أخذت ليليان شهيقاً ثم زفرته ، ذهبت الى البوابة المؤدية للجامعة و دخلت ، لكن آمِرةَ البوابة طلبت منها ورقةَ تصريحِ الدخول ، استغربت ليليان و سألت " أيُّ ورقة ؟ " فأجابتِ الآمرة أن لا احد يمكنه الدخول إذا لم يكن لديه تصريح الدخول من المدير حصراً ، شعرت بإحراجٍ كبير و خرجت تبحث عن سوزن كي تحكي لها بينما هناكَ إحساسٌ تجهلهُ يُقَطِّعُها ، لم تجد سوزن لكنها سمعت مُنادياً يقول : إن من يريد الدخول الى الجامعة هناكَ بابٌ تحتَ الأرض تربطُ بين الجامعة و البنايةِ الجديدة للذكور ، هرعَ كلا الجنسان للذهابِ إلى الباب ، فلا أحد يستطيع رؤية الجامعة و من يدخلها لن يخرجها إلا بوقتِ عودتهِ الى منزله شرطاً ان يكون موعد العودة في الليل كي لا يتلقِ طلابُ الثانوية - الطلاب الذين هم اقل من 18 سنة - بطلابِ الجامعة ، فكان هذا الحدث ، الحدث الأول الذي يربط الجامعة و الثانوية لذا الجميع متحمس و يملأوهُ الفضول للدخول ، لم تشعر ليليان بنفسها إلا و هي بين عددٍ من الجماهير ، و بينما هم يمشون بين ممراتِ بنايةِ الذكور نادى ألآمِرُ عليهم و طلبَ منهم التوقف و الخروجَ من البناية و إلا سيعاقبون و يتم إحالتهم للمحكمة و يتم تصفير نقاطهم ، لذا انسحب الجميع و عادوا إلا ليليان فقد تاهت بين الممرات و تركت المجموعة ، و بينما هي تنزل سمعت صوتاً يتحدث بسرعة لذا لحقته لترى ما هو حتى إنزلَقت من على الدرج و أصابت رأسها و كاحلها ، و لسوءِ حظها ، وقعت أمامَ قاعةٍ إختباراتٍ لطلبة الثانوية الذين يملكون مُعدلاتِ ذكاءٍ أعلى من أقرانهم ، لكن ما جعل ليليان تُصدم أن آلاء معهم ، أما الأستاذ - المُراقب - فقد اكتفى أن يسألها إن كانت بخير أم لا ، بينما بقيةُ الطلاب لم يتحركوا سنتيمتراً واحداً ...
اردفت ليليان بنعم أنها بخير حتى أغمضت عينيها و وقع رأسها على أحد الدرجات ، إستيقظت بعدِ ساعةٍ و وجدت نفسها في المستوصف الخاص بالثانوية ، تلمستْ رأسها ؛
ليليان : آه يؤلم ...
ثم وقفت فوجدت أن كاحلها قد تم ربطه أثناءَ نومها ، فتحت الباب و خرجت لكن الأطباء استوقفوها ثم قاموا بفحصها مرة أخرى ، ما إن خرج الأطباء حتى دخلَ
رسولٌ من المحكمة يحملُ عنوان " تشجيع الطلبة للدخول الى الجامعة " ، صاحت لِيل : ماذا ؟! و ابتسمت بإستهزاء " تشجيع الطلبة للدخول الى الجامعة " من أين إشتروا هذا الهراء ؟ ، أغمضت عيناها مجددا ثم خرجت من الغرفة و عادت الى شقتها ، استلقت ثم ذهبت إلى عالمِ الأحلام ، في صباحِ اليوم التالي استيقظت لِيل ، وجدت ان آلاء قد تركت لها ظرفاً أمام بابِ الشقة ، قائلة ؛
" صباحٌ سعيد يا لِيل ...
لم اكن اعلم انكِ بحاجة الى تصريح لترافقيني اعتذر بشدة لانني احرجتك ، أما الآن كيفَ حالكِ بعد سقوطكِ ، كنتُ قد رأيتكِ تسقطين من اعلى السلالم و لم استطع مساعدتك لانني كنتُ اخوضُ امتحاناً مهماً و لا يمكنني اضاعة ثانية واحدة ، و اخيراً لقد انتقلت الى سكنِ الجامعة احتاجُ للقيامِ بالعديد من التجاربِ هناك ، عندما يحين وقتُ عودتي الى المنزل سـ أمرُ بكِ و ألقي التحية عليكِ ، مع حُبي آلاء "
تنفست لِيل بصعوبة قليلاً ، ثم ذهبت الى النافورة ، وجدت مايك يجلس و الى جانبهِ لورا التي كانت تحمل علبةَ شوكولاته لسلامةِ لِيل ، ابتسمت لهما ، جلست الى جانبهم حتى قَدِمَتِ التوأمين - تارا و يارا - ؛
ليليان : لقد بعثت لي محكمةُ الصرح قراراً
لورا : اووه لِيل انتبهي ... قد يتم تصفيرك
ليليان : و ماذا إن تم تصفيري ؟
لورا : سيتم إعادتك الى المتوسطة ... و ستعيدين الدراسة هناك حتى تتمكني من الحصول على النقاط الكافية التي تساعدك للعودة الى الثانوية
ليليان : اوه ...
مايك : متى هو موعد محكمتك ؟ ما هي التهمة السؤال الاهم ؟
ليليان : لقد سمحت لي المحكمة أن أُحضرَ محامياً لي ... و ايضا هي بعد عودتي من عائلتي ... و التهمة انني قمت بتشجيع الطلبة على الذهاب الى الجامعة هي التهمة الأساس بينما مخالفة قوانين الصرح و التعليمات التي صدرت من الآمِر لحظتها هي فرعية ...
لورا : كلي بعضاً من الشوكولاته و اجعلي هرمونَ السعادةِ لديكِ يرتفع ...
ليليان : هههههه
_ تشاورتِ التوأمين و هما يشيران الى " ساندرا " او " كيب اوڤر " كما يعرف عنها ، اتجهت نحو الطاولة التي تجلس عليها ليليان ، قامت كيب اوڤر بإبعاد التوأمين و جلست بدلاً عنهما بينما يقف خلفها صديقتاها او بالأحرى خادمتها الوفيتان ؛
ساندرا : أتمنى أنكِ بخير !
ليليان : آه ... نعم أنا بخير ... لكن من انتِ ؟
ساندرا ( بضحكةِ استغراب ) : هاه ... ألا تعلمين مَن أنا ؟
ليليان : ههه ... كلا
ساندرا : ياللعارِ عليكِ يا لورا ... أنكِ لم تُعَرِفي ليليان عني
لورا : اممم و هل انتِ رئيسةُ الصرح كي تكوني بهذهِ الأهمية كي أُعَرِف ليليان عليكِ
_ ضحكَ مايك في سره بينما ليليان ابتسمت بغباء اما كيب اوڤر كانت قد انزعجت بشدة لكنها اكملت
كيب اوڤر : انا ساندرا شيمان فرنسا - موريتانيا رئيسةُ المرحلة
لورا : سابقاً
كيب اوڤر : لورا لا تتدخلي ... آيلانا ... عُلبةُ الماكرون الفرنسي ..
_ وضعت آيلانا عُلبة الماكرون أمامَ ليليان و اردفت كيب ؛
كيب اوڤر : هذهِ لأنكِ بخير
ليليان : لا يحتاج ... لكن لمَ أتيتِ ؟ اعني لمَ اجهدتِ نفسكِ بالقدومِ الي ؟
كيب اوڤر : لأنني مسؤولة عن المرحلة فيجب عليَ الإعتناءُ بزميلاتي
_ جلسَ وليد الى جانبِ كيب اوڤر بعد أن القى التحية على جميعِ من يجلس حولَ الطاولة ، أما أمير فقد وقفَ بعيداً ينظرُ اليهم و يتأمل متى ستنتهي هذهِ المسرحية
وليد : حمداً لله على سلامتكِ لِيل !
ليليان : آه شكراً
وليد : لم اعرف ماذا أحضر لكِ ... لذا جلبتُ لكِ هذه الزهرة ... إنها صِناعية كي لا تَذبُل ...
ليليان : اووو شكراً
مايك : لور ... لِيل .. يارا و تارا ... هيا نذهب ... اشعر ان الطاولة بدأت تخنقني ...
كيب اوڤر : على رُسُلك يا سلام ! ليليان سترافقني اليوم ... أشعر أنها لطيفة ... ما رأيكِ أن ترافقيني ؟
ليليان : أنا ...
وليد : انصحكِ ان ترافقيها ! إن لم ترافقيها فلن تدعكِ دونَ أن تنهي لها واجباتها لاحقاً هههه
كيب اوڤر : ما هذه السمعة السيئة عني هههه
مايك : هيا لِيل !
ليليان : لا تقلق مايك سأذهب معهم ... سأكون بخير
كيب اوڤر : ! magnifique ( رائع )
_ رافقتهم ليليان و ذهبوا الى مكانٍ قريب من النافورة لكنهُ مُظلل ، ما إن جلست كيب حتى اتاها إشعار أن عليها الذهاب الى المُدير ، سادَ الصمتُ بين ليل و امير و وليد ، حتى كسره وليد :
وليد : نسيتُ أن أُعرفكِ بـ أمير .. صديقي الرائع
ليليان : oh ... nice to see you
حملقَ وليد بـ أمير ، شهقَ امير و قال ؛
امير : لقد قالت لطيفٌ رؤيتك
وليد : جميل .. جميل ...
ثم ساد الصمتُ ثانيةً ، فـ رن سوار وليد ، لينهضَ قائلاً عليَ عملُ شيءٍ مهم
امير : براءةُ الإختراعِ تلك ؟ جاءَ وقتها؟
وليد : اجل .. اتركُكُما بمفردكما ... وَ أمير .. لا تُغضها ! إنها لطيفةٌ جداً لتتحملَ اغاضتك !
امير : اذهب اذهب !
كان الصمتُ سيدُ الموقف حتى تكلم امير ، متجنباً النظر لـ ليل ؛
امير : اذا آنسة لِيل ... لمَ اتيتِ لهذا الصرح ؟
ليليان : إن مميزات هذا الصرح رائعة و تفوقُ مميزات بقيةِ المدارسِ و الثانوياتِ العادية ... كما أنهُ يناسبِ الطلبة امثالي .. من صنفِ العروبةِ و الغير ...
امير : هناك بعض المدارس التي تستقبل الطلبة امثالك ! من ذوي العروبةِ و الغير ! ما الذي احضركِ الى هنا ؟
ليليان ( بصدمة من حدةِ اسئلته ) : لأنني لو كنتُ طالبةً في مدرسةٌ اعتيادية .. لَإلتفَ حولي جميعُ الطلبة و هم يسألونني عن والـ .... ( صمتت ليليان و اكملت بحرج محاولةً تدارك الموقف ) لماذا تسأل كلَ هذا ؟
امير : ما بهِ والدك ؟
ليليان : عفوا ؟
امير : سألت عن والدك !
ليليان : لنترك أمورَ الأسرةِ جانباً ... اووه تلكَ سوزن سألقي التحية عليها ! الى اللقاءِ امير
_ تركتهُ و ذهبت نحوَ سوزن بينما امير نظرَ نحو طريقِ ليليان و اين اتجاهُها لكنه لم يجد سوزن ! قال في نفسه : هل هي مصابةٌ بالعمى ام ماذا ؟ ...
في اليومِ التالي ، ذهبت الى صفها و جلست تدرس ، جلسَ بجانبها وليد واضعاً كتبهُ أمامه ، حملقت به قليلاً ثم عادت تقرأ ، مرت دقائق حتى سمعته يقول :
وليد : هل يمكنك ان تقرأي بصوتٍ عالٍ .. اريدُ سماعكِ و انتِ تقرأين
ليليان : لمَ
وليد : كنتُ افكر في صوتكِ طيلةَ الليل ... و لم استطع قراءةَ واجبي لأنني كنتُ منهكاً بإختراعي ... بالاضافة ... انني لا يمكنني بدأ محادثةٍ معكِ لأننا لسنا اصدقاءً ... فـ الحل الأمثل ان تقرأي بصوتٍ عال ...
ليليان : حسناً ...
قرأت ليليان الواجبَ بصوتٍ مرتفعٍ قليلاً و هو ينظر لها ، انهتْ القراءة ثم التفتت نحوه : اذا هل فهمت ؟
وليد : فهمتُ أن عينيكِ من هذه الزاوية تبدوان خلابتين !
وضعت يديها على وجهها، لكنه اكمل :
وليد : لا تغطي وجهكِ .. اودُ النظر اليه الى نهايةِ عمري ...
دخل الاستاذ في تلك الاثناء و القى التحية عليهم ، و بدأ الاستاذ بالشرح ، لاحظت ليليان ان وليد يرتدي سماعاتٍ في اذنيه لذا استغربت قليلاً ، و بعد انتهاء الدرس سألت ليليان وليد و الفضول يتطاير من عينيها ؛
ليليان : لمَ ترتدي سماعات ؟
وليد : هههه أفضل عدم الاجابة ... الى اللقاء
ليليان : اوه .. حسناً الى اللقاء
_ خرجَ وليد مسرعاً بينما حملت ليليان اغراضها و توجهت نحوَ المكتبة ، تشعر بالملل من الدراسة لذا اخذا كتاباً عشوائياً و جلست تقرأه ، لكنها سرعان ما ضجرت منه ، اعادته الى مكانه و ذهبت الى قاعةِ الرسم ، وجدت كرسياً و عدة رسمٍ فارغة ، وضعت أغراضها في الخزانة و عادت الى رُكن الرسم ، جلست و هي تنظر نحوَ اللوحة البيضاء ، حدقت بيها مُطولاً ، ثمَ رسمت بعضاً من الزهور هنا و هناك ، اشجارٌ و شتلاتٌ صغيرة بجانب الاشجار ، كانت لوحةً مليئةً بالخضار ، انهت ليليان اللوحة و نظرت لها بتعجب ، متى رسمتُ هذه ؟ ، ركزت بها ، " هذا المكان مألوف " ، حديقةُ أمي ، قالتها و لم تشعر إلا بالدموع تهطل من عينيها ، مسحت عينيها بسرعة ثم بدأت بـ توضيب عدة الرسم ، وضعت لوحتها على مرتفعٍ بسيط ساندةً إياها على بعضِ الركائز المُثبتة على المرتفع ، كانَ مخصصاً لوضع اللوحلات كي تجف ، نظرت الى لوحتها بسعادة و أمل لكن سعادتها لم تدم ، اذ ما ان وقعت عيناها على اللوحات الأخرى حتى شَهِقت من مدى براعتهم و جمالِ الرسومات ، بينما هي كانت سعيدة برسمِ حديقة والدتها !
شعرت بالخزي مما رسمت ، فما رسمته لا يُقارن مع الرسومات الباقية ، احنت رأسها و اخرجت أغراضها من الخزانة ، و عادت لشقتها ، رَصَّت كُتبها و واجباتها امامها ، نظرت الى الجدول المُعلق امامها ، " إذا غداً استراحتي " ، ابتسمت في سرها ، بحثت عن كتابِ الفيزياء لكنها لم تجده ، اعادت البحث في حقيبتها لكنها لم تجده ، " يا الهي " " اين قد اختفى ؟ " " فتاةٌ حمقاء لقد اضعتِ كتابك " ، قررت ان تنهي واجباتها البقية ثم تبحث عن كتابها ، فتحت دفتر ملاحظاتها و نظرت مبدئيا لما دونته اليوم من واجبات ، لا شيء ، استغربت قائلةً ؛
ليليان : هم لم يعطونني اي واجبات . . اذا لمَ اخرجتُ الكتب كلها ؟
رن سوارها مُخبراً إياها عن وقتِ تناول دواءِها ، تجاهلتهُ ، ثم نهضت متفاجأةً مما يحدث لها ، رن سوارها مرة اخرى لكنها تجاهلته ايضا ، رن للمرة الثالثة فتجاهلته أيضاً لكنها شعرت بوخزة على يدها ، استغربتِ الأمر و نظرت ناحيةَ يدها ، ماذا حدث للتو ؟ ، رن السوار للمرة الرابعة لكنها اسرعت و اخذت دواءَها ، حتى توقف السوار عن الرنين ، نظرت ليل جانبا ، اغمضت عينها ثم فتحتها ، وجدت نفسها تقرأُ واجباتها ، نظرت الى الساعة ،لقد كانت الثانيةَ عشرَ ليلاً ، مهلاً ماذا يحدث لي ؟ ، هل فقدتُ عقلي ام ماذا ؟ ، لمست سوارها ، اوه اللعنة ، يجب ان أعيد شحنه ، سمعت قرقرةَ بطنها ، يا لسوءِ حظي ، لا يمكنني الخروج بدون السوار ، نظرت جانباً ، فتحت نافذةَ شقتها ، و بدأت تنظر بعشوائيةٍ نحوَ الطلبة ، احاطها شعورٌ غريب ، كانتِ قويةً بشكلٍ بسيط ، لذا اسدلت شعرها الكستنائي لتتطاير خُصلاتُهُ مع نسماتِ الرياحِ اللطيفة ، شعرت و كأن الرياح تدخل الى مساماتِ وجهها ، بقيت هكذا لمدة من الوقت ، حتى شعرت بأن أنفها قد تجمد من البرد ، ابتسمت في سرها و تحسست انفها ، ضحكت بخفة ، إنه متجمدٌ حقاً ، قامت بلَفِ شعرها عدةَ مرات حتى أصبحَ كـ الكعكة ، نظرت الى سوراها ، 45% جيد ، اغلقت نافذتها ، و ارتدت سوارها و وضعت وشاحاً على رأسها يغطي كعكتها و رقبتها ، ثم ارتدت معطفاً طويلاً نسبياً يتماشى مع ملابسها ، و نزلت الى الكافتيريا ، بالمقابل ، كانَ شخصٌ ما يقفُ تحتَ الشجرةِ التي تُطلُ على شقةٍ ليليان و قد رآها و هي تخرج مُسدلةً شعرها الكستنائي بلطف ، خرجت من البناية و ذهبت بإتجاه الكافتيريا تتبعها هو الآخر بعينيه ... هو لا يدري ، ان تبعتها عيناه ؟ ام قلبه ؟ ، قلبه الذي صارَ ينبضُ بجنونٍ ما إن وقفت بعيدةً أمامه ، ضربَ يدهُ بالشجرةِ و صاح " اللعنة علي " ...
.................................. يتبع
Comments