الفصل السابع

الفصل السابع: حدود الحقيقة

كان الجو داخل القصر هادئًا بطريقة مريبة، وكأن الجميع ينتظر أن ينفجر شيء ما في أي لحظة. جلست كارلا على إحدى الأرائك الفاخرة في غرفة المعيشة، تحاول ترتيب أفكارها، بينما كان جوني واقفًا قرب النافذة الزجاجية العريضة، يحدق إلى الخارج، وكأنه يبحث عن إجابة في ظلام الليل الممتد.

أما إيفان، فقد كان جالسًا على السجادة الناعمة، يعيد ترتيب المكعبات الملونة التي وجدها في زاوية الغرفة. رغم براءته الظاهرة، كان هناك شيء غامض في الطريقة التي يتعامل بها مع كل شيء حوله، وكأنه يعرف أكثر مما ينبغي لطفل في الثالثة من عمره.

“أنت بحاجة لمعرفة كل شيء قبل فوات الأوان.”

كانت تلك آخر الكلمات التي قالها إيفان قبل أن يسود الصمت بينهم، لكنها لم تفارق عقل كارلا. حاولت أن تبدو هادئة، لكن كل شيء في داخلها كان يصرخ بعدم التصديق.

أخذت نفسًا عميقًا، ثم التفتت إلى الطفل، الذي كان لا يزال يعبث بالمكعبات وكأنه لم يقل شيئًا خطيرًا منذ لحظات.

“إيفان…” نطقت باسمه ببطء، تحاول أن تبقي صوتها ثابتًا، “ماذا تعني بذلك؟ ما الذي يجب أن نعرفه؟”

رفع الطفل رأسه ونظر إليها بعينين تحملان مزيجًا غريبًا من الطفولة والنضج، ثم قال ببساطة: “أنا لا أستطيع أن أخبركم بكل شيء الآن… لكن المستقبل ليس كما تظنون.”

جوني الذي كان صامتًا طوال الوقت، ضحك بسخرية قصيرة وأدار وجهه نحو إيفان، عاقدًا ذراعيه.

“يا رجل، إذا كنت ستتكلم بالألغاز، فلا تتعب نفسك.”

نظر إليه الطفل ببراءة، ثم قال: “أنا لا أتكلم بالألغاز، أنت فقط لا تريد أن تفهم.”

كانت تلك الجملة كفيلة بإثارة أعصاب جوني أكثر، لكن قبل أن يرد، رفعت كارلا يدها بإشارة تطلب منه أن يهدأ. لم تكن تريد أن يتحول هذا النقاش إلى شجار آخر.

“إيفان، أعلم أنك لا تستطيع أن تخبرنا بكل شيء، لكن على الأقل… هل يمكنك أن تعطينا تلميحًا؟”

الطفل أطرق برأسه قليلًا، وكأنه يفكر فيما يمكنه قوله دون أن يكشف الكثير، ثم همس بصوت خافت:

“هناك شخص يريد منعكم من معرفة الحقيقة. شخص يعرف أنني هنا.”

في تلك اللحظة، تبادل جوني وكارلا نظرات سريعة، وكأنهما استوعبا خطورة الأمر.

“شخص؟ من؟” سألت كارلا، وقلبها ينبض بسرعة.

لكن إيفان هز رأسه، وعض شفته الصغيرة كما لو أنه يدرك أنه قد قال أكثر مما ينبغي.

“لا أستطيع قول المزيد. لكنكم ستعرفون قريبًا جدًا.”

صمتت كارلا، بينما ضرب جوني بقبضته على الجدار القريب، محاولًا كبح إحباطه.

“هذا عبث! نحن نتحدث عن المستقبل، عن شخص ما يتعقبنا، عن طفل يدّعي أنه ابننا! كيف يمكن لأي شخص أن يستوعب هذا؟!”

كان صوته يحمل مزيجًا من الغضب والارتباك، وهو أمر لم تعتده كارلا منه. صحيح أنها لا تعرفه جيدًا، لكنها كانت تتخيله دائمًا كشخص بارد وغير مبالٍ، وليس شخصًا يفقد أعصابه بهذه السهولة.

إيفان، رغم انفعالات جوني، لم يتحرك من مكانه، بل استمر في النظر إليه بصمت.

“أعلم أن هذا صعب عليكم.” قال الطفل بصوت هادئ، “لكن هذا هو الواقع.”

كارلا أغمضت عينيها للحظة، محاولة استيعاب كل شيء. شعرت وكأنها عالقة في كابوس غريب، لكن كل شيء كان حقيقيًا بشكل مؤلم.

“حسنًا.” قالت أخيرًا، وصوتها كان أكثر ثباتًا مما توقعت، “إذا كنا في خطر، فنحن بحاجة لمعرفة ما نواجهه.”

جوني تنفس بعمق، ثم مرر يده بين خصلات شعره الأحمر بإحباط.

“وهذا يعني أننا بحاجة لحماية هذا الصغير، أليس كذلك؟”

إيفان ابتسم، وكأن هذه الإجابة كانت كل ما يحتاج لسماعه.

“نعم.” قال ببساطة، “لأن الوقت ينفد.”

تلك الكلمات الأخيرة جعلت شيئًا باردًا يزحف في عروق كارلا. نظرت إلى جوني، الذي بدا أنه شعر بنفس الشعور.

لقد بدأ العد التنازلي، لكنهما لم يعرفا بعد لأي شيء.

(يتبع…)

*** قم بتنزيل NovelToon للاستمتاع بتجربة قراءة أفضل!***