الفصل الثاني عشر: الظلال التي تراقب
ساد الصمت داخل الكوخ إلا من صوت أنفاسهم، وهواء الليل البارد الذي تسلل عبر الشقوق الصغيرة في الجدران الخشبية. كانت الأجواء مشحونة، ممتلئة بأسئلة لم تُطرح بعد، وكأن الجميع ينتظر اللحظة المناسبة للكلام.
جوني جلس على الكرسي الخشبي بجانب الطاولة، مرفقيه مستندان إلى سطحها، وأصابعه متشابكة أمامه. عيناه كانتا مسلطتين على إيفان، الذي جلس على الأريكة الصغيرة، قدماه تتأرجحان قليلًا فوق الأرض.
كارلا، التي لم تجلس بعد، كانت تسير ببطء داخل الكوخ، تنظر إلى المكان كما لو أنها تحاول تقييمه. لم يكن الكوخ كبيرًا، لكنه كان مجهزًا بما يكفي ليكون مكانًا للاختباء مؤقتًا.
وأخيرًا، كسرت الصمت بصوت منخفض لكنه حازم:
“هذا المكان… كيف تعرفه؟”
التفتت إلى جوني، نظراتها لم تكن غاضبة، لكنها كانت مليئة بالشكوك.
جوني أطلق زفيرًا طويلاً، كما لو أنه كان يتوقع هذا السؤال لكنه لم يكن مستعدًا للإجابة عليه بهذه السرعة.
“إنه ملك لعائلتي. أبي كان يستخدمه كمكان للراحة عندما كان يريد الابتعاد عن المدينة. لم أكن أظن أنني سأحتاج إليه يومًا ما.”
كارلا لم ترد فورًا، فقط نظرت حولها مرة أخرى، ثم اقتربت وجلست على الأريكة بجانب إيفان.
“إذن، ما الخطة؟”
كان هذا هو السؤال الأهم الآن. لقد هربوا، لكن إلى متى؟ ومن كان يطاردهم؟
إيفان، الذي ظل صامتًا طوال هذا الوقت، رفع رأسه أخيرًا، عيناه الواسعتان تلمعان تحت ضوء المصباح الخافت.
“لن يتوقفوا عن البحث عنا.”
قالها بهدوء، لكن كلماته كانت تحمل وزنًا ثقيلًا.
كارلا وجوني تبادلا النظرات، ثم عاد كلاهما للنظر إليه.
“من هم؟ ولماذا يريدونك؟” سألت كارلا، نبرتها كانت جادة هذه المرة.
إيفان لم يرد مباشرة، بل أنزل قدميه الصغيرتين إلى الأرض، وانحنى قليلًا للأمام، كما لو أنه يفكر في كيفية شرح الأمر.
“ليسوا أشخاصًا عاديين. هم… مراقبون. أشخاص يعرفون أنني لست من هذا الزمن، ويريدون التأكد من أنني لن أغير المستقبل.”
كارلا شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، نظرت إلى جوني، لكنها لم تجد أي علامة على أنه يفهم أكثر منها.
“كيف يعرفون بوجودك؟” سأل جوني بصوت منخفض.
إيفان أغمض عينيه للحظة، ثم فتحهما ببطء.
“لأنهم من هناك.”
كارلا عقدت حاجبيها. “من أين؟”
إيفان نظر إليها مباشرة، ثم همس:
“من المستقبل.”
كان وقع كلماته كالصاعقة.
كارلا شعرت بأن عقلها يكاد ينفجر من كثرة المعلومات الغريبة التي تسمعها منذ اصطدامها بجوني.
“انتظر، انتظر…” رفعت يديها، وكأنها تحاول إيقاف تدفق المعلومات. “أنت تقول إن هناك أشخاصًا من المستقبل يعرفون بوجودك هنا… وأنهم يريدونك؟ لماذا؟”
إيفان لم يبتسم، لم يبدُ عليه أي تعبير يوحي بأنه طفل صغير يتحدث عن شيء لا يفهمه.
“لأنني غيرت مسار الزمن بمجرد قدومي إلى هنا. وجودي يهدد شيئًا لا يريدون تغييره.”
جوني، الذي كان يستمع بصمت طوال هذا الوقت، استند بظهره إلى الكرسي، يمرر يده في شعره الأحمر، ثم قال ببطء:
“وهذا الشيء… هل له علاقة بنا؟”
إيفان لم يجب على الفور، لكنه بعد لحظات من التردد، أومأ برأسه ببطء.
كارلا شعرت بأن قلبها ينبض أسرع. تبادلت نظرات مع جوني، ثم نظرت إلى إيفان مرة أخرى.
“ماذا يحدث لنا في المستقبل؟”
إيفان فتح فمه ليتكلم… لكن قبل أن ينطق بأي كلمة، دوى صوت خارج الكوخ.
جميعهم تجمدوا في أماكنهم.
كان الصوت خافتًا، لكنه كان واضحًا.
حركة بين الأشجار.
كارلا وضعت يدها تلقائيًا على فم إيفان، خوفًا من أن يصدر أي صوت.
جوني نهض ببطء، خطواته كانت بلا صوت تقريبًا. تحرك نحو النافذة الصغيرة، وألقى نظرة حذرة إلى الخارج.
الظلام كان كثيفًا، لكن بين الأشجار، رأى ظلالًا تتحرك.
“إنهم هنا.” همس.
كارلا شعرت بجسدها يتصلب، التفتت إلى إيفان، لكنها وجدت أن الطفل لم يكن خائفًا كما كانت تتوقع.
بدلًا من ذلك، كان ينظر إلى الباب، وكأنه ينتظر حدوث شيء.
ثم…
طرق الباب.
كان الطرق خفيفًا، لكنه كان كافيًا ليجعل قلوبهم تتوقف للحظة.
كارلا أمسكت يد إيفان بإحكام، بينما جوني تحرك نحو الباب، يده تتحرك ببطء نحو شيء كان مخفيًا في الحقيبة السوداء.
لم يكن لديهم أي فكرة عمّن يقف خلف الباب.
لكن ما كانوا متأكدين منه… هو أن هذه الليلة لم تنتهِ بعد.
(يتبع…)
Comments