للحظة، ثم رفع رأسه وقال بصوت منخفض: “كارلا، أنتِ تعلمين أن هذا كله غير منطقي، أليس كذلك؟ أنا لا أعرف ماذا أفعل، ولا أعرف إذا كان علينا تصديق كل كلمة قالها هذا الطفل.”
تنهدت كارلا، وبدأت بالكلام بهدوء: “أنا أعلم، لكننا لا نستطيع تجاهل ما رأيناه. أعتقد أننا بحاجة لفهم ما يحدث، جوني.”
جوني جلس على الكرسي المقابل لها، وأغمض عينيه للحظة، كأنما يستجمع أفكاره. “أعتقد أنه لا يوجد شيء يمكننا فعله سوى المحاولة لفهمه. لكن كلما حاولت فهم هذا، كلما أصبحت أكثر ضياعًا.” كانت كلمات جوني مليئة بالحيرة.
في تلك اللحظة، دخل إيفان من الباب، وهو يرتدي قميصًا أزرق داكن وبنطلون جينز، وقد كانت عيناه تحملان ملامح من الجدّية والحزن، وكأنما يعرف أكثر مما يمكن أن يتصوره شخص بالغ. كانت تلك النظرة تحمل شيئًا غريبًا، شيئًا يشبه الخوف.
“أريد أن أخبركم بشيء مهم.” قال إيفان، صوته ضعيف، لكنه كان يحمل معه سمة الثقة التي لا يستطيع الطفل في مثل عمره أن يمتلكها. كان يشير إلى الطاولة حيث كانت كارلا وجوني يجلسان.
“ماذا هناك، إيفان؟” سأل جوني، وهو يشعر بشيء غير مريح في صدريه.
“أنتم بحاجة للتعلم من أخطائكم. لا أستطيع أن أخبركم بكل شيء الآن، لكنني هنا لأحميكم.” كانت كلمات إيفان مثل الصدمة، وكانت تزيد من الغموض الذي يحيط به.
“من ماذا تحمينا؟ وما الذي تعرفه أكثر مما نعرفه؟” سألته كارلا، لكن دون أن تتلقى إجابة مباشرة، نظرت إلى جوني، الذي كان يراقب إيفان بحذر شديد.
“كل شيء سيظهر في وقته. ليس الآن.” قال إيفان، وهو يبتعد عن الطاولة ببطء، لكن كانت تلك الكلمات تظل عالقة في الجو، وكأنما كان يضع بذورًا لمستقبل مجهول.
بدأت كارلا وجوني يشعران بعدم الراحة في كل لحظة، وكلما نظروا إلى إيفان، كانت هناك فكرة تزداد وضوحًا: أنه ليس مجرد طفل عادي. كان يحمل أسرارًا أكبر من أي شيء يمكن أن يتخيله عقلهما.
“إذا كان ما يقوله حقيقيًا، وإذا كان هذا هو ابني، فما الذي يخبئه لنا المستقبل؟” فكرت كارلا في نفسها بينما كانت تراقب إيفان يبتعد.
أما جوني، فقد نظر إليها وقال بصوت منخفض: “علينا أن نكون مستعدين لأي شيء، كارلا. لا أحد يمكنه فهم هذا بالكامل، لكننا لا نستطيع الهروب من الواقع.”
كان هذا الواقع الجديد يفرض نفسه عليهما أكثر من أي وقت مضى. وكانت تلك اللحظات التي قضوها مع إيفان تحمل في طياتها تحديات وصراعات كبيرة، لكنهما كانا مضطرين للقبول بما لا يستطيع أحد تفسيره.
“إذا كان المستقبل ينتظرنا، فنحن في هذه اللحظة محاصرون بين ما نعرفه وما لا نعرفه.” قال جوني، وبدت كلماته كأنها تطابق الواقع المرير الذي كانا يعيشان فيه.
استمر التوتر بينهما، وكلما حاولت كارلا أن تتفهم الوضع، كانت تراها تتزايد. وكلما اقتربوا من إيفان، زادت الأسئلة وتعمق الغموض.
(يتبع…)
Comments