هَوس | اصطحاب ماضٍ

_

هَوس| اصطحاب الماضي

_

مَضى عامٌ يا ذِكراي، عامٌ وأنتِ مَع التُّراب سواء، عامٌ وأنتِ تستمرّين في كذبتك، اصطحابُ الماضي في لسانِكِ كانَ أسوء ما فعلت، واصطحابُ الماضي الكاهلُ كانَ متعِبًا جدًّا لواهنٍ مثلي.

هل تَعلمين ما جرى بَعد فراقكِ لي وللحيّاة؟ هل تَعلمين كيفَ روحي قَد مُزَّقت وجسدي كيفَ انهار؟ أما تَزالين مصرَّة على الموت شِفاءٌ لروحك؟ إذًا ماذا عَن روحي أنا؟! أنا الَّذي أصيبَ بجلطةٍ من بعدكِ شلَّت أطرافي وأوصالي.

لَم أقف على قَدميَّ مُذ مئتين وخمسةٍ وتسعين يومًا، وهل تَعلمين ما جرى؟

هل تعلمين عَن أمرِ غيبوبتي الَّتي دامت لوقتٍ طويل، وعجزي عَن عدم حضوري لمراسيم تَشيعكِ، أتعلمين عن الجِّراح الِّتي تَسكنني الآن وأنا فقط صامتٌ، ثلاث عقودٍ وتسعةِ سنواتٍ وأنتِ فقط من أودت بحالي لهذه الدرجة، مرِرتُ بألفِ فراق، وأودعتُ ألف وادع، فمَ أنتِ؟!

الوَهنُ الَّذي شَعرتُ به أنت أم الضُّعفُ الَّذي هَدمَ شُموخي فأضحيتُ كَلا شيءٍ في هذه الدّنيا؟!

أجرُّ أطرافي على كُرسيٍّ مُتحرِّكٍ أقرأُ رسائلكِ الَّتي تركتِها، بَعد موتكِ صرتُ أتمنى الكثير ليحصل، لكن التَّمني مجرد تَمنّي، وأنتِ أمنيةٍ لا يُمكنُها العودة لي. فأتَمنّى لو كنتِ وهمًا؛ لَكانَ نسيانُكِ سهلًا، وأتمنى لو كانَ موتكِ حلمًا لكانَ الاستيقاظ هاجِسًا، وأتمنى لو كنتِ كذبة أبريل، لكانَ العفو عنكِ صعبًا، هوسي بكِ يزداد وظِلُّكِ لا يُفارقني، لكنَّكِ أنانية لا تأتين إلى أحلامي أو حتّى أن ألمحكِ بها، فطيفكِ لا يظهر إلّا بينَ صفحاتِ ذاكرتي، وصوتُكِ لا أسمعه إلّا وهو يَبكي، وابتسامتكِ لا أذكُرها إلّا عندَ موتكِ، يا لكِ مِّن قاسيةٍ يا محبوبتي، فما الحبيب مُعذِّبًا حبيبه كما فعلتِ!

شاقَ الشّوقُ في شوقي لعناقكِ، وأشتاقُ إلى ليلةٍ أنامُ فيها بأمانٍ، فتضمحلَّ الرّاحة في حوضِ عينيَّ، غدتِ مِّن غادَّةٍ لاهثةٍ إلى قبرها، عاشقةٌ بأسى لا خيرَ فيه. الهروبُ صعبٌ مِّن الواقع وهو يُلاحقنا، لو أُصيبَت أطرافُ الهروب ألف مرَّة لَن نَتمكَّن من الاختباء عنه، الواقع واقعٌ تحتَ أيِّ ظرفٍ، والهروب منه دائمًا يكون مستحيلًا، أنتِ واقعُ مصِيبتي وعلَّتي وكلُّ سقمٍ بي، حتّى القلبُ عليلٌ بكِ ويكادُ أن يبقى نابضًا طوال هذه الأيام، فأيُّ مصيبةٍ أخرى وسَيفقدُ كلَّ طاقةٍ لنَّبضِ أو العيش، ربَّما الأجل الَّذي يَجعلني ملاقيكِ قريبٌ، ولكنّي أتمنى لو يكون في اللحظة الَّتي غادرتِ فيها هذه الدُّنيا بطواعيتكِ؛ فالعيشُ بوهنٍ هو أسقمُ سقمٍ مِّن بعدكِ!

مّن بعد موتكِ شربتُ كوؤسًا مّن الحقيقة، كوؤسًا حولَ الماضي الَّذي أنتِ فيه، حقيقة أنَّكِ من رحمِ امرأةٍ غير طاهرة، والدكِ هو السّبب فيما أنتِ تعانيه لا أخاكِ، لم يكن لأخيكِ ذنبٌ فيما حصل لكِ، الذّنبُ ذَنب من قالوا عن أنفسهم كبارًا وهم لا يعرفون قيمة الخطأ، هم مَن جعلوا منكِ غانيةٍ لَم تُبصر مِن الحياة شيء سُوى المشقَّة، والآن هم يذوقونَ الملعقة الَّتي ذُقتِها، الملعقة الَّتي احرقتكِ وجعلت منكِ أوصالًا ورمادًا مُنبعثًا في طرقاتِ الوغى، بُعثرتِ بينَ شظايا حادَّةٍ من ذكرياتٍ، شَظايا لو دخلت الجسد تُسبّبُ نزيفًا بطيئًا مع ألمٍ غير غافرٍ وإنَّما ظالم وتأبى الخروج من الرُّقة الَّتي هي فيها، شظايا دائمةٌ لا تزول من الجّروحِ ولا رَحمة فيها حتَّى تَستطيع النَّجاة منها، فَهي تَطيحُ بكَ مّن رقعةِ العُلى إلى حضيضٍ يكمن في نَفسكَ فلا تَستطيع الهروب حتّى مّن عمقك.

حاولتُ طيَّ صفحةٍ مّن الماضي ولكنّي مجردُ خاوٍّ فكيفَ لي أن أنسَى تلكَ الصفحات؟ طويتُ صفحاتِ دفتركِ الصَّغير بينَ يديَّ، الآن هو طريقتي الوحيدة لأسمعَ كلامكِ وأراكِ في مخيلتي، يَحملُ كلَّ الآلام الّتي حملها قلبكِ، لَم أكن أعلم بأنَّكِ تميلين للكتابة وَقتَ الوجع، لكن ما أثارَ فؤادَ استغرابي تَركِكي لها، لَم أركِ قط وأنتِ تكتبين، وما تَركتِه في آخر كلماتِكِ كانت كلمات وداعٍ؛ أفَهي للكتابة أم للحياة؟

هَل كنتِ تُخطِّطين لهذا اليوم مُذ زمنٍ، ولو كانَ فمنذُ متَّى؟ مُذ متّى وأنتِ قد تركتِ الكتابة، مُذ متّى وأنتِ خطَّطتِ في عقلكِ الموت، حتّى بعد كلّ هذا البوح الَّذي بحتِ فيه، أنتِ لَم تَنسِي الفكرة الساقِمة من رأسك؟!

قلتِ بأنَّ الموت لا يُفارقكِ في أوداجكِ، حاولتُ بثَّ ذرَّة أملٍ في قلبكِ، دائمًا ما أحاول جعلَ شعور الغسقِ داخلكِ ينحلُّ، ما لكِ أن تُعاندي الدّنيا وتقتلي نفسكِ وروحكِ وجسدكِ؟ ألَّا يَكفيكِ سابقًا بأنَّكِ حرمتِها من العيش، والآن حرمتِ حتّى جسدكِ؟!

هَل هانت لكِ رؤيتِ كلَّ فرصكِ في العيشِ تَنعدم هكذا؟ قتلتِ نفسكِ بلا أيِّ حقٍّ، وإن كانَ هناكَ سبب فلا يَعدُّ مسوغًا للقتل، أنتِ حَرمتِ روحًا من العيش وهذه الرّوح روحكِ، فكيفَ ستُسامحكِ لتنامي النّوم الَّذي طلبته؟!

أنَّى سترتاحُ روحكِ وأنتِ مُذنبه بِحقِّ نفسكِ؟ أنَّى تستَلقين تَحتَ التُّراب وهناكَ روحٌ تحترقُ كلَّ ليلةٍ عندَ ذكراكِ؟!

موتِكِ كانَ فاجِعةٌ لقلبِ وعقل صاحبِ هذا الجسد السَّقيم الآن.

«بيك، هل أنتَ جاهز الآن؟».

صَدحَ صوته المتَحشر والمبهج، اليوم يُصادف ذكرى وفاتَكِ، اليوم الَّذي أنتِ وَدَّعتِ فيه الحياة، وأنا ودَّعتُ النَّعيم، حتّى أخيكِ الَّذي حاولَ بكلِّ ما لديه ألَّا يَفقد ما يملكُه قَد فَقدكِ، عندَ اجهاضكِ للحياة كانَ أوهن شخصًا وأقوانا، لقد تماسَكَ وبالوقتِ ذاته انهار، بكى في لثام الليل وتَماسكَ في لياح النّهار، فقط لأجلكِ أنتِ.

«أجل.».

الكلمة تَخرجُ من فمّي بشكلٍ بطيئ جدًّا، لا عافيةَ ولا سكونَ في جسدي، كل أوصالي تَثور ألمًا؛ لذا أنا أستنفدُ طاقتي للكلام بشكلٍ كبيرٍ.

«عليكَ بالتَّماسك بيكهيون؛ لأجلها فقط!».

بَعد وفاتكِ دام أخوكِ أيون وون على زيارتي وأنا في غيبوبتي المستديمة في ذلكَ الوقت، والآن هو يشرفُ على العلاج الفيزيائي الَّذي أخضع له الآن، فاحتمالية فقداني للقيام ليست قوِّية، وأخبرني الطَّبيب بالفعل بأنَّ هناكَ أملًا لأقفَ عليهما مجدَّدًا. لَم أرغب في العودة إلى الحيّاة الطبيعية، وَوددتُ فقط الاقفال على ذاتي في دوّامةِ فقدانكِ، لَم أزاول الحياة الطَّبيعية ولا حتّى التَّفكير في مزاولتِها، شعرتُ بأنَّ روحي قَد غادرتني باللحظة الَّتي أنتِ سقطتِ بها، فكلَّما أستذكرُ كلماتكِ وابتسامتكِ أشعرُ بأنّي أغلي فوقَ نارٍ واهمةٍ لكنَّها محرقة.

والآن، أنا أزوركِ لأوَّل مرَّة، أزورُ مسكنكِ الجديد والَّذي لا يحمل لكِ شيء سوى رمادكِ وصورة تُجاهدين فيها الابتسامة.

يا جمالَ محياكِ وسوءَ ألمكِ الَّذي قتلكَ، يا نبَضَ قلبكِ الساكن فيمَ قَسيتُ لأَشقى بَغدركِ، أتروقُ لكِ وقفتي بكلِّ جزعٍ أمامك؟!

فيا معشوقتي ما كبرُ كبريائي لكِ إلَّا وبكى بُكاء البكائين، وما أهينَ الكِبر ولكن أمامكِ كل كبرياءٍ يُهين، وما ينبضُ الشّوقُ عشقًا ولكن جنودُه أحتلّوا كل أنملةٍ فيَّ؛ فأضحيتُ أشوَقَ العاشقين، وكنتُ كالمستهامِ فيكِ فلا ضريح ولا قبر أو حتّى ذكرى تروي خاطرة المجانين، فَما حالُ الجّنون وهو يتعهدُ مع الشَّوق باحتلالي، وما حالُ العقل وهو يَغِطِّو في النومِ العميق؟!

ألَن ييأسَ حالي من الجنون بكِ وأنتِ مغادرة؟ أم يبقى اشتياقي أسوء مما قبل عندَ كلِّ ذكرى؟ هَفوتِ بعاصفةٍ حطَّت على جزيرتي، قتلتِني وقتلتِ سُكّانها، أمَتِّ الحياة فيها وفي قلبها، فيبدو نابضًا لكنَّه بلا حياة ساكن.

«لَن تَتفتَّح الأشجار في عالمي، فَلن تنمو من دونِ ضوءٍ.».

وجدتُ هذه العبارة مَكتوبةً على ورقةٍ بينَ أغراضك، لَقد أُصبتِ، لَم تتفتَّح أيَّ زهرةٍ ولَن تَتفتَّح حتّى بعد موتك، أتساءل فقط لو كنتِ قَد أحببتِني كما قلتِ قبل موتك، لِمَ لَم تُحاولي ازهار ذاتكِ، لقد خطَّطتِ لقتلِها بدونِ جدالٍ، وكأنَّ جميع الأيام الَّتي أمضيناها معًا ما كانت؟!

تركتِ بُهتانًا في عائلتِكِ وعِلَلًا في قلبي، فَهل راقَكِ ذلك؟ هل راقَكِ أمرُ عذابنا بِغيابكِ؟ أتَستمتعين برؤيةِ والِدتك الآن وهي مصابة بالأوهام أم والِدكَ الَّذي لَم يتَخطَّ الصَّدمة بسهولة؟!

ماذا عَن أخيك؟! كانَ يودُّ أن يُعرِّفَكِ على حبيبته لكن ماذا؟ بَعد موتِكِ أنفصل عنها بسبب الصَّدمة والفاجِعة الَّتي تلقّاها منكِ.

أعذُريني يا مَحبوبتي، فأنتِ أسوء أنانية قد عرفتُها.

أسوء مَن قد يُقرِّر الرّحيل بَعد وداعٍ جافٍّ، وأسوءُ من تعترف وهي مُقبلة على الموتِّ، أسوء مِن أن يَنبضَ القلبُ فيكِ حياة، فَمن قتل نَفسه هو أكبرُ مجرم في دُّنيا.

«اشتَقتُها.».

أنا وأخوك واقفين أمام الَّذي يَحملُ رَمادَ جسدك، لَم يبكِ أخيكِ أمامَ أحدٍ أبدًا، لكنَّه كلَّما أتَ لزيارتكِ تُملَأ حَدقيته دُموعًا، يُحاولُ كتمَ ضعفه أمام الجَّميع وأمامي، وأنا الَّذي لَم يبكِ قط بكيتُ لحظة وداعكِ فقط.

تَذكرتُ يومَ أخبرتُكِ بأن تبكي، النِّساء تَبكي بسرعة، لَقد كُنتِ تنفجرين بسرعةٍ، وأنا أشرِّعُ أحضاني لأدفنَكِ فيَّ، لأدفنَكِ ولأُخبِّئ ضُعفك بينَ أشلائي، وَفي كلِّ مرَّة أنا أقع لك، حاولتُ الابتعاد عنكِ في لحظةٍ ما لأنَّني وَجدتُ ما أكنَّه غريبٌ، ولكنَّكِ كنتِ مصرَّةً بالتَّمسُّكِ بأشلائي دون تَركي؛ لذا لَم أمانع لحظة تَمسُّكِ قلبي بروحك.

«أتعلم أمرًا؟ عندما ارسلَت رِسالة الاعتذار، هرعتُ لأجِدَها، وما أثارَ خوفي أنَّكَ تلقَّيتَ الرِّسالة نَفسها، وقتها كرهتُ نفسي؛ لأنَّني تركتُها وذهبت، تركتُها أمام منزلكم تُواجهُه أهمَّ شخصين، لكنّي تَفاجأتُ عندما لمحتُها أمامَ الملاهي واقِفة، وفجأة بينما سَهوتُ عنها داخلها غادَرتني ولَم ألمحها إلَّا وهي تَدخل البناية العالية، هَرعتُ نَحوها ولكن ماذا؟! علمتُ بأنَّها تودُّ قتلَ نفسها فقط!».

تَلوتُ عليه الكَلمات وأنا أستعرضِ ذكرياتٍ وَددتُ لو إنَّه يُعرض بالأسود والأبيض، أستذكرُ لحظة ابتسامتكِ قبل وقوعكِ لأشعر بِقلبي يَنبضُ ألمًا، أودُّ معرفة متّى سيتوقَّفُ عن النَّبض، يَكفي بأنَّ الرّوحَ قد جزعت، فَلن يجزَعَ هو؟

لاطَمتني الحياة بكلِّ أطرافها وجعلتني أصحى كلَّما حاولتُ أن أغفى في دروسِها، تَجعل منّي كلّ يومٍ واعٍ ومُصابٌ بالأرقِّ لأنَّ لعنتها دائمًا تُلاحقني، لَم يزر النَّومَ مُحيطي بشكلٍ سلسٍّ بالفعل، لكن كلَّما أغمضتُ ساهِديَّ لأجلكِ أرى فاجعتكِ.

«لا أفهم، لَقد قالَت بأنَّها قد رغبت بالحياة، رَغبت بأن تعيشَ للحظة، فَلِمَ هكذا دونِ سابقِ تخطِيطٍ قد ألقت بذاتِها قَتيلة؟! هي حتَّى لَم تكتب رسالة وداعٍ قبل موتِها، مجردِ اعتذارٍ على الهاتف ومن تُمَّ قرارةُ الموت، هذا يَجعلني أجنُّ!».

أردَفَ أخاكِ بشكلٍ شبه غاضبٍ لأسترسلَ ذاكرتي، قلتِ بأنَّكِ ترينَ الموتَ في عينيَّ، ألهذا قرَّرتِ تركنا بدون أربطةٍ تقودُنا لك؟! لا أفهم للآن لغز ابتسامتكِ الواسِعة بَعد سقوطكِ ولا اعترافكِ هذا وأنا أحاول التَّمسُّكَ بكِ وبكلِّ قواي، أنا لا أفهمكِ حتّى، لا أفهم سَبب كرهكِ للحياة، لا أعلم لِمَ جعلتِها تغلُبكِ، كانَ قليلٌ من الصبر يكفي لتَري كَم الحياة جميلة، لكنَّكِ لَم تأبهي حتّى للأبواب الَّتي فُتحت أمامك، وكأنَّ عينيكِ مفتوحتان لرؤية الموت فقط.

«هي مَن اختارت هذا الطَّريق، ولا بُدَّ لها من معرفةِ ما اختارته.».

لا بُدَّ بأنَّكِ الآن قَد عرفتِ ما قَد ذهبتِ له، هل الحيّاة بَعد الموت بجَميلةٍ؟ أراهنُ بأنَّكِ تَرَينَ ما أودى به الموتِ وقراركِ، لا بُدَّ أنَّكِ ترَينَ كيفَ أنازِعُ في الوقوف على قَدميَّ وفي كُلِّ مرَّة أحاولُ البُلوغَ وجدتُ ذاتي واقِعٌ في الحضيض. نَحنُ نقع، نَقع دائمًا في مغارةِ الدُّنيا، لا يَسعنا تَحمّل الألم، ولكنَّنا نقاوم فقط، نُقاوم لأجل العيش، لا يُمكننا العيش سوى مرَّة واحدة؛ لذا نُقاوم لألَّا نُغلب منها، نُحاولُ جعل ذواتَنا فَرِحة وتنسى ما قَد مضت بهِ مِّن صِعابٍ هالِكة لها ولِرونَقها، لأجلِ أنفسنا فقط، جَميعنا نمرُّ بألمٍ يُهلكنا، لكنَّنا فقط نتجاهله ونبتسم، لا تُعطي له فرصة حتّى لا نَفقد ذواتَنا، بَل حتّى لا نَنظر له، لأنَّنا سنفقد رغبتنا في الحياة كما فعلتِ.

تَراكمت الآلام معي بالفعل، وأَضحى في ضحى النَّهار الباهتِ صعبٌ جدًّا حَملُها، هي بالفعل لا تَهتمُّ لِما تَفعله بنا، هي فقط تَبحثُ عَن مسكنٍ تَعيش به، وإن رَفض هذا الشَّخص بِها سَتجعله يُعاني وتُعَظَّمُ مِّن داخِلها إلى أن تهلكه بِبطء، كما فعلت بكِ وبي.

أتعلمين ما الفَرق بيني وبينَكِ؟

الفَرق بأنَّكِ استَسلمتِ للألم فَجعلته يَحتلُّ أناملكِ، جعلته يَقودُكِ إلى التَّهلكة بدون تَفكير حتّى، أما أنا فَلَم أستسلم له رُغمَ حجمِه الَّذي يَحتلُّ به قلبي. أنتِ رَغبتِ في الموت وأنا ما أزالُ على قيد الحياة، رُغم تراصِّ الألم والهمِّ في قلبي، ورُغمَ العثرات والاشتباكات في عقلي، رُغم كلِّ ما مرَرتُ به، أنا ما أزالُ على قيدِ الحياة عكسكِ أرغبُ في أن أثبتَ لها لو تَكاثفت عليَّ مع كلِّ ما فيها أنا لَن أقع لها، لَن أجزعَ وأُذعِنُ لطرفِ الموت تَحت أيِّ تصرُّفٍ كانَ، لأنَّ الموت لا انجازَ فيه، بَل بكونِكِ على قَيد الحياة، بِكونِكِ ما تزال تَثبتُ بأنَّكَ قادرٌ على العيش تَحت أيِّ ظرفٍ سَيتوقف أمامكَ.

ها أنتِ اليوم تَحتَ التُّراب بِسبب الألم وأنا أجلسُ على كرسيٍّ فقط لأثبتَ بأنَّي على قيدِ الحياة، رُغم الاعتكاف الَّذي مرِّرتُ به إلَّا أنّي ما أزال راغبًا في الحياة ليسَ لأجل الألم وإنَّما لألَّا أظلِم نَفسي مّن حقِّها في العيش، لَيسَ كما فعلتِ أنتِ.

لَم أوَد مُغادَرة مسكنكِ للوقت الحالي ولكنّي مجبرٌ بسبب العلاجات الفيزيائية الَّتي أخضعُ لها، أحتاجُ إلى الوقوف على داعميَّ حتّى أعودَ لنمطِ عيشي القديم على الأقل، لأُزاول نَشاطاتي اليوميَّة وأنا أحاولُ اجتياز ألمكِ كما فعلتُ مع زوجتي الرّاحلة، أخوكِ وأخي لم يتركاني لِلحظة، حتّى عندما أصرخُ بِوجهيهما بأن يَتركاني وشأني يَزدادا اصرارًا بالبَقاء بقربي، لَيسَ وكأنّي الكبير بينهما بَل وكأنّي الأصغر، فأخيكِ بمنتصفِ الثلاثين وأخي في أواخِر العشرين، وكلاهما يَمتلكان رأسانِ كالحِجارة مثلكِ.

«أخي واصل على هذا المنوال،... أحسنتَ كدتَ تقفُ بالفعل!».

أنا حقًّا أبذلُ طاقة فوقَ استطاعتي، لكنّي للحظاتٍ أنكر هذا الأمر، لحظة استذكاري بأنَّ الرّبَّ لا يُكلِّف النَّفسَ فوقَ طاقتها، بَل لأنَّه يَعلم بأنَّ لديها صبرٌ كبير؛ لذا يَجعلها تمرُّ بكلِّ هذا.

يومًا بَعد يومٍ، وكلُّ مُحاولَة تُردُّ بالفشل، الطبيب قالَ بأنَّ وضعي يتَحسَّنَ ولكنّي لا أجدُ ذلكَ في قدميَّ، أنا حتّى لا أشعرُ بهما، لا أشعرُ بِهما عندما أضربُها، ولا عندما حاولتُ رَفعها، وكأنَّ الأعصاب الَّتي فيها قَد ماتَت، وكأنَّها قد أُتلِفت فلم يَعد لها دورٌ في وقوفي، وكأنَّ طَرفيَّ السُفليين قَد تَخدَّرا ولَم يعد بامكانَهما النُّهوض أو الاستقامة مُجدّدًا، وهذا يَجلبُ لعقلي الجنون، يَجعلني أُصابُ بنوبات أودُّ تحطيم كلَّ شيءٍ فيها لكن أخي يُوقفني بأقراصِ تخدير، أو أن يضربني بحقنَةٍ تَجعلني أغيبُ عن الوَعي، وفي الوقت الموالي أجدُ ذاتي على السَّرير مَع ذاكرة قَد مَحت كلَّ شيءٍ.

اليوم الخامس ما بَعد العشرون من الجَّلسات الفيزيائية، أحاولُ اسنادَ ذاتي بيديَّ على أسوارٍ وأنا الَّذي كنتُ أسندُ نفسي بنفسي بِأحدِ الأيام، أما الآن فلا أشعرُ إلّا بأنَّني مجردُ عالَّةٍ على قلبِ مَن رافقني في هذه الحيّاة، لا أشعر إلَّا بأنّي أكبرُ واهنٌ وضعيف، وبأنّي سقيمٌ ولا نَفعَ لي، وما فعلَ بي هذا إلَّا مجرد أنثى!

عِندما أقفُ على تلكَ الأسندَة أشعرُ وكأنَّ ثقلَ جسدي كلُّه يحظى ويسكنُ أسفلي، حيثُ تكونُ ساقيَّ ثقيلتان، لا أقوى حتّى على رَفعِ إصبعٍ من أصابعي، فتَخونَني قوَّتي لأقع على تلكَ الأرضُ شاعِرًا لَكم أنا وهين.

في كلِّ مرَّة أقعُ فيها أدرك بأنَّ مشواري مَع الوقوف مجدَّدًا لكم هو طويل وصعبٌ ومرهقٌ، الشُّعور بِلَكَم أنتَ مُجردُ عالَّة تَعيش ولكم أنتَ تاجِزٌ عن العيش كانسانٍ طبيعيٍّ مُرهقٌّ لنَّفس الَّتي تَجزعُ بسهولة، لكنّي لَم أجزَعُ للآن لَّعلَّ الرَّبَّ يَلتفتُ لي بُرحمته فيذهبُ عنّي هذا البلاء الَّذي بلاني فيه، فأنا مُدركٌ للحظةٍ ما كلُّ هذا الأم الَّذي يسكُنَني سيُزاحُّ من رقَعِ قلبي وتلكَ الأشواك ستُزال ويَتختفي نَدبُها، فأنا لَن أعيشَ مَع ماضٍ وإنَّما مَع حاضرٍ.

رُبَّما مّن الصَّعب على بَني آدمَ ادراكَ بأنَّ الماضي الَّذي يُلاحقهُ كانَ في أحدِ الأيام مستقبلًا جاهِلُه، واللحظة الَّتي يَعيشها هي اللحظة الَّتي كانت مُستقبلًا وتستَمرُّ لتصبحَ ماضيًّا، وكلّ هذه الأزمان يَصعبُ نَفيها أو تَصحيحَها.

العودَة لها أشبهُ بالمُستحيل، فأنا لا أؤمن بالمُستحيل حتمًا، ولكنّي فقط أتمنى لو كنتِ مستحيلًا لي، عندما تَغزو الأيام مُقلتيَّ أدركُ لَكم هي باهتةٌ ومُظلمةٌ لكنَّها ليسَت حالِكَ جدًّا وإنَّما هي رَماديَّة، ذِكراكِ تَتعالى على كلِّ الذّكريات، ربَّما قلبي رقَّ لكِ فقط لأنَّكِ مجرد طِفلة؟! رأيتُكِ كابنةٍ لا شيءَ آخر، لكن كل هذا تَبدَّدَ لَحظة تَجاوزكِ لحضني، جعلتِ منّي أُحيِّ شُعورًا قَد دفنتَه مُذ سنواتٍ، شُعورٌ لَم أرغب في خَوضِه مرَّة أخرى، لكنَّه فقط نمى بداخلي وأنتِ كنتِ من تسقينَه كلَّ يومٍ ليكبر، ولكنَّكِ أيضًا في آخر لحظة قرَّرتِ تركه هكذا وهجرانه بدون تبريرٍ حتّى.

قَبل سنواتٍ أصبتُ بجلطةٍ قلبية خفيفة، لَم أشعر بالألَمِ وقتها بشكلٍ كبيرٍ كما الآن، بَقيتُ تَحت الرَّقابة لفترة وحيزة لا تَّتعدى ثلاثة أيامٍ ثُمَّ خرجت، داومتُ على الأقراصِ لمدَّة ثُمَّ هجرتُها، وزاولتُ حياتي بكلِّ طبيعيةٍ، ربَّما لو لَم أتركها لما كنتُ الآن مقعدًا أتلوّى ألَمًا فقط لأستقيمَ بساقَيّ، وفي الوقت ذاتَه أشكُّ حتمًا لو كانت سَتفعل، فمفعولُ الصَّدمة كانَ قويًّا على قلبي لِدرجة استسلامه بكلِّ وهنٍ.

أنا مُمتنٌّ لكلِّ ما فيَّ، لأنّي ما أزال على قيدِ الحياة، أنا قد أودُّ هجرانها بسبب الألمِ ولكنّي لا أريدُ الموت، لا أودُّ أن أبقى في ظُلمةٍ أُعاقَبُ بِها، هنا في الدنيا يمكنكَ أن ترى النّور، فقط أحبَّ الحياة، أنظر لها من جانبِها المشرق لا المُغربَ، أنظر إلى الشَّمس كيفَ تُشرقُ لا كيفَ تُغرِب. انظر إلى الليل كيفَ ينجلي بِفلقٍ دافئٍ على القلبِ لا إلى الغسقِ كيفَ يظهر وهو بكلِّ اطلالةِ جمالٍ، ولكنَّه متَفنِّنٌ بالألمِ، أنظر إلى دورَةِ القمر كيفَ يختفي فيظهر الليل معتمًا، وكيفَ يَظهرُ فيشِعَّ الليل جمالًا بذلكَ النّور، هكذا علمتُ نفسي على العيشِ لا أكثر.

علمتُ نفسي على البساطة في التَّفاصيل الَّتي أمامي، علمتُ ذاتي على الصَّبر في أوادِج حياتي، علمتُ قلبي على النبضِ حتّى عند احتلال الألم، وعلمتُ جسدي على القوَّة عند كلِّ أنواع السّقام، لَم أجعل لليأسِ يخطو خطوةً واحدة لداخلي، رُغم إنَّه قَد فعل ذلكَ عنوةً عنّي، لَم أرغَب أبدًا في الاستِسلام ولا أزال في ذلك، أنا فقط مستَمرٌّ في العيش لأجلِ شيءٍ واحد وهو بأنَّ للحياة جانبٌ جميل!

أنظرُ للمشهد الَّذي أمامي، إنَّه مايو يا صَغيرتي، الهواء قويٌّ بشدَّة هنا، هل ترين أينَ واقِفٌ الآن يا ترى؟

إنَّه المبنى الَّذي قَد ودعتُكِ فيه آخر وداعٍ، المبنى ذاته الَّذي أرفقتِ فيه ابتسامتكِ الأخيرة واعترافكِ الغارق بالدموع، لكن أتعلمين لِمَ أنا هنا؟

أتيتُ إلى هنا لأجل أن أثبتَ لكِ ليسَ أنتُ فقط من تُعانين في هذه الحياة حتّى تستسلمي هكذا بسهولة، سأتحدى ذاتي وطاقتي لأجل استرجاعِ ما ذهبَ منّي، أنا لَن أقفَ على عتبةِ ماضٍ أتوسل لكلِّ جزءٍ أمامي أن يعود، جميعنا ندرك بأنَّ تلكَ الثانية الَّتي مضت لَن تعود؛ لذا أنا أتمسَّكُ باللحظة الَّتي تمرُّ الآن على حياتي، أتمسَّكُ في المقطع الَّذي أعيش فيه لا مقطع موتي، أتقبل ما يحصل بَعد فترةٍ من نزاعٍ وصراعاتٍ داخلية أدركُ بأنَّ لا فائدة منها لو استدامت داخلي، فقط قَرَّرتُ للحظة، أن أستعيدَ ذاتي القديمة حتّى لو من دونكِ، فأنا لَن أنهي حياتي، بل أنتِ من قَد فعل.

أخوكِ كانَ واقِفًا ورائي بَعد أن أجبرته على جَرِّي إلى هنا، فلقد منعَ الطَّبيب من ثقل كاهلي أو التَّعرض لصَّدمة تَحت أي ظرفٍ لأنَّ قلبي ودَفتاه لَن يتحملا، فلقد جُلطَ مرَّتين فَكيفَ ستكون الثّالثة؟!

«أحبَبتُ ها كطفلتي الصّغيرة، ومِّن ثُمَّ كامرأة قاصرٍ!».

الجَّميع يعلم عن شعوري وهو واحدٌ من الجَّميع، الأمرُ واضِحًا في الأساس، فما حصلَ بي كافٍّ لجعلِ الجَّميع يدركُون نسبةِ حبّي لها، ولكم أكنُّ لها من مشاعرٍ قتلتها هي.

«عندما أمسكتُ يدَها قبل وقوعها أردفت «أحبُّكَ»، ولكن قبل ذلكَ قالت بأنَّها ترى الموت من خلال عينيَّ، شَعرتُ بأنّي أتحطَّم مما قالته، حتّى اعترافَها كانَ قاسيًا وذا وقعٍ مؤلم على قلبي، ما لَها لو فكرت قليلًا وتَمسكت بي؟!»..

ارتويتُ من محجرين أخاكِ الصَّمتُ وهو كل ما سألقى منه، هو بالكاد نجى، عكسي من غاصَ في العمقِ بلا تَفكير، غُصتُ في أشلاء ألمكِ الَّتي رَميتِها عليَّ، وبدون تَفكيرٍ استسلمتُ لها. في أيامِ ركودُكِ أحاول الإئتلام لأنجو من هذا الألم، أحاول أن أثبتَ لذاتي بأنّي بخيرٍ سواء كنتِ بقربي أو ببعيدةٍ عنّي، رُغم كلا الحياتين مُختلفتين، أحداهما سَتكون حلوة، والأخرى سَتكون مرَّة، وها أنا أعيشُ المرُّ منها، أعيشُ في طَعمِها اللاذع الَّذي جعلني أنهار، مهما حاولتُ وبِخطو خطوتي إلى الأمامي أجدُ عثرَةً أقعُ فيها إلى عمقٍ لا متناهي.

استَندتُ على أوصالِ كرسيِّ وحاولتُ القيام، أتى أخوكِ لأزمجرَ بصوتي ولأبعدَه، سأقفُ وحدي كما قَد اعتدتُ، لا وجودَ ليدِ أحدٍ قَد تَرفعُ جذعي ومعي، ولا حائطًا أستندُ فيه حتّى أستريح عندَ التَّعب، فأمَّا الوقوف أو الوقوع في دوامةِ الألم.

حاولتُ الوقوف بَعد سنةٍ من الركودِ بدون استخدام أطرافي، لوهلة شَعرتُ بأطراف أصابعي وهي تُلامس تلكَ الأرض، وكأنَّ الاحساس الَّذي أرفقَ اختفاءَها قَد عادَ، حاولتُ الابتسام وسطَ صراعي مَع الوقوف، حاولتُ بكلِّ طاقتي لكي أعودَ لحياتي الَّتي أستحقُّها، تركتُ تلكَ الأوصال لأنهطِرَ بجذعِ على الأرض، ولكنّي شَعرتُ بألمي، ابتسمتُ وحاولتُ الوقوفَ مجدَّدًا، ولكنّي وقعتُ!

كلُّ محاولةِ قيامٍ تتلوها وقعِ سقوطي بوهنٍ، لكن في كلّ مرّة أشعرُ بخدرِ قدميّ يخف، وثِقلها يَختفي، وكأنَّ عضلتي بدأت تَستعيد ما فَقدته من ادراكِ للحظة، كلُّ السّقوط الَّذي أرفقني لَم يزدني سوى اصرارًا على ما أنا عليه، على ما أنا أريده للحظة فقط، أن أعودَ لأكون أنا، ولأن أتخطى وقعَ الماضي وهو يَمرُّ عليه بآلامه، فأخبره بأنّي لا آبه، فلقد تخطيتُكَ سابِقًا وسأفعل مُجدَّدًا.

«بيكهيون أرجوك، لَقد قالَ الطَّبيب بأنَّكَ يجب أن ترتاح وأن لا تُرهق نَفسك!».

لاتَ زمنَ الاستسلام، لاتَ وقتَ التَّفكير بِمَ عليَّ فعله الآن، فقط يَجب عليَّ أن أقهر الماضي الَّذي سَكنني تَحت أي ظرفٍ. يَجب أن أنهي المَأساة الَّذي وَقعت على قلبي، وليكون هذا واقعًا، فلا بُدَّ للراحة أن تَنجلي مُذ هذه اللحظة.

أبعدتُ أخيكِ عنّي وعدتُ إلى محاولاتي، حتّى شعرتُ بي أقفُ على أطرافِ أصابعي، ببطئٍ وبشكلٍ مؤلم، وقعت قدميَّ على الأرض واقِفٌ، أنا الآن واقِفٌ على كَعبِ قدميَّ بكلِّ وهنٍ، بَعد صراعِ ألمٍ، وبَعد كلَّ الَّذي حصل، وكلّ الألم الَّذي ذُقتُه، ها أنا أقف، فَهل رأيتِ يا مَحبوبتي الصَغيرة؟!

هل رأيتِ كيف الحياة وَقفت بجانبي حتّى ولو لِحظة بسيطة جَعلتُ ذاتي تُحقِّقُ ما تُريد؟! لَم أستسلم مُذ أول سقوطٍ أو لسقوطي ما بَعد الألف، فَقط استَمرَرتُ على ما أنا فاعلهُ، لألقى ما أنا أريدُه.

خالَجني ألمٌ طفيفٍ في الصَّدرِ لكنّي فقط تَجاهلته، خَطوتُ تلكَ الخطوة الَّتي تَمنيتُها بَعد استيقاظي، عامٌ مُن الذِّلة والألم، عامٌ كانَ صعبًا ولكنَّه قَد رَحلَ، فقط سَيمرُّ كماضٍ بينَ أيامٍ كما سَتكونين أنتِ!

سَتكونين ماضٍ كغيركِ، أشتاقُ لكِ عندَ كلِ دجنةٍ، وأبكي عليكِ عندما تُثقَل ذكراكِ على قلبي، ومن ثُمَّ أصحى في اليومِ الموالي كأنّي لَم أبكي، ولَم تَمر ذكراكِ بينَ أبصاري، لكن كوني متأكدة، بأنَّكِ أنثى قلبي، الأنثى الَّتي وَددتُ فيها حياةً أخرى، ولكنَّكِ فقط حطَّمتِ الأمل الَّذي يَجعلكِ تمتلكين السّعادة.مرَّة يومًا فآخر فبعدَه وبَعده، ومن ثُمَّ دخولي سنَّ الخمسِ ربيع، وفي كلِّ مرَّة أودُّ الهروبَ من العالم أهربُ إليكِ، حتّى لو مؤقتًا، كنتِ أنتِ الذِّكرى الَّتي أجدُ فيها أمانًا، أجدُ فيها السَّكينة والهدوء، وأكبحُ انتحابي بداخلي وابتسم لكِ، أخبركِ بأنَّ الحياة عادلة في وقتٍ ما، وفي وقتٍ آخر هي الَّتي تَجعل منّا نشعر بأعظم شعورٍ بالوهن!

ويومٍ آخر أشعر وكأنّ قلبي يَخترقُ جسدي، أنت الأمان الَّذي يُريحُ عقلي؛ لذا أسكنُ في مسكنكِ، صوركِ المظلمة تنامُ معي، وكأنّي مراهقٌ انفصلَ عن حبِّه الأول، حتّى أنّي أضحك لبعض الوقت على حالي، ثُمَّ أذهبُ إلى الفراش، فاستذكرَكِ بأنَّكِ ذِكرى أبريل الَّتي من المستحال نسيانُها، حتّى لو كانَ الأمر في أوداجِ قلبي، أنتِ ساكنةٌ فيَّ وللأبد.

______

النِّهاية، هي لِقاءَنا المنعدم.

______

تمت♡

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon