رواية، همسات الهدى
تنويه.
القصة تتكون من فصول قصيرة، قد تكون أحداثها سريعة لكنها مناسبة لسيرورة القصة.
________
الساعة العاشِرة صباحًا، في سيارة سوداء لامعة حيثُ تَمرُ الكثِير من الأشجار والأراضي الزراعية بسرعة دُون أن يستطيع أي بشري أن يتلذذ بالنظر لهم بعينيه.
كانت تجلس تلك الفتاة بالمقعد المُجاور للسائق، فتاة ببشرة حِنطية تنظر للنافذة وتُحاول أن تُلاحق تلك الأشجار التي تمر سريعًا..أو بالأصل هي تُرِيد أن تُشغل عقلها بشيء غير الذي يُصارعها داخليًا.
أبعدت عيناها عن النَافِذة ونظرت لِوالدها الجالس جوارها في مقعد السائق، لمحها والِدها بنظرة جانبية ثُم تنهد هو مُتحدثًا:
«عزيزتي رنيم، لعله خير، من يدري ما الذي قد يحدث لكِ إن دخلتي تلك الجامعة التي تمنيّتِها؟ ارضي يا ابنتي، أنا متأكد أنه خير»
أومأت رنِيم بصمت ثم عاودت النظر للنافذة، فهي ذاهبة للجامعة، أجل الجامعة التي حُكمت عليها بسبب التنسيق، فهي كانت تَرغب بالطب! كان حُلمها مُنذ أن كانت صغيرة، والآن لقد تبخر كُل شيء، وها هي ذاهبة لجامعة تَكره تخصصها وتكره ذَلك الطريق الذي سيوصلها بسهولة.
__________________
بعد ما يُقارب الساعة، وصلت السيارة السوداء إلى الجامعة، ترجلت رنيم خارج السيارة تزامنًا مع والدها، ثُم أسرع والدها لخلف السيارة كي يجلب لها أمتعتها، أمسكت رنيم أمتعتها ثُم تنهدت وقامت بعناق والِدها قبل الذهاب، ابتسم والِدها ثم ربت على ظهرها وأردف:
«اتصلي بنا يوميًا، وكُلي جيدًا، وضعت لكِ المال بحقيبتكِ، إن أردتِ المزيد اتصلي بي وأخبريني»
قَوست رنيم شفتيها ثم شَدت على عناق والدها؛ فهي ستبقى بالسكن الجامعي طوال فترة الدراسة، لأن الجامعة بمدينة مختلفة وبعيدة عن مدينتها.
«بالطَبع يا أبي، اعتني بنفسك وبأمي وأخي»
ابتعدت عن حُضنه ثم قال الأب بابتسامة وهو يربت على رأسها:
«استودعتكِ الله الذي لا تضيع ودائعه»
بعد قول كلماته ركب سيارته ثم سار بعيدًا، حملت رنيم حقيبتها، وقبل دلُوفها للحرم الجامعي أخذت نفسًا عميقًا كي تُهوِن على نفسها قليلًا.
سارت ساحبةً حقيبتها ذات العجلات خلفها، وعينيها تدور بالأرجاء، هُنالِك السعيد وهنالك الحزين، وهي تعلم أنها دُون شك من النوع الحزين هُنا.
سارت باتجاه غُرفتها الخاصة في السكن الجامعي، كَادت أن ترفع يدها وتطرق الباب إلا أنه سَبقها شخص ما وتم فتح الباب من الداخل.
رمشت رنيم عِدة مرات فور رُؤيتها لفتاة أكبر منها شكلًا ذات أعين بُنية وبشرة فاتحة مُرتدية الزي الشرعي، أمالت رنيم رأسها قليلًا ثم تذكرت أن هنالك شخصًا سيشاركها الغُرفة.
قطعت حبل أفكارها تِلك الفتاة وهي تمد لها يدها للمصافحة نابسة:
«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! أنا بيان، تشرفت بكِ يا..؟»
«رنيم، أدعى رنيم»
قالت رنيم كلماتها بينما مدت يدها هي الأخرى للمُصافحة.
ابتسمت لها بيان بِود ثم قالت بخفوت:
«إلقاء السلام سُنة ورده فَرض»
فَكت رنيم يدها من المُصافحة ثم ردت قائلة:
«وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته»
بعد قول كلمتها دلفت رنيم للغُرفة ثُم جلست على السرير المُقابل لسرير بيان كي تُرتب أمتعتها تزامنًا مع خروج بيان من الغرفة.
نَظرت رنيم للخلف حيثُ كانت تقف مع بيان وانكمش وجهها وأردفت:
«الله أعلم ما يَنتظرني»
عادت لترتيب ما تَفعله لكن عقلها لم يتوقف عن التفكير، هي الآن بغرفة مع فتاة مُلتزمة..ليست مُلتزمة فقط بل ترتدي الخمار الذي يسمونه زيًا شرعيًا! هي لا تعلم ما مشكلتهم مع البناطيل والحجاب العادي!
لمَ هُم مُتشددون هكذا؟!
__________________
إنها الساعة الثانية بعد مُنتصف الليل، ليلة هادئة مع ضوء خفيف بمعظم غُرف السَكن الجامعي، استيقظت رنيم بعد أن تخلل إلى مسامعها صوت عذب.
اعتدلت رنيم على سريرها ثُم نظرت بالأرجاء لترى بيان تجلس على سريرها وبيدها القرآن الكريم تقرأ منه، عندما لاحظتها بيان توقفت عن القراءة ثم قالت بأسف:
«هل استيقظتِ بسببي؟ أعتذر حقًا..»
نَفت رنيم برأسها وأردفت:
«أبدًا..لقد نمت كثيرًا بالفعل لذا؛ من الطبيعي أن أستيقظ الآن»
أومأت بيان مُتحدثة:
«صحيح، عندما عُدت للغرفة كنتِ نائمة، ولم أرد إزعاجك بدوتِ مُتعبة»
ابتسمت لها رنيم بامتنان، ثم حمحمت و صمتت لدقائق..ثم تفوهت:
«صوتكِ جميل..كيف أصبحتِ هكذا؟»
أُنير وجه بيان بحماس ثم قالت:
«تعلمت التجويد ثم بدأت حينها أردد وراء القُراء»
أومأت رنيم بصمت، حينها أردفت بيان:
«لم تسأليني..لكنني في سنتي الجامعية الثالثة»
زَمت رنيم شفتيها ثُم تابعت بيان حديثها:
«في الواقع كان حُلمي أن أدخل كلية للغات والترجمة، لكن انتهى بي المطاف هُنا، بقسم علم النفس والحمد لله على كل حال»
«كان حُلمي أن أكون طبيبة أسنان»
قالت رنيم بصوت خافت وتخلل الحُزن بنبرتها.
اقتربت بيان من رنيم ثم قالت بصوت هادئ:
«لمَ الحُزن؟ مَن يدري أن يكمُن الخيّر؟»
هزت رنيم رأسها بلا مبالاة ثم أردفت بملل:
«أجل، الجميع يقول هذا»
وضعت بيان خُصلات شعرها خلف أذنها ثم قالت بنبرة لينة:
«هل أخبركِ شيئًا؟ كُلية اللغات والترجمة التي أردت الذهاب إليها، ذهبت لها صديقة أعرفها..لكن صديقتي لم تُوَفَق بها، وعادت السنة مرتين..بعد ذلك تم نقلها لجامعة أخرى، وهي الآن ناجحة بدراستها ومجالها ما شاء الله..لذا؛ عندما حدث ذلك جلست مع نفسي قليلًا أفكر..هل أنا كنت أضمن النجاح في تلك الجامعة؟ لا أبدًا..هل أنا كنت أضمن أنني سأُوَفق بها وأنجح؟ أيضًا لا، لِذا؛ من يعلم؟ رُبما تلك الجامعة وذلك التخصص قد يكُون فشلًا لكِ لا نجاح»
حَكت رنيم عنقها ثم همهمت بتفهم وأومأت قائلة:
«صحيح، لكنني أحب طب الأسنان..ما دمت أحبه كنت سأنجح به..»
«الحُب ليس كفاية..فأنتِ لن تدرسي مواد طب الأسنان فقط..أو ربما يكون بمخيلتكِ غير الواقع تمامًا، فمن يدري أين الخير؟ فلتتقبلي الأمر وتدبري كلام الله -عز وجل- في كتابه.
قال الله -عز وجل- :﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
وفي آيةً أخرى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
رتلت بيان الآيتين بصوتها العَذب مما جعل رنيم تشعر بالارتياح وتبدأ بتقبل الأمر ولو قليل.
فَور أن انتهيت بيان صَدح صوت أذان الفجر بالأرجاء، ردَدت بيان بعد المُؤذن، وفور أن انتهى نظرت بيان إلى رنيم قائلة بابتسامة:
«ما رأيكِ بأن نُصلي جماعة؟»
صَمتت رنيم قليلًا ثم قالت بخمول وكسل:
«نحن بالشتاء والماء بارد، ولا يتواجد سخان في الغرفة»
«ألا تعلمين أن الأجر سيكون مضاعفًا؟ وأن الله يعجب للعبد الذي يقوم ويتوضأ ويصلي في ليلة باردة؟»
«آهخخ ولكن..»
لم تُكمل جملتها حيثُ سحبتها بيان من يدها كَي يتوضؤوا معًا قائلة:
«كفاكِ، لا تجعلي الشيطان يلعب برأسك»
توضأت الفتاتان ثم صلتا صلاة الجمَاعة وبعد الانتهاء انكمشت كلًا منهم على سريرها.
Comments
خذي لفه على قصتي بس حطي لايك
2024-04-22
0