مر الوقت سريعًا حتى أتى شهر يناير، وها قد أصبحت اختبارات الفصل الأول على الأبواب.
التحضير للاختبارات على قَدم وساق، التزم الطُلاب غرف السكن حتى يستطيعوا تجميع أكبر عدد من الإجابات داخل أدمغتهم.
أما بالنسبة لغرفة بيان ورنيم، فقد كانت بيان تدرس بكل هدوء دون توتر، عكس صديقتها المُتوترة والتي تُحيطها الكُتب من كُل جانب.
انتبهت لها بيان ثم قهقهت وقالت:
«ما كُل هذه الفوضى؟ أتنوين فتح سوق للكتب هنا؟»
ناظرتها رنيم بغيظ وأردفت بعصبية:
«أجل يحق لكِ قول ذلك، فأنتِ بسنتكِ الثالثة غير مكترثة»
نفت بيان تُصحح معلوماتها:
«غير صحيح، أريد التخرج مع أعلى المُعدلات»
«ما خطب برود أعصابك هذا إذًا؟»
تنهدت بيان وتحدثت:
«المسلمون يعولون على البركة لا على الوقت، إن كان أمامكِ للاختبارات عشر دقائق ف انظري لعل ما نظرتي إليه قد يأتي، فقط عليكِ بالسعي، أنا درست صحيح؟ صحيح، أنا سهرت وقمت بكل واجبي أمام المادة صحيح؟ صحيح أيضًا، إذًا لماذا سأوتر نفسي؟ أنا سعيّت وسأسعى، النتيجة ليست من تخصصي، إنه توفيق من الله تعالى، لذا لا أشغل بالي كثيرًا وأقوم بواجبي، والنتيجة ليست من اختصاصي»
أخذت رنيم نفسًا عميقًا ثم قالت بهدوء:
«لكنني بسنتي الأولى..خائفة من الاختبارات ومعدلات السقوط و..»
قاطعتها بيان قائلة:
«وإن يكن؟ حتى لو حدث ذلك، سنقف من جديد ونُحاول وننجح، بالطبع لن نستسلم من أول مرة أليس كذلك؟ وحتى لو صغيرتي، لا تحزني لأجل أي شيء قد يحدث معكِ في الدنيا»
تحمحمت بيان وتابعت:
«هناك عبارة جميلة قرأتها تقول: ما لي أراك حزينًا؟ أحرمت من الجنة أو وُعِدت بالنار؟ هون عليك! فما هي إلا دُنيا.
اجعلي هذه الجملة نصب أعيُنكِ دائمًا»
استمعت رنيم إلى حديث صديقتها بعمق، ثم بدأت تدرس بهدوء هذه المرة، وهي لديها يقين داخلي أن كل ما سيأتي خير، وأنها ستفعل واجبها.
_________________
سَارت أسابيع الاختبارات بحالٍ جيد، خرجت منه رنيم مُطمئنة مُرتاحة.
ناظرتها بيان وابتسمت قائلة:
«أراكِ مُرتاحة الآن»
أومأت لها رنيم مُقهقهه:
«أنهيت الاختبارات بشكل جيد ولله الحمد، والآن سأرتب أغراضي للعودة للمنزل! ماذا يوجد أفضل من هذا؟»
شاركتها بيان القهقهه وأردفت:
«صحيح لا يوجد شيء، هيا الآن، لنصعد كي نُرتب أغراضنا ونعود أدراجنا»
رتبت كلتا الفتاتين أغراضهم، أخذت رنيم أغراضها بحقيبة ظهر كبيرة أما بيان فأخذتها بحقيبة سفر عريضة.
أمسكت كُل فتاة بحقيبتها ثم نزلتا إلى الحرم الجامعي، ودعتا بعضها بالعناق والابتسامات، ثم سارت كُل فتاة بطريقها.
_______________
كانت الساعة الرابعة عصرًا، كانت تخشى رنيم أنها لن تجد المواصلة التي ستأخذها لمدينتها، لكنها وجدت! أسرعت حينها للجلوس بالأتوبيس، ووضعت حقيبتها أمامها، جلست رنيم جانب النافذة تُناظر بملل إلى أن يتحرك السائق.
مرت دقائق ثُم تحرك السائق بعد امتلاء الأتوبيس.
بعد وقتٍ قصير سمعت رنيم بعض الهمسات من الخلف، لم تهتم في البداية، لكن الصوت زاد قليلًا مما جعلها تنظر للخلف.
عندما نظرت رنيم للخلف وجدت فتاتين يتحدثون بطريقة ليست لطيفة مع رجل مُسن.
وفهمت رنيم أن الأمر عاد إلى أن الرجل المُسن غض بصره عندما رأى فتاة بملابس مكشوفة بالشارع، مما جعله يقول لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا الذي جعل الفتيات يتأففن ويدافعون عن تلك الفتاة المُتبرجة.
«ماذا هناك أيها العم؟؟ بإمكانك ذكر الله والاستغفار في سُرك، ليس عليك أن تحرج الناس هكذا!!»
تحدثت فتاة من الفتاتين بفظاظة مما جعل الرجل المُسن يقول:
«خرجت تلقائيًا يا بُنيتي، هدانا الله وإياكم هذه لا تعد ملابس مسلمة، توقفوا عن الدفاع عن الباطل»
رفعت إحدى الفتاتين شفتيها بسخرية قائلة:
«ألم يأمرك الله بغض بصرك؟ لماذا أطلقته؟»
تنهد الرجل المُسن وأردف:
«غضضت بصري، لم أطلقه، إنها النظرة الأولى، أنا أخاف الله قبل أي شيء»
قلبت إحدى الفتاتين عينيها ثم تنهدت:
«حسبنا الله ونعم الوكيل كل شيء على الفتاة، ما بالها كل شخص يرتدي على حريته! فليغضوا أبصارهم فحسب، ما بالهم أعوذ بالله..»
قطع كلام تِلك الفتاة تمتمة لشاب يمكث خلفها قائلًا:
«الله يهدي جميع المسلمات»
سمعته الفتاة ولم يعجبها الأمر التفتت له وقالت:
«ما بالك أنت الآخر؟؟ حسبي الله على الرِجال لا يفقهون شيئًا»
طَفح كيل الشاب الذي منع نفسه من التدخل مُنذ بداية النقاش لكنه نظر لها بكل جفاء وقال:
«غض البصر وستر المرأة وجهان لعملة واحدة، غض البصر للرجال أمر من الله، وكذلك ستر المرأة أمر من الله، لا يجوز أخذ بعض تعاليم الدين التي على هواكم وتنكرون البعض الآخر التي تخالف هواكم، يقول الله -عز وجل- {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}»
صمتت الفتاة ولم تعلم بمَ تُجيب مما جعله يُكمل:
«رأيت جملة تقول: سيُحاسب الرجل على عدم غض بصره ولو تعرت جميع نساء الأرض، وستُحاسب المرأة على ثيابها ولو غض كل رجال الأرض أبصارهم، لِذا؛ كفاكم، كفاكم الدفاع عن الباطل والسير بِه، هدانا الله وإياكم»
نظرت له الفتاة نظرة غضب ثم التفتت للأمام مرة أخرى؛ فهي لم تعرف بما تُجيبه! بينما نظر له الرجل المسن له وقال بابتسامة:
«بارك الله فيكَ يا بُني»
تابعت رنيم ذلك الموقف بذهول، يا إلهي! فليحفظ الله جميع شباب المسلمين ويهديهم، الوضع يُصبح أسوأ، وقليلًا فقط من يَعرف دينه جيدًا.
نظرت رنيم نظرة أخيرة على ذلك الشاب، ثم التفتت تُناظر النافذة مرة أخرى.
________________
بعد ساعتين بالطريق، أنزلت رنيم حقيبتها وأخذت سيارة أجرة للذهاب لمنزلها.
لاحظت رنيم أن ذلك الشاب الذي أسكت الفتاتين أخذت سيارة أجرة هو الآخر وأصبح يسير بنفس اتجاه منطقتها، لكنها لم تهتم وأكملت سيرها.
وعندما وصلت رنيم للمنزل، وأنزلت حقيبتها بصعوبة كونها تعبت من الطريق، لمحت ذلك الشاب وهو يصعد إلى منزل في نفس الشارع، نظر لها ذلك الشاب نظرة واحدة كأنها يُشبه عليها ثم صعد غير مكترث.
دخلت رنيم المنزل واستقبلتها عائلتها بالأحضان والابتسامات، وبعد فترة وجيزة، سألتهم عن إن كان هنالك جيران جُدد بالشارع، أخبرها والدها أنه أجل، هنالك جيران جدد بالشارع، بالصف المقابل لمنزلهم.
فكرت رنيم قليلًا بذلك الشاب ثم قطعت أفكارها لتستمتع مع عائلتها.
Comments