الوقت توقف، أو هكذا شعرت. لا صوت يقطع الصمت الثقيل بيني وبين تلك الفتاة الغريبة التي جلست بجانبي في حديقة "يويوجي". كنت أحدق في الأرض، أراقب الظلال التي تتراقص بفعل أضواء الشوارع البعيدة. الرياح كانت تهب بخفة، تحمل معها رائحة العشب الرطب بعد المطر. ظلت الفتاة صامتة، وكأنها تنتظر مني أن أقول شيئًا، لكن الكلمات كانت تختفي من ذهني قبل أن أتمكن من صياغتها.
..."هناك لحظات تتوقف فيها كل الأشياء من حولك، فقط لتدرك أنك عالق بين الحقيقة والوهم."...
رفعت رأسي أخيرًا، محاولًا كسر حاجز الصمت. سألتها، "من تكونين؟"
نظرت إلي ببطء، وكأن السؤال لم يكن غريبًا بالنسبة لها، كما لو كانت قد سمعته مرات عديدة من قبل. كانت عيناها مظلمتين، تحملان في داخلهما ثقلًا لا يمكنني فهمه. "أنت تعرفني بالفعل،" قالت بنبرة غامضة.
تراجعت قليلاً على المقعد، محاولاً فهم كلماتها. كيف يمكن أن أعرفها وأنا لم أرها من قبل؟ شعرت كأنني في حلم، كأن الأشياء من حولي تتلاشى تدريجيًا، تاركةً فقط هذه الفتاة وهذا الشعور الغريب بالخوف والفضول.
"لا، لا أعرفك." قلت لها بتردد. "هل التقينا من قبل؟"
ابتسمت ابتسامة باهتة، ثم التفتت لتنظر إلى السماء. "ربما لم نلتقِ، لكنني كنت دائمًا هنا، في حياتك... في كل قرار اتخذته وفي كل خطوة خطوتها."
..."الأشخاص الذين يظهرون فجأة في حياتنا قد يكونون جزءًا منها منذ البداية."...
تلك الكلمات أثارت بداخلي شيئًا غريبًا، شيء لم أستطع تحديده. بدأت أفكر في كل ما مررت به مؤخرًا؛ ريوجي، يوكا، كل تلك الليالي التي قضيتها أفكر في الأحداث التي تسارعت بشكل لا يمكنني السيطرة عليه. ربما كانت هذه الفتاة تمثل شيئًا أعمق من مجرد غريبة تظهر في الحديقة ليلاً. ربما كانت تجسيدًا لكل شيء كنت أحاول الهروب منه.
"لماذا أنا هنا؟" سألتها، رغم أنني لم أكن متأكدًا مما إذا كنت أسألها أو أسأل نفسي.
"لأنك تبحث عن شيء،" أجابت بهدوء. "شيء لا يمكنك العثور عليه في هذا العالم."
كلماتها كانت كافية لتثير بداخلي دوامة من الأفكار. كان الأمر كما لو أنها تعرف كل شيء عني، أكثر مما أعرفه عن نفسي. لكن كيف؟ كيف يمكن لشخص غريب أن يعرف هذا القدر عن حياتي؟
"ماذا تعنين؟" قلت بتوتر واضح. "ما الذي أبحث عنه؟"
"الحقيقة." كانت إجابتها مباشرة، وكأنها لم تكن بحاجة إلى التفكير فيها. "الحقيقة التي كنت تحاول الهروب منها طوال هذا الوقت."
..."الحقيقة ليست دائمًا ما نريد أن نراه، لكنها دائمًا ما نحتاجه."...
بدأت أتذكر كل تلك اللحظات التي حاولت فيها إخفاء الواقع عن نفسي، تلك الحقائق التي لم أكن مستعدًا لمواجهتها. كنت أعيش في وهم، في عالم بنيته لنفسي لأهرب من الألم والخيبات. كنت أعتقد أنني أستطيع أن أتحكم في الأمور، أنني أستطيع أن أتجاوز كل شيء، لكن الحقيقة كانت دائمًا هناك، تنتظرني في الظلال.
"يوكا، ريوجي... كل شيء يتغير، ولا أعرف كيف أتعامل مع هذا." قلت بصوت مهتز، وكأنني أخيرًا أسمح لنفسي بالاعتراف بما كان يخيفني طوال الوقت.
"التغيير هو جزء من الحياة." قالت الفتاة وهي تنظر إلي بنظرة تفهم. "لكن لا يمكنك الهروب من الأمور إلى الأبد. في نهاية المطاف، ستضطر إلى مواجهة كل شيء."
تلك الكلمات أصابتني في الصميم. كنت أعلم أنها محقة. لا يمكنني الاستمرار في الهروب. لا يمكنني الاختباء خلف قناع اللامبالاة إلى الأبد.
..."الهروب هو الخيار السهل، لكن المواجهة هي ما يعيد لنا حريتنا."...
في تلك اللحظة، شعرت بشيء يتغير بداخلي. ربما كان الحديث مع هذه الفتاة هو ما أحتاجه حقًا. ربما كان عليّ أن أواجه كل تلك الحقائق الصعبة، وأن أتعامل معها بصدق ووضوح. لكن كيف؟ كيف يمكنني البدء في مواجهة كل هذا؟
"ماذا أفعل الآن؟" سألتها، رغم أنني كنت أعلم أن الإجابة لن تكون سهلة.
ابتسمت تلك الفتاة الغريبة ابتسامة هادئة وقالت، "ابدأ بالتصالح مع نفسك. اعترف بما كنت تهرب منه، ثم قرر ما إذا كنت مستعدًا للقتال من أجله."
..."البداية دائمًا تكون مع الذات."...
جلست هناك لبعض الوقت، أراقب السماء التي بدأت تظهر عليها بوادر الفجر. كانت الحياة تستمر، رغم كل شيء. وعلمت أنني، عاجلاً أو آجلاً، سأضطر إلى مواجهة الحقيقة، حتى لو كانت مؤلمة.
Comments