..."في لحظات، تكون الحياة أقسى مما يمكننا احتماله. نختبئ في العتمة، نبحث عن النسيان في ألحان تأخذنا بعيدًا. لكن الهروب الحقيقي لا يكون إلا داخل قلوبنا. أينما ذهبنا، يأخذنا الماضي معنا."...
تتدفق الذكريات داخل رأسي كتيار لا ينقطع. أغلق عينيّ، لكن الصور ما زالت هناك. الصيف، 1999. كانت تلك المرة الأولى التي قابلت فيها "ريوجي". كان الجو خانقًا بشكل لا يحتمل، الحرارة تتسلل إلى الجلد مثل إبر تحاول اختراق الروح. في ذلك اليوم، كانت الشمس تغرب، ولكن مع غيابها لم يكن هناك شعور بالسلام. بالعكس، كانت هناك طاقة سلبية تُسيطر على كل شيء، وكأن السماء نفسها تختنق بالحزن.
دخلت المدرسة متأخرًا ذلك اليوم. كان ريوجي واقفًا في آخر الممر، ينفث الدخان من سيجارته ويضحك بصوت عالٍ مع مجموعة من الأولاد. لم أكن أعرف ما الذي يجري، لكنني شعرت بشيء بارد يتسرب إلى داخلي. لم أكن أعرفه جيدًا، لكن سمعته تسبقه. كان "ريوجي" معروفًا بين الجميع بأنه الفتى الذي لا يجب الاقتراب منه.
..."في حياة مثل هذه، قد تجد نفسك ضائعًا في زحمة التفاصيل الصغيرة. الوجوه، الأصوات، الكلمات التي تسمعها ولا تعني شيئًا. ولكنها كلها تتجمع في نهاية المطاف لتشكّل ثقلًا يسحق روحك."...
في تلك اللحظة، تذكرت كيف كنت أضيع الوقت في المنزل أمام التلفاز، أشاهد نفس البرامج المملة، وأستمع إلى أغانٍ تجعلني أشعر بالفراغ أكثر. كانت "Lily Chou Chou" هي النور الوحيد في ذلك العالم المظلم. كانت موسيقاها شيئًا أتمسك به، لأنها كانت الشيء الوحيد الذي يفهمني. أغانيها كانت تسحبني بعيدًا عن الواقع. بعيدًا عن الألم.
في صيف 2000، بدأت الأمور تتدهور بسرعة. كل شيء تحول من سيء إلى أسوأ. "ريوجي" بدأ يسيطر على المدرسة، ولم يكن هناك أحد يستطيع الوقوف في طريقه. في ذلك الوقت، كنت أشعر أنني وحدي. لم يكن هناك من يفهمني. كنت دائمًا ذلك الفتى الهادئ الذي لا يتحدث كثيرًا، وكنت أحب أن أبقى بعيدًا عن المشاكل.
لكني لم أستطع الهروب للأبد. في أحد الأيام، قابلت "يوكا". كانت فتاة غريبة الأطوار، دائمًا ما كانت تجلس وحدها في الصف، تتحدث قليلًا، ولكن كان هناك شيء في عينيها جعلني أشعر بالفضول. كان هناك حزن عميق. ربما كانت تشعر بما أشعر به، لكنني لم أكن أملك الشجاعة لأقترب منها.
..."هناك أشخاص يمرون في حياتك ولا تلاحظهم، حتى تأتي لحظة يدفعونك فيها إلى الحافة. حينها، تدرك أنهم كانوا هناك طوال الوقت، يراقبونك بصمت."...
يوكا كانت مختلفة. لم تكن مثل الفتيات الأخريات. كانت تبدو وكأنها تحمل هموم العالم على كتفيها، ومع ذلك كانت هادئة، وكأنها وجدت طريقة للتصالح مع هذا الألم. بدأت أتحدث معها بعد فترة. في البداية، كانت المحادثات قصيرة وغير مهمة. لكن مع مرور الوقت، بدأت الأمور تتغير. بدأت أراها كل يوم بعد المدرسة في حديقة "يويوجي". كانت تلك اللحظات الوحيدة التي شعرت فيها أنني أستطيع التنفس. لكن حتى في تلك الحديقة، كانت هناك أشياء غريبة تحدث.
..."أحيانًا، تكون أقرب لحقيقة ذاتك حينما تكون مع الآخرين. لكن في نفس الوقت، تدرك أنك وحدك أكثر مما كنت تظن."...
في يوم صيفي حار، جلست أنا ويوكا تحت شجرة كبيرة في الحديقة. كانت تمسك بكتاب قديم بين يديها، وتبدو وكأنها تائهة في عالم آخر. سألتها عن الكتاب، فأجابتني ببطء وهي تنظر بعيدًا، "إنه عن الفقد... عن الأشخاص الذين يختفون دون أثر." شعرت بأن تلك الكلمات تعني أكثر مما كانت تقوله. كانت تحدثني عن نفسها دون أن تقول ذلك مباشرة. كان هناك شيء مظلم في ماضيها، لكنني لم أكن أعرف ما هو.
مر الصيف بسرعة، وكأن الوقت يرفض أن ينتظرنا. في نهاية أغسطس، قررت أن أستمع لأحد ألبومات "Lily Chou Chou" بالكامل، وكنت أرغب في مشاركته مع يوكا. عندما أخبرتها، بدت سعيدة لأول مرة منذ عرفتها. جلسنا على ضفاف النهر، نستمع إلى الأغاني التي بدت وكأنها تروي قصتنا.
..."في النهاية، نحن مجرد نغمات عابرة في أغنية الحياة. بعضنا يُسمع، وبعضنا يتلاشى مع الرياح."...
مرت الأيام، وبدأت أرى يوكا تتغير. كانت تبدو أكثر هدوءًا، لكنها أيضًا كانت تختفي كثيرًا. في أحد الأيام، لم تحضر للقاءنا المعتاد في الحديقة. انتظرت لساعات، لكن لم تظهر. بدأت أشعر بالقلق. عندما عدت إلى المنزل، حاولت الاتصال بها، لكن لم يكن هناك أي رد. مرت أيام وأنا أبحث عنها في كل مكان، لكن دون جدوى.
في النهاية، علمت من أحد زملائي في المدرسة أنها تم إدخالها إلى المستشفى بعد محاولة انتحار فاشلة.
Comments