كان رين يقف على عتبة الحقيقة، مرتعشًا وغير قادر على المضي قدمًا أو الرجوع. خلفه كانت الغرفة التي اكتشف فيها تلك الصور المشؤومة، وأمام عينيه كان يقف السيد ذو الوجه الأحمر، مرتديًا قناعه الأبيض البارد. الغرفة التي دخلوها لم تكن إلا انعكاسًا مباشرًا لعقله المضطرب، فكل جدار وكل ركن كان ينبض بالأسرار التي لم يكن مستعدًا لمواجهتها.
تقدم رين خطوة نحو الرجل المقنع، لكن قدماه تراجعتا قليلاً، وكأنه لم يكن يستطيع السيطرة على جسده.
رين: "ماذا تريد مني؟!"
السيد ذو الوجه الأحمر: "لطالما كانت الإجابة أمامك. لقد أردت الحقيقة، وها هي، أمام عينيك."
ارتجف رين. كيف يمكن للحقيقة أن تكون بهذه القسوة؟ كل جزء من كيانه كان يرتجف خوفًا مما سيكتشفه، ولكن جزءًا صغيرًا منه أراد الاستمرار. تلك الرغبة التي أحسها لأول مرة عندما دخل الكوخ، عندما رأى الوجوه المألوفة في الصور، عندما شعر بعودة الذكريات التي لم يعرف أنه نسيها.
اقترب الرجل المقنع منه ببطء، وخطواته كانت تشق السكون المحيط. لكنه لم يقترب أكثر من اللازم. بدلاً من ذلك، التفت إلى الحائط خلفه. خلفه كانت تظهر رسومات جديدة، صور غير مألوفة لكنها تحمل شيئًا من الرعب المختبئ.
"هذه هي قصتك يا رين. هذه هي بداية النهاية. لقد كنت مجرد بيدق في لعبة أكبر منك."
حاول رين أن يتنفس ببطء، ولكن الهواء كان ثقيلًا جدًا في تلك الغرفة المظلمة. تلمس وجهه، وكأنه يحاول التأكد من أنه لا يزال على قيد الحياة.
"بيدق؟ لعبة؟... لا أفهم..."
الرجل المقنع لم يلتفت إلى رين، بل أكمل حديثه وهو ينظر إلى الرسومات التي كانت تتشكل على الجدار وكأنها تنبض بالحياة.
السيد ذو الوجه الأحمر: "ما عشته لم يكن سوى وهم. أنت، ووالداك، وكل ما كنت تعتقد أنه حياتك الحقيقية... كلها كانت مزيفة."
رين: "ماذا تعني؟"
السيد ذو الوجه الأحمر: "كل شيء مخطط له منذ البداية. الكوخ، اختفاء والديك، وحتى وصولك إلى هنا اليوم."
تسارعت دقات قلب رين وهو يستوعب كلام الرجل. لم يعد الأمر يتعلق فقط بماضٍ غامض، بل بجزء من مخطط أكبر كان لا يدركه.
بدأت الغرفة تتغير من جديد. الجدران التي كانت ثابتة بدأت تتلاشى، وتحولت الأرضية إلى شيء شبيه بالماء. كان الأمر كما لو أن المكان كله يتحول إلى كابوس حي.
أخذ رين خطوة إلى الوراء، محاولًا الهروب من ذلك الواقع المتغير، لكنه كان يعلم أن لا مفر له. لم يكن هناك أي طريق للعودة.
"هل هذا حقيقي؟ هل كل ما عشته كان كذبة؟"
الذكريات التي بدأت تعود إليه لم تكن سوى شظايا، قطع متناثرة من مشاهد وأحداث لم يكن يعرف أنها جزء من حياته. كيف يمكن أن يكون قد نسي كل هذا؟ وكيف كانت تلك الصور الغامضة تربط ماضيه بمستقبله المجهول؟
بينما كان رين يتخبط في أفكاره، شعر بشيء غير مألوف. تلك الأصوات، تلك الذكريات، لم تكن فقط نتيجة لما يحدث الآن، بل كانت تراكمات لأحداث ماضية عاشها دون أن يدرك.
"لقد حان وقت الحقيقة."
اختفت الجدران تمامًا، وتحولت الغرفة إلى فضاء شاسع مليء بالظلام، ولكن من ذلك الظلام، بدأ يظهر ضوء خافت. تقدم رين بخطوات بطيئة نحو الضوء، على الرغم من الرهبة التي كانت تسيطر عليه. كان يشعر بأن هذا النور يخفي خلفه شيئًا مروعًا، لكنه لم يستطع التوقف.
عندما اقترب من الضوء، وجد أمامه مرآة. لكنها لم تكن مرآة عادية، كانت مرآة تعكس مشاهد من ماضيه، مشاهد لم يتذكرها لكنه يعرف أنها حقيقية.
في المرآة رأى والديه لأول مرة بعد سنوات من الفقد. لكنهما كانا مختلفين، وجههما كان مليئًا بالخوف واليأس، وكأنهما كانا يهربان من شيء أكبر منهما.
"أمي... أبي..."
لكن الصوت الذي خرج من المرآة لم يكن صوته. بل كان صوتًا آخر. صوت تلك الشخصية التي لاحقته طوال رحلته. كان السيد ذو الوجه الأحمر يظهر في المرآة مكان والديه.
"لقد كنت أنا طوال الوقت."
كانت تلك الجملة كالصاعقة على قلب رين. كيف يمكن أن يكون الرجل المقنع هو المفتاح لكل شيء؟ هل كان جزءًا من ماضيه؟ هل كان هو الذي جلب كل هذا الألم إلى حياته؟
بدأت الأسئلة تتكاثر في ذهن رين، لكن الإجابات كانت بعيدة.
Comments