كانت الشمس تتسلل بخفة عبر أوراق الأشجار في حديقة "يويوجي"، والضوء الخافت يعكس على وجوهنا ظلالًا من الوحدة. كان الهواء مشبعًا برائحة الصيف ورائحة التراب المبلل بعد عاصفة خفيفة هبت في الصباح. "يوكا" كانت تجلس هناك، تلعق شفتيها بتوتر، يديها مضغوطتين على بعضهما البعض، وعيونها تهرب بعيدًا عن نظرتي المباشرة. شيء ما كان ثقيلاً في تلك اللحظة، كأن الكلمات التي ستخرج من فمها ستغير كل شيء.
"هارو..." بدأت تتحدث ببطء، تلتقط أنفاسها بين الكلمات. "أنت تعلم أننا نعيش في عالم مليء بالأكاذيب، أليس كذلك؟" لم أجب، كنت أعرف أن هذه مجرد بداية لما هو أعظم. تابعت: "هناك شيء كنت أحتفظ به لنفسي منذ فترة... لكني لا أستطيع تحمله بعد الآن."
أطلقت تنهيدة ثقيلة، ثم نظرت إلى السماء للحظة، كما لو كانت تبحث عن إجابة أو شجاعة من شيء أكبر من الواقع نفسه. شعرت بأن الوقت توقف، وكأن كل شيء من حولنا تحول إلى مشهد سينمائي بطيء. كانت "يوكا" دائمًا صديقتي الوحيدة، الشخص الذي يمكنني أن أكون معه بدون أقنعة. لكن الآن، مع نظراتها تلك، شعرت أنها أصبحت غريبة عني.
..."نحن نكذب لأننا نخاف من الحقيقة. نخاف مما سيكشفه الآخرون عنا، نخاف من مواجهة أنفسنا."...
عادت "يوكا" إلى الواقع بنظرتها الحادة إليّ وقالت: "ريوجي... ريوجي ليس كما تظن." صمتت لفترة، تاركة الكلمات تتدلى في الهواء كما لو كانت تمتحنني. شعرت بقلبي ينبض بسرعة، كما لو أن جسدي كله يستجيب للخطر. "ريوجي... هو الذي كان وراء كل تلك الأمور السيئة التي حدثت لك."
لم أستطع تصديق ما كانت تقوله. "ريوجي؟" قلت بصوت متحشرج. "لكن لماذا؟ لماذا يفعل ذلك؟" لم يكن لديّ الكثير من الأصدقاء، وكنت أعلم أن هناك دائمًا من ينظر إليّ نظرة ازدراء. لكن ريوجي؟ الشخص الذي كان يسير بجانبي في الممرات كما لو أننا متساويان؟ كنت عاجزًا عن تصديق ذلك.
"هو ليس ما يبدو عليه، هارو..." قالت وهي تلعب بيديها بطريقة عصبية. "ريوجي... هو زعيم عصابة. وهو متورط بأشياء لا يمكنك تخيلها. لقد كان يسيطر على كل شيء طوال الوقت. حتى أولئك الذين ظننت أنهم أصدقاؤك، كانوا يعملون معه. كل شيء كان تحت سيطرته."
ارتجفت شفتي، ولم أتمكن من منع التوتر الذي كان يتسلل إلى قلبي. كل ما كنت أظنه حقيقيًا بدا لي الآن كسراب، كحلم سيء. نظرت إلى يوكا وقلت بصوت مرتجف: "لكن... لماذا لم تخبريني من قبل؟ لماذا الآن؟"
..."نحن نعيش في عالم من الأكاذيب المتشابكة، وكلما اقتربنا من الحقيقة، تزداد الأوجاع."...
"لأنني كنت خائفة، هارو. كنت خائفة مما قد يحدث لك... أو لي." كانت عيناها تمتلئان بالدموع، لكنها كانت تكتمها بصعوبة. "ريوجي... ليس شخصًا عاديًا. هو خطير. خطير بما يكفي لإيذاء أي شخص يقف في طريقه." كانت كلماتها تهزني من الداخل، تشعل بداخلي خوفًا لم أشعر به من قبل.
"ماذا أفعل الآن؟" سألت، وكأنني أطلب منها أن تعيدني إلى عالم منطق، حيث الأمور بسيطة ويمكنني فهمها. لكنها لم تجب. لم يكن هناك جواب لهذا السؤال. كنت محاصرًا بين الحقيقة المخيفة التي كشفتها وبين الواقع القاسي الذي كنت أعيشه.
قضينا بقية الوقت في صمت. أصوات الحديقة كانت ملجأ لنا، الضوضاء البيضاء للعالم حولنا كانت تحاول ملء الفراغ الثقيل بيننا. طيور العصافير كانت تغني بألحان خفيفة بينما كان الأطفال يركضون بين الأشجار، كل واحد منهم يبدو بعيدًا عن واقعنا. لكن بالنسبة لي، كل شيء كان يبدو مظلمًا، كأنني أغرق ببطء في مستنقع من الحزن.
..."عندما تبدأ الحقائق بالظهور، لا يمكنك العودة إلى الوراء. لا يمكنك إلغاء ما تعلمته."...
عدت إلى المنزل ببطء، كل خطوة كانت أثقل من السابقة. عرفت أن حياتي لن تكون كما كانت بعد الآن. ريوجي كان أكثر من مجرد متنمر، كان يمثل كل ما كنت أكرهه في هذا العالم. ومع ذلك، كان هناك شيء بداخلي لا يزال يريد فهمه، معرفة السبب الذي دفعه ليصبح ما هو عليه.
عندما وصلت إلى المنزل، كان والدي جالسًا في نفس المكان المعتاد، زجاجة الكحول في يده وهو يشاهد التلفاز بصوت منخفض. مررت به دون أن أنطق كلمة، متجهًا إلى غرفتي. جلست على سريري، أغمضت عيني، وحاولت تذكر كيف كانت حياتي قبل أن يصبح كل شيء معقدًا. لكن لم أستطع. كل شيء كان مغلفًا بالضباب، ذكريات مشوشة، مشاعر متداخلة.
في تلك الليلة، لم أتمكن من النوم. أفكاري كانت تدور حول ريوجي، حول يوكا، حول كل شيء. فتحت عيني ونظرت إلى سقف غرفتي، الظلام كان يغمر كل شيء من حولي، لكن عقلي كان مستيقظًا. كنت أعلم أنني بحاجة إلى إجابات.
Comments