مرت أيام قليلة هادئة على هذا الحَرم الجامعي، وخلال هذه الأيام تجاهلت رنيم كلًا من شهد ومريم وفاطمة..قبل ترك فاطمة نصحتها رنيم لأن بيان طلبت منها ذلك؛ لكِن فاطمة لم تستمع لها وسمحت لشهد ومريم بتشكيلها كما يريدون، حتى أنها انتقلت معهن في نفس الشقة.
أصبح الثُلاثي بكل مكان معًا، وكانت فاطمة تُلقي الكثير من التعليقات ضاحكةً عندما ترى رنيم.
اقتربت رنيم أكثر من بيان في هذه الأثناء، وانتظمت بالصلاة وأصبح لها وِرد يومي من القرآن بجانب الدراسة.
لكِن في يومٍ من الأيام، في الساعة الخامسة صباحًا، رن هاتف رنيم أكثر من مرة، كانت رنيم وبيان في هذه الأثناء نائمتان بعمق.
سمعت رنيم الهاتف لكنها تجاهلت وأكملت نومها، هي لم ترَى من المُتصل حتى.
وبعد تِسع ساعات استيقظت رنيم، صلت الظُهر وجلست لتناول الإفطار مع بيان تحت الابتسامات والأحاديث المُمتعة.
لكن فجأة ودون سابق إنذار تم الطَرق بقوة على باب غرفتهن مما أصابهم بالفزع! ارتدت بيان خمارها ورنيم حجابها وفتحت رنيم الباب وجدتها زميلة رنيم بملامح مُروعة تحاول التقاط أنفاسِها وقالت بفزع:
«رنيم!! فاطمة فاطمة زميلتنا لقد ماتت!! يسأل عنكِ عميد الجامعة تعالي الآن!!»
لم تستطع رنيم فهم ما يحدث كليًا لكن زميلتها سحبتها من يدها مُسرعة تحت نظرات بيان القلقة.
وصلت رنيم لمكتب عميد الجامعة مع زميلتها بينما بيان انتظرتها بالخارج.
وقف عميد الجامعة يقول بحزم:
«رنيم، آخر إتصال من على هاتف فاطمة كان أنتِ، هل أنتما مقربتان؟ لمَ لم تجيبي عليها؟»
تلعثمت رنيم وأردفت بخوف:
«أنا لا أعلم..لست..لست مقربة منها، ولم أجب لأنني كنت نائمة..بإمكانك سؤال بيان إن كنت أكذب..»
همهم عميد الجامعة وتحدث بنبرة مليئة بالجدية:
«إن عرفتِ أي شيء لا تترددين في إخباري، تقول صديقتاها في السكن أنها انتحرت نتيجة ضغط نفسي، لِذا؛ إن علمتِ أي شيء فلتأتي إليّ، فوالدها لن يَصمت عما حدث لابنته»
أومأت رنيم عدة مرات دُون إرادة ثم خرجت من مكتب العميد بدُون لون، عندما خرجت رنيم جلس العميد على كُرسي مكتبه ثم همس لنفسه:
«شهد ومريم مرة أخرى؟ ما علاقتهم بحوادث طالبات السنة الأولى؟ حتى تلك الفتاة التي طُردت العام الماضي كانت صديقتهم»
عندما ترجلت رنيم خارج المكتب وقعت أعينها على بيان عانقتها دُون حديث..فقط شهقات تخرج ودموع تُذرف دون شعور.
..._______________...
بعد أن ذهبت بيان مع رنيم للغرفة، حاولت بيان تهدئة رنيم بكل الطُرق، لكن الخوف والفزع كان لا يزالان معها دون جهد منها.
ذهبت بيان لتجلب الماء لرنيم، بينما هي أخذت هاتفها وفتحته، ووجدت أكثر من 10 مكالمات فائتة من رقم غير مسجل عندها..ولا شك أنه رقم فاطمة..ربما أخذت فاطمة رقمها من شهد..لكن لمَ؟ لماذا اتصلت بها قبل وفاتها بساعات؟ ماذا هناك؟ ماذا حدث؟؟
عقلها لا يتوقف عن تخيل سيناريوهات كئيبة، ماذا حدث لكِ يا فاطمة؟
وأثناء تفكيرها ذلك قَطعه صوت رسالة اعتيادية من شركات الخطوط..لكن عندما نظرت رنيم للرسائل وجدت أن هنالك رسالتين غير مقروءتين من نفس الرقم الذي اتصل بها ألا وهو رقم فاطمة! وجدت أن هنالك رسالة أُرسِلت في تمام الساعة السادسة إلا ثُلث، والأخرى أُرسلت عند التاسعة والرُبع.
فتحت رنيم الرسالة الأولى وكان بها الآتي:
«رنيم لمَ لا تجيبين عليّ!! أنا أحتاجك! كنتُ مخطئة، أنا خائفة! إنه يهددني يا رنيم!! يهددني بصوري!! شهد ومريم كانوا من شجعوني على هذا لكنهم الآن قالوا ليس لنا دخل! لم يأتي ببالي غيركِ أرجوكِ أجيبي!! أنا أموت بالبطيء يا رنيم..أصبحت أشعر بشماتة شهد ومريم بي! يالي من حمقاء كوني وثقت بهن..يا ليتني استمعت لنصيحتكِ..رنيم!! ساعديني..أبي سيقتلني إن عرف شيء كهذا أرجوكِ..»
لم تكف عينا رنيم عن البكاء، لكنها انتقلت للرسالة الثانية:
«رنيم..شهد ومريم كانوا معه..لقد هددوني كي أرسل لهم المال كَون أن والد مريم قطع عنها المال..رأيت ذلك من رسالة هو أرسلها لمريم..رنيم إن حدث لي شيء…أرجوكِ أخبري الجميع عن حقيقتهن..آخر أمنية أتمناها..سأحذف الرسائل لدي لكنها ستبقى لديكِ..أرجوكِ..لم أعد أقوى على التحمل»
عندما قرأت رنيم تلك الرسالة وقع الهاتف منها ثُم شهقت شهقات متتالية حتى كاد نفسها أن ينقطع مما أفزع بيان وأسرعت لها لتحتضنها.
بقيّت رنيم تصرخ وتبكي من الحُرقة وكان يأكلها الشعور بالذنب، هل إن أجابت عليها بالوقت المناسب كانت ستكون حية؟ الله وحده يعلم كيف كان شعورها قبل وفاتها..كيف شعرت وكيف توفت؟؟ يا الله..رُغم فظاظة فاطمة معها بآخر فترة..لكن قلبها يعتصر من الألم.
ظلت رنيم على هذه الحالة لِثلاث ساعات، ظلت تنظر للفراغ تارة وتبكي تارةً أخرى، وبيان جانبها ممسكة بيدها.
وبعد الكثير من التفكير والصراعات الداخلية، أمسكت رنيم هاتفها ثم قالت بحزم:
«بيان..سأذهب لعميد الجامعة»
ألقت رنيم كلماتها ثم مشت بخطوات ثقيلة مُميتة إلى عميد الجامعة.
طرقت الباب ثم دخلت وتحدثت بجفاء:
«لدي شيء أُريكَ إياه سيدي»
..._________________...
بعد يومٍ مر كالعام، وفي الساعة الثامنة صباحًا من اليوم التالي، سمع جميع من بالجامعة أصوات سيارات الشرطة وهي ذاهبة للشقة الخاصة بشهد ومريم؛ فشقتهم بجانب الجامعة.
سارت رنيم ووقفت عِند بوابة الجامعة مع بقية الطُلاب يُناظرون الشرطة وهم يأخذون كِلتا الفتاتين بسيارتهم كالمجرمين.
كانت رنيم تُناظرهم بجفاءٍ شديد، والد فاطمة لديه سُلطات ووالد مريم لديه الثراء، لكنه لن يستطيع مُساعدتهم، الولاء للأقوى.
دَخلت رنيم للجامعة وجلست على مقعد مُقارب..إن كان معهن هل ستموت بنفس طريقة فاطمة؟ سواء الانتحار أو القتل..لكن لا! فاطمة لم تنتحر، رسالتها الأخيرة لا تدل على ذَلك! هل واجهتم وقتلوها؟ هل ..وهل..؟ كل شيءٍ وارد، لكن لا، لن نُظن السوء، تحريات الشُرطة سَتقول ما حدث.
شابة بعمر الزهور، ضاع عمرها بسبب صُحبة السوء، ليست الوحيدة ولا الأولى ولا الأخيرة..رحمكِ الله يا فاطمة وأدخلكِ جنته.
Comments