الأصوات كانت تتداخل في رأسي كما لو كانت تأتي من مكان بعيد، لكن الواقع أمامي كان ثابتًا، مؤلمًا. كان صوت "يوكا" يتردد في أذني، كلماتها الثقيلة حول ريوجي الذي كان يسيطر على كل شيء من خلف الكواليس. لم أستطع التخلص من هذا الشعور بالاختناق. أحاول التنفس بعمق، لكن الهواء في صدري كان ثقيلًا.
فتحت عيناي في منتصف الليل. كانت الغرفة مظلمة، إلا من بعض الأنوار التي تسللت من الخارج عبر نافذة صغيرة. الضوء الخافت كان يعكس على الجدران ظلالاً طويلة ومرعبة. نهضت من السرير ببطء، وجسدي يشعر بالإرهاق من كثرة التفكير والقلق. اتجهت نحو نافذتي الصغيرة، تلك النافذة التي كنت أراقب من خلالها العالم، وأشعر أنني منفصل عنه.
..."الحقيقة قد تكون أثقل من أن تتحملها، لكنها تظل دائمًا هناك، تراقبك وتنتظر اللحظة التي تنهار فيها."...
كانت شوارع طوكيو في هذا الوقت تبدو مختلفة. الليل يُغير كل شيء. المباني التي كانت حية خلال النهار أصبحت الآن مجرد كتل من الإسمنت الصامتة. السيارات تمر ببطء، كما لو كانت تتحرك داخل حلم، والناس الذين يسيرون في الطرقات بدوا كأشباح، لا وجوه لهم ولا أصوات.
كان هذا هو الوقت الذي أفكر فيه عادةً بالأشياء التي لا يمكنني أن أهرب منها. كان عقلي مشغولاً بكل تلك الأحداث التي بدأت تتكشف أمامي. "ريوجي" ليس مجرد متنمر، إنه زعيم عصابة، والشبكة التي يديرها أعمق مما كنت أتخيل. أصدقائي، المدرسة، كل شيء كان تحت سيطرته. كيف لم ألاحظ هذا من قبل؟ كيف كنت بهذا الغباء؟
قررت أن أخرج من المنزل. لم أكن أعرف إلى أين سأذهب، لكنني شعرت أنني بحاجة إلى الهروب من كل شيء، ولو لبضع لحظات. ارتديت ملابسي بسرعة، وخرجت بهدوء دون أن يشعر أحد. الجو كان باردًا قليلاً، لكنني لم أكترث لذلك. الشوارع كانت فارغة تقريبًا، وكان هناك شيء مطمئن في هذا الصمت، شيء يجعلني أشعر بأنني وحيد، لكن بطريقة مريحة.
..."الهروب ليس الحل، لكنه يجعل الألم يبدو أقل للحظة."...
بينما كنت أسير في الشوارع المظلمة، وجدت نفسي أمام حديقة "يويوجي" مرة أخرى. هذه الحديقة التي كانت دائمًا تحمل ذكريات مختلطة بالنسبة لي. المكان الذي كان يمثل لنا جميعًا ملاذًا، لكنه الآن بدا كأنه مليء بالأسرار. دخلت الحديقة بهدوء، والأصوات الوحيدة التي كانت تسمع هي صوت خطواتي على الأرض الرطبة.
جلست على أحد المقاعد الحديدية القديمة، نظرت إلى السماء المليئة بالغيوم. الهواء كان باردًا ورطبًا، والظلام كان يغلف كل شيء من حولي. بدأت أفكر في كل ما حدث، في "يوكا"، في "ريوجي"، وفي كل تلك الأسرار التي لم أكن أعرف عنها شيئًا. العالم من حولي كان يبدو لي كأنه كابوس بلا نهاية.
ثم فجأة، سمعت صوت خطوات قريبة. في البداية، اعتقدت أنها كانت مجرد وهم، لكن الصوت أصبح أوضح. شخص ما كان يسير نحوي. رفعت رأسي ببطء، وقلبي ينبض بسرعة. كانت هناك فتاة، ربما في نفس عمري، تمشي باتجاهي. لم أتعرف عليها في البداية، لكن شيئًا ما في ملامحها بدا مألوفًا.
..."أحيانًا، يظهر الغرباء في حياتك ليغيروا كل شيء، ليكشفوا عن أسرار لا يمكنك أن تفهمها."...
كانت ترتدي معطفًا أسود طويلًا، وشعرها كان مبللاً قليلاً، كما لو كانت قد خرجت للتو من عاصفة. نظرت إليّ بعينيها الداكنتين، ثم جلست على المقعد بجانبي دون أن تنطق بكلمة. كان هناك شيء غريب في هدوئها، في الطريقة التي كانت تتحرك بها. كأنها كانت تعرفني منذ وقت طويل، رغم أنني لم أرها من قبل.
"أنت هنا أيضًا؟" سألت بصوت هادئ، وكأنها كانت تعرفني جيدًا.
"أجل..." أجبت بتردد، لم أكن متأكدًا من ماذا أقول.
"كل شيء يبدو غريبًا، أليس كذلك؟" قالت وهي تنظر إلى السماء، ثم عادت بنظرها إليّ. "العالم ليس كما يبدو. هناك الكثير من الأشياء التي نخفيها عن أنفسنا."
نظرت إليها في حيرة. "ماذا تقصدين؟"
ابتسمت ابتسامة صغيرة، كما لو كانت تعرف شيئًا لا أستطيع فهمه. "كلنا نختبئ من شيء ما، نحاول الهروب من الحقائق التي لا نريد مواجهتها."
..."في بعض الأحيان، الحقيقة تظهر من خلال الغرباء."...
بقينا هناك في صمت، فقط أنا وهي. لم أكن أعرف ما إذا كان ينبغي عليّ أن أسألها من تكون، أو لماذا كانت هناك. لكن في تلك اللحظة، شعرت أنني لم أكن بحاجة إلى إجابات.
Comments