---
###
مرّت الأيام ببطء خانق، وكان السفر أشبه بمرآة تعكس الفوضى التي تعيشها العائلة. الطريق كان طويلاً، والموسيقى المملة المنبعثة من المذياع بالكاد تغطي على صوت الصمت الكثيف داخل السيارة. جلست سارة في المقعد الخلفي، تحاول أن تجد شيئًا يشتت انتباهها عن مشاعرها. أخرجت هاتفها، لكن الشبكة كانت ضعيفة، تمامًا كإيمانها بأي أمل.
كانت نوافذ السيارة متسخة، مما زاد من ضبابية المناظر التي تمر سريعًا. حاولت سارة التركيز على الجبال الممتدة في الأفق، ولكنها شعرت وكأنها تُساق نحو نهاية مجهولة.
فهد، والدها، كان يقود السيارة بعشوائية. يدخن سيجارة تلو الأخرى، وكأنها وسيلته الوحيدة للهروب من الحياة التي تنهشه. كان يضغط على دواسة الوقود بحدة أحيانًا، مما جعل السيارة تهتز بشدة وكأنها تعكس الغليان الداخلي في صدره. أما نورة، والدتها، فقد التزمت الصمت التام، جالسة على الكرسي الأمامي دون أن تحرك ساكنًا.
"كم بقي للوصول؟" سألت سارة أخيرًا، بصوت يكاد يخرج من حلقها.
رد فهد بجفاف: "لما نوصل بتعرفين."
لم تجب. بل عادت للتحديق عبر النافذة، وكأنها تبحث عن شيء في اللاشيء.
---
**بعد ساعات من السكون والخوف**، توقفت السيارة أخيرًا أمام استراحة مهترئة على جانب الطريق. كانت تبدو مهجورة أكثر منها مستعدة لاستقبال مسافرين. بمجرد أن توقفت السيارة، خرجت سارة بسرعة وكأنها تهرب من الصندوق الكئيب الذي حاصرها لساعات.
كانت الأرض مغطاة بطبقة رقيقة من الغبار، والهواء يحمل رائحة الوقود المختلطة مع شيء أشبه بالعفن. جلست سارة على أحد المقاعد الخرسانية القريبة، تحاول التقاط أنفاسها.
نظرت حولها، فوجدت بضعة أشخاص داخل الاستراحة. رجل مسن يحدق في الجدار، وامرأة شابة تجلس مع طفل يبكي بهدوء. لا أحد يهتم، لا أحد يلتفت. وكأن الجميع في هذا المكان تعود على اللامبالاة.
في تلك اللحظة، شعرت سارة بثقل حاد في صدرها. **كان هذا الثقل يشبه ما تشعر به كل ليلة، حين تختبئ تحت الأغطية وتحاول إقناع نفسها بأن الغد سيكون أفضل، ولكنه لا يكون.**
نادت والدتها بخفوت: "أمي، هل يمكننا البقاء هنا قليلاً؟"
لكن نورة لم تلتفت إليها. كانت عيناها معلقتين في البعيد، وكأنها ترى شيئًا غير موجود.
---
**واصلوا الطريق حتى الليل.**
وصلوا أخيرًا إلى وجهتهم: حي شعبي تتناثر فيه المنازل العتيقة المتلاصقة. كان الشارع شبه مظلم، إلا من بعض أعمدة الإنارة التي تومض بين حين وآخر. توقفت السيارة أمام منزل صغير يبدو وكأنه خرج من فيلم قديم. الجدران متشققة، والبوابة الحديدية تصدر صوتًا حادًا عند فتحها.
نزلت سارة من السيارة ونظرت إلى المكان. لم يكن مختلفًا كثيرًا عن الماضي الذي تركوه. كانت الجدران الصامتة تُشبه منزلهم القديم، ولكنها كانت تحمل شعورًا أكثر برودة.
دلفت العائلة إلى الداخل. كان المنزل يعج برائحة العفن والرطوبة، وأثاثه قديم ومهترئ. حاولت سارة أن تستوعب المكان، لكنها شعرت أن شيئًا ما خاطئ هنا. لم يكن هذا المكان فقط غريبًا، بل كان يبدو وكأنه يحمل قصصًا سيئة من الماضي.
---
**في الأيام الأولى، كان كل شيء ضاغطًا.**
كانت سارة تقضي معظم وقتها في الغرفة الصغيرة التي خصصوها لها. الجدران متآكلة، والسقف يعاني من تشققات مرعبة. حاولت أن تجد راحة في القراءة أو الكتابة، لكنها لم تستطع. كلما أغمضت عينيها، كانت ترى صورًا مبعثرة من حياتها السابقة، كوابيسًا تتداخل مع الواقع.
أما نورة، فكانت تقضي وقتها بين المطبخ وغرفة النوم. كانت تتحرك بصمت ثقيل، وكأنها تجر خلفها سنوات من الحزن والخذلان. لم تكن تلتفت إلى سارة، ولم تحاول التحدث معها.
وفهد؟ كان بالكاد يظهر في المنزل. كان يغادر كل مساء دون أن يخبرهم بمكانه، ويعود متأخرًا تفوح منه رائحة الخمر. كانت سارة تسمع أحيانًا صوت شجاره مع نورة، لكنهما كانا يحاولان إبقاء الأصوات منخفضة.
---
**ذات يوم، قررت سارة أن تخرج.**
ارتدت معطفها وخرجت دون أن تخبر أحدًا. مشت في الحي الشعبي، تنظر إلى الوجوه الغريبة من حولها. الأطفال يلعبون في الأزقة، والنساء يجلسن على عتبات البيوت يتحدثن عن أشياء عادية. شعرت سارة بأنها غريبة في هذا العالم، وكأنها دخيلة لا مكان لها.
وجدت حديقة صغيرة في نهاية الشارع. جلست على أحد المقاعد الخشبية، وأخرجت دفترها الصغير الذي كانت تكتب فيه. بدأت تدون أفكارها، محاولةً أن تجد تفسيرًا لكل ما تعيشه.
"هل سأبقى هنا إلى الأبد؟ هل يمكن أن يتغير أي شيء؟"
كانت تكتب دون أن تنتظر إجابة. لكن في تلك اللحظة، شعرت وكأن شخصًا ما يراقبها. التفتت بسرعة، لكنها لم تجد أحدًا. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، وكأن هذا المكان يخفي شيئًا أكبر مما تتخيل.
---
**الفصل ينتهي بسؤال غامض:**
هل المكان الجديد مجرد بداية جديدة، أم أنه يحمل ظلامًا آخر ينتظرها؟
---
12تم تحديث
Comments
انيـن الـشوق 💔
البارت جميل جداا استمري ورح ادعمك حبيبتي ❤
2024-12-27
5
✨Just girl .✨
استمري 🫡
2024-12-25
1
♡ﮩ٨ـﮩﮩ٨ 𝓐❦ℛـ♡ﮩ٨ـﮩﮩ٨ـ
القصة جميل وانا بكتب 😂
اقراها كمان 😂
2024-12-25
2