الفصل التاسع: بداية الانهيار
ساد الصمت بين الثلاثة، لم يكن هذا مجرد صمت عادي، بل كان ثقيلاً، مشحونًا بالتوتر، وكأن الهواء أصبح أكثر كثافة فجأة.
كارلا شعرت بقلبها ينبض بسرعة غير طبيعية، عيناها تتحركان بين جوني وإيفان. كان من المفترض أن تكون الليلة مجرد حادث سيارة بسيط، لكنها تحولت إلى نقطة تحول لا رجعة فيها.
“الخطر أقرب مما نعتقد؟” كررت كلمات الطفل بصوت شبه هامس، وكأنها تحاول استيعاب المعنى الخفي وراءها.
إيفان لم يرد فورًا. وقف هناك، عيناه المزيج بين الأزرق والأخضر تعكسان اضطرابًا داخليًا لم يكن من المفترض أن يكون في طفل في عمره. ثم، بعد لحظة طويلة، قال بصوت منخفض لكنه ثابت:
“نحن مراقبون.”
في تلك اللحظة، تغير كل شيء.
جوني شد قبضته ببطء، عيناه الخضراوان تضيقان وهو ينظر حول الغرفة بحذر، وكأنه يتوقع أن يظهر أحدهم من الظلال في أي لحظة.
“ماذا تعني بأننا مراقبون؟” سأل بصوت بارد، لكن تحته كان هناك تيار من التوتر المكتوم.
إيفان عض شفته السفلية، ثم مشى نحو النافذة بحذر، كأنه يخشى أن يراه أحد. وقف عند الحافة، بالكاد يستطيع الوصول إلى الزجاج، لكنه لم يكن بحاجة لذلك. نظراته وحدها كانت كافية.
“هناك سيارة سوداء كانت متوقفة عند نهاية الشارع منذ أن جئنا إلى هنا.”
كارلا شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، فالتفتت فورًا إلى جوني، الذي تقدم بخطوات هادئة نحو النافذة، محاولًا التأكد من كلام الطفل.
رفع زاوية الستارة قليلًا، نظراته المركزة تراقب الطريق في الخارج. لم تكن هناك أي سيارة واضحة، لكن شعورًا غريبًا زحف إلى داخله.
“لقد رحلوا.” قال أخيرًا، ثم نظر إلى إيفان. “هل أنت متأكد مما رأيته؟”
إيفان أومأ بثقة.
“أنا متأكد. كانوا هناك، شخصان داخل السيارة، لم يتحركوا طوال الوقت.”
كارلا شعرت بأن رأسها يدور. كانت هذه الليلة غريبة بما فيه الكفاية، لكن الآن؟ أصبحت أشبه بفيلم تجسس غامض لا تريد أن تكون جزءًا منه.
“لماذا قد يراقبنا أحد؟ من يهتم بنا إلى هذا الحد؟” قالت بصوت خافت، كما لو أن الكلام بصوت عالٍ قد يجعل الأمر أكثر واقعية.
جوني لم يجب مباشرة، لكنه أخرج هاتفه، فتح تطبيق الرسائل بسرعة وأرسل رسالة إلى أحد أصدقائه في المدرسة، شخص كان يعرفه بسبب نفوذه الواسع في المدينة.
“سأعرف من هؤلاء قريبًا.” قال أخيرًا وهو يغلق هاتفه، ثم نظر إلى كارلا بجدية. “لكن الآن، يجب أن نتحرك. لا يمكننا البقاء هنا.”
“إلى أين سنذهب؟” سألت كارلا بتوتر، وهي تعض شفتها السفلى.
جوني فكر للحظة، ثم قال:
“سأوصلك إلى المنزل، لكننا سنسلك طريقًا مختلفًا. لا أريد أن نخاطر.”
إيفان عبس قليلاً.
“هذا لا يكفي.”
كارلا رفعت حاجبها بدهشة. “ماذا تقصد؟”
إيفان نظر إليها مباشرة، ثم قال ببطء وكأنه يحاول التأكد من أنها ستفهم خطورة ما يقوله:
“إذا كانت هذه الليلة هي البداية، فهذا يعني أن الأمور ستزداد سوءًا من الآن فصاعدًا. لا يمكننا فقط العودة إلى منازلنا والتصرف وكأن شيئًا لم يحدث.”
جوني زفر بضيق، ثم مرر يده في شعره وهو يدرس كلمات الطفل.
“إذا كان لديك اقتراح أفضل، فأخبرنا به.”
إيفان ظل صامتًا للحظات، ثم قال أخيرًا:
“نحتاج إلى خطة. وإلى مكان آمن.”
كارلا شعرت بالارتباك. لم يكن هذا شيئًا خططت له. كل ما أرادته هو أن تبدأ حياة جديدة في مدرستها الجديدة، أن تعيش بعيدًا عن قيود والديها. لكنها الآن عالقة في سيناريو لا يمكنها حتى تصديق أنه حقيقي.
“مكان آمن؟ أين يمكن أن نجد مكانًا كهذا؟”
جوني لم يكن بحاجة إلى التفكير طويلًا. نظر إلى كارلا مباشرة، ثم قال:
“كوخ عائلتي خارج المدينة.”
كارلا رمشت عدة مرات. “كوخ؟”
“نعم، إنه بعيد عن الأنظار، ولا أحد يذهب إليه عادة. يمكننا البقاء هناك حتى نعرف من يتعقبنا ولماذا.”
كارلا لم تكن متأكدة من هذه الفكرة، لكنها لم تستطع إنكار أن البقاء هنا لم يكن خيارًا جيدًا.
إيفان، من جهته، ابتسم ابتسامة صغيرة لأول مرة منذ بدء هذه الليلة العجيبة.
“هذا مكان جيد لنبدأ منه.”
جوني التقط مفاتيحه، ثم نظر إليهما بجدية.
“إذن، فلنخرج من هنا قبل أن يعودوا.”
كارلا أخذت نفسًا عميقًا، ثم أمسكت بيد إيفان، وهي تشعر بثقل غير مرئي يحيط بها.
لم تكن تعلم أن هذه الليلة ستكون بداية كل شيء.
لكنها كانت متأكدة من شيء واحد فقط:
لم يعد هناك طريق للعودة.
(يتبع…)
Comments