NovelToon NovelToon

رواية، همسات الهدى

مُلاقاة.

تنويه.

القصة تتكون من فصول قصيرة، قد تكون أحداثها سريعة لكنها مناسبة لسيرورة القصة.

________

الساعة العاشِرة صباحًا، في سيارة سوداء لامعة حيثُ تَمرُ الكثِير من الأشجار والأراضي الزراعية بسرعة دُون أن يستطيع أي بشري أن يتلذذ بالنظر لهم بعينيه.

كانت تجلس تلك الفتاة بالمقعد المُجاور للسائق، فتاة ببشرة حِنطية تنظر للنافذة وتُحاول أن تُلاحق تلك الأشجار التي تمر سريعًا..أو بالأصل هي تُرِيد أن تُشغل عقلها بشيء غير الذي يُصارعها داخليًا.

أبعدت عيناها عن النَافِذة ونظرت لِوالدها الجالس جوارها في مقعد السائق، لمحها والِدها بنظرة جانبية ثُم تنهد هو مُتحدثًا:

«عزيزتي رنيم، لعله خير، من يدري ما الذي قد يحدث لكِ إن دخلتي تلك الجامعة التي تمنيّتِها؟ ارضي يا ابنتي، أنا متأكد أنه خير»

أومأت رنِيم بصمت ثم عاودت النظر للنافذة، فهي ذاهبة للجامعة، أجل الجامعة التي حُكمت عليها بسبب التنسيق، فهي كانت تَرغب بالطب! كان حُلمها مُنذ أن كانت صغيرة، والآن لقد تبخر كُل شيء، وها هي ذاهبة لجامعة تَكره تخصصها وتكره ذَلك الطريق الذي سيوصلها بسهولة.

__________________

بعد ما يُقارب الساعة، وصلت السيارة السوداء إلى الجامعة، ترجلت رنيم خارج السيارة تزامنًا مع والدها، ثُم أسرع والدها لخلف السيارة كي يجلب لها أمتعتها، أمسكت رنيم أمتعتها ثُم تنهدت وقامت بعناق والِدها قبل الذهاب، ابتسم والِدها ثم ربت على ظهرها وأردف:

«اتصلي بنا يوميًا، وكُلي جيدًا، وضعت لكِ المال بحقيبتكِ، إن أردتِ المزيد اتصلي بي وأخبريني»

قَوست رنيم شفتيها ثم شَدت على عناق والدها؛ فهي ستبقى بالسكن الجامعي طوال فترة الدراسة، لأن الجامعة بمدينة مختلفة وبعيدة عن مدينتها.

«بالطَبع يا أبي، اعتني بنفسك وبأمي وأخي»

ابتعدت عن حُضنه ثم قال الأب بابتسامة وهو يربت على رأسها:

«استودعتكِ الله الذي لا تضيع ودائعه»

بعد قول كلماته ركب سيارته ثم سار بعيدًا، حملت رنيم حقيبتها، وقبل دلُوفها للحرم الجامعي أخذت نفسًا عميقًا كي تُهوِن على نفسها قليلًا.

سارت ساحبةً حقيبتها ذات العجلات خلفها، وعينيها تدور بالأرجاء، هُنالِك السعيد وهنالك الحزين، وهي تعلم أنها دُون شك من النوع الحزين هُنا.

سارت باتجاه غُرفتها الخاصة في السكن الجامعي، كَادت أن ترفع يدها وتطرق الباب إلا أنه سَبقها شخص ما وتم فتح الباب من الداخل.

رمشت رنيم عِدة مرات فور رُؤيتها لفتاة أكبر منها شكلًا ذات أعين بُنية وبشرة فاتحة مُرتدية الزي الشرعي، أمالت رنيم رأسها قليلًا ثم تذكرت أن هنالك شخصًا سيشاركها الغُرفة.

قطعت حبل أفكارها تِلك الفتاة وهي تمد لها يدها للمصافحة نابسة:

«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! أنا بيان، تشرفت بكِ يا..؟»

«رنيم، أدعى رنيم»

قالت رنيم كلماتها بينما مدت يدها هي الأخرى للمُصافحة.

ابتسمت لها بيان بِود ثم قالت بخفوت:

«إلقاء السلام سُنة ورده فَرض»

فَكت رنيم يدها من المُصافحة ثم ردت قائلة:

«وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته»

بعد قول كلمتها دلفت رنيم للغُرفة ثُم جلست على السرير المُقابل لسرير بيان كي تُرتب أمتعتها تزامنًا مع خروج بيان من الغرفة.

نَظرت رنيم للخلف حيثُ كانت تقف مع بيان وانكمش وجهها وأردفت:

«الله أعلم ما يَنتظرني»

عادت لترتيب ما تَفعله لكن عقلها لم يتوقف عن التفكير، هي الآن بغرفة مع فتاة مُلتزمة..ليست مُلتزمة فقط بل ترتدي الخمار الذي يسمونه زيًا شرعيًا! هي لا تعلم ما مشكلتهم مع البناطيل والحجاب العادي!

لمَ هُم مُتشددون هكذا؟!

__________________

إنها الساعة الثانية بعد مُنتصف الليل، ليلة هادئة مع ضوء خفيف بمعظم غُرف السَكن الجامعي، استيقظت رنيم بعد أن تخلل إلى مسامعها صوت عذب.

اعتدلت رنيم على سريرها ثُم نظرت بالأرجاء لترى بيان تجلس على سريرها وبيدها القرآن الكريم تقرأ منه، عندما لاحظتها بيان توقفت عن القراءة ثم قالت بأسف:

«هل استيقظتِ بسببي؟ أعتذر حقًا..»

نَفت رنيم برأسها وأردفت:

«أبدًا..لقد نمت كثيرًا بالفعل لذا؛ من الطبيعي أن أستيقظ الآن»

أومأت بيان مُتحدثة:

«صحيح، عندما عُدت للغرفة كنتِ نائمة، ولم أرد إزعاجك بدوتِ مُتعبة»

ابتسمت لها رنيم بامتنان، ثم حمحمت و صمتت لدقائق..ثم تفوهت:

«صوتكِ جميل..كيف أصبحتِ هكذا؟»

أُنير وجه بيان بحماس ثم قالت:

«تعلمت التجويد ثم بدأت حينها أردد وراء القُراء»

أومأت رنيم بصمت، حينها أردفت بيان:

«لم تسأليني..لكنني في سنتي الجامعية الثالثة»

زَمت رنيم شفتيها ثُم تابعت بيان حديثها:

«في الواقع كان حُلمي أن أدخل كلية للغات والترجمة، لكن انتهى بي المطاف هُنا، بقسم علم النفس والحمد لله على كل حال»

«كان حُلمي أن أكون طبيبة أسنان»

قالت رنيم بصوت خافت وتخلل الحُزن بنبرتها.

اقتربت بيان من رنيم ثم قالت بصوت هادئ:

«لمَ الحُزن؟ مَن يدري أن يكمُن الخيّر؟»

هزت رنيم رأسها بلا مبالاة ثم أردفت بملل:

«أجل، الجميع يقول هذا»

وضعت بيان خُصلات شعرها خلف أذنها ثم قالت بنبرة لينة:

«هل أخبركِ شيئًا؟ كُلية اللغات والترجمة التي أردت الذهاب إليها، ذهبت لها صديقة أعرفها..لكن صديقتي لم تُوَفَق بها، وعادت السنة مرتين..بعد ذلك تم نقلها لجامعة أخرى، وهي الآن ناجحة بدراستها ومجالها ما شاء الله..لذا؛ عندما حدث ذلك جلست مع نفسي قليلًا أفكر..هل أنا كنت أضمن النجاح في تلك الجامعة؟ لا أبدًا..هل أنا كنت أضمن أنني سأُوَفق بها وأنجح؟ أيضًا لا، لِذا؛ من يعلم؟ رُبما تلك الجامعة وذلك التخصص قد يكُون فشلًا لكِ لا نجاح»

حَكت رنيم عنقها ثم همهمت بتفهم وأومأت قائلة:

«صحيح، لكنني أحب طب الأسنان..ما دمت أحبه كنت سأنجح به..»

«الحُب ليس كفاية..فأنتِ لن تدرسي مواد طب الأسنان فقط..أو ربما يكون بمخيلتكِ غير الواقع تمامًا، فمن يدري أين الخير؟ فلتتقبلي الأمر وتدبري كلام الله -عز وجل- في كتابه.

قال الله -عز وجل- :﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

وفي آيةً أخرى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.

رتلت بيان الآيتين بصوتها العَذب مما جعل رنيم تشعر بالارتياح وتبدأ بتقبل الأمر ولو قليل.

فَور أن انتهيت بيان صَدح صوت أذان الفجر بالأرجاء، ردَدت بيان بعد المُؤذن، وفور أن انتهى نظرت بيان إلى رنيم قائلة بابتسامة:

«ما رأيكِ بأن نُصلي جماعة؟»

صَمتت رنيم قليلًا ثم قالت بخمول وكسل:

«نحن بالشتاء والماء بارد، ولا يتواجد سخان في الغرفة»

«ألا تعلمين أن الأجر سيكون مضاعفًا؟ وأن الله يعجب للعبد الذي يقوم ويتوضأ ويصلي في ليلة باردة؟»

«آهخخ ولكن..»

لم تُكمل جملتها حيثُ سحبتها بيان من يدها كَي يتوضؤوا معًا قائلة:

«كفاكِ، لا تجعلي الشيطان يلعب برأسك»

توضأت الفتاتان ثم صلتا صلاة الجمَاعة وبعد الانتهاء انكمشت كلًا منهم على سريرها.

تأرجح.

ها هُو اليَوم الأول الذي ستبدأ فيه رنِيم دِراستها الجامعية،فهي لم تنزل محاضراتها لأسبوعٍ كامل، ولولا بيان لَما نزلت أبدًا!

ارتدت ملابسها وعدلت حجابها في المرآة ثُم استعدت للنزُول، لكِن قبل أن تخطُو خطوة أخرى للخارج أوقفتها بيَان قائلة:

«هل ستأتي لتناول الغداء معي؟»

«بالطبع، لديكِ رقمي الآن تستطيعين الإتصال بي»

«لا تنسي صلاتِك..»

سَمعت رنيم جملة بيان الأخيرة بصوتٍ ضعيف نتيجةً لغلقها الباب.

دخلت رنيم المُدرج الخاص بها وجلست بجوار بعض الفتيات، لاحظتها فتاة منهم مما جعلها تبتسم ابتسامة جعلت رنيم غير مرتاحة، لكن تلك الفتاة نبست:

«مرحبًا، أنا شهد وتلك مريم وتلك فاطِمة»

تحدثت الفتاة عن نفسها ثُم أشارت لبقية الفتيات بجانبها.

أومأت رنيم قائلة:

«تشرفت بكن، أدعى رنيم»

«رنيم! يا له من اسم جميل»

ابتسمت رنيم على تِلك المُجاملة لكن قطع حَبل أفكارها صَوت دكتُورة المادة التي تحدثت:

«شهد ومريم! هل أتيتم لمدرج الفرقة الأولى كي تقوموا بعمل شغب!»

«لا لا يا دكتورة سارة، كنا نتعرف عليهم فقط»

«في محاضرتي؟؟.»

أنهت دكتُورة المادة جُملتها وبدا أن الغضب سيتطاير من عينيها.

أعادت كُلًا من شهد ومريم جسدهم للخلف كي يتجنبوا أي شِجار مع الدكتورة سارة مرة أخرى؛ فهم هُنا كي يُراجعوا على بابٍ لم يركزوا به في السنة الأولى.

أثناء ذَلك كانت رنِيم تُشاهد الموقف باستغراب، هل هم أكبر سنًا؟ لمَ هم هُنا إذًا؟

...__________...

بعد انتهاء المُحاضرة وأثناء الخرُوج أردفت شهد تُحدث رنيم و فاطمة:

«ما رأيكن أن نتناول الغداء معًا؟»

كَادت أن ترفض رنيم لتخبرهن بأنها لديها خطط أخرى، لكِنها صَمتت عندما سمعت صوت بيان من خلفها

«رنيم!»

التفتت لها رنيم مُبتسمة واقتربت منها وأخبرتها بأنها ستُنهي حديثها مع زُملائها وتعود لها، مما جعل بيان تسبقها للغرفة.

حِينما عادت لزملائها لاحظت نظرات غير لطيفة من شهد ومريم لِبيان، مما جعلها تسأل:

«ماذا هناك؟»

«هل تعرفينها؟»

«إنها شريكتي بالسكن»

حينها أطلقت شهد صوتٍ عالٍ يدل على الاشمئزاز قائلةً:

«كيف تستطيعين تحملها؟؟؟ تلك الفتاة صاحبة ملابس المسنين! إنها مُتشددة مزيفة!! تشعرني بأنها الوحيدة المسلمة على وجه الأرض..»

نظرت شهد إلى رنيم نظرة جدية ثُم أردفت:

«اسمعي عليكِ أن تغيري غرفتكِ تلك، أنا ومريم من الفرقة الثانية، وصدقيني رأينا الكثير حتى أُصبنا بالاشمئزاز والغثيان..إنها ليست طبيعية!!»

حكت رنيم عنقها مُدافعةً:

«هي ليست بذلك السوء..»

حينها قاطعتها مريم قائلة:

«بَلا بَلا يا عزيزتي، أنتِ لم تُشاهدِي شيئًا بعد..سأخبركِ..كات تتواجد فتاة من الفِرقة الأولى العام الماضي وبسبب تِلك العجُوز الشمطاء انتقلت الفتاة لِجامعة أخرى، لا تنخدعين بالمظاهر!!»

«ماذا حدث؟»

«تَسببت صاحبة القِناع البريء بطردها من الجامعة بأكملها! تم تفتيش هاتفها وأشيائها الخاصة بسبب تلك المخادعة! فقد هكرت هاتف تلك الفتاة المسكينة وزيفت صورًا لها مما تسبب ذلك بطردها»

فَتحت رنيم فَاهِها غير مُصدقة مَا أُلقي على مسامعها الآن، أذلك صحيح؟ بيان لديها كُل ذلك الخبث؟

كمشت شهد وجهها بأسف مُصطنع وقالت مُخاطبة مريم:

«لمَ أخفتيها هكذا! بإمكانها تجنب كُل ذلك قبل حدوث أي شيء عن طريق الانتقال من الغرفة فقط..»

ثم لوت شهد شفتيها وتابعت:

«صحيح، أحيانًا يكون الخبث صديقًا للبراءة المزيفة»

حدث ذَلك المشهد أمام رنيم التِي بقيَّت تُناظرهم بملامح شاحبة ثم أردفت بعد صمت:

«لا أظن أنني أرغب بالعودة للسكن الآن..فلنتناول الغداء معًا»

ابتسمت الصديقتان ثم أمسكتا كُلًا من رنيم وفاطمة كي يذهبوا لتناول غدائهن

...__________________...

صَوت رنة هاتفها تصدح بالأرجاء لكِنها لا تُجيب، مما جعل الأخريات يتأففن، أخذت فتاة منهن الهاتف الذي لم يكُف عن الرنين وقامت بِإغلاقه قائلة:

«هذا أفضل، اتركيها»

ظلت رنيم تنظر لهاتفها بهدُوء ثم لاحظت أن مريم تتحدث بصوت هادئ في هاتفها مع ابتسامة تعلمها جميع الفتيات!

نغزت شهد رنيم عندما لاحظت شُردها بمريم وأردفت

«أتريدين الارتباط أيضًا؟»

نفت رنيم سريعًا وتحدثت:

«لا لا شكرًا! لا أحب ذلك النوع من العلاقات!»

«فلتجربي ما الذي ستخسرينه؟؟»

نظرت شهد إلى فاطمة الجالسة بهدوء وتابعت:

«ماذا عنكِ يا فاطمة؟ هل ستجربين؟»

تلعثمت فاطمة نابسة:

«لم أجرب يومًا..لكن..لا بأس بالتجربة صحيح؟»

قهقهت شهد بصوتٍ عالٍ عندما سمعتها ثم صفقت ونغزت فاطمة بكتفها قائلةً بحماس:

«هذا هو المطلوب فاطمتي! يا إلهي!! أريتِ؟ تعرفنا مُنذ أيامٍ فقط لكن ها أنتِ تنخرطين بسهولة! أفتخر بكِ يا فتاة!»

نظرت لرنيم بتوعد وتفوهت:

«أما أنتِ فسأجعلكِ تجربين هذا! بحقك نحن بزهرة شبابنا فلنستمتع قليلًا، ما الذي سيمعنكِ؟؟ مازلنا صغارًا!»

تَنهدت رنيم تنهيدة قصيرة ثم استقامت نابسةً:

«سأعود للنوم، الساعة السابعة الآن»

أمسكتها شهد من يدها وأردفت:

«فلتأتي معنا أنا ومريم بغرفتنا، أخبري بيان أنكِ لن تعودي، وتعالي معنا الليلة..أي أنا فقط خائفة عليكِ! من قد يرغب بالعودة لشريكة غرفتكِ تلك»

جلست رنيم مرة أخرى وفعلت ما أخبرتها به شهد، ثم بعد بعض الوقت ذهب كلًا من شهد ومريم ورنيم إلى الشقة المشتركة لمريم وشهد.

عِندما دخلت رنيم غرفتهن لم تشعر بأي راحة بتاتًا..شعرت بضيق يجتاح صدرها مما جعلها تذهب للشُرفة كي تستنشق بعض الهواء.

بقيَّت تُشاهد المارة تارة والسماء تارةً أخرى، لمَ كُل هذا؟ لمَ قد تُقابل شخص مليء بالخبث مع وجه بريء كبيان؟ ماذا عنهن؟ ماذا عن شهد ومريم؟ هل هم أشخاص جيدون؟ إن كانت فتاة الدين والمُتزينة بالأخلاق فعلت شيئًا قبيحًا كهذا..إذًا ماذا قد تتوقع منهن؟ هل عليها أن تعيش حياة ترفيهية كحياة شهد ومريم؟ أي إنها صغيرة بالسن! ما زالت في التاسعة عشرة، لديها الكثير لتعيشه في هذه الحياة صحيح؟؟ بإمكانها التوبة عندما تكبر!

انتهت رنِيم من تفكيرها والتفتت لتخرج من الشُرفة وتذهب لغرفة الغرفة، فهم ليسوا بسكن الجامعة، بل بسكن خاص يدفعه والد مريم كَونه ثريًا.

دخلت رنيم لغرفة الفتيات، ثُم بدؤوا بالضَحك والحديث معًا..فجأة صدح أذان الفجر بالأرجاء.

صَمتت رنيم قليلًا ثم أخذت تُفكر..مُنذ زمن وهي ترغب بالانتظام في الصلاة، انتظمت في آخر سنة من سنتها الثانوية، لكن صلاة الفَجر لم تنتظم بها أبدًا، كانت تغفُو أغلب الوقت من كَثرة التعب.

صلاتها مع بيان في أول يوم أتت به كانت صلاة الفجر الأولى لها منذ وقتٍ طويل..الأسبوع الذي جلست فيه مع بيان كانت تُصلي معظم فروضها لأن بيان كانت تُوقِظها وتسحبها دائمًا للصلاة.

قَطع حبل تفكيرها رسالة من هاتفها، كانت من بيان مُحتواها:

«لا تنسي صلاة الفجر يا رنيم، الصلاة خير من النوم»

شردت رنيم بشهد ومريم المُندمجات في الحديث، هل سيسخرون منها إن قالت لهم هيا لنصلي؟

تنهدت رنيم ووضعت يدها على رأسها بتعب هامسةً:

«ما بالك يا رنيم ماذا فعلتِ؟ لمَ أنتِ حمقاء هكذا؟»

بعد فترة من الوقت غَلب النُعاس رنيم مما جعلها تنام مكانها.

استيقظت بعد وقتٍ قصير نتيجة لصوت مزعج سمعته، كانت عيناها نِصف مفتوحة لذا؛ لم ترى جيدًا..لكنها لاحظت مريم تتحدث بالهاتف، لم تستطع رنيم الاستيقاظ من كثرة تعبها مما جعلها تغلق عيناها مرة أخرى مستسلمة للنوم.

صُحبة السوء

تصدح زقزقة العصافير التي تَدل على قدوم الصباح، وأشعة الشمس التي تُزين الأشجار والزرع الأخضر تُنِير المكان.

يتمشى بعض الطُلاب معًا مُتجهين لمكان المُحاضرات الخاصة بهم، بينما البعض الآخر يتواجدون بالفِعل منتظرين كي تبدأ المحاضرة.

تجلِس رنيم في المُدرج تنتظر أن يأتي دكتور المادة، فعندما استيقظت عادت سريعًا للسكن المُشترك، لكنها لم تجد بيان هُناك، مما جعلها تستحم وتأخذ موادها الدراسية لتنزل للمحاضرة.

وأثناء جلُوسها أقبلت عليها فاطمة لتجلس بجانبها، لَكِن فاطمة الخاصة بهذا اليوم، ليست فاطمة التي رأتها أمس.

جلست فاطمة بجانب رنيم صاحبة الملامح المُندهشة، ففاطمة تضع الكثير والكثير من المكياج!

اختفت ملامحها البريئة التي كانت تُزينها وأصبحت نُسخة ثالثة من شهد ومريم! حتى مريم وشهد لا يضعون المكياج بهذه الطريقة المقززة.

إنها تضع ذلك المكياج الفاقع الذي يُؤذي العين، ذلك المكياج الذي يضعه المُهرج ويُخيف الأطفال!

حاولت رنيم كبت شعورها بالاشمئزاز ونظرت للأمام في صمتٍ تام، حينها كسرت فاطمة ذلك الصمت قائلة بتردد:

«ما رأيكِ بشكلي اليوم؟»

لم تُجِب رنيم على سُؤالها لكنها سألت سؤالًا واحدًا فقط

«لمَاذا؟»

«لماذا ماذا؟»

فَهمت فاطمة مقصدها ثم نبست:

«آه..تقصدين المكياج؟ أعطتني شهد قبل أمس علبة مكياج لم تعد تستعملها وعرفتني كيف أضعها..لمَ؟ ألستُ جميلة به؟ اتصلت على شهد ومريم كي يروني ولقد صُدموا من جمالي وفرحوا أنني سأتخذ هذه الخطوة»

«متى تعرفتي عليهم يا فاطمة ؟»

«بأول يوم دراسي..أي ما يُقارب الأسبوعين أو الثلاثة، التقيت بهم في محاضرة للفرقة الأولى»

تَذكرت فاطمة شيئًا ثم تابعت حديثها بحماس:

«تحدثنا أمس عن الارتباط صحيح؟ شهد أرسلت لي صورة شاب رآني ويريد أن نكون معًا! شهد سريعة للغاية!»

لم تتلفظ رنِيم بشيء آخر اكتفت فقط بوضع رأسها على طاولة مقعدها، أي هي تربت مُنذ صغرها على أن هنالك حدودًا في الدين..مثل هذا الارتباط الذي تتحدث عنه فاطمة بكل جرأة وكأنه شيء طبيعي! كما أنا شهدت بعينيها حوادث تربت على مثل هذا الارتباط.

استقامت رنيم من مكانها ثم أردفت بنبرة باردة:

«سأعود لغرفتي»

لم تنتظر إلى أن تجيب فاطمة وذهبت بعيدًا عنها مُتجهة لغرفتها.

هي لا تُحب أن تبقى بمكان تشعر فيه بالضيق! للوهلة الأولى بدت لها فاطمة شخص خجول وضعيف الشخصية عندما امتثلت لأوامر شهد ولم تُعارضها، لكن فاطمة الآن تتشكل من جديد بطريقة ليست لطيفة بتاتًا.

دَخلت رنيم غُرفتها وعندما دخلت وجدت بيان تجلس على سريرها تدرس.

نَوت رنيم أن تتجاهلها إلى أن تُرتب أفكارها قليلًا..لكن بيان استقبلتها بابتسامة مُردفة:

«أنرتِ»

أومأت رنيم بهدوء ثم جلست على سريرها بينما تبعها صوت بيان:

«لم تحضري مُحاضرتك؟»

نَفت رنيم نابسة:

«لم أشعر بالراحة، أردت العودة للغرفة»

هَمهمت بيان وتحدثت بنبرة هادئة:

«لا يجب أن تأخذي قرارات بسبب عاطفتك فقط، المحاضرات مهمة، وعليكِ الدراسة جيدًا، ألم يجلبكِ أبوكِ إلى هنا بسبب ذلك؟»

تنهدت رنيم ثم اقتربت من بيان وجلست مقابلة لها وتحدثت:

«بيان، أرغب بالحديث معكِ..أنا مُشوشة، لم أتوقع أن تكون الجامعة بها هذه الأشياء، لستُ مرتاحة أبدًا..»

تركت بيان الكُتب من يدها ثم اقتربت منها وربتت على ظهرها تحثها على إكمال حديثها.

تابعت رنيم حديثها بارتجال:

«بيان هل فعلتِ شيئًا سيئًا لتلك الفتاة التي تم طردها من الجامعة؟ أي..الفتاة التي كانت شريكتكِ بالسكن..بيان أنا..لا أعلم، لكن أنا حقًا لا أعلم من المُحق ومن السيئ!»

صمتت بيان تستمع لها إلى أن تُنهي حديثها ثم تابعت رنيم بنبرة تائهة:

«أخبروني أنكِ سيئة..لكن من ذلك الأسبوع الذي تعرفت عليكِ به لم تكُوني كذلك..ربما أجل مُتشددة قليلًا، لكنكِ شخص جيد وبشوش! لا أعلم كيف أقنعوني، بذلك الأسبوع لم أكن تائهة هكذا! حدث لي هذا فقط عندما قابلتهم..رغم أنني لم أقابلهم سُوى أمس! هذا غير طبيعي أليس كذلك؟»

تنهدت ثم أكملت:

«بفترة الثانوية كنت أحاول الإلتزام بالصلاة، عندما جلست هذا الأسبوع معكِ كنتِ تشجعينني على الصلاة ولم أفوت أغلب الصلوات كما كنت قبلًا..أمس عندما كُنت معهم، لم أستطع اخبارهم بأن الفجر يُوذن هيا لنصلي قد ييدو غباء كوني وثقت بهن بتلك السرعة وذهبت معهن لغرفتهن..لكن عندما قالوا ما حدث بتلك الفتاة وكيف أنها تم طردها..وكذلك عندما قالوا أنكِ متشددة! هذا شيء أنا رأيته بكِ وكان يشعرني بالضيق أحيانًا، لذا؛ صدقتهن وقُلت أن نظرتهن صحيحة! أي..تفهمين؟»

أخذت رنيم نفسًا عميقًا ثم أردفت:

«أي..أنا أسير تبعًا لعواطفي ومخاوفي، لذا؛ وثقت بهن بعد ذلك الحديث..لكن الجلوس معهن لم يكن مريحًا أبدًا..كنت أشعر بالضيق، رغم أنني فكرت أمس مثلهن! قُلت مازلت صغيرة فسأعيش حياتي! ماذا الآن؟ ماذا أفعل؟ هل إن بقيّت معهن سأصبح مثل فاطمة! أتخلى عن مبادئي التي كانت معي مُنذ صغري؟ بالطبع الإجابة أجل..»

استمعت بيان لكل حرف خَرج من رنيم باهتمام بالغ، ثم بعد انتهائها ربتت على ظهرها وأردفت بهدوء:

«انظري عزيزتي رنيم، أولًا حادثة تلك الفتاة لم يكن لي دخل بها، بل أنا رأيت منها تصرفات ليست جيدة، مما دفعني ذلك لنصحها كثيرًا..وبعد أن تعبت من ذلك ولم أستطع التحمل طَلبت أن أنتقل من الغرفة، هذا كُل شيء حدث بيني وبينها، لكن أنا لم أخبر عميد الجامعة بأي شيء حدث، لستُ أنا من فعل ذلك..»

تابعت بيان ونبست ناصحة:

«وأنتِ يا رنيم لا يجب عليكِ أن تصدقي أي شيء على أي شخص بهذه السرعة، لا يجب أن تصدقي أبدًا! عليكِ السماع منه أولًا قبل الحكم عليه..»

«وثالثًا أنا لستُ متشددة، رأيت مقولة أعجبتني تقول: (دين اللّٰه ليْس فيهِ تشدد؛ إنَّما النَّاس غرقوا في ملذات الدنيا فأصبح شرع اللّٰـه ثقيلًا على قلوبهم)، لذا أنا لستُ متشددة أبدًا وستفهمين هذا مستقبلًا..»

«رابعًا.. عليكِ الإبتعاد عن صُحبة السوء يا رنيم، لا أعلم من أخبركِ بهذا عني، ولستُ مهتمة لأعرف، لكن ابتعدي عنهم، ويا رنيم فلتعيشي حياتك مثلما تريدين، لكن في طاعة الله ..الموت لا يفرق بين شاب أو كبير في السن أو طِفل! كما أنكِ قُلتِ بنفسكِ خشيتِ أن يسخروا منك عندما أردتِ إخبارهم عن صلاة الفجر..إذًا برأيك هل هذه صحبة جيدة لكِ بعد كل هذا؟ هنالك آية في القرآن، يقول الله -عز وجل- : {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}

فاختاري صُحبتكِ جيدًا يا رنيم، وكذلك أجل، صُحبة السوء ستجعلكِ تتخلين عن جميع مبادئك،لا تفقدي وجهتكِ يا رنيم؛ نحن هنا بالدنيا لنعبد الله ونذهب للجنة»

ارتاحت رنيم كثيرًا بعد حديث بيان، ولم تشعر بنفسها إلا وهي تُعانقها وتنهال عليها بعبارات الشُكر والإمتنان..كانت تحتاج لأرضٍ صلبة كي تثبت عليها، كانت تحتاج لأحد يُذكرها ويُعرفها الحق من الباطل..من اليوم هي قررت بمن يجب أن تتمسك، ومن يُجب أن تُصاحب، بعد هذه المنافشة..قررت أن تُناقشها فيما بعد بكل الأمور التي تجول بخاطرها وتُزعجها، يا ليت للجميع صاحبة كبيان.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon