كل شيء عن أحلام طوكيو
في طوكيو، صيف 2001، حيث الهواء مشبع برائحة العرق والتوتر. أغنية Lily Chou Chou تملأ غرفتي الصغيرة. أستلقي على السرير، أحدق في السقف الذي يتقشر بفعل الرطوبة. أغنية "Glide" تتسلل إلى أذني، وتذكرني بكل شيء. بكل ما فقدته، بكل ما ضاع في هذه الحياة.
اسمي "هارو"، وأنا طالب في المرحلة الثانوية، لكنني بالكاد أشعر أنني أعيش. المدرسة تبدو وكأنها سجن. الجميع يتنمر علي. كل يوم هو معركة للبقاء، معركة للبقاء على قيد الحياة في هذا العالم المظلم. أشعر أنني عالق في هذا الحي البائس، حيث الكل يعاني والكل يكافح.
في المدرسة، يُسيطر العصابة على كل شيء. "ريوجي" هو زعيم العصابة، والكل يخشاه. رأيته في أول مرة عندما كان يجلس في نهاية الممر، يشعل سيجارة ويتحدث
كان ريوجي يجلس في نهاية الممر، وعيونه مسلطة نحوي كما لو كان يتحداني بدون أن ينطق بكلمة. شعرت بوخزة من الخوف تسري في جسدي. الأطفال الآخرون كانوا يلتفون حوله، يضحكون على ما يبدو أنه نكتة لا أستطيع سماعها، لكنني كنت أعرف أنني الهدف. حتى من دون أن أسمع، كنت أدرك أنه يتحدث عني. أصبحت التنمرات شيئًا معتادًا في حياتي. دائمًا ما كان هناك من يتنمر عليّ، سواء كانت الكلمات جروحًا مخفية، أو اللكمات الصامتة التي تترك آثارًا لا تُرى.
"هارو!" صرخة مفاجئة قطعت أفكاري. التفت لأرى معلمي، السيد "تاناكا"، يقترب بسرعة. كان رجلاً في منتصف العمر، دائمًا ما كان يرتدي بدلة قديمة، وكان وجهه دائمًا يبدو عليه الإرهاق. "أنت متأخر مرة أخرى، تعال إلى مكتبي بعد الحصة." تجاهلت الأمر، وكأنني أعيش في عالم موازٍ. كنت دائمًا متأخرًا، ودائمًا ما كانت هناك أسباب أعمق من مجرد النعاس أو الإهمال.
عندما انتهت الحصة، مررت بالممرات الفارغة، والتفت نحو نافذة المدرسة. كانت الشمس تغرب ببطء، والسماء مزيج من اللونين الوردي والبرتقالي. كان منظر الغروب هذا دائمًا ما يذكرني بالوحدة. شيء في الغروب كان يجعلني أفكر في الأشياء التي لم أستطع الهروب منها، في الحزن الذي يسكنني كل يوم.
..."نعيش بين الناس، ولكننا نعيش وحدنا. نحن محاصرون داخل عقولنا، حيث تكون الكلمات مجرد ضوضاء، والمشاعر مجرد أشباح تحوم."...
عندما وصلت إلى مكتب المعلم، كان هناك بالفعل، جالسًا خلف مكتبه. لم ينظر إليّ مباشرة، لكنني كنت أشعر بثقله، بثقل الكلمات التي سيقولها. "هارو..." صوته كان متعبًا مثل وجهه. "أنت تعلم أنني لا أستطيع الاستمرار في الدفاع عنك. إذا كنت تواصل التأخر، وإذا لم تبدأ في تحسين درجاتك، فسيكون الأمر خارج يدي."
كنت أعرف ما سيأتي بعد ذلك. نفس الكلمات التي سمعتها مئات المرات. "أنت ذكي، هارو، لديك الإمكانيات، لكنك لا تستغلها." كان يتحدث، لكن عقلي كان في مكان آخر. كنت أفكر في "ريوجي"، وفي كيف كانت حياتي تتحول إلى جحيم بسبب وجوده.
غادرت المكتب دون أن أنطق بكلمة، متجهًا إلى الساحة الخلفية للمدرسة. كان المكان خاليًا، والضوء الخافت للسماء المغيبة يضفي جوًا من الغموض على كل شيء. جلست على أحد المقاعد المهترئة، وأخرجت مشغل الأقراص المضغوطة الخاص بي. ضغطت على زر التشغيل، وبدأت أستمع إلى أغنية "Lily Chou Chou"، تلك الأغاني التي كانت تأخذني بعيدًا عن كل شيء. بعيدًا عن الألم، بعيدًا عن المدرسة، بعيدًا عن التنمر.
..."في النهاية، نحن نبحث عن أصوات تخرجنا من أعماق الظلام. ولكن في بعض الأحيان، حتى الموسيقى لا تكفي."...
استمعت إلى الأغنية بينما كنت أنظر إلى السماء. شعرت وكأنني أغرق في بحر من الحزن لا يمكنني السباحة فيه. كل شيء كان يزداد سوءًا. في ذلك اليوم، عندما عدت إلى المنزل، وجدت والدي في غرفة المعيشة، يحتسي الكحول ويشاهد التلفاز بصمت. كانت أمي قد غادرت منذ سنوات، وتركتنا في هذا المنزل الفارغ. كان والدي يتغير ببطء منذ رحيلها، لكنه أصبح شخصًا آخر تمامًا. كل يوم يمر يجعله أكثر غضبًا، أكثر بعدًا عني.
صعدت إلى غرفتي، وأغلقت الباب خلفي، ورميت حقيبتي في الزاوية. جلست على السرير، أطفأت الأنوار، وتركت الظلام يحيط بي. شعرت وكأنني أختفي في هذا الظلام، وكأنني لست هنا. كل ما كنت أريده هو أن أختفي، أن أصبح جزءًا من العدم.
مر اليوم ببطء، وبالكاد نمت تلك الليلة. في الصباح، استيقظت على صوت الهاتف يرن. كان اتصالًا من "يوكا"، صديقتي الوحيدة. كانت تقول إنها تريد مقابلتي في حديقة "يويوجي"، وأن لديها شيئًا مهمًا لتخبرني به. لم أكن مستعدًا لمغادرة المنزل، لكنني شعرت أنني لا أستطيع رفض طلبها.
عندما وصلت إلى الحديقة، كانت يوكا تجلس تحت الشجرة الكبيرة المعتادة. بدت مختلفة اليوم. كانت أكثر هدوءًا من المعتاد، وكأنها تحمل سرًا كبيرًا يثقل على قلبها. جلست بجانبها بصمت، ولم أستطع أن أبدأ المحادثة. بعد لحظات، نظرت إليّ وقالت بصوت هادئ: "هارو، هناك شيء يجب أن تعرفه..."
Comments
جميل جدا حتى اني احسن اني اعيش في عالم واقعي
2024-10-18
1