هفوات| عندما تنمو الازهار

__

هفوات| عندما تنمو الأزهار

__

Where's my mind?

في عِلمِ النَّفس إنَّ لغة العيون هي أصدقُ لُغة، ورُبَّما هي مَخزنُ المشاعر، الجَّميع يُؤمن بها ويُحاول تَعلُّمها، يُقال أن المشاعر تَظهر مِّن خلالِها، صِدقُ آدم وكذبهِ، حزنُه وفرحُهِ، لكن الواقع بأنَّها مجرد وهمٍ نَحن نُصدُّقه، إن لُغة العيون زائفَة وكاذِبة.

العيون هي مرآة نرى فيها انعكاسٌ للعالم الَّذي أمامنا، وكذلكَ مشاعرنا، عندما نَنظر للعيون نَجدُ أنَّها تَحمل ما بِداخِلنا نَحن، تُعكَسُ المشاعر داخِلنا في عيونِ مَن يُقابلنا، ليسـت المشاعر الَّتي يَحملها تِجاهَنا، دائمًا ما نُخدع بِها ونَنقادُ نَحوها، لكن الأمر هو بأنَّها خُدعة صدَّقناها وحَصدنا ما فعلنا.

كلُّ ما رأيته في عينيه كانت رغبتي أنا فقط، رَغبتي في التَّغير والبوح عمَّا يَخنقُ حنجَرتي، الفراغ الَّذي يُحيط بهما والظُّلمة كانَت مُحتوياتي أنا، لقد كنتُ أدرك لكلِّ ما أمرُّ به ولكنّي حاولتُ النِّكران، حتّى عندما نَظرتُ لتلكَ اللَمعَة الغريبة في عينيه كانَت مَشاعري تَنعكسُ لا مشاعِره؛ لذا أدركتُ بأنَّني واهمة لحدِ هذه اللحظة، مَهما حاولتُ في الازهار سَيكون الأمر صعبًا عليِّ.

مَضى يَومين وانتقل أخي للشِّقة ولَم يَبدو لي بأنَّه سيكون معي لِيومٍ أو اثنين كما يَفعل سابِقًا، بَل جَلبَ أعراضَه مُعظمها، فَبَدا لي بأنَّ الأمر سَيطول وجوده في هذا المنزل المظلم، أما عَن الطَّبيب فَلقد بدأ تَقبُّلي له واضِحًا جدًّا في حياتي، حتّى بَعد مَعرفَة أخي بالموضوعِ لم يَتكلم أبدًا مَعه أو مُحاولَة مُحاورَته، وهذا جَعلني أطمَئن للحظة.

ما تَزال مشاعري شُبه مُبهمةٍ تِجاهَه ولا أعلم كيفية انباتِها داخلي، هل هي هَفوةٌ أم الأزهار حقًّا قد نَمت بِداخلي، واقِع بأنَّني مُتعلقة بشخصٍ ما بالنِّسبة لي صَعبٌ جدًّا، لا أستطيع تَحمل مشاعر أخرى فَوقَ الَّتي لدي، هو اعترفَ بكلِّ صراحةٍ بأنَّه يُحبُّ زوجَته حتّى بَعد وَفاتِها؛ لذا لا أمل لي بأن أحظى جزءًا مِّن مشاعرٍ ساهيةٍ منه.

لَم أودُّ يومًا الوقوع أو الشُّعور في هذا النَّوع مِّن المشاعر؛ لأنَّها مؤلمة، كاسِرة للقلب، هادِمة للروح، خانِقة للنَفس!

تَجعلكَ تَقع في متاهةٍ أخرى غير الَّتي أنتَ فيها لكنّي سأمحو أثرها مِّن داخلي، لَن أجعل هفوةً ما تَقودني للهلاك، فأنا الآن أعاني بِما فيه الكفاية، فَيكفي بأنَّ الدُّموع والبُكاء صَديقي، ويَكفي بأنَّ رَماد أحلامي ودنياي فوقي، ويَكفي بأنَّ الظُّلمة واليأس لا يُفارِقانَني!

أنا مُتعبَة، مُتعبة مِّن كلِّ شيء وليسَ مِّن شيءٍ واحد، الجِّلوس وحيدًا في المَدرسة على مقعدٍ فاترٍ قَد يبدو مُملًّا، قَد يَبدو بأنَّه أمرًا عاديًّا للبعض، لكنَّه مؤلم لنا نَحنُ مَن سَقانا الحزن كوؤسه بِدون بِخلٍ.

دائِمًا ما أجلسُ وَحدي في أماكنِ الحياة وَضَواحِيها، بينَ أطرافِ مساءها وآناءِ لَيلِها، أحاول اقناع ذاتي بأنِّي لَستُ وَحيدَةً، وبأنَّ رَبَّ السَّموات فوقي وبِمحيطي، لكن في كلِّ مكانٍ أشعر بالوحدة، أشعرُ بضيقِ صَدرٍ وألمِ قلبٍ، لا أعلم أذُنبُ ذنبي؟ هَل البشر هم البَعيدون عنَّي أم أنا البَعيدة؟ أدُّنيا تَركَتني؟

أم أنا تَركتُها؟

تَركتُها وأنا لا أعي بِذلكَ، شَعرتُ لِوهلةٍ بها، ولكنِّي دائمًا ما أغادِرُها بكلِّ ألم. لقد سألني مَرَّة عَن الحب وإذا وَقعتُ فيه، لا يَعلم بأنَّهُ مَتاهةً لا تَودُّ الاختلاط فيه، ورُبَّما هو الواقع فيه، ورُبَّما ذاقَ حلاوتَه ومرَّه، لكنّي لستُ بمستعِدَّةٍ له، رغمَ ما يَحصل بِداخلي إلَّا إنَّني أَنفِي شُعوري ومَشاعري وكلَّ ما قَد يَجلب لي الألم، لستُ بِواقِعٍ جميل يسمح لي بالشُّعور ولا بِقَلبٍ نابضٍ يَسمحُ لي بالحيّاة، أنا دُمية مِّن الأشواك والسَّكاكين لستُ سوى عِبارة عَن ألمٍ لذاتي وغيري، أنا كُتلةٌ مِّن الظُّلمة والوجع المكتوم، يُصعب التَّوغل داخلها لِمعرفة ما هيته.

كانَ الحلمُ الهادء بالنِّسبة لي مُعجرة، الظُّلمة دائمًا ما تَجلب الكوابيسَ ورغمَ هذا أحاول دائمًا سَكنِها، وجودَه كانَ أملًا لي، اشعاعًا غريبًا جَعلَ كل ما بِمظلمٍ يَختفي مِّن عالمي، العالم الَّذي أسكنه.

الغصِّةُ داخلي عبارةٌ عَن موجةِ ألمٍ لا تُحتَمل بداخلي، كنتُ دائمًا أصمتُ وأجعلُها تَكبرُ في فَمي بدونِ اخبارِ أيّ أحدٍ عنها، والآن أصبحت عِبارة عَن فَجوة داخلي تَمنعني مِّن الحديث، مِّن الابتسام، وإن حاولتُ الضَّحك تَصدرُ منّي صَرخة غريبة، تَجعل مِّن حولي مستغربًا، هي ليست بِضحكةٍ، رغم هذا بَقيتُ أضحك، وماذا عَن الابتسامات؟

لَم أكن أبتسم، كانَت تلكَ الشِّفاه الباسمة مُخيفةً عليّ جدًّا، رُبَّما لأنَّها زائفة بطريقةٍ أو أخرى.

لم أكن أجيدُ الضَّحك ولا الابتسامات، مَهما حاولتُ الاختلاط في العالم الخارجي وَجدتُ ذاتي أبتعد عنه، فَهو مُخيف جدًّا، وحياتي أشدُّ خوفًا منه، لا أعلم بأي مكانٍ يَجب عليّ السَّير، الجَّميع يَطلب منك أمرًا أنتَ لا تَستَطيعه، ولا يُمكنكَ تَحمُّلُه، كما أنا الآن أجلس أنتظرُ مَجيئه لأخرجَ مِّنَ منزل، لا أودُّ الانتظار أو الجِّلوس لوحدي، نظراتهم وتَجاهلهم لي يَجعلني أنهار أضعاف ما قَد أنهار وأشعر به، حيثُ الشُّعور بأنَّكَ لستَ مثلهم، وبأنَّكَ انسانٌ مُختلف عنه، لكن هذا الاختلاف يَعدُّ ذنبًا.

«لَم يكن أيّ شيء في حياتي حقيقي، كلُّه جامِعٌ للزِّيفِ والغير حقيقي، أنا والوحدة لا يُمكننا أن نَفترق، فَلِمَ أحاول؟».

«الابتِسامات الزّائفة تَبقى ابتِساماتٍ، الضِّحكات الزّائفة تَبقى ضحكات، حتّى الأمل الزّائف، يبقى أملًا!».

لكنَّه زائف، غير حقيقي، لا واقِعَ فيه ولا مَشاعر تَجعل منه حقيقة، لا أعلم لمَ أنا كذلكَ، لكن ما أعلمه هو «للألمِ دورٌ فيما أعانيه». وكيفَ أعاني بدونِ ألمٍ، بَعض الأحيان أشعر بأنّي الألم ذاته وكثيرًا، أو بأنّي مَخزن للألمِ فلا أشعر إلَّا به وهو يَغزوني.

ما أزال أشعر بالضِّيقِ بسبب ضيقِ قَصبتي الصَّغيرة، حويصلات رئتيَّ لا ينفعُ معها، كأنَّ الضِّيقَ بروحي وليسَ بجسدي، فالهواء يَعبر منافذ رئتي إلَّا أنَّني لا أشعر به.

إنَّه السَّابع مِّن أبريل وما تَزال الرّوح فاتِرة تَبقى تَحت ملاءةٍ بيضاء تَجمع كلَّ الآثامِ الَّتي لا يَغفرها الرّبُّ، وأبقى أنا أصارع بينَ تلكَ الآثامِ والآلامِ بدون حولٍ أو قوَّة.

أحاول بناء نَفسي بينَ كلِّ محطَّةٍ أُلقي نَفسي بِها، لكن لا أجِدُني إلَّا فُتاتًا منتشِرًا وروحٍ محطَّمة. مَهما حاولتُ بجعلِ ذاتي تُشفى مِّن مَصيرٍ أسودٍ أجدني أُلقى في جَحيمٍ مستعرٍّ!

فِي أوصادٍ خانِقةٍ وخَلفَ قُضبانٍ هالِكة، في حُجَجٍ واهنة وَفي دموعٍ مُحرقة، أُبلي ذاتي بِصَرخةٍ مكتومة، تُمزِّق ما بي وتَخنقُ صوتي، أحاول النَّجاة منها لكنَّها العذابُ والأغلال والحيّاة فلا مَفرَّ منها.

«الفراغُ يُهلكني، لكنَّي مُمتلِئة، لا أعلم بِمَ، لكنّي فاترة ولا حياة فيَّ، ولا أعلم كيفَ أعيش الآن، لَم تَبقى طريقة إلَّا وَجرَّبتُها للموت، وكلُّها عادتَ مَع فَشلٍ مُجاهد، لا أرغب في العيش، إلَّا أنّي مُجبرة على التَّنفس، أَغَذتُ حبلَ مَشنقتي فَوقَ سَريري استِعدادًا للإثم وبكلِّ رحابةِ صدرٍ، لكن أتى والدي وحَرَّرني، أردتُ رَميَّ ذاتي في الجَّحيم، لا بأسَ بالاختِناقِ حتَّى الموت، لكن لَن أعيشَ وأنا بينَ قُضبانِ ألمٍ، كلُّ ما أعرفه وأُريدُه هو الموت، فَما الرّاحة إلَّا به!».

«لي سؤالٌ واحدٌ لك، ألَم تَكُفّي عَن الانتحار رُغم الألَم الَّذي شَعرتِ بِه وأنتِ تُحاولين الموت؟!».

«لَم أفعل.».

أُدرِكُ بأنَّ الألَمَ ما قبل الموت لَحظيٌّ، لأنَّ الموتَ سَيُعانُقني؛ لا بأسَ بِكَمِّيةٍ قَليلةٍ مِّن الألم، ورُبَّما كثيرَة.

ورُبَّما هو ما بَعثَ بِداخلي الأمل للبَحثِ عنه، للمحاولَة بكلِّ الطُّرقِ حتَّى أقتُلَ ذاتي وأمحي فاجِعتَها داخلي، شُعور بأنَّكَ مُتناقضٌ، بأنَّكَ تَودُّ الموت وبأن تُنهي ألمكَ وأنتَ تَبحثُ عنه، أوَ بالأحرى تُسبِّبه لذاتكَ، لا تَعلم أينَ تصل، لكنَّكَ تَعلم وجهتك، كُلُّكَ يائسٌ وتَودُّ الأمَل، الأمرُ مُضحكٌ ومُرهِقٌ لنا، لا نَعرفُ ما تُريدُه أنفسُنا وما تَودُّ ذواتُنا، فقط نَمشي على هَوى الدُّنيا ونَحنُ مُلبَسوا العينين.

«بَعضُ الأحيان، أشعر بالشَّفقة على البشر، تَرغب في الموت وهي لا تَعلم ما يَكون، لا تَعلم شيئًا عَن ألمِه ولا عَن عَذابه، يَعتقدون بأنَّ الموت سَهلًا، لَن يُسبِّبَ الألم ولكنَّه الألم الأبدي للمرء، لَن يَشعر أو يَعرف بِهذا الكون لكن سَتبقى الرُّوح مُعذِّبة له حتَّى بَعد المَمات، الموت لَيسَ بطريقةٍ صحيحةٍ، إنَّه طريقُ الجَّزع والاستسلام، إنَّه اللحظة الَّتي تَعلنُ فيها بأنَّكَ خاسِرٌ أمام كلُّ الصِّراعات الَّتي واجَهتها، أمام كُلّ العَقباتِ الَّتي شَيَّعتها لَك الحيّاة واجتزتَها، لأنَّكَ فقط قرَّرت تَرك كل شيء وراءك بِدون فهم وِجودَك!».

بَينَ كَلِماته تَجد أُحجية أنتَ مُجبرٌ على فَهمِها، لا تَعلم ما سَينطقُ به لكنَّكَ تعلم بأنَّه في كلِّ مرَّة يَمتلكُ كلمةً تُعبِّرُ عَن الواقعِ الَّذي نَعيشُه، لا أعلم ما هية أنا ولا سَبب وجودها فِعلًا؛ لذا أحاول التَّخلص منّي دامَ لا مَكانَ لي، فَمَ أسوء أن تَعيش في الفَراغِ لا قُظبانَ له، لا وجهةٍ ولا طريقًا يَقودك، وكلُّ نافِذةِ أملٍ تَظهر لكَ تَختفي فَجأة مِّن حيثُ لا تَعلم!

كلانا نُعاني مِّن الفراغ، لكنَّنا نتحطَّم في أولجِ الذِّكريات، فَعندَ الحذوِ لحدودِها اِعلم بأنَّ الجُّروح سَتَتقرَّح ويَلتهبُ بِقلبِكَ، وتلكَ المضَّخة لَن يَسعِفها العمل مرَّة أخرى، سَوفَ تتوقف بِبطئٍ وأنتَ الَّذي سَتعاني، سَتعاني حتّى تَفقد آخر نَفَسك، تَختارُ الموت لأنَّه نومٌ أبدي، شيءٌ دائمٌ لنا، لَن يَجعل منّا نُعاني في مَتاهاتٍ سَوداء للأبد، لَن نَضطَرَّ لِشِّعور بتلكَ الجِّراح مرَّة أخرى، فقط عيونٌ مغلقة وأجفانٌ مُرهَقة ورُوحٌ غادِرة، تارِكةً الجَّسد وتَهربُ لمكانٍ لا اسمَ له، مكانٌ لربَّما الجَّنَّة، ولرُبَّما الجَّحيم!

تأتي المَخاوف دائمًا في القلوب، فَوق الجَّزع والهمِّ، تأتي وهي مُحتَلَّة لِعرشِ المشاعر فَتُسيطر على جَسدِ الإنسان، تَجعله دُمية، تتآكلَه وتَتغذى عليه، لا تَرحمه بَل تَجعل منه وَجبةٌ لأمسية هادئة لكنَّها صاخِبة في الوقت ذاته، تَجعله أسيرَ الأفكار الزّائدة وقَلقٍ عاثِرٍ فَيضطَرِبُ كلَّه ويَبقى على سَرير الأفكار مُحتضرًا.

ولَرُبَّما المشكلة الأكبر بأنَّك لَن تَستطيع أن تُعالج ذاتَك منه، فما أسَرَ قَلبكَ لَن يَفُكَّ أسرهُ ولا أصفادَه، سَيبقى مَعك للأبد ويَتغذى عليكَ لأَجَلِ موتكِ. ورُبَّما قَد أسرني أما بأصفادِه، فأضحيتُ لا أُفكِّرُ إلَّا بِفصلِ الرُّوح عَن الجَّسد، أن أفكِّرَ بارتكابِ أكبر خطيئةٍ بحقِّ الانسانِ نَفسهِ، وأن أكون قاتِلة لِذاتي.

«أودُّ الخروج.».

النَّظرُ عبرَ نافذَةِ الشِّقَّة إلى العالَمِ الخارجي تَخنُقني، البَقاء في المنزل راحةٌ ومرهقٌ، يَجعلك تَرغب في البَقاء والخروج في آنٍ واحد، أخبرته عَن رغبتي في البقاء عِندَ البوابَة والآن أودُّ الخروج، مُعظَم الوقت الَّذي أمضيه مَعه يَكمنُ في الصَّمتِّ، ومِّن خلاله أشرح الكثير لذاتي ولَه، أحاول قراءة ما في عينيَّ مِّن خلاله، لكنّي لا أرى سوى الضَّياع مِّن بينَ حَدقتيه.

رُبَّما المتاهة تلكَ لا أبوابَ لها ولا نوافِذ مُضيئةٌ ولا أقفالٌ تُفتَح، فيها نِيرانٌ تَحرقُ تلكَ الأحلام الَّتي تُحاول النُّمو وبناءَ ظلالًا تُلاحقني في أوداجِ الليل.

لا أحد يلحظ السُّقم الَّذي أنا فيه، وَلن يُلحظ البُهتان الَّذي يَسيطر علي، أبقى في شَرايين الدُّنيا مُجرد عرقلةٍ لمسارِ أوعِيتِها، أبقى مُجرد حشرةٍ أيامها مَعدودة، تَتلوّى مِّن ذاكِرة لِذاكرى سَقيمة، لِوباءٍ مُنتشرٍ في جَسدِها.

«لَم يَتبَقَّ شيء لاشراقَة أشجار الكَرز بالفعل.».

لـم يَبقَ الكَثير، مُجرد أيامٍ وسـتتفتَّح جميع الأزهار، بعد اسبوعٍ سَتجد كلَّ رقعةٍ في الأرض مُزيَّنة ومُزهِرة، أما أنا فأحتاج وقتًا طويلًا حتَّى أتَفتَّح، ورُبَّما لَن أفعل؛ لأنَّني أرضٌ جرداءٌ قاحِلة، لا مطرَ فيها يَطفِئ نيرانَها الَّتي تَحرُقَها، ولا أملًا قَد يجعل بذرَةً قَد دُسَّت فيَّ تنمو، أحتارُ منّي كثيرًا، هل أنا مَن رَغبَ الحياة؟ هل أنا مَن تركها؟ أنا مَن سَقِمَ منها؟ أم أنا من جالت بَصيرتِها في أخاديجِها المُظلِمة؟

في عَقلي ألفُ فكرَة وفكرة، ألفُ خاطرةٍ وخاطِرة، ألفُ رَغبةٍ ورَغبة تَموت، أحلامٌ تُحرق، شَظايا تُدَسُّ في قلبي، ثُقبٌ يتآكلني، أمنية تُلاحقني، عُتمة تُجاورني، سُقمٌ يُبكيني، ليالٍ كوابيسي، فراغٌ يَحويني، أضغاثٌ تُنهيني، فَمَ الَّذي يَجعلني راغبة بأخذِ خطوةٍ لأعيش؟ ما الَّذي يَجعل مِّن دفئ العمق جميل؟ وأنا كلّي احترقُ بسُعرةٍ ولا صَوت لألمي!

رائحَةُ الجَّوِّ منعِشة وعطِرة، ما بكَ يا أبريل لا تَدخل قلبي؟ ما بِكَ وأنتَ تَشهدُ كلُّ صراعاتي؟ ما بكَ وأنتَ تَعلم بأنّي رِمالٌ مُندَثِرةٌ، هل لكَ بجعلِ زَهرة دافئة تُزهر بداخلي؟ ذاتِ عطرٍ يجعل عواطفي تَهدأ، ولن يَجعل ظُلمتي مُلوَّنه، فَمَ بالكَ يا أبريل غاضبًا عليَّ أنتَ والحيّاة معًا؟!

«هل تَعتقد بأنّي سأكون بِخير؟».

«فقط آمني بِذلكَ وسَتكونين!».

أُؤمنُ، الإيمان شيء عظيم، كالإيمان بوجودِ الرِّبِّ، وكإيمانِ الدُّنيا بأنَّ الشِّتاء لَن يدوم، لكن الإيمان لَن يدوم، فمَ أكثر الَّذين كانوا يُؤمِنون بأحلامهم تُحقَّقُ ولكنَّها لَم تفعل؟ الكثير منَّا كانَ ذو إيمانٍ بالغٍ فَحواه، فمَ وَجده في النِّهاية غير إنَّ إيمانه تلاشى؟ الإيمان لا يدوم أبدًا، فَكيفَ لي أن أؤمن بأنّي سأكون بخير؟

دائمًا ما كنتُ أراقب البَشر مِّن خلفِ تلكَ النَّوافذ، بدأتُ أتفهَّمُ في لحظةٍ ما مِّن محطّاتِ الحيّاة سَبب مُراقبة العَجائز للآخرين، لرُبَّما بسبب الملل، وربَّما لأنَّهم مجرد كَهلةٍ لا يوجد أحد يحتمل حديثهم الممل، لأنَّ الجَّميع يرغب في لحظةِ عيشٍ في شَبابه، فَمن يُريد الجلوس مَع كاهلٍ أكله الزَّمان ولم يُعطهِ فرصة حتّى ليعيش؟!

«هناكَ وِجهةٌ مَجهولة في عُمقي، وجهةٌ لا أعلم فَحواها ولا مُحتواها، عندما حاولتُ شَنقَ ذاتي كنتُ غبية، لم أكن أختار المكان المناسب أو الوقت المناسب، جَميعنا نُدركُ في لحظةٍ معينة إنَّ الخطأ تَدارَكَنا ونَحنُ غافِلون، لكن أنا رُغم ادراكِي للخطأ لَم أتوقف عنه بل أكملتُ مسيرتي مَعه مُطالبةً بجرعةٍ من الموت في كلِّ راحةٍ.».

«ماذا لو كانت تلكَ الوجهة هي تَغيُّرُكِ، ماذا لو علمتِ بأنَّ محتواها هو الأمل، الحياة المُفعمة باشراقة الشَّمس؟ ماذا لَو اختياركِ للمكان الخاطئ والوقت الغير مُناسبِ سَبَبه وَلهَةُ نَفسكِ في العيش؟ سِتُّ مرّاتٍ قَد حاولتِ لكنَّكِ لم تَلقِ حتفَكِ مِّن بينهنَّ، ستُّ مراتٍ حاولتِ اخراج روحكِ عَن جسدك لكن ماذا؟ هي فقط عادتَ إليكِ بدون رَغبةٍ بالموت.».

أنَفَسي يَودُّ العيش؟ أَأوصالي تَودُّ التَّماسك بعدما حلَّ بِها مِّن عذابٍ؟ ألم تملَّ مِّن رؤيةِ ذاتِها تَغلي وتَفور وَجعًا؟ أم مِّن سُقمِها ودائها الَّذي تآكلَ جسدي بكلِّ غلٍّ؟ ألَّا تعلم بِما يُعاني القلبُ مِّن ألمٍ والعقلُ مِّن ارهاقٍ بِسبب التَّفكير؟

«الرُّوحُ جَزعت، والقلبُ يَشتكي، العقلُ مُرهقٌ والذّاتُ تُصارع، لا أعلم هل أنا حقًّا أودُّ العيش؟ أم هي مُجردُ أوهامٌ تُحاولُ زرعها في عقلي، أتُصدقُ بأنَّ ليسَ قلبي مَن يتحكم بِعقلي وإنَّما عقلي الباطني... أجل إنَّه هو، هو مَن يَبعثُ أفكارهُ السّوداويِّة بي، هو مَن يَقضني ويُمِيتَني، هو مَن قسى على قلبي وأهلكه، ومَن أدانه وأفسده، لا شيء فيَّ يدعو للحياة، كلّي وما فيَّ كارِهٌ لها، فَلمَ تُحاول جعلي أنساقُ لِعذابِها؟!»

«الدُّنيا لَيست بِعذابٍ، أنا لا أجعلكِ تنساقينَ نَحوها وإنَّما عيشها، لو كانَ ما فيكِ يكره العيش فلمَ قلبك يَنبض؟ لو كنتِ تكرهين النَّفس فلمَ رئتَيكِ ما تَزال تَعمل؟ عقلكِ الباطني يُوهمكِ بأنَّكِ غير مَرغوبة، ولكنَّ هذا لَيسَ صحيحًا، مَن قالَ بأنَّه يَكرهك، لَديكِ أخٌ فعل المستحيل لأجلك، لديكِ أنا الَّذي دومًا لِجانبكِ، ولديكِ نَفسكِ الَّتي يـجب أن تُحبَّك، ولديكِ قلبُكِ الَّذي يَنبض الأجلك، ما تَزالين في مُقتَبلِ العمر يا ها، حتّى لو كانَ عقلكِ كاهلًا لديكِ أيامًا تَستطيعين عيشها مَع ابتسامة، كفَّ يأسًا وتَقدّمي بتفائل، فَما الحيّاة إلَّا بِزائلةٍ!».

صَوته كانَ عزفُ حنين ورقَّة، فيه أمانٌ مرتَجف وصدقٌ كاذب، فما الحياة إلَّا بِزائلة وأنا الّتي تَشقى فيها، ما الَّذي سَيُغيِّرهُ موتي يا ترى؟

هل سَترفُّ تلكَ القلوب الَّتي قست عليَّ يومًا؟ أسيتأثَّر أخي بِفُقداني، أم سأحدثُ فرقّا في مَن يجلس أمامي؟ أما نَفسي فهي سَترتاحُ مِّن البقاء في قَفصِ جسدي وتَّتحرَّرُ بذاتِها وتلقى أوصالَها المُبعثَرة خاجي، ما العُمرُ إلَّا زوالٌ وما الحيّاة إلَّا بوهمٍ، سَتستَمرُّ كأنَّ لا شيء حصل في موتي أو موت غيري، يَبقى نظام الكون مَفتوحًا وتلكَ الأرض تَدور، ولقمة العيش تستَمرُّ فمَ بالُ الموت لا يَزورني؟!

«هناكَ أمرٌ أودُّ فعله، هل سَتدعني؟».

«لو كانَ فيه خيرًا سأفعل.».

«أودُّ زيارة والِدي...».

حَشرَجةٌ تَخرجُ منّي بكلِّ عسرٍ، فنَفسي يَكادُ يَنقطعُ بسبب رَغبةٍ مكتومة للبكاء ورَغبة أخرى سَتكون مصيري الأبدي.

«فَجأة؟!».

«هناكَ أمرٌ يجب عليه فعله لهما حتَّى أرتاحَ مّن تأنيب الضَّمير.».

أمرٌ كانَ عليه أن يُحلَّ مُذ زَمنٍ، سأريحُ قلبي وهمَّهُما، لَن أقفَ أمامها مرَّة أخرى بَعد هذا اليوم، لَن أكونَ لهما ابنةً بعد هذا اللقاء، تلكَ الأواصر سَتُخفى ولَن تَدومَ، وسأقسمُ بحياتي لأجل هذا الأمر!

مَشينا بِخطواتِنا نحو منزل والِدي، منزلي القديم، الَّذي لا أمتلكُ فيه سوى ذكرياتٍ قاسيةٍ، ولادة غير مرغوبةٍ، مُحاولات فاشلة، كَلِمات بَذيئة، ومُدوَّناتٌ بالية، أعتذرُ يا أمي لأنَّني أرهقتُك، وأعتذرُ يا أبي لأنَّني سُقمُك، وَددتُ له تُعطياني احتضانًا بعد رؤيتي، لكنَّكما قابلتُماني بِجفاءكما المعتاد، أعتذر يا أخي؛ لأنّي لم أكن لكَ أختًا ولم أكن لكَ الشَّخص الَّذي تُريده، لم أستطع إفاء وعدي لكَ وأن أتركَ أفكاري السَّوداويَّة، فتركُها صعبٌ؛ لأنَّها ادمانٌ، ادمانُ نفسٍ وعقلٍ غير واعٍ، فأعتذرُ عن كلّ ما سَيبدُرُ منِّي.

«يُمكنكِ الذّهاب، سأتكلم معَهما وحدي.».

نَظرَ لي سائلًا لو كنتُ متأكدة فأجبتُ بإماءةٍ له، نَظرتُ لعيونِه فكانت فيهما رغبتي بألَّا يتركني ويَمنَعني عمّّا أنا فاعلة، لكن لقد أتَّخذتُ قرارتي وسأنهي الأمر تَحت أيِّ عذرٍ.

خَطوتُ داخِل ذلكَ المنزل فقابَلتني أُمي بكلِّ سرعةٍ، علامة الدَّهشة والصَّدمة كانت تُزين محياها بينَما أنا الاشتياق، تلاها نزول أبي لأبتسمَ لهما بكلِّ انكسارٍ أحمله اتجاهَهُما، أهلًا بكما يا خاذِلَيَّ ومُعذِّبَيَّ، مرحبًا بكما يا مأمنيَّ وخوفي!

كيفَ كانت تلكَ الملامحُ يا ترى؟ وكيفَ كانت مشاعرَكما عندَ رؤيتي؟ هل اشتقتُما لابنتكما الوحيدة، المنسيَّة؟

«لا واقِعَ تَرحيبٍ بيننا، لقد أتيتُ أخبرُكما أن لا تَشعرا بالذَّنب، فيا أمي عندما أموت عانِقيني بِدموعكِ ولا تَكرهِني، ويا أبي أزل قِناع القَسوة منك وقل ما تَودُّ، أنا تلكَ الأنانية بينَ أفراد هذه العائلة، وسأبقى، فلا تنسوني بينَ أفراحكم وأحزانكم، فأنا ابنتُكما!».

ابنة!

وَقع كلمةً غريبَةً لم أشعر بها، خرجتُ دونَ سَماعِهما وأنا أنزِفُ دموعًا زُجاجية، تَشقُ غشاء وَجهي بِحُرقتها عندَ خروجِها مِّن جوفي هذا، لمَ عليها أن تكون بهذهِ الحُرقة؟ لم لا تَسقطُ كمطرِ الشِّتاء بارِدة وضَبابية؟ لَم عليها حرقي فوقَ ما أنا أشتعل لسعةً مِّن ورائي؟ لَم على الدُّموع أن تكونَ لهيبَ الدُّنيا؟!

يَكفي بأنّي أحترقُ في زواياها بكلِّ وعيٍّ، في كلِّ الصِّراعات الَّتي أخوضُها أخرجُ أنا البائسة، أخرجُ منها واليأسُ مُغلَّفَي، هو المُنتصرُ في كلِّ مرَّة، هو مَن يوقف هذه الصِّراعات الصّاخِبة ويُمحي وجودي، لا أعلم كيفَ أنهي ذاتي منه؛ فهو مُحيطي وحاكِمُ قلبي. أنا تلكَ البائسة بلا صوت، الفارِحة بلا ابتسامة، أمنية ذات فَحوى خياليٍّ وحُلمٌ لن يَصل إليه أحد، أعتذرُ لكلِّ امرءٍ لأنَّني مجردُ هواية مشاعر، لا تَعلم ما تَفعله أصوابٌ أو خطأ؟!

«آسفة!».

أرسلتُ هذه الرّسالة لِشخصين، أولهما أخي والثّاني الطَّبيب، هما مَن يستَحقّا هذه الكلِمة بَعد نَفسي، فها أنا أعتذرُ لنَفسي لأنَّني لم أعتَني بِها جيِّدًا!

سأعتَذرُ لكِ يا نَفسي ويا أنا عن كلِّ الآلام الَّتي مَررتِ بها، سأجعل كلَّ حلمٍ بسيطٍ حلمنا به سَويًّا أن يَتحقَّقَ؛ لذا سأسوقُ بقدميَّ لدربٍ وَدَدنا لو نَزُورُه ونَحنُ في سِنٍّ صغيرة، سنُّ طُّفولةٍ مُشرقة لكنَّها مُظلمة.

لَرُبَّما ذَنبنا يا أنا أنَّنا كَبرنا أسرعُ مِمِّا يجب لنا، لرُبَّما ما كانَ علينا التَّفكير كثيرًا حتّى أمسينا في دروبِ الحيّاة وحيدين، وربَّما ليسَ بذنبِنا لو كَبرنا قُبيلَ موعِدنا، وبأنَّ الحياة صَقلَت حدَّةَ عقولِنا بكلِّ قسوةٍ ورِقَّةٍ في آنٍ واحد، لا أعلم ما أنا مُقبِلة عليه، لكن أعلم بأنّي لَن أخذلكَ يا أنا هذه المرَّة.

بَعدما أرسلتُ تلكَ الرِّسالة لهما لَم يتوقَّفا بالاتصال، أحدهما يرسل رسائل والآخر يتصل، أعتقدُ بأنَّهما خائفان عليَّ لو أنَّي سأرتكبُ جرمًا بحقِّ نفسي ولا ألومَهما، فأنا في طريقي لذلك.

خطوتُ بخطوتي الأخيرة نحو تلكَ البوابة، مدينة الألعاب، أودُّ قضاء يومي كاملًا فيها، هي مدينة السَّعادة، كل من يدخلها يَخرجُ منها فرحًا، أو لأنًَها السَّعادة، ومَن يرغبُ في مغادَرةِ السَّعادة أو تَركها؟!

لَم أستَطع الولوجَ داخِلها، بقيتُ واقفة أمام تلكَ البوابة الحديديَّة أحدّقُ فقط بصمتٍّ، أردتُ يدًا فارِغة لا دِفء فيها، وأصابعٌ تتخلَّلها لِتجرُّني للداخل.

مَضت دقائقٌ لَم أعلم كم هي وأنا على حالي، واقفة فقط تَنظِر للأرض وكأنَّها في صدمة، لا أعلم هل علي الولوج لوحدي أم لا؟ هل سَيأتي أحدٌ ما ويَجرُّني أم لا؟

وإن يكن أنا لا أمتلكُ أحدًا قَد يفعل هذا الأمر، لا أحد لي غيرهما وهما لا يَعرِفان مكاني حتّي، ولا أودُّ رؤيَتهما أصلًا!

«أيون ها!».

شَعرتُ بِكفَّين حولَ كتفي تَلفُّني، كان هو!

كَيفَ عرفَ مكاني، أكانَ يبحثُ عنّي حقًّا؟ هل فَهمني وفَهم رَغبتي أم للصدفَة دخلٌ ما؟ لكن هذا ليسَ بوقتٍ مناسب، وجودُه هنا ليسَ صحيحًا، يجب عليه تَركي وحدي، فأنا ما أزال مضطَربة المشاعر!

«لِمَ أنتِ هنا؟ ما قِصة رسالتك واعتذارك المفاجئ؟ هل تَعلمين لكم قلقنا عليكِ أنا وأخيك؟!».

كانَ قلقًا فعلًا، حتّى إنَّه يتكلَّم بسرعةٍ وعيونه تَلمع وصوته متعب، كنتُ كفاقِدة للوعيِّ وهو يهزُّني، لا أعلم ما دَهاني للحظة، لِمَ أنا هنا؟ ما المَغزى مِمَّا أفعله؟ لِمَ أستمرُّ في جعل الجَّميع قَلقًا؟

لِم كلُّ هذه الأسئلة في عقلي ولا أعلم كيفَ أجيبُها؟!

«لِم أنتِ هنا؟».

أعادَ سؤاله لأنتبه له هذه المرَّة وأحاول الإجابة، لكنّي فقدتُ الاتزان في نطقي؛ لذا بدأتُ أتَّلعثم كطفلةٍ أرتَكبَت أثمًا وأنا بالفعل فعلت!

«لَقد ودِدتُ أن... أدرتُ فقط المجيئ لهنا، لا أعلم لِمَ لكن.. لكن لرُبُّما أردتُ الاعتذار لِنفسي!».

كانَ صوتي نادِمًا ومُرتجِلًا، بالكادِ يَستطيع أن يسمعه الآخر بسبب الألم في حلقي، وأتمنى لو يُغادِر عِند الحديث فقط!

«لا بأس، المُهم أنَّكِ بخير!».

ضَمَّني له وأنا فقط ناظِرة لِما تستَندُ عليه قدَميَّ، أشعرُ بخجلٍ كبيرٍ بداخلي، أحاولُ تنظيم نَفَسي بسبب اضطراب مشاعري لكن لا فائدة، لقد تَمكَّن منِّي ذلكَ الشُّعور في حضرته، لقد كانَ حلوًا وعذابًا بالوقت ذاته، لم تَمضِ سوى بِضعِ أيامٍ مُذ أن بدأت جلسَتنا لكن بدى لي بأنَّها أطول مِّن أيِّ وقتٍ!

لا أعلم ولكنّي أودُّ البقاء في كنفه، تَحتَ درعِ ذراعيه ودفئ كلماته، أعترفُ بأنَّه قد غيَّرَ الكثير مِّن الأمور بداخلي، وأنا مُمتنة له ولِوجودِه في عالمي، تَحتَ أيِّ تصرُّفٍ كانَ، هو سَيبقى جزءًا مِّن القلب المعطوب في داخلي، جزءًا صالِحًا.

«أتودِّين الدّخول؟».

أردَفَ بَعد أن طمأنَ أخي بأنّي بخيرٍ وبأنّي واقِفة جواره وكلّ نظري مُعلقًا على تلكَ البوابة، لَم أعطِه إجابة وإنَّما فقط بقيتُ مُحدِّقة في الفراغ، هل أعلمه عَن رَغبتي أم فقط أغادر؟

ذاتي مُشتَّتة دائمًا ولا تعلم ما الخِيار الَّذي تَختاره، تُعطي اقتراحاتٍ لا أساس لها، ولا داعيَّ للتَّفكير بها، لكنَّها دائمًا تَغرقُ في أمورٍ لا تَعلم ما يَجري بعدها، فقط تَغرقُ في وسطٍ فارغٍ دون وعيٍّ!

شَعرتُ بواقعي فقط وأنا أمام لعبةٍ ما، أو الأصح في منتصفِ مدينة الألعاب، أصابع يده تَتوسط فراغ أصابعي وتَضمُّ يدي، دفئه داخلي يَلحُفني واشراقته تُمحي ظلمتي، هو مَن أرغب في تواجد معي لكن ليسَ هذه اللحظة، فما أنا مُقبلة عليه أعظمُ مِّن طلبِ مغفرةٍ منهما بعدئذ، فمَ الإثمُ إلَّا ملاحقي ومُميتٌ لي!

____

كَذِكرى أبريل سأمرُّ عابرة!

____

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon