الفصل الثاني والثالث

الفصل الثاني: بين الصدمة والواقع

كان كل شيء ضبابيًا عندما فتحت كارلا عينيها ببطء. شعرت بثقل في رأسها، وكأن عقلها يرفض تصديق ما حدث قبل لحظات. أين هي؟ هل كانت تحلم؟

لكن عندما حدقت في السقف الأبيض، وسمعت صوتًا مألوفًا يتذمر بجانبها، أدركت أن ما حدث لم يكن حلمًا.

“رائع… فتاة مدللة تتسبب في حادث ثم تفقد الوعي؟ هذا آخر ما كنت بحاجة إليه الليلة.”

جاء الصوت من المقعد المجاور، حيث جلس جوني، ذراعيه متشابكتان، وعيناه الخضراوان تحملان مزيجًا من الانزعاج والارتباك.

نهضت كارلا بسرعة وهي تتذكر… الحادث… الصدام… والطفل.

الطفل!

نظرت حولها بذعر، لكن لم يكن هناك أحد غيرهما في الغرفة الصغيرة. بدا أنها غرفة خاصة داخل مستشفى أو عيادة فاخرة.

“أين هو؟!” سألت بصوت متوتر، وهي تحاول النهوض رغم الدوخة التي اجتاحتها.

“إذا كنتِ تقصدين الطفل الغريب الذي ظهر من العدم وادعى أنه ابننا، فهو في الغرفة المجاورة. الأطباء يعتقدون أنه تائه، لكنه لم يتوقف عن مناداتنا ‘أمي وأبي’.”

ارتعش جسدها للحظة، ونظرت إليه بصدمة، وكأنها تنتظر منه تفسيرًا أكثر من مجرد كلمات ساخرة.

جوني كان يبدو هادئًا، لكن خلف هذا الهدوء كان يحاول يائسًا استيعاب الأمر. طفل صغير… يشبههما… يدّعي أنه ابنهما من المستقبل؟

“هل… هل هذا ممكن؟” تمتمت كارلا، أكثر مخاطبةً نفسها من مخاطبته.

جوني مرر يده في شعره، متنهداً بعمق. “من بين كل الأشياء التي توقعت حدوثها الليلة، لم يكن هذا أحدها.”

وقبل أن يتمكن أي منهما من التفكير أكثر، فتح الباب ببطء، ودخل الطفل.

بملامحه البريئة وعيناه الكبيرتان، كان يبدو وكأنه خارج من قصة خيالية، لكن الحقيقة كانت أكثر غرابة من أي خيال.

ابتسم إيفان بخجل، وكأنه لم يلاحظ التوتر الذي يملأ الغرفة، ثم رفع يديه الصغيرتين بحماس وقال ببراءة:

“وأخيراً استيقظتما! لدينا الكثير لنتحدث عنه، أمي، أبي!”

مرة أخرى، ساد الصمت، لكن هذه المرة لم يكن هناك مجال للهرب.

لقد بدأ كل شيء الآن.

الفصل الثالث: حقيقة لا يمكن إنكارها

سرت قشعريرة باردة في جسد كارلا وهي تنظر إلى الطفل الصغير الذي وقف أمامها، يبتسم ببراءة وكأنه لم يفجّر قنبلة قبل لحظات. لم تكن قادرة على النطق، بينما عقلها يصرخ بأسئلة لا نهائية.

أما جوني، فرغم مظهره الهادئ، كان يشعر وكأن الهواء أصبح ثقيلاً حوله. لم يكن يعرف ما إذا كان يجب أن ينفجر ضحكًا على سخافة الموقف أم يصرخ بوجه هذا الطفل الذي زلزل عالمه في لحظة.

لكن إيفان لم يكن ينتظر منهما أي رد فعل. اقترب بخطوات صغيرة حتى وقف أمام السرير حيث جلست كارلا، ثم رفع يديه نحوها بإلحاح:

“أريد حضناً، ماما!”

كارلا شهقت، وكأن الكلمة صفعتها بقوة. نظرت إلى جوني الذي كان يحدق في الطفل بصدمة مماثلة، ثم عادت بنظرها إلى المخلوق الصغير الذي يتصرف وكأنه يعرفها منذ سنوات.

“مـ… ماذا قلت؟” تمتمت بصوت ضعيف، بالكاد تصدق ما سمعته.

إيفان أمال رأسه ببراءة، وكأن سؤالها غريب بالنسبة له. “قلت إنني أريد حضناً، ماما! أنتِ تفعلين هذا دائمًا عندما أكون خائفًا!”

“أنا؟!” شهقت مجددًا، مشيرة إلى نفسها، وكأنها تتأكد أنه يتحدث عنها وليس عن شخص آخر.

“نعم!” أومأ إيفان بحماس، ثم استدار نحو جوني وابتسم: “وأنتَ أيضاً، أبي، تحتضنني عندما أكون حزينًا… رغم أنك تتظاهر بأنك لا تحب ذلك.”

جوني، الذي كان حتى الآن يحاول الحفاظ على هدوئه، شعر أخيرًا أن صبره بدأ ينفد. نهض من كرسيه بسرعة، واضعًا يديه على خصره، ثم حدق في الطفل الصغير الذي يحدق به بعينين فضوليتين.

“اسمع أيها الصغير، أنا لا أعرف من أنت أو من أين أتيت، لكن دعنا نوضح شيئًا واحدًا—أنا لست والدك، وهي ليست والدتك! هذا غير ممكن، هل تفهم؟”

إيفان لم يتأثر بكلامه، بل أمال رأسه مجددًا بتفكير، ثم قال بجدية غير متوقعة:

“أعلم أنكما لا تصدقانني الآن، لكن هذا لا يغير الحقيقة.”

كارلا وضعت يديها على رأسها، تشعر وكأنها في كابوس غريب لا تستطيع الاستيقاظ منه. كيف يمكن أن يكون هذا حقيقيًا؟ طفل يشبههما بطريقة غير طبيعية… يناديهما بـ”أمي” و”أبي” وكأنه يعرفهما… بل يتحدث عن تصرفاتهما وكأنه عاش معهما لسنوات!

لا، هذا جنون…

لا بد أن هناك تفسيرًا منطقيًا لهذا.

حاولت أن تستجمع أفكارها، ثم نظرت إلى إيفان وقالت بصوت مهتز: “حسنًا… لنفترض للحظة أن ما تقوله صحيح. كيف وصلت إلى هنا؟ ولماذا… لماذا تبدو مثلنا؟”

إيفان ابتسم ابتسامة مشرقة، كما لو كان ينتظر هذا السؤال طوال الوقت. قفز بحماس وجلس على السرير بجانبها، ثم قال وكأنه يحكي قصة مشوقة:

“لقد جئت من المستقبل، من زمنكما بعد عدة سنوات. كان هناك حادث… شيء سيء كاد أن يحدث لكما، ولم أستطع الجلوس والمشاهدة، لذلك… قمتُ بالقفز عبر الزمن!”

كارلا لم تعرف كيف ترد. حادث؟ شيء سيء؟ قفز عبر الزمن؟ كل هذا كان أشبه بفيلم خيال علمي وليس حقيقة تحدث أمامها الآن.

لكن جوني لم يكن مقتنعًا بسهولة. ضحك بسخرية، ثم عبر ذراعيه وقال: “قفزت عبر الزمن؟ طفل عمره ثلاث سنوات يخترق الزمن فقط لإنقاذنا؟ حقًا؟”

إيفان لم يغضب، بل هز كتفيه وقال ببساطة: “لم أفعل ذلك وحدي… لقد ساعدني شخص ما.”

كارلا شعرت بأن عقلها بدأ ينهار. وضعت يدها على جبهتها وأغمضت عينيها للحظة، محاولة استيعاب ما تسمعه.

“من الذي ساعدك؟” سألت أخيرًا، رغم أنها لم تكن متأكدة مما إذا كانت مستعدة لسماع الإجابة.

إيفان ابتسم، وكأنه يحمل سرًا كبيرًا. “لا أستطيع إخباركما بعد… لكن عليكما أن تثقا بي!”

جوني كان على وشك الرد، لكن قبل أن يتمكن من ذلك، انفتح الباب فجأة، ودخل الطبيب ومعه إحدى الممرضات.

“أوه، استيقظتِ أخيرًا!” قال الطبيب بابتسامة. “لقد أغمي عليكِ بسبب الصدمة، لكن لا تقلقي، كل فحوصاتك طبيعية.”

كارلا ابتسمت ابتسامة متوترة، لكنها لم تقل شيئًا. الطبيب لم يكن يعلم أن الصدمة الحقيقية لم تكن بسبب الحادث… بل بسبب هذا الطفل الذي جلس بجانبها وكأنه ينتمي إلى حياتها.

“وماذا عن الطفل؟ هل عثرتم على عائلته؟” سأل جوني، محاولًا أن يبدو غير مكترث.

الممرضة تنهدت وقالت: “هذا هو الأمر الغريب… لا يوجد أي سجل له. لم يبلغ أحد عن طفل مفقود في المنطقة، وليس لدينا أي معلومات عن والديه. كل ما نعرفه أنه لا يريد الابتعاد عنكما، ويصرّ على أنكما والداه.”

كارلا شعرت بقلبها يتوقف للحظة، بينما نظر إليها جوني بحدة.

لم يكن لديهما مخرج.

هذا الطفل لم يكن ينوي المغادرة… وكان مصممًا على أن يبقى معهما.

وهكذا، بدأ كل شيء…

———

(يتبع…)

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon